بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق

11. من الحاجة إلى الحرية

الحرية هي الهدف النهائي للماركسية وللاشتراكية ولنضال الطبقة العاملة. وبالطبع، فإن البرجوازية حريصة على أن تعلن التزامها بالحرية: حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية الفرد في أن يفعل ما يريد بأمواله..إلخ. البرجوازية تعرف حق المعرفة أنها طالما تسيطر على وسائل الإنتاج، ومن ثم الثروة والإعلام والدولة، فإن هذه الحريات تبقى مقيدة للغاية وبلا معنى تقريبا بالنسبة للأغلبية الكاسحة. البرجوازية تعرف أيضا أنها تمتلك القوة لتقييد، أو في الواقع سحق، مثل هذه الحريات بأقدامها حالما تجد ذلك ضروريا.

  على العكس من هذا، يدرك الماركسيون أنه في مجتمع منقسم لطبقات متعادية ومؤسس على الاستغلال ومحكوم من قبل رأس المال، ليست هناك ولا يمكن أن تكون هناك حريات مطلقة. نحن نفضح الحرية الصورية المجردة التي تعطيها لنا البرجوازية لأن ما نريده هو حرية حقيقية ملموسة.

  الحرية من الجوع ومن الفقر (التي من دونها لا تعني كل الحريات الأخرى شيئا)، الحرية من الحرب، من الكدح الذي لا ينتهي، من الاستغلال، من الاضطهاد العرقي وعلى أساس الجنس – هذه هي الحريات الحقيقية التي نقاتل من أجلها. ويمكن أن تصبح جميعا حقيقة فقط من خلال تأسيس حرية الطبقة العاملة الإيجابية في إدارة المجتمع.

  بالرغم من هذا، ففي مجرى تحقيق ذلك، تمهد الطبقة العاملة الطريق أيضا لحرية لم تكن البرجوازية لتحلم بها. على وجه التحديد حرية العيش دون مراقبة الدولة. عادة ما يزعم أن الماركسيين مؤمنون بالدولة. والعكس هو الصحيح، نحن خصوم للدولة.

  فالدولة، بحكم طبيعتها، هي أداة للسيطرة والقمع، وسيلة يُخضع بها قسم من السكان قسما آخر بالقوة. ولا يمكن للدول إلا أن تكون مؤسسات للعنف. فبالأساس، كما كتب إنجلز، تتكون الدول من أجهزة للرجال المسلحين. أناس يحملون السلاح إما ليقتلوا آخرين أو لإجبارهم على فعل أشياء على غير إرادتهم، حارمين إياهم من حريتهم.

  وينطبق كل هذا على دولة “العمال” الجديدة التي تولد من الثورة الناجحة، بالضبط كما ينطبق على الدولة الرأسمالية. وبالطبع هناك فارق. فالدولة الرأسمالية أداة للحفاظ على استغلال القلة للكثرة. ودولة العمال ستكون أداة للأغلبية لكبح هذه الأقلية من المستغِلين.

  بالرغم من ذلك، حتى في أعلى نقاطها ديمقراطية، تبقى دولة “العمال” مؤسسة تقيد حرية البشر بطرق عديدة. في الحقيقة، حتى بالرغم من أن دولة العمال تمثل وتستلزم مشاركة أغلبية الطبقة العاملة، فهي لا تقمع فقط الطبقة الحاكمة القديمة لكنها أيضا تضع حدودا على حرية الطبقة العاملة ذاتها.

  دولة العمال سلاح في الحرب الطبقية. وشن الحرب يعني ليس فقط الهجوم على العدو ولكن أيضا ضبط صفوفك، بالضبط كما تعمل مفارز الإضرابات (كسلاح نضالي في مواجهة أصحاب الأعمال) على ضبط العمال المتأخرين بمنعهم من العودة للعمل وكسر الإضراب.

  لهذا فالحديث عن حرية كاملة – أو حرية للجميع – غير ممكن إلى أن يجيء وقت حل دولة العمال نفسها. ولطالما كان هذا هدفا نهائيا للماركسيين، هدف أعيد التأكيد عليه مرارا من ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي.

  بالرغم من ذلك، ليس هناك افتراض ماركسي لم يهاجم ويتهم بشكل مستمر بأنه طوباوي ومثالي أكثر من افتراض ذبول وتحلل الدولة. لذلك تعالوا نفحص هذه الفكرة.

  أولا لنكن واضحين في أن الماركسيين لا يقترحون أن الدولة يمكن الاستغناء عنها فورا (هذه هي وجهة نظر الفوضويين)، لكن أن ذلك سيتم فقط إذا تحققت مجموعة من الشروط. وقد تمت الإشارة لهذه الشروط قبل ذلك في هذا الكراس: الانتصار الأممي للثورة الاشتراكية، والهزيمة الكاملة للبرجوازية المضادة للثورة، القضاء على جذر كل استغلال وكل انقسام طبقي، تحقيق الوفرة المادية حيث يتم توزيع السلع وفقا للحاجة.

  في ظل هذه الظروف، تفقد الدولة أهم وظائفها. لن تكون هنا طبقة قمعية لكي تحميها ولا طبقة مقموعة لكي تخضعها. وبتحقق الاشتراكية العالمية لن تكون هناك مصالح قومية (أو إمبريالية) لكي تفرضها أو مصالح أجنبية للوقوف في وجهها.

  “ماذا عن الجريمة وإدارة الاقتصاد؟” سيسأل المتشائمون. في مجتمع اشتراكي بالكامل ستختفي الجريمة والغرض منها، ليس لأنه في ظل الاشتراكية سيصبح الجميع أخيارا أو كاملين أخلاقيا لكن لأنه ستتم إزالة دوافع وفرص الجريمة.

  تعالوا نلخص الفكرة العامة ضاربين المثل بأحد أكثر أشكال الجريمة انتشارا، سرقة السيارات. غالبا ما سيحل المجتمع الاشتراكي المتقدم مشكلة المواصلات بطريقة من اثنين. إما أن كل فرد سيمد بوسيلة مواصلات مناسبة ومساوية، أو سيتم توسيع المواصلات العامة إلى نقطة يصبح عندها امتلاك وسيلة خاصة غير ضروري. وفي الحالتين لن يكون هناك لا دافع لسرقة السيارات ولا سوق لشراء السيارات المسروقة. وما ينطبق على السيارات ينطبق على باقي السلع.

  يترك هذا لنا الجرائم البدنية كالاعتداء والقتل والجرائم الجنسية وما إلى ذلك. ولا تمثل هذه الجرائم بالفعل سوى نسبة صغيرة من الجريمة عموما. وفي مجتمع اشتراكي غير تنافسي يهتم بأعضائه بشكل متساوي، ستقل هذه الجرائم بشدة بلا شك. أما السلوك غير الاجتماعي الذي سيبقى فسيتم التعامل معه بأفضل طريقة ممكنة من خلال التنظيم الجماعي للمجموعات المحلية ولن يتطلب وجودا للدولة.

  أما بالنسبة لإدارة الاقتصاد، يجب القول إنه في التحليل الأخير الاقتصادات هي التي تدير الدول وليس العكس. أما أن دور الدولة في إدارة الاقتصاد في عالمنا المعاصر قد زاد إلى ما صار  عليه، فله سببان. الأول، محاولة تلطيف التناقضات الداخلية للرأسمالية (لم تحدث بشكل ناجح). والثاني، هو تنظيم قوى الرأسماليات القومية المتنافسة مع بعضها. ومع الاشتراكية سيتوقف الاحتياج لهاتين الوظيفتين.

  وعلى ذلك ففي مجتمع المستقبل الاشتراكي ستذبل الدولة، وسيؤشر هذا لاختفاء آخر بقايا التراث البشع للمجتمع الطبقي والاستكمال النهائي لقفزة الإنسانية من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية، وهو جوهر الاشتراكية.

« السابق