بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ليون تروتسكي: النظرية والممارسة

« السابق التالي »

10 – نشر الثورة

جادل تروتسكي طويلاً بأنه لا يمكن فهم هذا العالم إلا ضمن نظام عالمى متكامل، كما أنه، ولينين، تمسكا دائماً بضرورة انتشار الثورة عبر العالم، بالأخص في الدول الأوروبية المتقدمة، كشرط أساسي لانتصار الثورة الروسية.

لقد أدت الأزمة الاقتصادية والسياسية العنيفة التي تسببت فيها الحرب العالمية الأولى، بجانب الإلهام الجبار للثورة الروسية، إلى تطورات هائلة في الحركات الثورية عبر العالم في الفترة من 1918 إلى 1920. في نوفمبر 1918، انهارت الإمبراطورية الألمانية وقد شكل “مندوبي الشعب” حكومة جديدة لإدارة شئون البلاد. وفي المجر نجح الثوار في تأسيس حكومة سوفيتية استمرت لفترة قصيرة من الزمن. وفي إيطاليا، شهدت الفترة من 1919 – 1920، والتي عُرفت بالسنوات الحمراء، نضالات جماهيرية للعمال واحتلال واسع للمصانع. أما في اسبانيا، فقد اجتاحت الحركة الثورية كافة أرجاء البلاد، حتى أنه في فالينسيا 1918 قام الثوار بتسمية بعض شوارع المدينة “لينين” و”ثورة أكتوبر”، إلخ.

وحتى بريطانيا قد شهدت موجة عملاقة من الإضرابات العمالية عبر البلاد، كما شهد الجيش البريطاني بعض الاضطرابات والتمردات، وفي نفس الوقت واجهت بريطانيا مقاومة جاهيرية في مستعمراتها، بالأخص في الهند ومصر علاوة على حرب العصابات التي قدّت مضجعها في أيرلندا. وبالإضافة إلى كل ذلك، اجتاحت الإضرابات العمالية مناطق واسعة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

كان ذلك هو السياق الذى قرر فيه البلاشفة تأسيس منظمة أممية لتوحيد كافة الأحزاب الاشتراكية الثورية عبر العالم (الأممية الثالثة التي عُرفت بإسم الكونترن). ففي نفس الوقت الذى يؤسس فيه البلاشفة الجيش الأحمر للدفاع عن الدولة الثورية حديثة النشأة في مواجهة القوى العالمية التي سعت لتدميرها، انتقل البلاشفة أيضاً إلى الهجوم من خلال توحيد كل القوى الثورية في العالم.

وعلى الرغم من انشغال تروتسكي بقيادة الجيش الأحمر، إلا أنه قد لعب دوراً محورياً في المنظمة الأممية الوليدة، فهو من كتب الدعوة إلى المؤتمر الأول للأممية الثالثة في مارس 1919، كما ساهم بشكل كبير في إعداد قرارات ومواثيق الأممية في الخمس سنين الأولى لها، علاوة على توثيقه الدؤوب للاجتماعات والنقاشات الدائرة في الأممية.

تأسس الكومنترن على مبدأين أساسيين، وهما الأممية والتفرقة بين الإصلاح والثورة. كانت الحدود الفاصلة بين الإصلاح والثورة قد تم إلقاءها في القمامة من قبل الكثير من الأحزاب الاشتراكية في الأممية الثانية، وذلك عندما ذهبت تلك الأحزاب في عام 1914، لتأييد حكوماتها لخوض الحرب العالمية الأولى. وكانت هذه هى المرة الأولى التي دعا فيها لينين وتروتسكي بملء الفم لضرورة بناء أممية جديدة مرتكزة على مبادئ الثورة والأممية الحقيقية.

كانت هذه الدرجة من الوضوح لدى لينين وتروتسكي ضرورية أثناء موجة الثورات الهائلة التي تأسست خلالها الأممية الثالثة، فلقد كان هناك الكثير من التنظيمات التي تدعي الاشتراكية في حين أنها في الحقيقة تنظيمات إصلاحية تسعى لإجراء بعض التغييرات ضمن الإطار العام للرأسمالية. على العكس من ذلك، تأسس الكومنترن مرتكزاً على المبادئ الاشتراكية الثورية، حيث الحاجة لبناء الديمقراطية العمالية ورفض الفكرة القائلة بأنه من الممكن بناء المجتمع الاشتراكي من خلال أجهزة الدولة الرأسمالية القائمة.

وعلى الرغم من أن المؤتمر الأول للكومنترن كان صغيراً، إلا أن نمو وانتعاش التحركات الثورية عبر العالم كان ينعكس في درجة أعلى من الراديكالية لدى الكثير من المنظمات والأحزاب الاشتراكية، الأمر الذى انعكس بدوره في زيادة عدد الأحزاب الثورية التي تنضم للكومنترن. وبحلول المؤتمر الثاني في صيف 1920، كانت الأممية الثالثة قد صارت منظمة أممية جماهيرية.

لقد آمن تروتسكي ولينين أن الشرط الضرورى لتامين مستقبل الثورة العالمية هو انتصار الثورة في أحد المراكز الرأسمالية المتقدمة في الغرب. لكنهما في الوقت نفسه استوعبا بشكل كامل أهمية انتفاض الشعوب المقهورة من الدول الاستعمارية الكبرى. وكما كتب ليون تروتسكي أثناء تواجده على الجبهة في قيادة الجيش الأحمر، فإن “الطريق إلى باريس ولندن يمر عبر مدن أفغانستان والبنغال”.

كان العديد من الشعوب التي عانت في ظل الاستعمار تأخذ طريقها في النضال من أجل التحرر، مستلهمةً انتصار البلاشفة وسياساتهم التقدمية تجاه القوميات المضطهدة. ولقد بذل البلاشفة جهوداً وافرة للتواصل مع تلك الشعوب المقهورة عبر العالم. في 1920 على سبيل المثال، نظم البلاشفة مؤتمراً لشعوب الشرق في مدينة باكو بأذربيجان، حضره حوالى ألفين مندوباً من قوميات مختلفة، وكان الغرض من المؤتمر واضحاً وهو توحيد الثوريين عبر آسيا للبحث في كيفية نشر الثورة عبر القارة والتحرر من الاستعمار والاضطهاد.

« السابق التالي »