العراق وقيام المقاومة
يبدو أن التخطيط الأمريكي لصورة العراق ما بعد الحرب كان مبنيا على فرضية مؤداها أن الدولة العراقية ما زالت الإدارة البيروقراطية المركزية القوية لحزب البعث والتي تم إنشاؤها منذ بدايات حكم الحزب. ونجد أن كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي والمقربة من الرئيس الأمريكي، قامت بتلخيص الفكر السائد وراء الاحتلال:
كانت الفكرة تتمثل في أننا سنهزم الجيش بينما تظل المؤسسات كلها قائمة، بداية من الوزارات وانتهاء بقوات الشرطة، بحيث يتسنى المجيء بزعامة جديدة مع الحفاظ على الهيكل كما هو.
إلا أنه قبل الحرب وبعدها ظل المسئولون الأمريكيون يخططون لاستحضار قوى السوق وذلك للقضاء على قيام الدولة بتوفير كافة الخدمات. إن جهاز الحكومة الأمريكية المعني بالمساعدات الأمريكية USAID منح عقودا لعدد من الشركات الأمريكية لإعادة بناء البنية التحتية ونظامي الرعاية الصحية والتعليمية، فقد تم منح “أبت وشركاه” على سبيل المثال عقدا تبلغ قيمته 42 مليون دولار من أجل “تقوية واستقرار” نظام الرعاية الصحية العراقي، ونجد أن “ملخص المشروع الخاص بتلك الشركة يتضمن تحديدا “ضم مقدمي ومستهلكي الخدمة الصحية من القطاع الخاص.”
ولم يكن مجال الصحة هو المجال الوحيد الذي تم إتاحته لعمليات الخصخصة، حيث أصدر المسئول الإداري الأمريكي بول بريمر قرارا في سبتمبر 2003 يتيح نسبة 100% للملاك الأجانب داخل البنوك والمشروعات التي تملكها الدولة، وذلك لأول مرة منذ عشرات السنين. وتشير ناومي كلاين في إحدى مقالاتها العديدة التي تكشف فيها عن خضوع العراق للاحتلال من قبل الشركات الكبرى، مؤكدة على أن تلك السياسة هي سياسة تفقد شرعيتها حتى في إطار القانون الدولي. وفي نفس الوقت نجد أن الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات مثل شركتي هاليبرتون وبيكتيل حققتا مكاسب ضخمة من أعمال إعادة إعمار العراق، في حين تم استبعاد الشركات العراقية من الدخول في مناقصات للحصول على العقود. وعندما تم إصدار القواعد المالية الجديدة استقبلتها الصحافة المحلية بعاصفة من الاحتجاج.
وكذلك تم حل مؤسسات عراقية أخرى، حيث تم يوم 23 مايو 2003 إلغاء وزارتي الدفاع والإعلام وحل القوات المسلحة، كما أن الموظفين الحكوميين الذين لم يخدموا النظام السابق سوى عن طريق طباعة الكتب الدراسية والنشرات الطبية وجدوا أنفسهم فجأة بلا عمل. وقد أدى حل الجيش إلى زيادة التمرد الذي بدأ يظهر على السطح خلال صيف 2003. فعلى الرغم من الوعود التي قدمها المسئولون الأمريكيين في يونيو بخصوص دفع مرتبات لحوالي 250 ألف جندي سابق، انفجرت أعمال احتجاج عنيفة قام بها جنود سابقون في كافة أنحاء العراق واستمرت خلال أشهر الصيف.