بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق التالي »

2. انتزاع السلطة السياسية

إن المهمة الأولى والأكثر إلحاحا التي تواجه ثورة عمالية ناجحة هي تعزيز حكمها والدفاع عن نفسها ضد الثورة المضادة للرأسمالية. وهذا أمر حاسم – في الحقيقة مسألة حياة أو موت – لأن تجربة كل الثورات، من كوميونة باريس فصاعد، ترينا كيف تكون البرجوازية مستعدة للجوء لعنف لا يرحم من أجل الحفاظ على سلطتها أو استرداد سلطتها التي فقدتها.

ومن أجل تحطيم المقاومة الضارية للطبقة الحاكمة المسلوبة (والمدعومة من باقي الرأسمالية العالمية)، على الطبقة العاملة أن تخلق دولتها هي. هذه الدولة، مثل أي دولة أخرى، ستكون تنظيما مركزيا يمارس سلطة قصوى في المجتمع ويمتلك تحت تصرفه قوة مسلحة حاسمة.

لكن هنا ينتهي التشابه بين دولة العمال الجديدة والدولة الرأسمالية المنتهية. فقوات الرأسمالية المسلحة القديمة وشرطتها ستكون قد سُرحت وحُلت – في الجوهر ستكون بالفعل في حالة انهيار إذا كان للثورة أن تكون ناجحة، وسيتم استبدالها بتنظيمات من العمال المسلحين، أي ميليشيات عمالية.

وغالباً ما سيكون تأسيس هذه الميليشيات قد تم بالفعل في مجرى أحداث الثورة. ومن المحتمل أنها ستكون نابعة من وستبقى ذات صلة بالمصانع وأماكن العمل الرئيسية. وما لم يكن على الثورة أن تخوض حربا أهلية شاملة أو تواجه غزوا، فإن الخدمة في الميليشيات ستكون على أساس تعاقبي من أجل تدريب ومشاركة أكبر عدد ممكن من العمال في الدفاع المسلح عن سلطتهم، ومن أجل التأكيد على ألا تفصل الميليشيات نفسها عن الطبقة العاملة ككل.

ستكون الميليشيا أيضا مسئولة عن تطبيق القانون والنظام اليومي، وهي مهمة – بسبب جذور المليشيا في المجتمع – ستكون أسهل وأكثر كفاءة بالنسبة لها مقارنة بالبوليس الرأسمالي.

سيتم انتخاب كل الضباط في الميليشيا، وسيخضعون لإعادة انتخاب دورية وستُدفع لهم أجور العمال المتوسطين. وهي مبادئ ستنطبق على كل موظفي الدولة الجديدة.

على أي حال، فان المؤسسة الرئيسية في الدولة الجديدة لن تكون الميليشيا العمالية، بل شبكة من المجالس العمالية. ومجالس العمال هي أجهزة إقليمية من المندوبين المنتخبين من أماكن العمل، والتي بدورها سترسل مندوبين إلى المجلس العمالي القومي. وهذا الأخير هو الذي سيمتلك أعلى سلطة في البلاد وستكون الحكومة والميليشيا وكل مؤسسات الدولة الأخرى مسئولة أمامه.

وستعمل الأحزاب السياسية المختلفة، طالما أنها تقبل الإطار العام للثورة، بحرية داخل المجالس، بينما يشكل الحزب الذي يحوز تأييد أغلبية العمال الحكومة. وغالبا ما سيكون هذا هو الحزب الذي قاد الثورة.

والسبب الذي يمكننا من التنبؤ بهذا الدور للمجالس العمالية ليس أنه قد تم الإلهام به من قبل ماركس (في الحقيقة ماركس لم يشر أبدا إلى المجالس العمالية)، وإنما أن كل ثورة عمالية وكل محاولة لثورة عمالية خلال القرن العشرين خلقت مثل هذه الأجهزة أو أجنّة لمثل هذه الأجهزة.

ظهر أول مجلس عمالي، أو “سوفييت”، كما أُطلق عليه، في سان بطرسبرج في روسيا خلال ثورة 1905. وظهرت أمثلة أخرى بعد ذلك، كالسوفييتات الروسية في 1917، المجالس العمالية في ألمانيا 1918-1919، والمجلس العمالي المركزي في بودابست (المجر) في 1956. أما الأمثلة على أجنّة المجالس العمالية فهي مجالس المصانع في إيطاليا 1919-1920، و”الكوردونز” في شيلي في 1972.

لنفس السبب سيكون من العبث أن نحاول البحث تفصيليا فيما سيكون عليه تنظيم المجالس العمالية. مثل هذه المجالس لا تظهر بعد الثورة متوافقة مع خطة معدة مسبقا، وإنما في مجرى الثورة، من أجل تمكين الطبقة العاملة من تنظيم وتنسيق قواتها. وكأجهزة للثورة، فإن بنيتها الأولية ستكون مرتجلة بالضرورة لكي تفي بمتطلبات اللحظة، ولهذا ستتنوع بشدة اعتمادا على الظروف.

عند هذه النقطة يظهر سؤال حيوي: إلى أي حد ستكون سلطة العمال ديمقراطية؟ الحقيقة أن حكم مجالس العمال لن يكون، بالمعنى الشكلي، ديمقراطية مطلقة. لن يكون هناك اقتراع عام كامل لأن طبيعة النظام ستستبعد البرجوازية القديمة وأصدقاءها من العملية الانتخابية. لكن ما هو ناقص بالمعنى الشكلي، سيكون أكثر من موجود من منطلق المشاركة الديمقراطية الحقيقية لجموع الناس.

ستؤسَس ديمقراطية المجالس العمالية على المناظرات والمناقشات الجماعية وعلى قدرة الناخبين، كجماعة، على التحكم في ممثليهم. وستكون آلية هذا التحكم بسيطة للغاية. لو أن المندوبين لا يمثلون إرادة ناخبيهم، سيتم استدعاؤهم ببساطة واستبدالهم من خلال اجتماعات جماهيرية في أماكن العمل.

ومن الطبيعي أن هذا النوع من التحكم مستحيل في الدوائر الانتخابية المقسمة على أساس جغرافي في النظام البرلماني. فبدلا من ديمقراطية يوم واحد كل خمس سنوات، سيكون هناك في المجتمع الاشتراكي اشتراك متواصل في الإدارة الحقيقية للدولة من خلال الأغلبية الواسعة للناس.

في بعض الأحيان يقلق الناس من أن نظاما مؤسسا على أماكن العمل قد يستبعد أجزاءً من الطبقة العاملة مثل ربات البيوت، أرباب المعاشات، العاطلين..الخ، من الذين لا يتواجدون في أماكن للعمل.

لكن واحدة من الفضائل الكبرى للمجالس العمالية هي مرونتها وقدرتها على التكيف مع التركيب المتغير للطبقة العاملة.

في الثورة الأسبانية عام 1936، على سبيل المثال، وبين الأجهزة الأساسية لسلطة العمال كان هناك لجان الأحياء التي شكلت في كل مناطق الطبقة العاملة في المدن الكبرى. هذه الأجهزة، كممثلة لكل سكان الحي، نظمت وأدارت وتحكمت في الميليشيات العمالية وتوزيع الطعام والتعليم وأوجه أخرى عديدة في الحياة اليومية.

وفي حالة ما إذا كان قلب هذا الشكل الديمقراطي التمثيلي متجذراً في أماكن العمل، لن يكون هناك سبب يمنع المجموعات الأخرى من تشكيل جماعات يشارك مندوبوها في المجالس العمالية.

سيكون الملمح الرئيسي لدولة العمال أنها تعبئ وتعتمد على النشاط الذاتي والقدرات التنظيمية وإبداع جماهير الطبقة العاملة لبناء مجتمع جديد من أسفل لأعلى. بهذه الطريقة سيكون هذا المجتمع الجديد أكثر ديمقراطية ألف مرة من أكثر الديمقراطيات البرجوازية ليبرالية التي تعتمد، بلا استثناء، على سلبية الطبقات العاملة.

كل هذا يبدو رائعا وصحيحا. سيكون الأمر بالفعل بمثل هذه الروعة كما أظهرت لنا الفترات القصيرة عندما استطاع العمال التحكم في الأمور. اقرأ على سبيل المثال كتاب جون ريد عن الثورة الروسية في 1917 “عشرة أيام هزت العالم”، أو كتاب جورج أورويل عن برشلونة 1936 “الطريق إلى كتالونيا”. لكن إلى أي مدى سيكون هناك ضرورة للقمع؟ وما مدى الحرية التي سيتمتع بها أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف؟

« السابق التالي »