بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق التالي »

4. انتزاع السلطة الاقتصادية

إن أساس الاشتراكية، مثلها مثل كل الأشكال الاجتماعية الأخرى، يكمن في الاقتصاد. تبعا لذلك، ستهاجم الطبقة العاملة فورا، باستخدام سلطتها السياسية، لانتزاع السلطة الاقتصادية – وهو ما يعني أن تأخذ في يديها كل وسائل الإنتاج الرئيسية في المجتمع. وما لم يتم ذلك بالسرعة المناسبة، لن يكون العمال قادرين على الاحتفاظ بحكمهم السياسي.

أما الآلية العرفية التي سيتم بمقتضاها تأسيس السلطة الاقتصادية فهي آلية مألوفة، وهي ما يسمى بالتأميم.

ستبدأ العملية غالبا كما حدث في الثورة الروسية، بتأميم كل الأرض. ولأن الأرض غير قابلة للتحريك، فسيكون هذا إجراء بسيط للغاية ويمكن تنفيذه بمرسوم في اليوم الأول من الثورة. أيضا سيكون أمرا عاجلا أن يتم تأميم البنوك، وفرض قيود صارمة على التبادل مدعومة بإجراءات ثورية أخرى لمنع المحاولات الحتمية لتهريب رؤوس الأموال للخارج.

من هناك ستتحرك دولة العمال نحو استيلاء متصاعد على الشركات والصناعات الرئيسية. ويمكن ترك المؤسسات الصغيرة، التي توظف عاملا أو اثنين في الأغلب لوقت لاحق. المهمة العاجلة ستكون كسب السيطرة على الروافع الأساسية للسلطة الاقتصادية، على “القمم المسيطرة” كما أطلقت عليها العديد من البيانات العمالية.

على كل حال، من الضروري هنا أن نميز بوضوح بين هذا التأميم الثوري وبين نوع التأميم الذي كان ينفذ في الماضي، من قبل حكومات العمال والمحافظين في بريطانيا مثلا. الاثنان شكلان من ملكية الدولة. لكن في هذه الحالة، الدولة محل السؤال هي منظمة لعموم الطبقة العاملة في مواجهة الشكل الآخر للتأميم في الماضي في ظل الدولة الرأسمالية – منظمة الطبقة الرأسمالية.

لذلك، أولا، لن يكون التأميم ببساطة خطوة تتخذ من أعلى من قبل سلطة الدولة المركزية. بل ستجمع الخطوة الاستيلاء القانوني في القمة والفعل العمالي في القاعدة. وفي حالات كثيرة من خلال احتلال العمال للمصانع.

ثانيا، سيكون التأميم بلا تعويضات، بما أن هدف تنفيذه بالضبط هو تحطيم القوة الاقتصادية للبرجوازية.

ثالثا، والأكثر أهمية، سيكون التأميم تحت سيطرة العمال. من المستحيل التنبؤ بأشكال محددة لذلك، لكن على الأغلب سيدار كل مصنع أو مكان عمل عن طريق مجلس منتخب يكون مسئولا أمام اجتماع عام دوري لقوة العمل. ومن الممكن أن ينطبق ترتيب مماثل على إدارة القطاعات الصناعية لكن بوجود ممثلين للنقابات العمالية وحكومة العمال.

سيكون تحكم العمال في الصناعة أساسيا. فطبقة عاملة غير قادرة على التحكم في أماكن عملها لن تكون قادرة على التحكم في دولتها. ولو انتقل التحكم في الصناعات الحكومية الجديدة إلى بيروقراطية لها وضعها المتميز، كما حدث في روسيا، فإن عاجلا أو آجلا سيؤدي ذلك لممارسة نفوذ مؤثر في المجتمع، وستعيد الفروق الطبقية تأسيس نفسها مرة أخرى.

في العادة بالطبع تكون قدرة العمال على إدارة الصناعة أمرا مشكوكا فيه. “يجب أن يكون هناك خبراء”، و”الخبراء هم الذين سيتحكمون حقيقة في الأمور”.

هذا الكلام تقليل من إمكانيات الطبقة العاملة وإساءة فهم لدور الخبراء التقنيين. فحتى في ظل الرأسمالية، عادة ما يكون العمال بشكل عام – وليس رجال الإدارة – هم الذين يمتلكون إدراكا أفضل لعملية الإنتاج المباشرة. وعادة ما تكون العديد من مهارات الإدارة مرتبطة بالتسويق والحفاظ على معدلات الاستغلال وليس الإنتاج – وهي مهارات ستكون زائدة عن الحاجة في المجتمع الجديد.

أما بالنسبة لشريحة الخبراء التقنيين، فسيكونون ضروريين لفترة حتى يتحسن تعليم العمال بشكل كبير. لكن ببساطة سيعمل هؤلاء للمجلس العمالي في المصنع وتحت توجيهه، كما يعملون اليوم بالضبط لأصحاب الشركات. وإذا عرقلوا أو خربوا، سيتم تأديبهم والتعامل معهم، بالضبط كما يحدث معهم إذا عرقلوا أو خربوا شركة رأسمالية.

وإذا كان هذا أمرا ضروريا بشكل مطلق، سيكون عليهم أن يعملوا وبنادق العمال موجهة لرؤوسهم. لكن في الحقيقة من الطبيعي والمنطقي أن نفترض أن الثورة الاشتراكية المنتصرة ستكسب إلى صفوفها أغلبية هؤلاء.

وبمجرد أن يتم تأمين ملكية وتحكم العمال في الصناعة سيكون من الممكن التقدم نحو إنشاء اقتصاد مخطط. ومرة أخرى، من الضروري التمييز بين التخطيط في ظل الاشتراكية وبينه في ظل الرأسمالية ورأسمالية الدولة، أو التخطيط كما عهدناه. لن تكون الخطة برنامجا صارما مفروضا من أعلى. الطبقة العاملة يجب أن تكون الفاعل وليس المفعول به في الخطة.

ستبدأ عملية التخطيط في القاعدة، في اجتماعات أماكن العمل ومجالس المصانع والمجالس العمالية، بتحديد لاحتياجات وأولويات الناس وتقييم للقدرات الإنتاجية لكل موقع عمل. وعلى أساس من هذا المدخل من أسفل، سيكون على الحكومة أن ترسم خطة متماسكة توفق بين القدرات والحاجات. عندئذ يجب تقديم الخطة بكاملها للطبقة العاملة لمناقشتها، ولممثليها في المجالس العمالية لتعديلها وإقرارها.

ستكون هذه عملية ديمقراطية بشكل مكثف. وفقط على أساس ديمقراطي، سيكون هناك أمل في نجاحها. لأن التخطيط البيروقراطي السلطوي، كما أظهرت تجربة روسيا الستالينية، يقود إلى تغذية الخطة بمعلومات غير صحيحة من أسفل، وإلى انجاز شكلي أكثر منه حقيقي.

لن يحل اقتصاد العمال المخطط مشاكل الرأسمالية الأسوأ فقط (البطالة، التضخم..الخ)، وإنما سيفتح الباب لإمكانيات هائلة للمستقبل.

عند هذه النقطة من المستحيل تأجيل سؤال نشر الثورة إلى البلدان الأخرى أكثر من ذلك. لأنه ما لم يتم التعامل مع هذه المشكلة، ستنتهي كل آمال وخطط الاشتراكية إلى لا شيء.

« السابق التالي »