ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟
سيضع تأسيس اقتصاد اشتراكي مخطط على نطاق عالمي نهاية للأزمات المتكررة للرأسمالية، التي ينتج عنها تدمير وإهدار للموارد الإنتاجية عبر عمليات الإفلاس ونقص الاستثمارات وفوائض الإنتاج والبطالة على نطاق واسع. سيعني ذلك أن الموارد التكنولوجية والعلمية والاقتصادية والبشرية الضخمة بحق، والمكرسة للإعداد للحروب وشنها، سيعاد توجيهها لأغراض مفيدة اجتماعيا.
عندما نأخذ في الاعتبار أن دبابة بريطانية واحدة من نوع “تشالينجر” تكلف حوالي 2 مليون جنيه إسترليني، وأن نظام الصواريخ “ترايدنت” سيكلف حوالي 42 مليون إسترليني على امتداد عمر المشروع، وأن حرب ريجان للنجوم كلفت ما يصل إلى 100 بليون دولار أمريكي، يصبح لدينا فكرة عن الإمكانيات الاقتصادية التي سيتم إطلاقها.
ستزيل الاشتراكية أيضا الإهدار الهائل الكامن في الإنتاج الرأسمالي بازدواجية الجهد التي يتضمنها – صناعة كميات هائلة من منتجات متشابهة من مساحيق للغسيل والسيارات وأجهزة الراديو.. الخ. وستضع نهاية للأموال الضخمة المنفقة على الإعلان وإنتاج سلع الترفيه غير الضرورية من أجل الأغنياء. وستتقدم نوعية وإنتاجية العمل بشدة لأن المنتجين سيكون لهم – لأول مرة – مصلحة ثابتة مباشرة في الإنتاج وسيكونون أكثر صحة وأفضل تعليما بما لا يقاس.
باختصار، ستحقق الاشتراكية الأممية تطورا استثنائيا في قوى الإنتاج سوف يتجاوز بدوره كل ما تم تحقيقه في هذا الميدان في كل التاريخ الماضي. هذا التقدم الاقتصادي هو الذي سيضع الأساس المادي للتحول إلى مجتمع لا طبقي بشكل كامل.
في المقام الأول، سيجعل هذا التقدم توفير الغذاء المناسب والملبس والمأوى – ضرورات الحياة – ممكنا للجميع على وجه الأرض. لن يموت طفل ثانية أبدا من سوء التغذية أو من مرض يسهل منعه. هذا وحده سيكون كافيا ليبرر الاشتراكية. لكن في الواقع سيكون هذا فقط البداية لما يمكن أن تقدمه الاشتراكية. وخلف تحقيق مستوى معيشة مرضي للجميع، يقع الطريق إلى الوفرة والتوزيع الحر طبقا للحاجة.
هذه النقطة جوهرية بالنسبة للمفهوم الماركسي حول المرحلة الأعلى للاشتراكية، أو الشيوعية كما أسماها ماركس، ويحتاج إلى شرح أكثر.
منذ البداية، ستؤدي الاشتراكية إلى مساواة هائلة في توزيع السلع بالمقارنة بالتفاوتات العميقة الموجودة في الرأسمالية. فالتراكمات الهائلة للثروة، والمشتقة من الاستغلال والملكية، ستتم مصادرتها. والمرتبات المتضخمة، التي تدفعها الطبقة الحاكمة لنفسها وقطاع من الطبقة الوسطى، ستختفي. أما أجور الطبقة العاملة، وبالخصوص الشريحة الأقل، فسيتم زيادتها بسرعة.
على الرغم من ذلك، ففي البداية – لأن الاشتراكية تبدأ من الموارد التي ترثها من الرأسمالية – سيبقى عرض السلع محدودا، وسيبقى العمال يعملون مقابل أجور نقدية يستخدمونها بدورها لشراء هذه السلع. على أي حال، ستزيد الاشتراكية تدريجيا من إنتاج نطاق من السلع، يتسع بشكل مستمر، إلى النقطة التي يتجاوز فيها العرض الطلب. عندها سيصبح ممكناً إيقاف بيع هذه السلع، والبدء بتوزيعها على أساس الحاجة.
لكي نلخص كيف يمكن عمل ذلك، دعونا نأخذ مثال المياه. فلا تزال إمدادات المياه في أجزاء عديدة من العالم اليوم – خاصة المياه النقية – قليلة بشكل ميئوس منه. لكن في كل الدول الصناعية المتقدمة، تم التغلب على المشكلة هذه، حتى في ظل الرأسمالية. هناك مياه أكثر من كافية، وبالتالي فهي ببساطة متاحة للجميع في الصنابير. ولا يتسبب هذا في أن يستهلك الناس المياه بجنون. فبالإضافة إلى قدر معين مبدد يسهل التكيف معه، يستهلك الناس فقط ما يحتاجون إليه.
ما استطاعت الرأسمالية عمله بالنسبة للمياه، ستكون الاشتراكية قادرة على عمله على نطاق أوسع بكثير – مع الوضع في الاعتبار نمو القوى الإنتاجية الذي حددناه من قبل.
سيكون الإسكان مجالا واضحا للبدء منه. سنبني ببساطة بيوتا أكثر من عدد الناس الذين يرغبون في السكن، وستخصص وفقا للحاجة. ولكي ينتقل الناس من منزل لآخر، سيتحركون إلى مسكن خالي أو يتبادلون المنازل بدلا من بيعها وشرائها. مثل هذا الترتيب لن يحل فقط مشكلة من هم بلا مأوى، لكن سيكون أيضا أبسط بكثير في عمله من نظام شراء البيوت الحالي المعقد والمضجر.
ومن البديهي هنا القول إن التعليم والخدمات والصحة، كلها ستكون مجانية بشكل كامل. وكذلك ستكون المواصلات العامة، التي سيتم التوسع فيها بشدة (من المحتمل أن يتم ذلك إلى الدرجة التي تصبح السيارات الخاصة فيها لا لزوم لها).
وبينما ستصبح كل الخدمات مجانية، سيوجه عمل جامعي الأموال المتعددين – من وكلاء الدولة إلى محصلي الأتوبيسات – إلى نفع أفضل.
وبمرور الوقت سينتشر مبدأ التوزيع الحر، من المياه والإسكان والصحة والتعليم والمواصلات، إلى الغذاء والملبس والاتصالات والترفيه.. وهكذا إلى أن يتضمن السلع جميعا. سيتبدد البيع والشراء. وستفقد النقود – التي تبدو إله المجتمع الرأسمالي الكامل القوة، لكن في الحقيقة هي فقط الوسيلة التي يتم بها تبادل منتجات العمل البشري – نفعها بشكل ثابت، إلى النقطة التي يمكن عندها الاستغناء عنها تماما.
قد يبدو هذا غريبا بفعل التلقين الرأسمالي الذي نتلقاه جميعا منذ مولدنا. لكن إذا أخذنا في الاعتبار المقدمة المنطقية التي تقول إن الاشتراكية الأممية سوف تطلق عنان القوى الإنتاجية المقيدة والمحتجزة من قبل الرأسمالية حتى وقتنا، هذا فليس هناك شيء غير واقعي بخصوص ذلك.
في الواقع هناك حجة مضادة جادة واحدة –بالتحديد إنه إذا كان كل شيء مجانيا، فلن يجهد أحد نفسه أو يهتم بأن يعمل.