بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإستراتيجية والتكتيك عند لينين

« السابق التالي »

4. الحلم والحقيقة

من أجل طرح الاستراتيجية والتكتيك، على القيادي الثوري ليس فقط أن يكون واقعياً، لكن حالماً أيضاً. لقد وصف الكثير من الكتّاب والمؤرخون لينين بأنه واقعياً وليس رومانسياً، وهذا بالتأكيد وصف ليس منصفاً؛ فالثوري لا يكون ثورياً من دون إلهام حلم عظيم.

“كتب بيساريف بصدد مسألة الخلاف بين الحلم والحقيقة: “ليست جميع الخلافات واحدة، إذ لا يمكن أن يسبق حلمي مجرى الأحداث الطبيعي، أو يمكن أن يسير في اتجاه لا يمكن أن يفضي إليه سير الأحداث الطبيعي بحال من الأحوال. في الحالة الأولى لا يسبب الحلم أي ضرر، بل قد يشجع ويشد من عزيمة الإنسان الكادح.. ليس في مثل هذه الأحلام ما يمكن أن يفسد أو أن يشل القوة العاملة، بل بالعكس تماما. فلئن كان الإنسان محروماً تماماً من ملكية الحلم على هذا الشكل، ولا يستطيع أن يسبق مجرى الأحداث أحياناً وأن يتصور العمل الذي بدأ لتوه جاهزاً في صورته الكاملة النهائية، عندئذ لا أستطيع أن أتصور بوجه من الوجوه الدافع الذي يدفع الإنسان إلى الشروع بعمل جسيم متعب في ميادين الفن والعلم والحياة العملية وإلى الدأب حتى إنجازه.. إن الخلاف بين الحلم والحقيقة لا يسبب أي ضرر، على أن يكون الشخص الحالم صادق الإيمان بحلمه وعلى أن يتأمل الحياة بانتباه ويقارن بين ملاحظاته والقصور التي يبنيها في الهواء وعلى أن يعمل بوجه عام وبصورة وجدانية على تحقيق حلمه. فعند وجود تماس بين الحلم والحياة تسير الأمور على ما يرام”.

هذا النوع بالضبط من الأحلام قليل جداً لسوء الحظ في حركتنا. ويقع القسط الأكبر من تبعة ذلك على ممثلي الانتقادية العلنية والذيلية الذين يتبجحون باعتدالهم وبحسهم للملموس” (30).

لقد أخضع لينين نزعاته الرومانسية لاحتياجات وضرورات الفعل المباشر في الواقع. وكان كثيراً ما يزدري الإنتلجنسيا الروسية في إشارته باحتقار شديد في أكثر من موضع إلى الرجل عديم النفع “أبلوموف” (بطل رواية جونشاروف الشهيرة والتي حملت نفس الإسم) الذي طالما راودته أحلام يقظة عن طموحات ينتوي تحقيقها، لكنه أكثر كسلاً وضعفاً من نقلها إلى الواقع.

كتب الاشتراكي الألماني فرديناند راسل، واصفاً الضرورات الأساسية للسياسات الثورية: “كل حركة كبيرة تبدأ ببيان يوضح ماهيتها”، أما لينين فقد عمد أيضاً إلى تكرار أن “الحقائق هي أشياء صلبة وعنيدة”. والماركسية بحسب لينين “تستند إلى الحقائق وليس إلى الاحتمالات. والماركسي يجب أن يضع نصب عينيه الحقائق المحددة وغير القابلة للشك” (31). كان لينين دائم البحث عن الجسر الممتد بين الواقع والممكن، لم يكن خائفاً من النظر خلال الهوة الفاصلة بين ضخامة المهام التي تواجه الحركة، وبين افتقار الحركة نفسها للمقومات والإمكانيات التي تؤهلها لحمل هذه المهام. كانت قدم لينين على الأرض فيما كانت رأسه في السماء.

« السابق التالي »