بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

تعليقاً على تصريحات البابا والعوا وحسان

في ظل احتقان طائفي غير مسبوق في الشهور الأخيرة، تم تتويجه بمظاهرات ومظاهرات مضادة حول كاميليا شحاتة، وهجوم الداخلية على كنيسة العمرانية وإصرارهم على هدمها، وقتل شابين وإصابة واحتجاز الآلاف من الأقباط المحتجين بالعمرانية، وأخيراً المذبحة الأخيرة أمام كنيسة القديسين بالأسكندرية والقتلى والجرحى الذين سقطوا في تلك المذبحة، في ظل كل ذلك، يخرج علينا عدد من الشخصيات العامة لإلقاء تصريحات لا يوصف الهدف منها سوى بترسيخ الفتنة الطائفية (تعليقات الدكتور محمد سليم العوا، وبيان الداعية الإسلامي محمد حسان)، أو محاولا ت التهدئة مع النظام ووزارة داخليته، ومحاولة احتواء الاحتجاجات كي لا تتحول إلى سخط على وزارة الداخلية وديكتاتورية مبارك.

طالب البابا شنودة الشباب القبطي بالتحلي بـ”الحكمة” للحفاظ على “استقرار الوطن”، مشدداً على أهمية الحوار في حل المشكلات. أي حكمة إذن يطالب بها البابا الشباب القبطي بعد المذبحة البشعة التي راح ضحيتها 30 شهيد وإصابة 70 آخرين (!!). أي حكمة يطالبهم بها بعد أن تعرضوا لأعنف أنواع القمع الذي مارسته ضدهم قوات الأمن المركزي في العمرانية أثناء دفاعهم عن كنيستهم، وأثناء مظاهراتهم الغاضبة التي احتجوا فيها على تلك مذبحة ليلة رأس السنة (!!). وأي استقرار يقصده بعد كل تلك الجرائم التي تُرتكب في حق أقباط مصر، من الكشح إلى الأسكندرية إلى نجع حمادي إلى العمرانية إلى الأسكندرية مرة أخرى (!!). أي استقرار يريد البابا من الشباب القبطي الحفاظ عليه بينما تقع تلك الحوادث في ظل استهتار أمني واضح من وزارة الداخلية، بينما لا تعني تلك الوزارة سوى بالحفاظ على “استقرار” وحماية العصابة الحاكمة ورجال أعمالها، وتزوير الانتخابات وضرب وسحل المعارضين من أجلهم (!!).

وكما نشرت جرائد اليوم، فقد اتهم البابا شنودة بعض العناصر السياسية التي لها “اتجاهات خاصة” بالمشاركة في المظاهرات لتحقيق “أهداف خاصة”. وقال، معلقاً على مظاهرات الأقباط الغاضبة، أن.. “بعض الهتافات تجاوزت كل أدب وكل قيم”. و.. “هناك من يحاول تسخير الأشخاص الذين يشكون من أوضاع اقتصادية في اتجاه معين”. الأمر واضح إذن؛ فالبابا شنودة يحاول أن يعلن مجدداً، كما في كل مرة سبقت، عن ولائه لدولة مبارك.

فديكتاتورية مبارك التي تلاحق وتسحل المعارضين السياسيين وتعتقلهم، لا ترغب بالتأكيد في التحام هؤلاء المعارضين مع عشرات الآلاف من الأقباط المحتجين، خوفاً من تحوّل ذلك الغضب في اتجاهها. أما البابا فهو يغني على نفس النغمة التي يطرب النظام سماعها دائماً من رجال الدين، إنها التهمة الثابتة في كل وقت وكل حين: قلة من المندسين المغرضين الذين يريدون الإضرار بمصالح الوطن (!!).

وعلى جانب آخر، أطلق عدد من الشخصيات الدينية الشهيرة صيحات طائفية هستيرية، في أعقاب الجريمة البشعة، قاصدين من ذلك “سكب البنزين على النار”. ومن أبرز هذه الشخصيات الدكتور محمد سليم العوا، والداعية الشهير محمد حسان.

يبدو الدكتور العوا، الذي يُعتبر –وياللعجب- من أهم المشاركين في الحوار بين الأديان، وكأنه ينتظر الفرصة المناسبة بفارغ الصبر لإفراغ ما في داخله من كراهية تجاه الكنيسة والأقباط بشكل عام. لقد رأينا نفس الرجل، أثناء الجدال الذي ثار حول قضية كاميليا شحاتة، يكتب سلسلة من المقالات شديدة الطائفية تجاه الأقباط، في مهرجانات الصحافة الصفراء، يؤجج فيها ويستغل حالة الاحتقان والجهل.

والآن نحن نراه هو أيضاً يطالب الأقباط والكنيسة بتسليم كاميليا شحاتة (!!)، وكأنه يقول أن الأقباط يستحقون تلك الجريمة، وكأنه يتمنى تصعيداً طائفياً أكثر جنوناً.

لقد اتهم سليم العوا الكيان الصهيوني بتدبير تلك الجريمة، وهو بذلك ينكر أن الجريمة هي نتاج لخندقة المجتمع بين خندقين: مسلمين ومسيحيين، ونتاج لحالة هستيرية من الطائفية التي يساهم هو وأمثاله في بث سمومهم لتغذيتها وإنعاشها.

إن تصريحات العوا لا يضاهيها في طائفيتها وانحطاطها سوى بيان الداعية الإسلامي محمد حسان، الذي أنكر فيه الجريمة البشعة، لكنه في نفس البيان يحض على كراهية الأقباط بطريقة طائفية هستيرية، هكذا ذكر في البيان أن.. “ديننا يأمرنا بالعدل مع أعدائنا”. وكل ما يشغل بال الداعية الشهير ليس حقوق الأقباط المضطهدين بالطبع، إنما “مصالح المسلمين العليا التي أضر بها الحادث”، على حسب بيانه. لا شك أن مثل تلك العبارات تثير اشمئزاز أي مناضل من أجل العدل والحرية والمساواة، وأي مواطن مصري يرفض الطائفية ويتمنى المساواة.

إن الفتنة الطائفية، ولا شك في ذلك، هي من أهم الأسلحة التي تُستخدم لتحويل غضب الجماهير عن أعدائهم الحقيقيين: دولة الديكتاتور مبارك ورجال أعماله. ولا شك أن المستفيد الوحيد من المجزرة البشعة في الأسكندرية –وكافة الاشتباكات الطائفية على مدار الشهور والسنين السابقة- هو هذا العدو نفسه.

أما المعركة ضد الطائفية واضطهاد الأقباط في مصر فهي بالتأكيد ليست بسيطة، فهي معركة طويلة الأمد، حيث لا يمكن ردم الفجوة التي خلقها النظام المصري بين المسلمين والمسيحيين بسهولة. لكن المعركة بأي حال تستوجب من كل المناضلين من أجل العدالة والمساواة والديمقراطية، الاشتباك والوقوف كتف بكتف مع الأقباط المضطهدين، ليس فقط على أساس الواجب المبدأي للنضال من أجل حقوقهم، لكن أيضاً على أساس طبقي يحاول توحيد المضطهدين باختلاف دينهم أو جنسهم ضد عدوهم: “دولة رجال الأعمال البوليسية بقيادة مبارك وعصابته”.

وفي النهاية، فإن هتافات الشباب القبطي ضد وزارة الداخلية، وأيضاً هتافاتهم في الكنيسة، أثناء تشييع جنازة الشهداء، بإقالة محافظ الأسكندرية بالأمس، قد تدلل على أن الطائفية المسعورة لأمثال العوا وحسان، وتهدئة البابا ومحاولاته احتواء غضب الأقباط الفقراء، كل ذلك لن يجدي نفعاً. كما أن ذلك قد يعطي الأمل والفرصة في إمكانية تطور المعركة من أجل حقوق الأقباط، بشكل مباشر ضد الدولة وأجهزتها القمعية.