بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

العراق وقيام المقاومة

« السابق التالي »

8. تفكيك الدولة

إن النتائج الاقتصادية المترتبة على إضعاف الدولة العراقية سرعان ما كشفت عن نفسها في أعقاب الحرب، ففي بعض الحالات تم تفكيك مصانع بأكملها وشحنها خارج البلاد. كما تم تفكيك البنية التحتية للعراق، أحيانا لمجرد سد الاحتياجات اليومية للسكان البائسين، وأحيانا أخرى لتحقيق مكاسب شخصية. ففي عدد من المناطق بدأ البعض، فرادى وجماعات، في توفير الخدمات للمستهلكين المحليين باستخدام الأجهزة والمعدات المنهوبة. وتمثل شبكة الكهرباء مجالا من مجالات البنية التحتية التي تعرضت لتزايد عمليات انهيارها بعد الغزو. وعندما عادت هيفاء زنجانا إلى العراق لأول مرة في يناير 2004 بعد غياب دام 28 عاما وجدت أن أمرا بسيطا مثل فتح جهاز التلفزيون يتطلب الكثير:

بيوت الطبقة الوسطى بها ثلاثة أو أربعة مصادر مختلفة للكهرباء، وإن لم تكن على علم بمعدلات الفولت المختلفة فقد تتسبب في إحراق كل ما بداخل البيت. فهناك الشبكة الوطنية التي تعمل لقترة قصيرة من الوقت. وفي البيت الذي أقمت به كان مسجد الحي هو الذي يقوم بتوفير الكهرباء، حيث كان لدى إمام المسجد مولد كهربائي كبير (من عمليات النهب) يوفر الكهرباء لمائة من البيوت. كما كان لدينا مولد صغير محمول يمكنه توفير الكهرباء لحجرة واحدة فقط.

وفي مايو 2003، كانت سبعة محافظات عراقية من مجموع 18 محافظة تتمتع بما لا يقل عن 16 ساعة من الكهرباء يوميا، أما في نهايات مايو 2004 فلم تكن تتمتع بهذا القدر من الكهرباء سوى محافظة واحدة في شمال العراق. أما معدلات الكهرباء في بغداد بحلول أكتوبر 2004 فكانت بالكاد تمثل نصف معدلات وفرة الكهرباء في فترة ما قبل الحرب. وقد عانى نظام الرعاية الصحية هو الآخر من عمليات النهب فور اندلاع الحرب، فبالنسبة للمستشفيات القريبة من مدينة الصدر فإن الأجهزة الطبية لم تختف لتعود إلى الظهور في السوق السوداء، وإنما تم نقلها من قبل مساندي رجل الدين الشيعي مقتضى الصدر لتحل داخل العيادات الطبية التي تمت إقامتها داخل “الحسينيات” أي أماكن العبادة الشيعية في المدينة.

وقد تعرضت وسائل الإعلام التابعة لنظام صدام لعمليات تحول مشابهة، حيث انتقلت محطات الإذاعة والتلفزيون ما بين ليلة وضحاها إلى أيدي هيئات بث محلية خاصة يديرها عادة موظفون من القنوات التابعة للدولة سابقا. مما نتج عنه انهيار سريع في شبكة البث التابعة للدولة، وهو ما أيده المسئولون الأمريكيون أول الأمر بدعوى تصحيح المسار. إلا أنه مع إدراكهم أن عملية الانقسام تعوق عمليات الدعاية الخاصة بهم، نشأ صراع قوي بين بعض تلك المحطات المحلية من ناحية وبين الشبكة الإعلامية العراقية في بغداد المدعومة من البنتاجون، ودار الصراع على المدى المتاح من موجات الهواء. ولعل من المفارقة بالنسبة للولايات المتحدة هو أن المستفيدين الأساسيين في تلك الدعوة إلى الحرية الإعلامية كانوا من قنوات البث الفضائيات العربية مثل قناتي “الجزيرة” و”العربية” اللتين تتمتعان بتزايد مستمر في أعداد المتابعين لهما في العراق، في الوقت الذي يستقبل المشاهدون في البصرة بالكاد القنوات المدعومة من البنتاجون والتي يتم بثها من العاصمة.

« السابق التالي »