بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق التالي »

3. القمع والحرية في ظل سلطة العمال

بفضل دعاية الطبقة الحاكمة، ترتبط الثورة في أذهان العديد من الناس بالمقصلة وفرق الإعدام. وكنتيجة للستالينية، فإن الناس عادة ما يفكرون في النظام ما بعد الثوري كتماثل قمعي رمادي ينال فيه أي شخص يخالف خط الحزب زيارة في الرابعة صباحا.

هاتان الصورتان ترتبطان بظروف تاريخية محددة، على رأسها هزيمة الثورة الروسية. وكما أوضح القسم السابق، يعتبر الماركسيون سلطة العمال ديمقراطية عمالية نابضة بالحياة من شأنها أن تزيد بشدة سلطة وحقوق وحريات الشعب العامل.

برغم ذلك، يجب أن يشار بوضوح إلى أن بعض القمع وبعضاً من استخدام القوة المباشرة سيكون ضروريا، ليس فقط للإطاحة بالدولة الرأسمالية، ولكن أيضا فيما بعد الثورة للحفاظ على سلطة العمال. الصراع الطبقي لا ينتهي بانتصار الثورة، خاصة عندما نتحدث عن انتصارها في بلد واحد (كما هو الحال الآن).

أكثر من ذلك، فان حداثة دولة العمال ستجعل حكمها هشا لفترة. وستعتبر الطبقة الحاكمة القديمة، وأقسام من الطبقة الوسطى، نظام العمال انحرافا مؤقتا، ولن تقبل لا شرعيته ولا سلطته، وستراهن على سقوطه. وبلا شك، سيحاول هؤلاء عرقلة وتخريب بناء المجتمع الجديد، وإذا أعطيت لهم الفرصة، تحطيمه بالقوة.

لا يجب أن يعطى هؤلاء الفرصة. يجب تحطيم المقاومة الرأسمالية بثبات وبلا هوادة وبالقوة التي يتطلبها الأمر.

لكن تجاوز هذه المقولة العامة، وتخمين حجم القمع المطلوب بالضبط، أو تحديد من ستتم محاكمتهم مقدما، أو ما الذي سيتم عمله معهم..الخ، يبدو بالنسبة لي بلا معنى. سيعتمد الأمر كله على توازن القوى بين الطبقات. كلما ضعف موقف الطبقة العاملة، وكلما زادت المقاومة البرجوازية، كلما كانت الحاجة أكبر لاستخدام القوة الثورية المباشرة. وكلما كانت قوة الطبقة العاملة طاغية كلما صارت القوة القانونية كافية في ذاتها.

لهذا السبب، لا يمكن اعتبار التجربة الواقعية الحقيقية لسلطة العمال التي بين أيدينا – السنوات الأولى من الثورة الروسية – نموذجاً للممارسة المستقبلية. فقد كان وضع الطبقة العاملة الروسية، كأقلية صغيرة في بلد متخلف اقتصاديا دمرته الحرب وتواجهه ثورة مضادة مسلحة شاملة وتدخل أجنبي على نطاق واسع، صعبا بشكل استثنائي. لم يكن أمام البلاشفة خيار سوى تقديم نظام عالي السلطوية.

ومن المؤكد عمليا أنه في أي بلد كبير اليوم – بما فيها كل الدول المصنعة حديثا حيث مستوى قوى الإنتاج ومستوى المعيشة وحجم الطبقة العاملة كلها أعلى مما كانت عليه في روسيا – سيكون وضع الطبقة العاملة أفضل بكثير. في هذه الظروف، سيكون القمع المطلوب قمعا لأقلية صغيرة من قبل الأغلبية الكاسحة، ولذلك سيكون أقل حدة بكثير، ليس فقط مما كان عليه في روسيا، بل أيضا مما يحتاجه المستغلون للحفاظ على حكمهم في المجتمع الرأسمالي الحالي.

أكثر من ذلك، فبالوضع في الاعتبار أن الثورة ستنتشر في البلدان الأخرى (وهو سؤال سنتعامل معه لاحقا)، ستختفي بسرعة الحاجة للقمع، بينما تتحول البرجوازية إلى تاريخ، ويصبح إعادة الرأسمالية أملا كاذبا وسخيفا أكثر فأكثر.

أما فيما يتعلق بحرية التعبير والصحافة والتنظيم السياسي، فمن الممكن أن نقول الكثير. تضخم البرجوازية كثيرا من التزامها بهذه الحريات، لكن في الممارسة تحد البنية الاقتصادية للرأسمالية بشكل مستمر من قدرة الناس العاديين على الاستفادة منها. على العكس من ذلك ستعني سلطة العمال، منذ البداية، زيادة هائلة في الحرية الحقيقية في كل هذه المناطق لكل أقسام السكان، باستثناء الطبقة الحاكمة القديمة وأولئك الذين يرغبون في التحريض على الثورة المضادة.

ستتولى دولة العمال تسهيل وجعل الوقت متوفرا لكي تصبح المشاركة الجماهيرية في النقاش العام حقيقة. قبل كل شيء، ستصبح أماكن العمل – حيث حرية التعبير في ظل الرأسمالية محدودة للغاية بسلطة صاحب العمل في التعيين والترقية والفصل – مراكز للمناقشات الديمقراطية. ليس ذلك فقط، بل سيريد الناس الاشتراك في المناقشة لأن ما يقال – بدلا من كونه تنفيسا ضائعا واحتجاجا بلا فائدة – سيكون له تأثير مباشر على تحديد كيف سيتم تنظيم حياتهم اليومية.

في ظل الرأسمالية، ليست حرية التعبير إلا أسطورة. فنشر الصحف، لكونه صناعة ونشاط اقتصادي، يتحكم فيه رجال الأعمال الكبار والطبقة الحاكمة. أما في ظل سلطة العمال، فسيتم تأميم المطابع ومخزون الورق..الخ، لكن استخدامها سيكون متاحا للجماعات والمنظمات في إطار الشعب العامل طبقا لدرجة التأييد التي يحوزونها. سيقود هذا إلى تنوع أعظم بكثير للآراء ومناقشة وجدل أنشط وأقوى بكثير مما هو الحال الآن.

« السابق التالي »