ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟
سيكون من مصلحة الاشتراكية والطبقة العاملة بشكل هائل أن تحدث الثورة الاشتراكية متزامنة بشكل أو بآخر في عدد من البلدان. بالرغم من ذلك، افترضت حتى الآن في هذا الكراس أن الثورة ستحدث قبل أي شيء في بلد واحد.
هذا افتراض واقعي. فتجربة كل الثورات إلى الآن تقترح ذلك. فبالرغم من تقارب وتداخل كل الأمم في عالمنا المعاصر، مازالت هناك اختلافات في الأنماط القومية للصراع الطبقي، بطريقة تجعل من الغالب أن الاختراق الثوري الأول سيكون مقصورا على بلد واحد.
لكون هذا هو الحال، سيكون نشر الثورة خارج هذه الحدود مهمة بالغة الأهمية لدولة العمال الشابة. لن تكون هذه المهمة قضية واجب أممي فقط، لكن أيضا قضية حيوية بشكل مطلق للحفاظ على الثورة.
لا يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد. في الحقيقة لا يمكن أن تعيش دولة العمال للأبد في دولة واحدة. بالطبع من الممكن الصمود لفترة في مواجهة ضغط الرأسمالية العالمية، بالضبط كما يستطيع العمال إدامة احتلالهم للمصنع أو انتفاضتهم في مدينة واحدة لفترة من الزمن. لكن إن عاجلا أو آجلا إن لم تنتشر الثورة ستلقى مصير الهزيمة. إما أن تسحق الرأسمالية العالمية – التي طالما بقيت موجودة ستكون أقوى من دولة العمال المعزولة – الثورة بالتدخل العسكري، أو سيجبر التهديد به مصحوبا بضغط اقتصادي مكثف، الدولة الثورية في النهاية على التنافس مع الرأسمالية بشروط الأخيرة. وسيعني هذا صراعاً تنافسياً لمراكمة رأس المال.
إذا تحقق الشكل الأخير، كما حدث في روسيا في نهاية العشرينيات، ستظهر طبقة استغلالية جديدة لتصبح وكيل التراكم الرأسمالي، وستتم استعادة الرأسمالية بثورة مضادة داخلية.
قد تبدو الإطاحة بالرأسمالية ككل، رغم كل شيء، واجبا مثبطا للهمم. لذا السؤال الذي يجب أن نسـأله هو إذا ما كان ذلك ممكنا.
في هذا، كما هو الحال بالنسبة لكل قضايا الصراع الطبقي، من الطبيعي أنه يستحيل إعطاء أي ضمانات. لكن هناك عدد من العوامل التي تسمح لنا أن نقول بثقة إنه من الممكن القيام بذلك.
تجعل الطبيعة الأممية للاقتصاد الرأسمالي أزماته أممية أيضا. لذلك، فان الأزمة التي تقف وراء الثورة في بلد واحد ستكون قد بدأت بالفعل في التأثير على الدول الأخرى. وسيعمق الاختراق الأول الأزمة بشدة بشرط أن يحدث في واحد من الاقتصادات الكبيرة.
على سبيل المثال، لن يكون لثورة اشتراكية في جنوب أفريقيا أثر فقط على أسواق الذهب والماس العالمية، بل أيضا ستغير الموقف بشكل كامل عبر أفريقيا الجنوبية. فكل القوة الاقتصادية المستخدمة لإبقاء الطبقة العاملة في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق وبوتسوانا خاضعة، ستصبح عاملا للتقدم الثوري. وسيكون لثورة في البرازيل التأثير نفسه على أمريكا اللاتينية كلها.
سيكون التأثير السياسي للثورة حتى أكثر أهمية – كما أظهرت موجات الصدمة التي أحاطت بالعالم بعد 1917، مطلقة شرارات الإضرابات في أماكن ببعد جلاسجو وسياتل. سيتسبب وجود مثال لسلطة عمالية وديمقراطية عمالية حقيقيتين في أزمة أيديولوجية للطبقات الحاكمة في كل من الشرق والغرب. في الغرب، ستقدم الثورة تحديا خطيرا للمطابقة التي يدعيها حكامنا (وينجحون في ترويجها) بين الاشتراكية والطغيان. وفي الشرق، ستقوض الثورة بشكل حاسم الاعتقاد بأن البيروقراطيات الستالينية السابقة مثلت الاشتراكية الحقيقية.
في الوقت نفسه، ستلهم الثورة الحركات العمالية في كل مكان. ستُظهر أن الطبقة العاملة يمكنها الاستيلاء على السلطة، وبذلك ستقدم مثل وحجة للاشتراكية الثورية يسهل الدفاع عنها والدعاية لها. أيضا فإن العديد من الانقسامات والانشقاقات في صفوف الحركة الاشتراكية والثورية ستلتئم، لأنه سيكون هناك دليل ملموس على الإستراتيجية والتكتيك الضروريين لتحقيق النصر.
وستدعم الاتصالات الحديثة كل هذا بشكل عظيم. فبعد الثورة الروسية (آخر مرة كانت هناك فرصة حقيقية للثورة الأممية)، مضت شهور قبل أن يكون هناك حتى لدى أكثر الثوريين انخراطا في الدول الأخرى صورة واضحة عما حدث. في أي ثورة في المستقبل ستنتقل حقيقة السلطة العمالية كالبرق حول العالم عبر شاشات التليفزيون.
لكن بالطبع لن تجلس الثورة المنتصرة وتنتظر كل هذا لكي يحدث. بل ستبذل كل جهد لتسريع العملية.
ليس هذا شأنا خاصا بمحاولة فرض الثورة عن طريق غزو الدول الأخرى (على الرغم من أن الدولة العمالية الجديدة ستكون بالتأكيد مستعدة لإعطاء العون العسكري للنضالات الثورية الأخرى). وإنما يعني أن الدولة العمالية ستستخدم سلطتها من أجل مناشدة ودفع العمال عبر العالم للإطاحة بحكامهم، كما يعني تنظيم الحركة الثورية على مستوى أممي.
ستشكل دولة العمال الجديدة تنظيما أمميا عماليا (لو أنه لم يتم تشكيله بعد) ليبني وينسق ويوحد الأحزاب العمالية الثورية في كل بلد.
أكثر من ذلك، فبمجرد أن تنتشر سلطة العمال إلى العديد من البلدان، فإن كل العوامل التي حددناها سابقا ستعظم بشدة، وسينمو زخم لا يمكن مقاومته. في الستينيات، خشي استراتيجيو الامبريالية الأمريكية من تأثير “الدومينو” الناتج عن فيتنام وباقي نضالات التحرر الوطني. تأثير الدومينو الناتج عن الثورات العمالية ذات المنظور الأممي سيكون أعظم بكثير.
عند هذه النقطة دعونا نقفز ونفترض انتصار الثورة الاشتراكية عالميا. هذا افتراض ضخم لكنه، كما حاولت أن أريكم، ليس افتراضا طوباويا، وهو جدير بأن نفكر مليا فيما يتضمنه من معاني.
سيعني هذا أن تهديد الثورة المضادة الرأسمالية قد تم إنهاؤه للأبد وأن تهديد الإبادة النووية قد رفع من على كاهل الجنس البشري.
سيعني أن الحروب القومية، المسئولة عن قتل أكثر من 100 مليون شخص في القرن العشرين وحده، ستتوقف.
سيعني أن مشاكل الفقر العالمي والتخلف يمكن التعامل معها والتغلب عليها بطريقة منسقة، وأن الناس سيتحركون بحرية على سطح الأرض، وأن جذور الفاشية قد تم تحطيمها.
سيعني أن الاشتراكية الأممية وتسخير موارد العالم لخدمة الإنسانية الموحدة ستصبح حقيقة.