بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الصين ثورة من؟

« السابق التالي »

2. 1949 والطريق ونحو السلطة

لقد أصبحت قصة صعود ماو للسلطة -من قائد لجيش مهلهل يضم أقل من ألف محارب في 1927 حتى انتصاره في 1949 – واحدة من أعظم أساطير القرن العشرين. يقال أنه منذ الأيام الأولى كان لدى ماو استراتيجية مميزة للقضاء على الرأسمالية والإمبريالية في الصين – بناء “قواعد حمراء” قوية بين الفلاحين يتمكن من خلالها جيش عصابات من الاستيلاء على المدن الكبيرة والصغيرة في نهاية الأمر.

تضمنت هذه الاستراتيجية قطيعة واضحة مع سيطرة ستالين على الشيوعية العالمية وأدت بماو إلى أن يعيد تشكيل الماركسية بشكل جوهري ليجعلها تناسب واقع العالم الثالث.

لكن الحقيقة مختلفة كثيرا عن ذلك. إن ما ينسى في معظم الأحيان هو أن طريق ماو للسلطة بدأ بهزيمة ثورة الطبقة العاملة في 1925 – 1927، وهذه الهزيمة تسببت فيها السياسات الكارثية التي فرضها ستالين على الحزب الشيوعي الصيني الناشئ.

في هاتين السنتين كان جنوب شرق الصين يعج بحمى ثورية قوية.

بدأ عشرات الملايين من العمال والفلاحين يكتشفون قوتهم عندما دخلوا في النضالات ضد السيطرة الإمبريالية على الصين وضد الرأسماليين وملاك الأراضي الصينيين. كان محور النضال في البداية وطنيا من أجل إقامة حكومة وطنية قوية تستطيع أن تطرد الإمبريالية الغربية واليابانية من مدن الموانئ – مدن المعاهدات و”الامتيازات”. وكان الكومنتانج: الحزب الوطني، هو الذي سيطر على هذا النضال. إلا أن قوة الكومنتانج كانت مؤسسة على نضالات العمال. فالإضرابات الجماهيرية والمقاطعات التي شنتها النقابات العمالية بقيادة الحزب الشيوعي -والتي أسفرت عن الإضراب العام الذي استمر 12 شهرا في هونج كونج- هي التي مكنت الكومنتانج من إقامة أول قاعدة لنفوذه في مقاطعة جواندونج. وعندما بدأ الكومنتانج في 1926 الحملة الشمالية للاستيلاء على بقية الصين كانت نضالات الفلاحين في القرى هي التي مكنت الجيش من التقدم بسرعة كبيرة بعرض الجنوب الصيني.

وبتعمق النضالات اتسع مجالها ليتخطى الحدود التي كان الكومنتانج يفرضها عليها. كانت المليشيات العمالية تؤمن شوارع كانتون وتفرض الحصار داخل هونج كونج. وانتشرت الإضرابات حول الأجور وعدد ساعات العمل وظروف العمل إلى العمال المستأجرين بواسطة الرأسماليين الصينيين. لقد كانت الثورة الوطنية تتحول إلى ثورة عمالية. وبينما كانت الثورة تنتشر شمالا في مدن ووهان وشنغهاى تكرر نفس النمط.

وفي الريف تغير محور الصراع بسرعة أكبر. فالإمبريالية بالنسبة للفلاحين كانت شيئا مجردا وكان العدو هو ملاك الأراضي. وكما صور الأمر أحد مؤرخي الثورة : ‘قال الكومنتانج: “لتسقط المعاهدات غير المتكافئة..ولكن المعاهدات غير المتكافئة الوحيدة التي كان فلاحو هونان يعرفونها هي اتفاقات الإيجار …فبالنسبة لفلاحي هونان كان “إلغاء المعاهدات غير المتكافئة” يعنى إلغاء العبودية على الأرض’.(1)

وخلال أواخر 1926 وأوائل 1927 انتشرت موجة من الانتفاضات الفلاحية بعرض مقاطعات جوان ندونج وهونان وهوباى. تم نزع ملكية ملاك الأراضي وطرد المرابين وإقامة التعاونيات لإنتاج وتوزيع الطعام للتأكد من أن أحدا لم يتعرض للجوع. وتم الهجوم على المساوئ الاجتماعية التي ظلت مقبولة لمئات الأعوام. وفى كثير من القرى تم القضاء على بيع النساء والأطفال للدعارة ، وربط أقدام النساء، وتدخين الأفيون، والطقوس الدينية.

ودافع ملاك الأراضي عن ملكيتهم بوحشية وعنف خياليين -وبتأييد كامل من الكومنتانج. لأن الكومنتانج كان يمثَّل تطلعات الرأسماليين وملاك الأراضي الصينيين لأن يصبحوا طبقة حاكمة على قدم المساواة مع بقية العالم. ولتحقيق ذلك كانوا بحاجة لنضال الجماهير، ولكن كما طرح تروتسكي: “أن البرجوازية الصينية واقعية وعلى دراية بطبيعة الإمبريالية العالمية بالقدر الكافي لتفهم أن نضالا جادا حقيقيا ضد الأخيرة يحتاج انتفاضة من الجماهير الثورية قد تصبح خطرا على البرجوازية ذاتها”.(2)

وكلما أصبح الخطر أكثر وضوحا كلما تحول الكومنتانج أكثر ضد الحركة العمالية. فالحركة في المدينة هي التي ألهمت النضالات في الريف، لذا كان لابد من سحق المدن لو كان مقدرا للكومنتانج الحفاظ على تأييد رأس المال الصيني وكسب التنازلات من الإمبريالية. واحتضن تشانج كاى تشيك المهمة بحماس بالغ.

وجاءت ذروة المذابح الدموية في إبريل 1927 في شنغهاى. فبينما كانت الحملة الشمالية تقترب من المدينة دعت النقابات العمالية لإضراب عام مسلح واستولى العمال على المدينة لمدة 12 يوم.

وعندما دخلت قوات الكومنتانج المدينة طلبت من العمال إلقاء أسلحتهم والترحيب بالقوات كـ”محررين”. ولم يمض كثيرا على تثبيت أقدامه في المدينة حتى هجم الكومنتانج على العمال وذبح أكثر من 50 ألف عامل وتم تحطيم كل منظمات الطبقة العاملة.

وفى يوليو هجمت حكومة الكومنتانج في ووهان على الحركتين العمالية والفلاحية هناك في إعادة لمذابح إبريل. هذه المرة بلغ عدد القتلى أكثر منه في شنغهاى حيث أن ملاك الأراضي شنوا حملة إرهابية واسعة في الريف المجاور لووهان.

كيف أمكن لحركة قوية كهذه أن تهزم بدون إطلاق طلقة واحدة؟ الإجابة تكمن في التحالف الذي تم بين الكومنتانج والحزب الشيوعي الصيني،بأوامر من موسكو، والذي أكد أن الحزب الشيوعي الصيني غير قادر على أن يكون قوة ثورية مستقلة. فلقد أعلن ستالين أن الثورة الصينية لا يمكنها أن تكون إلا ثورة وطنية وبالتالي ثورة يقودها الكومنتانج. وتبع ذلك أنه لكي يظل التحالف قائما كان لابد من وقف نضالات العمال والفلاحين ضد الرأسماليين وملاك الأراضي “الوطنيين” الصينيين.

لقد كان الحزب الشيوعي يقود النقابات العمالية ويؤثر بشكل كبير في الحركة الفلاحية. إلا أنه لم يتصرف كحزب ثوري يدفع النضال للأمام ولكن كجناح يساري للكومنتانج. كان هذا يعنى أنه بعد أن أشعل الحزب النضالات عاد -بناء على منطق “وحدة معاداة الإمبريالية”- ولجم تلك النضالات. تسبب ذلك في إحباط مؤيدي الحزب الذين تركوا الحركة عندئذ؛ وهذا بدوره سهل على الكومنتانج الهجوم على الثورة.

واستمر ارتباط الحزب الشيوعي بالكومنتانج حتى بعد مذابح شنغهاى. ورغم أن الحزب هو الذي تحمل خسائر الهجوم حول ستالين تحالفه إلى حكومة الكومنتانج البديلة في ووهان. ولم يغير طريقه إلا بعد أن قامت هذه الحكومة بمذابحها الخاصة. وكان رد فعل ستالين – والعمال قد هُزِموا تماما والحركة الفلاحية قد تم سحقها والحزب الشيوعي لا يمثل إلا كسر بسيط من قوته السابقة – أن أعلن موجة ثورية جديدة !

تم إعطاء الأوامر للحزب الشيوعي لشن مجموعة من الانتفاضات معروفة بـ “انتفاضات حصاد الخريف”، حيث ستهجم جيوش تتجمع في الريف على المدن الاستراتيجية لتأخذها كقواعد تشن منها هجوما على المستوى القومي. كان ذلك جنونا أو انتحارا أدى إلى الاستئصال التقريبي لبقايا الحزب الشيوعي. وقد نجا ماو فقط لأنه خالف الأوامر. وهو كان يقود جيشا مهمته الاستيلاء على هونانيز عاصمة مقاطعة غابخشان وبعد عدة هزائم غير طريقه وقاد جيشه الذي يبلغ أقل من 1000 محارب إلى جبال الجينجانج. وفى مايو 1928 التحق بهم جيش آخر يقوده زودى مكون من أقل من ألف محارب أيضا. كانت تلك القوة الصغيرة هي كل ما تبقى من الحزب الشيوعي الصيني فعليا.

واعترفت نشرة داخلية في نوفمبر 1928 بأن ” منظمات نقابتنا قد نزلت إلى الحد الأدنى، وحدات حزبنا في المدن قد أصبحت مسحوقة ومعزولة ولا يمكننا أن نجد في الصين خلية صناعية قوية”،(3) ولم يبن الحزب الشيوعي بعد ذلك أبدا نفوذه داخل المدن. ومن 1928 أصبح حزب عصابات يتكون في معظمه من فلاحين ويقوده مثقفي الطبقة الوسطى.

وعاشت “القاعدة الحمراء” التي أسسها ماو في 1928 حياة غريبة في السنوات الست التالية، ووسعت بالتدريج المساحة التي تتحكم فيها. أُطلِق على الحكومة اسم “السوفيت” رغم أنها كانت مختلفة تماما عن المجالس العمالية إلا من حيث الاسم؛ كانت بالأساس ديكتاتورية عسكرية رحب بها الفلاحون لأنها وضعت بعض القيود على سلطات ملاك الأراضي المحليين.

في أوائل الثلاثينات تم تأسيس “قواعد سوفيتية” مماثلة في مقاطعات أنهوى و هونان وفى شانكس وجانسو في الشمال الغربي. وكان تواجدهم ممكنا فقط بسبب الفوضى التي سادت الصين خلال الثلاثينات. ورغم أن الكومنتانج حقق هدفه في تشكيل حكومة إلا أنه كان انتصارا زائفا. لم تمتد سلطته إلا إلى المناطق المحيطة ببكين ومدن كبيرة أخرى ولكل المناطق التي كانت تحتلها قوات حكومية. أما بقية الصين فقد حكمها أمراء الحرب المتنازعون ولم تتعد أراضى الكثيرين منهم أكثر من بضعة كيلومترات. وفى المناطق التي كان أمراء الحرب فيها ضعفاء، أو منقسمين على أنفسهم، أو حيث كانت التربة فقيرة جدا بحيث لا يمكن استدرار أي ربح منها كان ممكنا أن تعيش “المناطق المحررة”. كانت تلك المناطق عبارة عن مناطق جبلية كثيرة -ويتضمن هذا جبال الجنجانج- حيث يمكن فيها الهروب من حكم المسئولين وملاك الأراضي المحليين.

ولكن كلما نمت المناطق التي سيطر عليها الحزب الشيوعي كلما تعرضت إلى هجوم منتظم من القوات الحكومية المركزية. ومن 1932 حتى 1934 تم الهجوم خمس مرات على قاعدة ماو في جيانكس ورغم فشل أول أربع هجمات إلا أنه بحلول أكتوبر 1934 كانت أهم “المناطق المحررة” تتعرض لتهديد شديد وردا على هذا التهديد تم شن “المسيرة الطويلة”.

على عكس الأساطير، لم يخطط ماو للمسيرة الطويلة -بل لم يتم إخباره بالخطط إلا بعد أن تم إعدادها.(4) لم تكن المسيرة جزءا من استراتيجية طويلة الأمد بل حلا يائسا لمشكلة يائسة. لقد كانت المنطقة الرئيسية على وشك أن يستولي عليها الكومنتانج، وكان الأمل الوحيد للبقاء هو خلق منفذ لها وإعادة الاستقرار في منطقة أكثر أمانا. ولكن كلما تعرضت المسيرة للهجوم المستمر من القوات الحكومية كلما اضطرت للتوغل أعمق فأعمق في أحراش الصين الغربية حتى أصبح الاختيار الوحيد المتبقي هو الاتجاه نحو “مناطق السوفيتات” في الشمال الغربي.

بالنسبة لمن نجوا في نهايتها كانت المسيرة ملحمة بطولية للتحمل الإنساني. بدأ ما بين 80 ألف إلى 90 ألف شخص المسيرة في أكتوبر وأكملها 4000 فقط بعد عام. تُرِكَ بعض المحاربين على الطريق ليكونوا قواعد عصابات جديدة لكن أكثر من 50 ألف ماتوا أثناء المسيرة. قطع الناجون بين 6000 و 7000 ميلا وفى حوالي منتصف الطريق أصبح ماو قائد الحزب الشيوعي بدون منازع.
ما الذي يمكن أن يكون قد ألهم البشر لتحمل مثل تلك المصاعب؟ الجواب الأساسي نجده في ظروف الريف الصيني في الثلاثينات. لقد عاش معظم الفلاحين حياة فقر بائس، ضائعين بين ملاك الأراضي والمرابين، يتوغلون أكثر فأكثر في الديون كل عام. المجاعة والجفاف كانا أمرين مألوفين –ما بين 1926 إلى 1931 مات ثلث سكان جانسو بسبب المجاعات والفيضانات وأوبئة التيفويد والحرب المحلية. وفى شانكسي مات ثلاثة ملايين شخص جوعا. وبغض النظر عن أي شئ كان ملاك الأراضي يصرون على جمع الإيجارات؛ حتى الموت كان ينقل الديون إلى الجيل التالي وبما أن ملاك الأراضي كانوا هم أيضا القضاة المحليين، كانت كلمتهم هي القانون ذاته.

لقد وعد الجيش الأحمر بإنهاء سلطة ملاك الأراضي وبإعطاء الأرض للفلاحين. فمجرد معاملتهم للفلاحين كآدميين على عكس الوحشية المألوفة من الجيوش الصينية الأخرى جعلت من الممكن أن يصدق الفلاحون الجيش الأحمر. ولا يعنى هذا أنه تم نزع ملكية الأراضي تماما في أي لحظة في “مناطق السوفيتات” ولكن حتى هناك فرض الجيش الأحمر إيجارات أدنى من المعدلات السابقة.

عندما تولى ماو القيادة في 1935 أضاف هدفا آخر للحرب من أجله، التحرر الوطني من الغزو الياباني في 1935 حيث فشلت حكومة الكومنتانج في وقف الزحف الياباني الذي استولى على الكثير من شمال الصين. جاءت المعارضة الوحيدة المسلحة التي واجهوها من”مناطق السوفيتات” في شانكس ولكن في بكين نشأت حركة وطنية قوية بين الطلاب انتشرت لساحات الجامعات في كل شرق الصين.

وبوصول المسيرة الطويلة إلى شانكس بدأ ماو تحريض قوى من أجل ‘جبهة متحدة ضد اليابان’ مع الكومنتانج طالبا إنهاء العداوة بين جيشيهما وعمليات مشتركة ضد اليابانيين. كان لذلك أثره الكبير بين الطلبة وأيضا بين الضباط الصغار في جيش الكومنتانج -فالتوحد مع صينيين آخرين في مواجهة غازي أجنبي ظهر لهم كتعريف جيد لما يجب على حزب وطني أن يفعله.

في ديسمبر 1936 اختطف تشانغ كاى تشيك -جزار عمال شنغهاى عام 1927- بواسطة ضباطه، وأُرغِم على توقيع معاهدة سلام مع الحزب الشيوعي الصيني. (لقد أراد الضباط أن يقتلوه ولم ينقذه إلا إصرار زو إنلاى -مبعوث ماو- على عدم قتله) في المقابل أعلن الحزب الشيوعي “نهاية الديكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين”.(5) (ولا يوجد دليل على أنه قد تم استشارة العمال والفلاحين في هذا الأمر). ألقى الحزب الشيوعي بنفسه في حرب المقاومة. وتم التخلي عن أي كلام عن نزع الملكية لملاك الأراضي وأصبح المحور “توحيد كل الصينيين الوطنيين لمقاومة العدو الخارجي”.

لقد حولت الحرب ضد اليابانيين الحزب الشيوعي إلى قوة قادرة على المنافسة على السلطة. في عام 1937 كان لديهم 30 ألف عضو وبلغت قوة الجيش الأحمر 40 ألف عضو. بحلول عام 1940 ارتفعت هذه الأرقام إلى 800ألف و 500 ألف على التوالي، ومعهم مئات الآلف من الفلاحين منظمين في مجموعات عصابات صغيرة، وتم تطبيق دروس حرب العصابات التي استوعبوها من المسيرة الطويلة ببراعة في سهل شمال الصين وفى الجبال. وبينما تحكم اليابانيون في المدن وخطوط السكة الحديدية تحكم الجيش الأحمر في الريف الواقع بينهم.

هكذا، على أساس الوطنية بنى الحزب الشيوعي أساس قوته، ولكنهم أيضا احتفظوا بشعبيتهم بين الفلاحين بكسرهم للسلطة المطلقة لملاك الأراضي. أينما ذهب الجيش الأحمر فرض كل من… دفع الأجور وخفضها “من أجل مصلحة الوحدة الوطنية”. بالنسبة للفلاحين كان هذا وضعا أفضل مما كانوا يحلمون به. وقف الحزب الشيوعي كقوة فوق كل الطبقات، يتصرف طبقاً لمصالحه الذاتية كطبقة حاكمة مستقبلية -ولكن في أثناء تلك العملية تعامل الحزب مع الفلاحين وملاك الأراضي كمتساويين.

وقد تطابقت سياسة الجبهة المتحدة مع الكومنتانج مع الاستراتيجية العامة التي أتخذها ستالين في أوروبا -وحدة الأحزاب الشيوعية الغربية مع البرجوازية “التقدمية” ضد الفاشية. ولكن على عكس الجبهات الشعبية في أسبانيا وفرنسا، أدت هذه السياسة في الصين إلى تقوية الحزب الشيوعي الصيني بدلا من أن تضعفه. وأحد الأسباب المهمة لذلك هو الدرس العملي الذي أستخلصه ماو من 1927 – تمسك بسلاحك، وجادل أحد مؤرخي تلك الفترة: “ربما يكون أهم شئ في هذه الحركة الثورية هو أنها لم تكن مسلحة بنظرية واستراتيجية بل إنها كانت مسلحة بسلاح”.(6) واجه الحزب الشيوعي والكومنتانج بعضهما البعض كقوتين مستقلتين مسلحتين. وبينما كان يمكن التضحية بالمنظمات الضعيفة في المدن من أجل الوحدة شدد ماو سيطرته على الجيش الأحمر في الريف.

أما الجزء الثاني من التفسير فقد كان له دلالات طويلة الأمد؛ لقد نازل الحزب الشيوعي الكومنتانج على أرضيته الوطنية وفاز. لو لم تستطع طبقة حاكمة الدفاع عن وحدة أراضي دولتها، تخسر شرعية سلطتها. لقد كان الكومنتانج بفساده العميق وتمزقه الحزبي غير قادر على الدفاع عن “المصالح القومية” للصين ضد الإمبريالية اليابانية. في حين كان الحزب الشيوعي هو الذي أثبت القدرة على أداء تلك المهمة. ولذا فقد وطدوا ادعاءهم بأحقيتهم في أن يحكموا الصين بعد الحرب.

بحلول عام 1945 كان أكثر من10% من الصين في أيدي الجيش الأحمر بينما كانت عصابات الحزب الشيوعي تقوم بالعمليات على مساحات أوسع من ذلك بكثير. جاءت الحرب الأهلية التي اندلعت فور الانتصار على اليابان مسألة غير متكافئة بتاتا. فعلى الرغم من الكميات الضخمة من الأسلحة الأمريكية توالت هزائم الكومنتانج بشكل مطرد، وهرب عشرات الآلاف من جنوده إلى الجيش الأحمر معركة بعد معركة. واستمرت الحرب ثلاث سنوات أساسا بسبب المسافات الضخمة التى كان يجب على الجيش الأحمر أن يغطيها ولكن النتيجة كان متأكد منها طوال الوقت.

في 1949 اعترف تشانغ كاى تشيك بالهزيمة وهرب إلى تايوان، وأصبح ماو سيد الصين.

« السابق التالي »