بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

وداعاً مجدي مهنا.. قديس الصحافة المصرية

التاريخ كان الجمعة 11 فبراير 2008. آلة الزمن تشير إلى الساعات الأولى من صباح يوم غير عادي. الإشارة العاجلة طالت بر مصر كله، فأوجعت قلوب الملايين من محبيه. زعقت في الأطباء المعالجين: ” حياة قديس الصحافة المصرية في خطر”. الإنسان والكاتب والإعلامي الكبير مجدي مهنا يصارع الموت الآن بضراوة وشجاعة عاليتين لكن يبدو أنه يترنح قليلا.

الأطباء في حالة تأهب قصوى. يتدخلون بعناية لإنقاذ حالة “مهنا” من تدهور رهيب.

بعد الظهر توقفت تمامًا وفجأة وظائف الكبد والكلى عن العمل. مجدي مهنا لا يتنفس الآن. ما العمل؟. لكن. لكن قلبه ينبض. نعم كان ينبض وحده. الأطباء والأحباء والتلاميذ في حيرة وقلق كبيرين. وضعوا “مهنا” الجسد على أجهزة تنفس صناعي. ارتاح الأطباء قليلا، وطلبوا من محبيه الذين يتوافدون على المستشفى أن يتركوه لحاله، وأن يدعوا ويصلوا من أجله. قال الأطباء: إن مر عليه صباح السبت 12 فبراير وقلبه لا يزال حيا ينبض، فالمريض النبيل “هيعيش”. الساعة الآن تنبئ عن السابعة من مساء ذلك اليوم غير العادي الذي ذكرناه. قلب القديس ينبض، وأجهزة التنفس الصناعي تقوم بعمله إذن هناك أمل.

الحقيقة أنه لا أمل في انتصار “مجدي مهنا” على الموت، وهذا بحسابات الطب. ابن الروح يتجاوز الطب والعلم في أحيان. الحياة والموت في صراع طاحن. ظلت هذه المعادلة تحكم الموقف لأكثر من عشر ساعات. أنها فترة جيدة تكشف صلابة الرقيق “مجدي مهنا” في مواجهة الموت المتوحش. انتهت القصة تماما. فقبل الحادية عشر مساءً بخمس دقائق، قرر قلب ” مهنا ” أن يأخذ راحة طويلة بعد طول نضال، وصدق عزيمة وإصرار هائل على انحيازات واضحة للحق ولقضايا البسطاء من الفقراء والمهمشين فى مواجهة طبقة حاكمة كان يصفها دائما بـ “الفاسدة “. مات ” مجده مهنا” بعد أن أنهى بصدق ونقاء إنساني ومهني مهمته كفارس رائع في ميدان الصحافة والحياة في مصر التي تقترب من كونها مقامرة مرعبة، مملؤة بـ “الأرزقية ” و “المنافقين” و”الممثلين” الذين إما يهاجمون الطبقة الحكمة أملا في ذهبها، أولو يهاجمونها لشهرة في حين يغتالون بدم بار في حياتهم المهنية الحرية والعدالة والحقوق التي يتطرفون في طلبها من نظم الحكم المستبد.

مات جسدا وبقي روحا وقيما إنسانية وأخلاقية عالمية راقية. فلا يمكن بحال تصنيف مهنا على ذمة أي تيار سياسي: مجدي مهنا، عمل وأدار وترأس تحرير صحف محسوبة على اليسار ” الأهالي ” وأخرى ليبرالية تماما ” الوفد ” وثالثة على الحياد ” المصري اليوم ” التي كان يكتب فيها يوميا أفضل عمود صحفي في مصر ” في الممنوع “، ونفس اسم برنامجه على قناة دريم. في كل هذه التجارب دافع مجدي مهنا بشراسة عن الحق في الحياة، عن العدالة الاجتماعية، عن الديمقراطية، هاجم الفساد والمفسدين من نجوم الطبقة الحاكمة. دافع بوقائع هائلة العدد عن حق الصحفي في الحرية والأجر العادل وسعى عندما كان عضوا في مجلس نقابة الصحفيين بكل جهد عن حق المحررين في مناخ علاقات عمل صحي داخل مؤسساتهم الصحفية ضد استبداد ملاك الصحف الخاصة، وأمراء إقطاع الصحف الحكومية.

عاش رحلته بجرأة شديدة، لم تثنيه آلام السرطان المستبدة عن كتابة عموده اليومي، والظهور في برنامجه اليومي، والدفاع عن قضايا كان يعتبرها دائما عادلة. كان يتألم في صمت، ولم يرغب في أن يزوره أحد في أيامه الأخيرة، كان يقول: ” هي الناس مالها بحالتي الصحية، الناس فيها اللي مكفيها”، حتى لا يظهر ضعيفا أمام أحد، لكنه لم يستطع منع الآلاف من محبيه أن يشيعوا جثمانه الرقيق النحيل إلى مثواه الأخير. هذا مكمن قوته. فكل الذين هاجمهم بموضوعية، وكل الذين اختلف معهم فقط من أجل الحرية وضد الاستبداد، حضروا جنازته المهيبة. الدموع والنحيب لم يفارق مشيعيه، الذين يريح قلوبهم أن مجدي مهنا القيمة باق لا يصدأ ولا يمت.