ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟
1. مقدمة
ما الذي ستكون عليه الأمور بعد الثورة؟ كيف سنتعامل مع هذه المشكلة أو تلك في إطار الاشتراكية؟ كيف سيتم تنظيم أ وب وج من الموضوعات؟ هذا النوع من الأسئلة عادة ما يوجه إلى الماركسيين. ويجب أن يقال إن الإجابات المعطاة كثيراً ما تكون مبهمة. ومن المؤكد أن كتابات ماركس في هذا الموضوع كانت هزيلة بالمقارنة بتحليله الضخم البارز للرأسمالية، وكتاباته في التاريخ والسياسة المعاصرة. وعلى الرغم من أن ما اضطر ماركس لقوله في هذه القضية احتوى كل ألمعيته المعتادة، وشكل الأساس لكل التفكير الماركسي اللاحق حول الاشتراكية، يبقى الحال هو أنه تعامل مع المشكلات الأساسية فقط في أكثر أطرها اتساعا وعمومية.
قبل ماركس، كانت المدرسة الاشتراكية المسيطرة هي مدرسة “الطوباويون” أمثال سان سيمون وفورييه في فرنسا وروبرت أوين في إنجلترا. تخصص الطوباويون في رسم برامج وخطط ضخمة للتنظيم المستقبلي للمجتمع الاشتراكي، لكنها كانت ينقصها أي إستراتيجية لتحقيقها وتنفيذها غير مناشدة النوايا الطيبة للطبقة الحاكمة.
كان ماركس مصمما على التفرقة بين اشتراكيته العلمية وبين أحلام يقظة الطبقة الوسطى تلك. من هنا أكد على أن الاشتراكية يمكن أن تتحقق فقط انطلاقا من المتناقضات الموجودة فعلا في الرأسمالية – فوضى الإنتاج الرأسمالي، والعداء بين الطبقة العاملة والبرجوازية. ووضع هذا عنده حدودا صارمة للتنبؤ فيما يخص تنظيم المجتمع الاشتراكي، وهي حدود تستبعد أي محاولة لصياغة مخطط تفصيلي. وفي الأساس تبقى هذه الحدود فاعلة اليوم.
فبما أن الاشتراكية تنبع من الرأسمالية كنتيجة لنضال ناجح ضدها بقيادة الطبقة العاملة، فإن الإجراءات المحددة التي ستتخذها الحكومة الاشتراكية الثورية، ستعتمد بشكل واضح على الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في وقتها.
ولا يمكن أن نعرف مقدما أي حال ستكون عليه هذه الشروط، بالقدر نفسه الذي لا يمكن به أن نتنبأ باليوم الذي ستقع فيه الثورة. أيضا، بما أن المغزى الأساسي للثورة الاشتراكية هو وضع المجتمع تحت السيطرة الواعية للطبقة العاملة، فإن هناك أسئلة عديدة لا جدوى من محاولة الإجابة عليها مقدما، ويجب أن تترك ببساطة للعمال لاتخاذ قرار بشأنها في المستقبل. على سبيل المثال، ليس هناك معنى لمحاولة رسم خطط الآن للتصميمات السكنية في المجتمع الاشتراكي. فالأمر كله سيعتمد على نوع المنازل التي سيختار الناس العيش فيها في المستقبل.
برغم ذلك تتبقى أسئلة. إذا كان للناس أن يناضلوا من أجل الاشتراكية، فإنهم يريدون أن يعرفوا ما الذي سيناضلون من أجله. وبشكل خاص يصبح هذا صحيحا مع ازدياد الأمر غموضا بالسحب التي تحجب الرؤية التي سببتها الظاهرة الستالينية في روسيا وأوروبا الشرقية والأنظمة الأخرى المتعددة حول العالم التي ترفع راية الاشتراكية.
هناك حاجة في الدعاية الاشتراكية للإدانة الغاضبة للرأسمالية. وهناك حاجة للتحليل المتماسك لاستراتيجية وتكتيك حركة العمال. لكن هناك حاجة أيضا للإلهام، لرؤية للهدف الذي يجعل للنضال قيمة.
أكثر من ذلك، ففي جوانب معينة نحن مؤهلون أكثر من ماركس للإجابة على هذه الأسئلة. هناك مائة سنة مرت من التطور الرأسمالي الذي أعد الأرض بشكل غير مقصود للاشتراكية بطرق متعددة، وجعل من الأسهل تصور كيف يمكن تحقيق أهداف بعينها وضعها ماركس من حيث المبدأ، مثل تحقيق الوفرة المادية أو التغلب على تقسيم العمل.
أيضا نحن نمتلك ميزة قرن من النضالات العمالية. من الصحيح أننا إلى الآن ليس لدينا التجربة الاشتراكية الكاملة بالمعنى الماركسي، لكن لدينا تجربة الأعوام القليلة من الثورة الاشتراكية في روسيا، وإخفاقات متعددة كانت قريبة للغاية من تحقيق النصر (الثورات العمالية غير الناجحة في أسبانيا 1936 أو المجر 1956) واحتوت على بذور الاشتراكية.
لهذه الأسباب سيحاول هذا الكراس تحديد الرؤية الماركسية للمجتمع الاشتراكي المقبل ببعض التفصيل. وأنا أؤكد على كلمة “سيحاول” لأنه بالإضافة إلى الأخطاء الشخصية والمزاجية التي يمكن أن تتسلل إلى تفسيري، فان هناك شيئا مؤكدا، هو أن واقع الاشتراكية سيختلف بشكل ملحوظ عن أي توقع ممكن له. بالرغم من ذلك فان المشروع لا يبطل – أن نحاول إظهار كيف يمكن للبشرية بشكل محدد ، عبر الاشتراكية، أن تزيل المشكلات الرئيسية التي تكبلها في ظل الرأسمالية، وأن تحصل على الحرية الحقيقية.
هناك نقطة مبدئية أخرى تحتاج للتأكيد. فالاشتراكية أو الشيوعية (إذا استخدمنا اصطلاح ماركس الأصلي) ليست حالة اجتماعية جاهزة الصنع يمكن الوصول إليها في اليوم الذي يعقب الثورة. بل هي عملية تاريخية.
هذه العملية تبدأ بتحطيم الدولة الرأسمالية بالثورة العمالية، وتكتمل فقط عندما يتم تحقيق المجتمع اللا طبقي بشكل كامل على مستوى عالمي؛ عندما يدير الجنس البشري كله أموره بشكل جماعي بلا عداوات طبقية أو صراع طبقي.
وبين الإطاحة بالرأسمالية وتحقيق المجتمع اللا طبقي، هناك فترة انتقالية سماها ماركس “ديكتاتورية البروليتاريا”، لكن يمكن تسميتها ببساطة سلطة العمال.
عندما نناقش المستقبل الاشتراكي، من الضروري أن نضع هذا نصب أعيننا، لأن ما يمكن عمله وما سيتم عمله في هذه المرحلة الحاسمة – عندما تكون الطبقة العاملة (رغم كونها في السلطة) مكبلة بالصراع مع البرجوازية المنزوعة سلطتها – لا يماثل بأي شكل من الأشكال الإمكانات التي تتفتح عندما تصبح البشرية أخيرا موحدة بشكل كامل.