الإستراتيجية والتكتيك عند لينين
كانت التساؤلات حول الاستراتيجية والتكتيك ذات معنى بالنسبة للينين فقط إذا كانت إمكانية تحقيقها في الواقع، بواسطة الحزب الثوري، إمكانية حقيقية. لقد كان الحزب في نظره مدرسةً للاستراتيجية والتكتيك، منظمة قتالية هدفها أن تظفر الطبقة العاملة بالسلطة.
كيف إذن تتعلم القيادة الثورية من الجماهير ونضالاتها، إذا لم تكن جزءاً متكاملاً مع هذه الجماهير تصغي لها في مواقع العمل، وفي الشوارع؟ لكي تُعلِم القيادة الثورية الجماهير، عليها أن تتعلم منها، وهذا ما آمن به لينين وظل يمارسه طيلة حياته.
لا ينبغي على الحزب الثوري أن يترنح متأخراً خلف القطاعات المتقدمة من الطبقة العاملة، كما لا ينبغي أن يتقدم عنها بمسافة يصعب وصولها إليه. يجب أن يقف الحزب في مقدمة الطبقة ومتجذراً في صفوفها:
“كي يحرز العمل الثوري الجاد نجاحاً، فإنه يتطلب أن تكون فكرة أن الثوريين قادرين على القيام فقط بدور الطليعة المتقدمة والمقدامة بحق، فكرة مفهومة ومُترجمة إلى الحركة والممارسة العملية. والطليعة تمارس مهماتها كطليعة فقط عندما تتجنب الانعزال عن كتل الجماهير التي تقودها، عندما تغدو قادرة على قيادة الجماهير ككل إلى الأمام” (32).
إن الحاجة إلى الحزب الثوري، كما أشرنا من قبل، هي انعكاس لتفاوت الوعي داخل الطبقة العاملة. وفي نفس الوقت يعمل الحزب، من أجل تقليص هذا التفاوت، على رفع الوعي داخل الطبقة العاملة إلى أعلى مستوى ممكن. أما التكيف مع متوسط الوعي أو المستويات الدنيا منه، فذلك بالتأكيد من طبائع الانتهازية. وعلى الجانب الآخر، يعد انفصال الحزب وعزلته عن القطاعات الأكثر تقدماً من الطبقة أول طريق العصبوية. بينما النضال في القلب من الطبقة من أجل رفع القطاعات المتقدمة منها إلى أعلى مستوى ممكن في ظل الظروف المسيطرة، فذلك هو الدور الحقيقي الذي يضطلع به الحزب الثوري.
ومن أجل التعلم من الجماهير، على الحزب أن يتعلم هو الآخر من أخطائه، وأن يتمتع بدرجة عالية من النقد الذاتي.
“إن موقف الحزب السياسي تجاه أخطائه يمثل واحداً من المقاييس الأكثر دقة في تقييم جدية وإخلاص هذا الحزب، وكذا أمانته في التزاماته تجاه طبقته. التعرف بصراحة على الخطأ، التأكد من الأسباب التي أدت إليه، تأمين طرق تصحيحه – تلك هي السمات المميزة للحزب الجاد، والتي هي كيف يمارس دوره ويؤدي واجباته، وكيف يجب عليه تثقيف وتدريب طبقته، ومن ثم الجماهير” (33).
“على حزب الطبقة المتقدمة المناضل ألا يخاف من الوقوع في الأخطاء. ما يجب أن يخافه بحق هو الإصرار على الخطأ، ورفض الاعتراف به وتصحيحه هرباً من شعور مزيف بالعار” (34).
في 21 يناير 1905، كتب لينين مؤكداً على ضرورة أن تكون الجماهير طرفاً في تصحيح الحزب لأخطائه:
“نحن الاشتراكيون الديمقراطيون نلجأ إلى السرية من القيصر وكلابه في حين نسعى من أجل أن تعرف الجماهير كل شيء عن حزبنا، وعن أطياف الرأي بداخله، وعن تطور برنامجه وسياسته، وحتى أن يعرفوا ماذا قال هذا المندوب أو ذاك أثناء
والنقاش المفتوح يعتبر ذا أهمية وضرورة أكبر في فترات النضال الثوري المباشر، وكما كتب لينين في 25 أبريل 1906، فإن:
“في الفترات الثورية مثل هذه التي نعيشها اليوم، يتم الزج بكافة الأخطاء النظرية والانحرافات التكتيكية على الفور في اختبار الممارسة نفسها، هذه الممارسة التي تتعلم الطبقة العاملة وتستنير بها بسرعة غير مسبوقة. في مثل هذا الوقت، يصبح على كل اشتراكي ديمقراطي أن يكافح من أجل أن يضمن أن النضال الأيديولوجي داخل الحزب حول القضايا النظرية والتكتيكية يجري بشكل حر ومفتوح وواسع بقدر الإمكان، لكن في الوقت نفسه لا يعوق وحدة الفعل الثوري للبروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية” (36).
ألح لينين مراراً وتكراراً على أن هذا النقاش لا ينبغي أن يكون محدوداً أو أسيراً داخل الدوائر الحزبية، لكن أن يجري بشكل مفتوح كي يتمكن من هم ليسوا أعضاءاً بالحزب من متابعته والمشاركة فيه.
“لن يكون هناك حزباً جماهيرياً، لن يكون هناك حزباً للطبقة، من دون وضوح كافي لكافة الأطياف الأساسية، من دون نضال مفتوح بين التيارات المتنوعة، من دون أن يصبح واضحاً أمام الجماهير أي من القادة، وأي من منظمات الحزب تسير في هذا الاتجاه أو ذاك. من دون ذلك، لن يُبنى حزب يستحق هذا الإسم” (37).
ومرة أخرى:
“يجب أن يكون النقد، ضمن إطار مبادئ برنامج الحزب، حراً وطليقاً (ونحن نذكّر القارئ هنا بما قاله بليخانوف حول هذا الموضوع في المؤتمر الثاني للحزب) ليس فقط في اجتماعات الحزب، لكن في الاجتماعات العامة أيضاً. مثل هذا النقد لا يمكن ولا ينبغي إيقافه” (38).
هناك علاقة جدلية بين ديمقراطية الحزب وجذور هذا الحزب داخل الطبقة العاملة؛ فمن دون سياسة طبقية صحيحة وحزب مكون بالأساس من البروليتاريا، لن تكون هناك فرصة حقيقية لديمقراطية حزبية صحية وقويمة. ومن دون قاعدة عمالية متماسكة، لن يعدو كل الكلام حول الديمقراطية والانضباط في الحزب سوى لغطاً لا معنى له. والعكس صحيح أيضاً؛ أي أنه من دون ديمقراطية حزبية ونقد ذاتي مستمر، يصبح من المستحيل تطوير السياسة الطبقية للحزب.
“لدينا أكثر مما أعلناه من وجهات نظرية بخصوص أهمية الالتزام، وكيف يمكن الإلمام بهذا المفهوم في حزب الطبقة العاملة. لقد عرّفناه بأنه وحدة الفعل وحرية النقاش والنقد، هذا النوع من الالتزام هو فقط ما ينبغي أن يسير وفقه حزب طليعة الطبقة الديمقراطي” (39).
“لا تعترف البروليتاريا بوحدة الفعل دون حرية النقاش والنقد” (40).
وإذا كانت الديمقراطية ضرورية من أجل استخلاص واستيعاب الخبرات المختلفة للنضال، فإن المركزية والانضباط هم أيضاً ضروريين لقيادة النضال. إن التماسك التنظيمي المحكم يجعل الفرصة سانحة للحزب للتحرك الموحد – وأيضاً لاتخاذ المبادرات – لتوجيه حركة الجماهير. والحزب الذي لا يتمتع بثقة عالية في نفسه لا يمكن أن يحوز ثقة الجماهير.
وبدون قيادة حزبية تتخذ خطواتها بحزم وتنكفئ على قيادة وتوجيه حركة العضوية ونشاطها، لا حزب ثوري يمكن أن يولد. الحزب الثوري هو منظمة مركزية تقود النضال من أجل السلطة، وهكذا فإن هناك حاجة ماسة إلى الانضباط في الفعل والحركة.