بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

زيارة مبارك لأمريكا: مزيد من التبعية ولا حديث عن الديمقراطية

ذهب حسني مبارك في رحلة الحج الشهيرة إلى واشنطن بعد غياب 4 سنوات. وسبق وصوله وتبع عودته ضجة إعلامية بالقاهرة، هللت فيها الصحف الحكومية للزيارة باعتبارها “اعترافا بأهمية مصر في المنطقة” كما حملت مانشيتات الأهرام والأخبار، وعجت وسائل الإعلام المرئية والإنترنت بالمحللين الذين بشروا بعهد جديد للعلاقات الأمريكية المصرية بفضل أوباما بعد انجلاء بوش الذي شهد عهده “برودا في العلاقات” بسبب “تجرؤه ودعوته للديمقراطية بمصر قبل أن يرعبه صعود الإخوان وحماس.”

ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء “المهللتية” يتناسون عن قصد الحقائق وهي أن هناك 3 ثوابت لأي إدارة أمريكية في التعامل مع قضايانا، لا تؤثر فيا لون بشرة رئيسها.. جمهوريا كان أم ديمقراطيا.

  • ضرورة حماية مصادر تدفق البترول من المنطقة.
  • حماية الأمن القومي الإسرائيلي والتفوق العسكري الصهيوني في مواجهة باقي دول المنطقة.
  • الاستقرار.. الاستقرار.. الاستقرار.. عبر وجود أنظمة تقمع انتفاضات وثورات شعوبها.

وكي نفهم العلاقة بين الإمبريالية الأمريكية وتابعها النظام المصري علينا أن ننظر كيف تنظر أمريكا للنظام المصري ودوره في رعاية مصالحها.

يعد النظام المصري ثاني أكبر متلقي للمعونة الأمريكية بعد إسرائيل، وتصل إلى حوالي مليار ونصف المليار من الدولارات، منها 1.3 مليار مخصصة للجيش وتلك بقرة مقدسة لا تتغير بالرغم من التخفيضات الطفيفة للمعونة الاقتصادية. تماما كما صرح روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي قبل زيارة اوباما للقاهرة مباشرة، حيث أكد على عدم تأثر المعونة العسكرية الأمريكية لمصر بأي اعتبارات سياسية.

بالتأكيد الكثيرون يعرفون أن النظام المصري عميلاً للإمبريالية ولكن لا يعني ذلك أن الأوامر تصدر في البيت الأبيض وتنفذ أوتوماتيكيا في القاهرة، فهم النظام الأكبر هو البقاء، وحجم المعارضة الداخلية لسياسات الأمريكية قد تضع مبارك أحيانا في موقف المتململ من أمريكا للحفاظ على شرعيته المتآكلة محليا.

هذه المعادلة بتوازنتها توضح أن ما يقال عن تعمد بوش إقصاء النظام عن ألاعيبه الإمبريالية بالمنطقة.. ليس صحيحا بالمرة؛ فمبارك كان جزءا لا يتجزأ من تحركات الإدارة الأمريكية بالمنطقة. فبالرغم من المعارضة الرسمية المعلنة لغزو العراق، استمر مبارك في السماح للقوات الأمريكية بالعبور من قناة السويس واستخدام المجال الجوي المصري لنقل الجنود والمعدات الأمريكية للخليج، وقام النظام بالمساهمة في تدريب قوات الشرطة العراقية، وبذل المصريون جهودا حثيثة لإقناع الأنظمة العربية الأخرى بالتعامل مع الحكومة العراقية العميلة – وهو مطلب أمريكي بحت، واستمرت القاهرة في استضافة حوار الفصائل الفلسطينية الرامي للتخلص من سلاح المقاومة ودفع الفصائل للتسوية مع الكيان الصهيوني تحت مظلة أبو مازن، يهوذا فلسطين.. وناهيك عن حصار غزة والموقف المخزي الرسمي من المقاومة اللبنانية إبان حرب يوليو/تموز 2006.. وفي السودان وأفغانستان ومناطق أخرى لعب النظام فيها أدوارا معلنة وخفية في مساعدة الأمريكان على “مواجهة الإرهاب الإسلامي” وفتحت القاهرة أبوابها لاستقبال من يشاء الأمريكان تعذيبه لانتزاع الاعترافات..

وجاءت زيارة أوباما للقاهرة لتزيل أي شكوك حول أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأنظمة العربية. فبجانب الكلام الأجوف حول “احترام الإسلام والمسلمين” وضحت جليا أولويات أوباما وهي محاربة الإرهاب وتسوية القضية الفلسطينية. ويبدو “الاحترام الشديد” الذي يكنه أوباما للإسلام يوميا على شاشات التليفزيون بمشاهد القتلى المدنيين في أفغانستان بالغارات الأمريكية الصاروخية.

وبالتالي كانت القضية الأساسية التي تمحورت حولها زيارة مبارك لأوباما “التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي” فهذا هو هم أوباما وهذا ما يبرع حسني مبارك به، فدوره المنوط به منذ توليه السلطة مساعدة أمريكا على فرض الاستقرار بالمنطقة، ونزع فتيل أي حروب مع إسرائيل، ولعب دور “وسيط السلام”. وفي وقت ما زالت الإدارة الأمريكية ترفض فيه التحدث إلى حماس يستمر مبارك في لعب دور قناة الاتصال.

أما عن مسألة الديمقراطية وانتقال السلطة والإصلاح السياسي بمصر أو حتى حالة حقوق الإنسان، فقد تم غلق هذا الملف لما يحتويه من مخاطر قد تعرض مصالح الإمبريالية في المنطقة للخطر، وبالتالي كان من الطبيعي أن تسبق زيارة مبارك الأب لواشنطن أخرى لوريثه المنتظر، قابل فيها سياسيين في الكونجرس وأعضاء بإدارة أوباما، اعتبرها كثيرون بمثابة تقديم أوراق الاعتماد لرئيس مصر القادم. وتواكبت زيارة جمال آنذاك مع جولات مكوكية لأعضاء آخرين بلجنة السياسات مثل محمد كمال للاتصال بالإدارة الأمريكية الجديدة من أجل تمرير مشروع التوريث.

وزيادة في التوكيد صحب جمال مبارك أبيه في الزيارة، في وقت تزايدت فيه التكهنات بمصر حول صحة الرئيس وأصبح الحديث عن التوريث ومن سيحكم مصر مثار الحديث اليومي للعديد من الصحف والقنوات المستقلة. فهل أتت الزيارة الأخيرة لواشنطن لترتيب البيت لاستقبال جمال ديكتاتور مصر المقبل؟

ما يؤكد على غلق ملف الإصلاح السياسي بمصر أن أوباما جاء للبيت الأبيض حاملا وعودا بالإصلاح لناخبيه المحليين ولكنه منذ البداية حرص على التأكيد مرارا بـ”احترام الشئون الداخلية لحلفاء أمريكا”. وهذا يعني باختصار أن أي ضغوط أو دعوات للإصلاح لن تأتي من البيت الأبيض إلا في إطار “العلاقات العامة” وهذا إن أتت.

من الصعوبة إنكار أن هناك اليوم رقعة أو هامش أكبر للتحرك السياسي مقارنة بحقبة التسعينيات من القرن الماضي. ولكن من الخطأ إعطاء الفضل لزيادة تلك الرقعة للضغوط الأمريكية المزعومة لنشر “الديمقراطية” بعد 11 سبتمبر. فرقعة الحركة السياسية في مصر بدأت تتسع قبل أحداث سبتمبر، باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدورها ولدت مظاهرات ضخمة بمصر ناقمة على الأوضاع الإقليمية والمحلية معاً.

لا أوهام لدى الاشتراكيين حول أي حلول قادمة من واشنطن. فجزار أفغانستان والعراق لن يرق قلبه لحال الشعب المصري. ليس لحركة التغيير السياسي في مصر حلفاء بالبيت الأبيض.. ولا في 10 شارع “داوينيج” بلندن.. ولا بقصر الإليزيه بباريس.. حلفاء حركة التغيير المصرية في الخارج هم من تظاهروا أمام السفارات المصرية للإفراج عن المعتقلين بـ”طرة”.. هم من عبئوا لمساندة الضرائب العقارية في تأسيس نقابتها المستقلة.. هم من فضحوا طائرات الأشباح التي تنقل المشتبه بهم في الحرب على الإرهاب من أنحاء العالم إلى القاهرة للتعذيب..

فلنستمر في مقاطعة وفضح إدارة أوباما وتأييدها للديكتاتور مبارك وأشقاءه بالمنطقة.. تأييدا أعمى لنظام يواجه أقوى موجة إضرابات عمالية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. موجة تزداد قوة يوما بعد يوم وغدا ستطرح بديلاً جديداً.