بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماذا نعني بالمجتمع الاشتراكي؟

« السابق التالي »

9. نهاية العنصرية

العنصرية هي واحدة من أكثر ملامح المجتمع الرأسمالي قبحا وضررا. وستحتاج الأجيال القادمة، التي ستعيش في ظل الاشتراكية، لأن تطلق العنان لخيالها لكي تستطيع فهم العنصرية، ليس فقط في تجلياتها في الجرائم الكبرى على شاكلة الهولوكوست النازي أو سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الأبارتهايد، وإنما أيضا في تجلياتها الصغرى مثل الهستيريا المرضية ضد طالبي اللجوء في أوروبا.

  وما من شك أنهم سيعتبرون هذه السلسلة من الحوادث دليلا نافذا على أن المجتمع الذي أنتجها كان فاسدا من أساسه. وذلك لأن الاشتراكية ستستأصل العنصرية.

  ولا أعني بذلك فقط أن الاشتراكية ستخوض معركة ضد العنصرية. فمن البديهي المؤكد أن الاشتراكية ستشن الحرب الأكثر تصميما على كل أشكال العنصرية. وستعتبر دولة العمال أي تعبير عن التمييز العنصري، أو التحرش العرقي، أو أي تعبير عن الإيديولوجية العنصرية،  الجريمة الأخطر. وستتحد مدارس وإعلام دولة العمال لتوعية السكان بروح النضال ضد العنصرية.

  لكنني أعني أكثر من ذلك بكثير. أعني أن الثورة الاشتراكية ستمزق الجذور الأعمق للعنصرية لتصبح بمرور الوقت أثرا  منطويا على مفارقة تاريخية، وشيئا سخيفا ومنقطع الصلة بالواقع كمحاكمة الساحرات. ولنرى كيف سيحدث ذلك، من الضروري أولا فهم من أين تأتي جذور العنصرية.

  العنصرية، على العكس النظريات التي يقدمها أناس هم في الحقيقة يدافعون عنها، ليست رد فعل طبيعي أو غريزي في مواجهة الغرباء، ولا هي عادة من الماضي تتعلق بالخرافات البدائية المؤسسة على الجهل. وعلى غير الحال في اضطهاد وقمع النساء، ليست العنصرية حتى نتاجا للمجتمع المنقسم طبقيا بشكل عام.

  العنصرية هي منتج محدد لصعود وتطور النظام الاقتصادي الرأسمالي. فلم تكن ملمحا للمجتمعات ما قبل الرأسمالية حتى في مجتمعات العبيد القديمة في اليونان وروما. ففي هذه المجتمعات، كان العبيد وملاكهم على حد سواء سودا وبيضا. وبالرغم من أن الأفكار المعادية للعبيد، من نوعية أنهم بالطبيعة أدنى، كانت موجودة، إلا أنه لم يكن لها أي دلالة عرقية أو متعلقة بلون البشرة.

  ويكمن أصل العنصرية في تجارة العبيد، في ممارسة الخطف والترحيل القسريين لملايين الأفارقة سود البشرة إلى الأمريكتين للعمل كعبيد في المزارع. (هذه المقولة كانت سببا في إثارة جدل خلافي. فقد تم القول بأن وجود معاداة السامية في العصور الوسطى يبدو متعارضا مع فكرة أن العنصرية نتاج للرأسمالية. بالرغم من ذلك، وكما بين أبراهام ليون في كتابه “المسألة اليهودية”، فإن معاداة السامية في هذه الفترة كانت دينية بالأساس وليست عنصرية، وكان بإمكان اليهود الذين تحولوا للمسيحية تجنبها. وليس هذا بالتأكيد تقليلا من الفظائع التي ارتكبت في هذه الفترة، لكن من أجل الإصرار على النظر لها في نفس الإطار ونفس الضوء الذي ننظر على أساسه للاضطهاد المريع لطوائف الأقليات المسيحية في الفترة ذاتها.)

وتم الشروع في هذه التجارة ونظام العبودية الذي تبعها لأسباب اقتصادية. فقد كانا مربحين للغاية، ولعبا دورا رئيسيا في صعود الرأسمالية. لكن ككل أشكال الاستغلال، احتاجا لتبرير أيديولوجي وهو ما أمدتهما به العنصرية. وتم إضفاء الشرعية على معاملة الملايين بطريقة غير إنسانية من خلال نظرية أن هؤلاء الناس أدنى من البشر.

وتدعمت العنصرية، التي نمت من تجارة العبيد، عند ذلك أكثر وتعززت من خلال الإمبريالية ككل. وكانت الرأسمالية، التي ظهرت في أوروبا الغربية (وكانت تتطور بالتحديد في بريطانيا) مدفوعة بطبيعتها التنافسية، تغزو العالم من أجل إيجاد أسواق لمنتجاتها، من أجل المواد الأولية، وعندئذ من أجل المستعمرات لتكون منفذا للاستثمار ومصدرا للعمل الرخيص. وخلق هذا، بشكل حتمي، صراعا بين تجار ومبشري ورجال أعمال وسياسيي الرأسمالية الأوربية وبين السكان الأصليين في الأمريكتين.

   ومرة أخرى كان هناك احتياج لتبرير إيديولوجي. ولم يكن هناك أفضل من فكرة أن هؤلاء الناس كانوا كالأطفال: بدائيين وغير قادرين، وأن عملية النهب والسلب برمتها كانت لمصلحتهم – وأن ذلك كله مثل العبء الموضوع على كاهل الرجل الأبيض أن يقودهم ببطء نحو “الحضارة”.

  بالرغم من ذلك ليست العنصرية مجرد تراث للإمبريالية الأولى. فهي يتم توليدها وإعادة توليدها بشكل مستمر عبر الرأسمالية المعاصرة، لأن الرأسمالية لا تستند فقط على التنافس بين الرأسماليين وإنما أيضا على التنافس بين العمال.

  وتشجع بنية الاقتصاد الرأسمالي العمال على أن يروا العمال الآخرين كخصوم في السباق على الوظائف والسكن وغيرها. وفقط من خلال التغلب على هذه المنافسة بينهم وبين بعضهم، يمكن للعمال أن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم في مواجهة النظام.

  وبالتبعية، تعطي أي أفكار من نوعية التمييز على أساس الجنس، التعصب القومي، وقبل كل شيء العنصرية، والتي تضع العمال في مواجهة بعضهم وتفسد وحدتهم، ميزة هائلة لأصحاب العمل. وتمد العنصرية أيضا النظام وطبقته الحاكمة بكبش فداء ملائم تماما يتحمل اللوم على البطالة وكل الأمراض الاجتماعية التي تنتجها الرأسمالية.

لهذه الأسباب تذكي الرأسمالية نار العنصرية، علنا أو سرا، لكن بشكل مستمر، لكي تكون الورقة العنصرية موجودة دائما للعب بها عند الحاجة.

وليس من المقصود من أي من هذا القول إن مشاكل العنصرية ستحل بسهولة، ولا أنها ستختفي بين يوم وليلة مع الثورة. على العكس، فجذور العنصرية عميقة للغاية. النقطة هي أنها جذور رأسمالية، وأنه في اللحظة التي سيتم فيها تحطيم الرأسمالية، فإن هذه الجذور ستحرم مما يغذيها وستبدأ في الذبول.

الأكثر من ذلك، ستكيل عملية الثورة نفسها ضربات قوية عديدة للعنصرية. الأولى، لأنه من المؤكد أن العمال السود سيلعبون أنفسهم دورا قياديا قويا في الثورة. والثانية، لأنه بدون تحقيق الوحدة بين الأقسام الحيوية للطبقة العاملة البيضاء والسوداء (على أساس المعارضة الكاملة للعنصرية) لن يكون بمقدور الثورة أن تأمل في تحقيق النصر. والثالثة، لأن الطبقة العاملة المنتصرة الواثقة التي اجتازت تجربة النضال الثوري المنيرة، ستشعر بانعدام الحاجة لأكباش فداء.

وبالبناء على هذا الأساس الثابت فإن المجتمع الاشتراكي، الذي يوحد العمال كملاك جماعيين مسيطرين على الإنتاج بدلا من تقسيمهم، والقادر على حل مشاكل البطالة والمشردين والفقر، والذي ينشر نفسه عبر التضامن الأممي بدلا من الغزو الإمبريالي، سوف يزيل بثبات الذرات الأخيرة المتبقية للعنصرية.

« السابق التالي »