بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق التالي »

7. تحويل العمل

العمل مركزي للحياة الإنسانية، لحياة الفرد ولحياة المجتمع. وقد كان من خلال العمل، من خلال العمل المنتج، أن ميز الجنس البشري نفسه عن الحيوانات الأخرى. إن تجربة العمل، هي التي تمثل العامل الأساسي في تشكيل شخصية كل فرد. والطريقة التي يعمل بها مجتمع ما لإنتاج السلع، هي الأساس لكل علاقاته السياسية والاجتماعية.

لكن في ظل الرأسمالية، العمل تجربة سلبية بشكل ساحق للأغلبية الكاسحة من الناس – أي للطبقة العاملة. العمل مفتت إلى درجة يكون عندها على الناس أن يتخصصوا طيلة حياتهم في إعادة لا نهائية لمهام ميكانيكية ضيقة. عمل منهك ومهين وفوق كل شيء ممل. عمل ينتج الترف والمتعة والثقافة للرأسماليين، لكنه ينتج شخصيات مبتسرة وحياة مبتسرة للعمال.

تحويل العمل، لذلك، مهمة مركزية للثورة الاشتراكية. وعلى المدى الطويل، هو أكثر المهام أهمية على الإطلاق.

ستضع الخطوات الأولى للثورة – تأميم الصناعة تحت سيطرة العمال – الأساس لهذا التحويل بإنهاء الاستغلال والسعي وراء الأرباح، الذين يجعلان العمل كما هو عليه الآن في الحاضر. منذ البداية، ستغير سلطة العمال  تجربة العمل. ستضع نهاية لعملية الإذلال اليومية التي يعاني منها العمال على يد المديرين والرؤساء والملاحظين من كل نوع. ستجعل سلطة العمال الأمان في العمل الأولوية الأولى وليست الأخيرة، وستضيف للفائدة الناتجة من العمل بشكل هائل.

لكن في البدء، سيكون العمل الفعلي الممارَس، كإصلاح الآلات، استخراج الفحم، الطباعة على الآلات الكاتبة..الخ، بالضرورة، تقريبا كما هو في ظل الرأسمالية. بالرغم من ذلك، فبينما تتطور قوى الإنتاج سيتغير كل هذا تماما.  ويتعلق هذا التغير  بثلاث عمليات مترابطة.

  أولا، سيتم اختصار أسبوع العمل بشكل نظامي. في ظل الرأسمالية، ُيستخدم أي تقدم تكنولوجي جديد للتخلص من العمال. وهكذا نرى تركيبة تجمع بين ملايين العمال، الذين يعملون عملا إضافيا، وملايين آخرين من العاطلين الذين لا يجدون عملا. بوجود التخطيط الاشتراكي، سيتم اقتسام العمل الكلي المطلوب بشكل متساوٍ، وكل تقدم تكنولوجي جديد سوف يخفض مقدار العمل البدني المطلوب على الجميع.

  هذا أمر حاسم – ليس فقط لأنه سيقلل من المشقة البدنية، لكن أيضا لأنه سيحرر العمال ليتطوروا تعليميا وثقافيا، وليمارسوا دورا أنشط في إدارة المجتمع عموما في كل جوانبه.

  ثانيا، سيتم استخدام التشغيل الآلي للقيام بالوظائف البغيضة والدنيا، وبالتالي ُترفع من على كاهل العمال. وبالأخذ في الاعتبار أنه، حتى في ظل الرأسمالية، يمكن إيصال الصواريخ للقمر أو المريخ، فلن يكون صعبا أن نتخيل أن التخلص من القمامة، أو تنظيف المكاتب، أو أغلب الأعمال المنزلية، العمل في المناجم، والعمل على خطوط الإنتاج يمكن أن تتم كلها بشكل آلي.

  ثالثا، سيتم التغلب على تقسيم العمل تدريجيا. فتقسيم العمل له مظهران رئيسيان. من ناحية، هناك التقسيم، الذي يتخلل العملية تماما، بين العمل البدني والعمل الذهني، بين المُخطِطِين والمخطَطَ لهم، بين المسيطِرين والمسيطَر عليهم، والذي نشأ ويتزامن مع تقسيم المجتمع إلى طبقات مستغِلة ومستغَلة. ومن الناحية الأخرى، هناك تكسير عملية الإنتاج إلى مهام أصغر وأصغر تفتقر تماما للمهارة وللأهمية وللإبداع، وهي عملية يمكن اعتبارها نتاجا للتصنيع الرأسمالي على وجه الخصوص.

  هذا المركب من العوامل التي أشرنا إليها أعلاه – سيطرة العمال، تقليل وقت العمل الجبري، التشغيل الآلي – هو الذي سيقضي على مظهري تقسيم العمل كليهما.

  سيصبح الجميع منتجا ومخططا للإنتاج في نفس الوقت. وسيكون لدى الجميع الوقت والطاقة والتعليم الضروري للمشاركة في التشكيل الجماعي للبيئة – وهو عمل سيتطلب التحام المعارف الفنية والعلمية والتقنية والاجتماعية، وسيكون عملية جماعية خلاقة.

  في ظل هذه الظروف سيصبح العمل – بكلمات ماركس – “ليس فقط وسيلة للعيش بل الحاجة الأولى للحياة”. سيتوقف العمل عن أن يكون ضرورة مملة ومتعبة وسيصبح متعة إيجابية، أي وسيلة للتعبير الإنساني الفردي والجماعي.

  البشر ليسوا كسالى بطبيعتهم. انظر إلى أقرب صورة يمكن أن نراها لذلك الكيان الأسطوري المسمى بـ”الشخص الطبيعي”، وهي صورة الرضيع أو الطفل الصغير، وسترى كيف أنه مفعم بالفضول والطاقة والحماس للمعرفة، للنشاط وللحياة. إن الرأسمالية، القمع، والعمل المغترب هي التي تنهك الناس وتحطمهم، تدمر طاقتهم وتقنعهم بأنه من الأفضل أن يقضوا حياتهم مادِّين أرجلهم أمام التليفزيون.

  انظر إلى الجهد الهائل الذي يبذله العديد ممن ينتمون للطبقة العاملة في هواياتهم أو في الحركة العمالية أو النقابية. ليس من الصعب أن نرى كيف – عندما يكون العمل لأنفسهم أو ليس لصالح طبقة المستغِلين، وعندما يكون العمل متنوعا ومشوقا – أنه سيأتي وقت لا تكون هناك ضرورة لإكراه بدني أو اقتصادي لضمان إنجاز العمل الضروري.

  ستجلب الاشتراكية، في مراحلها المتقدمة، عادة القيام بالعمل الخلاق والمحفز، وتخطيط الإنتاج للوفاء بالحاجات الإنسانية، ستجلب تطور العلم والتكنولوجيا، والتوزيع الحر لعرض فائض من السلع.

  وبمجرد قيامها بذلك، لن يكون هناك ما يمنع المجتمع من أن يكتب على راياته المبدأ الاشتراكي النهائي: “من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته”.

« السابق التالي »