العراق وقيام المقاومة
إن الكفاح من أجل إنهاء الاحتلال في العراق هو حرب في سبيل التحرر الوطني وامتداد لتمرد عام 1920. إن ما بدأ في صورة عمليات هجوم عشوائية متفرقة ضد قوات الاحتلال تطور ليصبح عملية تمرد شعبي متأصلة، أهدافها الرئيسية مدعومة من قبل غالبية العراقيين. ولا يجب أن يتأثر موقف الاشتراكيين تجاه ذلك التمرد بسبب عدم وجود صوت واحد يعبر عن حركة المقاومة مثلما كان الحال بالنسبة لجبهة التحرير الوطنية في الجزائر أو مثل منظمة التحرير الفلسطينية في فلسطين، أو بسبب الصبغة الإسلامية لحركة التمرد. إننا نعارض الاحتلال ونساند العراقيين في كفاحهم من أجل التحرر الوطني. وقد تفهم الثوري الروسي فلاديمير لينين تلك النقطة منذ سنوات بعيدة عندما قامت انتفاضة قومية في إيرلندا الخاضعة للحكم البريطاني، وذلك في أوج الحرب العالمية الأولى. وقد هاجم لينين بشدة الاشتراكيين الذين كانوا أكثر اهتماما بخلافاتهم السياسية مع القيادة القومية للتمرد بدلا من الاهتمام بأثر الانتفاضة على الطبقة البريطانية الحاكمة التي خشيت من أن تنتقل الانتفاضة إلى بقية أرجاء الإمبراطورية:
إن التصور أن الثورة الاجتماعية لا يمكن حدوثها دون عمليات تمرد تقوم بها الأمم الصغيرة في المستعمرات وفي أوروبا، وبدون عمليات ثورية تقوم بها قطاعات من البورجوازية الصغيرة بما تحمله من آراء مسبقة، وبدون حركة تقوم بها الجماهير غير الواعية سياسيا من البروليتاريا وشبه البروليتاريا ضد القهر الذي يمارسه كل من ملاك الأراضي والنظام الملكي والكنيسة، وضد القهر الوطني، إلخ .. هو تصور يعني التبرؤ من الثورة الاجتماعية .. فمن يتوقع قيام ثورة اجتماعية “خالصة” فلن يراها تتحقق أبدا.
إن تضامننا مع الكفاح العراقي ضد الاحتلال يكتسب أهمية أكبر لأن التاريخ يبين لنا أنه على الرغم من إمكانية نجاح حركات مقاتلة في هزيمة القوى الإمبريالية إلا أنها لن تتمكن من ذلك سوى في حالة نجاح الحملة العسكرية في خلق أزمة سياسية للقوى المحتلة. فقد حاربت جبهة التحرير الوطنية في فيتنام بشجاعة ولكنها لم تتمكن من تحقيق نصر عسكري على القوات الأمريكية الأفضل تسليحا، ولكن الجبهة نجحت بالفعل في خلق الظروف المناسبة لهزيمة الولايات المتحدة سياسيا. فقد أدت المقاومة المتواصلة والشديدة إلى حدوث حالة من التمرد بين صفوف الجيش الأمريكي، إلى درجة أنهم وصلوا آخر الأمر إلى مرحلة كانوا يفضلون فيها قتل الضباط بدلا من محاربة المقاتلين. وفي نفس الوقت أدى نمو حركة مناهضة الحرب في الولايات المتحدة إلى خلق أزمة سياسية للطبقة الحاكمة، فمع تزايد الاحتجاجات وتصاعد معدلات الإصابة في الحرب، بدأ السياسيون في البحث عن سبيل للتراجع.
ولدينا اليوم المقومات المؤدية إلى هزيمة الولايات المتحدة هزيمة تقارب تلك التي حدثت في فيتنام، بل إن حركة مناهضة الحرب على مستوى العالم هي أكبر حجما مما كانت عليه في فيتنام، فقد هزت أزمة العراق بلدانا أخرى في الشرق الأوسط، مثل مصر التي شهدت مظاهرات احتجاجا على الغزو، هي الكبرى على مدى 25 عاما من تاريخها الحالي. وفي العراق يتم مد أجل الإمكانات العسكرية الأمريكية، حيث يتم مد فترات أداء الواجب القتالي للقوات وذلك لتوفير الاحتياجات اللازمة لمواجهة التمرد. إلا أن ما هو ممكن ليس حتميا، فقد مرت عشرون عاما قبل تطور الحرب العشوائية إلى حركة تحرر وطني في فلسطين. أما الدمار الذي أصاب الفلوجة فيشهد على المدى اللاإنساني الذي يمكن لحكامنا بلوغه في سبيل القضاء على التمرد.
وعلى الرغم من ذلك، فما زالوا يعانون من نقاط ضعف، حيث يعلم توني بلير أن الحرب ستفقده أصواتا في الانتخابات القادمة حتى إذا نجح في الحصول على فترة جديدة في الحكم. كما أن استمرار الاحتلال سيزيد من استنزاف مصادر الحكومة ومن المتوقع أن يستمر في تقليل حجم الدعم الانتخابي لحزب العمل. إن المقاتلين في الفلوجة وتل عفار ومدينة الصدر يؤدون دورهم، وحان الوقت لحركتنا أن تنهض من جديد.