الماركسية والحزب
كما أظهرنا- فبحلول عام 1904 كان لينين قد طور عددا من الأفكار شكلت تقدما أكيد على الرأي المقبول بصفة عامة حول الحزب.لهذا السبب، وبسبب الاستمرارية التاريخية للفصيل البلشفي منذ انشقاق 1905حتى ثورة1917.فقد تم على نطاق واسع افتراض أن لينين كانت لديه منذ البداية تقريبا نظرية الحزب الواضحة الخاصة به، والمختلفة تماما عن تلك الخاصة بالاشتراكية الديمقراطية في الغرب. إلا أن هذا هوبالضبط خطأ أن نقرأ في الماضي أفكار لم تصبح واضحة إلا بعد وقت طويل لاحق. والواقع أن لينين. في هذه المرحلة، لم يكن واعيا بأنه قد اختلف بشكل جوهري عن الأرثوذكسية الاشتراكية – الديمقراطية لقد اعتبر المناشفة صنوا للمرجعية البرنشتاينية. وأعتبر نفسه صنوا لتيار بيبل – كاوتسكي السائد في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني.
يكثر في أعمال لينين في ذلك الوقت –ويظل الأمر كذلك على مدى فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى – الاستشهاد بكاوتسكى باعتباره الحجة الماركسية. بل ولم يسمح لينين لميل كاوتسكي لتفضيل المناشفة بالتأثير على هذا الحكم، فكان يرده دائما لجهل كاوتسكى بحقيقة الواقع في روسيا.
وفى وقت متأخر مثل أغسطس 1913 كان بوسع لينين أن يثير إلى بيبل بوصفه” قائدا عماليا نموذجيا” وأن يمتدحه بوصفه موضح “أساسيات التكتيكات البرلمانية الديمقراطية الاشتراكية (والأممية)، وهى موجهة دائما نحوتحقيق الهدف النهائي. فيما يتعلق بادراك الطابع المحافظ للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، فليس فقط لكسمبورج، التي تعاملت مع قادته مباشرة، وإنما أيضا تروتسكي كان أكثر تقدما من لينين بكثير. ففي وقت مبكر كعام 1906حذر تروتسكي من أن:
الأحزاب الاشتراكية الأوروبية – وبصفة خاصة أكبرها، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني – طورت طابعها المحافظ بالتناسب مع تبنى الجماهير للاشتراكية وبمقدار ما أصبحت هذه الجماهير منظمة ومنضبطة. كنتيجة لهذا، فإن الاشتراكية الديمقراطية بوصفها منظمة تحمل الخبرة السياسية للبروليتاريا، قد تصبح في لحظة معينة عائقا مباشرا أمام الصراع المفتوح بين العمال والرجعية البرجوازية.
إننا نؤكد على هذه النقطة لدحض ا لنزعة الشائعة المتمثلة في المبالغة في وحدة”فكر لينين” وجعل أفكاره نظاما متسقا تماما لكل شئ في مكانه المناسب من البداية للنهاية. كما علق تروتسكي ذات مرة:. لو كان لينين في 1903 قد فهم وصاغ كل شئ ما كان لازما للأزمنة التالية:
ولكان ما تبقى من حياته قد اشتمل على تكرارات فقط. وهذا ليس واقع الأمر على الإطلاق” هناك فجوة كبيرة بين نظرية لينين حول الحزب في 1903و1904 وتلك الخاصة بعام1919 عند إنشاء الأممية الشيوعية. لقد طور لينين هذه النظرية. ليس مرة واحدة، وإنما خلال سلسلة من ردود الفعل والتعميمات المستقاة من سير الصراع الطبقي. وبالتالي، وكما هوالأمر مع ماركس، فإن فهم هذه النظرية لا يمكن اشتقاقه من نص أونصين أساسيين، وإنما ينبغي استخلاصه من دراسة ممارسة لينين ككل.
1- تأثير 1905:
بعد انشقاق1903، فإن الحدث التالي الذي كان له تأثير كبير على نظرية لينين حول الحزب كان ثورة1905. كان الأثر الأول لـ1905 هوتعميق الانشقاق بين البلاشفة. كان الانقسام في الأصل حول التنظيم فقط، وكان يبدوغير متصل بمسائل البرنامج أوالاستراتيجية، أما الآن فقد ظهر اختلاف جوهري في تقدير القوى الدافعة للثورة. لقد قبل لينين، كما أشرنا أعلاه، بالطابع البرجوازي للثورة، ولكنه رأى انه سيستعين أن تقوم البروليتاريا متحالفة مع الفلاحين بالثورة البرجوازية، وذلك بسبب الطابع المحافظ والضعيف والجبان للبرجوازية الروسية. وسعيا منا، لأغراض العمل الثوري، لجعل موقفه هذا ملموسا. جادل لينين بأن الاشتراكيين الديمقراطيين عليهم إلغاء تأثير الليبراليين البرجوازيين(الكاديت..الخ) على الفلاحين، ثم القيام بتمرد بروليتاري- فلاحى مشترك للاطاحة بالاتوقراطية. وستنشأ عن الانتفاضة الناجحة حكومة ثورية مؤقتة تتكون من حزب العمال الثوريين(الاشتراكيين الديمقراطيين) وحزب الفلاحين الثوريين (الاشتراكيين الثوريين)
وستمثل هذه الحكومة “الدكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين” وبعد فترة وجيزة من الإجراءات الحيوية التي ستكتسح جميع بقايا الإقطاع. ستدعوالحكومة الثورية الانتقالية لجمعية تأسيسية. ونظرا لكون غالبية السكان من الفلاحين فإن الجمعية التأسيسية ستكون بالضرورة معادية للاشتراكية. وسيصبح الاشتراكيون الديمقراطيون آنذاك حزبا معارضا يقود الصراع من أجل الاشتراكية. أصر لينين على أنه بهذه الطريقة ستكون الثورة الروسية شاملة(مثل الثورة الفرنسية العظيمة. ولن تكون تسوية رديئة مثل ألمانيا فى1848) وستأمن أفضل ظروف ممكنة لمعارك البروليتاريا المستقبلية.
إلا أن المناشفة رفضوا هذا التصور. لقد مالوا أكثر فأكثر إلى الرأي القائل بأنه حيث أن الثورة كانت برجوازية، فإن قوتها الدافعة يجب أن تكون برجوازية مع وجود دور ثانوي فقط للبروليتاريا.كان دور الاشتراكيون الديمقراطيين هوالضغط على الليبراليين البرجوازيين بحيث”يثوروهم”، ولكن في نفس الوقت دون أن “يخيفوهم” وقد رفضوا صيغة الدكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين كما رفضوا المشاركة في حكومة ثورية مؤقتة باعتبار أن هذا من شأنه أن يدفع الطبقات البرجوازية للارتداد عن الثورة مما يؤدى إلى تقليص مداها” أثناء صعود الثورة جرفت الأحداث المناشفة على نطاق واسع ولكن ما أن بدأت الحركة تتعرض للجذر حتى عبروا اكثر فاكثر عن الندم على المواقف والأفعال المتطرفة التي دفعوا إليها- وهى عملية بلغت أوجها في ملاحظة بليخانوف الشاذة.” لم يكن ينبغي أن نحمل السلاح”.
اقتنع لينين من خلال مشاهدته لسلوك المناشفة بالصلة بين الانتهازية في التنظيم والانتهازية في السياسة. هكذا فعلى الرغم من أن العمل المشترك للعمال البلاشفة والمناشفة في الصراعات الثورية انتج ضغوطا قوية للوحدة استجاب لها لينين من الناحية الصورية، فقد أصبح أكثر إصرارا من أي وقت سابق على تقوية التنظيم المستقل لتياره. في المقال الذي كتبه عام 1910 حول “المعنى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا” يركز لينين على موضوع دور البروليتاريا في الثورة. كاتبا أن البلاشفة كتيار اتخذوا شكلا محددا في ربيع وصيف1905.
الأثر الثاني للثورة كان حدوث تحول في فهم لينين للعلاقة بين الحزب والطبقة. في ما العمل؟ كان لينين قد برر رأيه حول الحزب بحجة أن الاشتراكية يجب أن تقدم للطبقة العاملة”من الخارج”، وأن الطبقة العاملة لا تستطيع أن ترتفع بشكل عفوي فوق مستوى النقابوية. في مواجهة الإنجازات الثورية الهائلة والعفوية للطبقة العاملة الروسية، تتغير تماما لهجة كتابات لينين.
لا يوجد أدنى شك في أن الثورة ستعلم جماهير العمال في روسيا الاشتراكية الديمقراطية…. في وقت كهذا تشعر الطبقة العاملة برغبة ملحة غريزية في العمل الثوري المفتوح إن الطبقة العاملة اشتراكية ديمقراطية غريزيا وعفويا.
هنا يلاحظ لينين” كيف أن الغريزة الأولية لحركة الطبقة العاملة قادرة على تصحيح مفاهيم أعظم العقول” وهويصبح منذ هذه النقطة محترسا إزاء صياغات ما العمل؟. إنه يكتب فى1907: ما العمل هوتصحيح مثير للجدل للتحريفات” الاقتصادية” وسيكون من الخطأ النظر للكتيب في أي ضوء آخر.” لم تتضمن إعادة التقييم هذه، مع ذلك، عودة لموقف عفوي أوقدري من مهام الحزب – بل على العكس، لقد شهد هذا المجال بالتحديد أشد هجوم للينين على المناشفة.
” انهم جنود جيدون، ولكنهم قادة سيئون، أنهم يحطون من شأن الفهم المادي للتاريخ إهمالهم للدور الحيوي والقيادي والإرشادي في التاريخ الذي يمكن أن تلعبه، ويجب أن تلعبه، الأحزاب التي تفهم الشروط المادية للثورة والتي وضعت نفسها على راس الطبقات التقدمية.”
يحافظ لينين على القطع الذي حققه مع القدرية الاقتصادية في ما العمل؟ وخطوة للأمام خطوتان للخلف ويطوره. ولكنه يخلصه من الأساس النخبوي الذي كان قد صبغه به. الصياغات في تكتيكات شديدة الجدلية. لا شك أن الثورة ستعلمنا وستعلم جماهير الشعب ولكن السؤال الذي يواجه الحزب النضالي الآن هو: هل نستطيع أن نعلم الثورة أي شئ؟
كانت النتيجة التابعة لهذا التحول النظري هي الصراع الذي شنه لينين داخل الفصيل البلشفي ضد تأثير” الثوريين المحترفين”أورجال اللجان”الذين كان قد شدد كثيرا على أهميتهم قبل سنة أوسنتين. في فترة النشاط السري السابقة على الثورة وفر” رجال اللجان” هؤلاء الاستقرار والخبرة الضروريين لإنشاء القوة للحزب في مثل هذه الظروف الصعبة. إلا أنهم أصبحوا أيضا فريسة لروتينية معنية كشفت عن خصائصها الرجعية مع قدوم الثورة. لقد كانوا بصفة خاصة التجسيد الملموس لنظرية ” تقديم الاشتراكية للطبقة العاملة من الخارج” وهكذا مالوا نحوموقف متعال على العمال مما أسفر عن أنه من الناحية العملية لم يكن هناك أي عمال في اللجان البلشفية.
طرحت مسألة إدخال العمال في اللجان في المؤتمر الثالث للبلاشفة في ابريل1905 هكذا وصفت كروبسكايا الجدال:
دافع فلاديمير إيليتش بقوة عن فكرة ضم عمال. ووقف إلى جانب الفكرة أيضا الأشخاص الذين كانوا في الخارج وبوجدانوف والكاتبة. ووقف رجال اللجان ضدها. وقد صارت المناقشة حامية جدا…. في كلمته خلال هذه المناقشة قال فلاديمير إيليش :
“اعتقد أن علينا نتناول المسالة بشكل أوسع. إن إدخال العمال إلى اللجان ليس مهمة تعليمية فقط. وإنما سياسية العمال لديهم غريزة طبقية، وحتى مع خبرة سياسية ضئيلة، فانهم يصبحون سريعا جدا اشتراكيين ديمقراطيين يعتمد عليهم.إنني أرغب أن أرى ثمانية عمال في لجاننا أمام كل مثقفين…”
عندما قال ميخائيلوف (بستولوفسكى)هكذا ففي النشاط العملي ينفذ المثقفون متطلبات صغيرة في حين ينفذ العمال متطلبات كبيرة جدا، صرخ فلاديمير إيليتش قائلا:هذا صحيح تماما! وقد اختفى صوته في ضجيج كورس يقول”غير صحيح! “من جانب رجال اللجان.وعندما قال رومياتستيف” هناك عامل واحد فقط في لجنة بطرس برج، رغم أن العمل هناك ظل قائما لمدة خمس عشرة سنة “صرخ فلاديمير إيليتش قائلا: يا للعار”.
إن الجدال حول اشتراك العمال في اللجان، والذي انهزم فيه لينين أمام المؤتمر، كان جانبا واحد فقط من صراع لينين ضد الطائفية المحافظة في صفوف البلاشفة. وكان موقف الحزب من السوفيت قضية أخرى اصطدم حولها لينين مع مؤيديه. لقد وصف تروتسكي، رئيس السوفيت، رد الفعل الأولى للبلاشفة لهذه المنظمة التاريخية.
“لقد أصيبت لجنة البلاشفة في بطرسبرج بالفزع أول الأمر من هذا الإبداع لتمثيل غير حزبي للجماهير المحاربة. ولم تجد شيئا تفعله أفضل من توجيه إنذار للسوفيت: التبني الفوري لبرنامج اشتراكي ديمقراطي، أوالحل. وقد أهمل سوفيت بطرسبرج ككل، بما في ذلك فريق العمال البلاشفة، هذا الإنذار دون أن ترمش له عين.
رأى لينين، مع أنه كان في الخارج، عقم هذا المنهج وعارضة في رسالة بعث بها لجريدة الحزب” نوفايا زيزن”،جادل فيها بأن المسألة لم تكن مسألة السوفيت أوالحزب، وإنما مسألة “سوفيت مندوبي العمال والحزب” كما جادل بأنه ليس من المستحيل بالنسبة للسوفيت أن يتبع بالكامل لحزب واحد”.
كتب لينين:” في اعتقادي أن سوفيت مندوبي العمال، كمركز ثوري يوفر قيادة سياسية، ليست منظمة شديدة الاتساع، بل على العكس هي منظمة شديدة الضيق. ينبغي أن يعلن السوفيت نفسه كحكومة ثورية مؤقتة، أوأن يكون مثل هذه الحكومة الفارق الجوهري بين “رجال اللجان” ولينين هوأن رجال اللجان أرادوا أن يطبقوا في الثورة مفهوم الحزب الذي عمل في فترة ما قبل الثورة، في حين أن لينين أراد أن يعيد تنظيم الحزب بالكامل بحيث يشمل القوى الجديدة ويواجه المهام الجديدة التي ألقت بها الثورة.
إذا فشلنا في إظهار مبادرة جريئة في تكوين منظمات جديدة، سيكون علينا أن نتخلى عن كل ادعاءاتنا بالقيام بدور الطليعة بوصفها ادعاءات لا تقوم على أساس. إذا وقفنا بعجز عند الحدود والأشكال والتخوم المميزة للجان والمجموعات واللقاءات والحلقات، فإننا نكون قد أتثبتنا عجزنا لا غير. إن آلاف الحلقات تظهر الآن في كل مكان بدون مساعدتنا، بدون أي برنامج أوهدف محدد، وإنما فقط تحت تأثير الظروف…… فلندع جميع هذه الحلقات ماعدا التي تجاهر بأنها ليست اشتراكية ديمقراطية، تنضم للحزب مباشرة أوتنساب لجانب الحزب. في الحالة الأخيرة لا يجب أن نطلب أن يقبلوا ببرنامجنا أوأن يدخلوا بالضرورة في علاقات تنظيمية معنا. يكفينا مزاجهم الاحتجاجي وتعاطفهم مع قضية الاشتراكية الديمقراطية الثورية الأممية. بشرط أن يعمل الاشتراكيون الديمقراطيون بفاعلية بينهم.
قاومت آلة الحزب مسعى لينين إلا أن مجرى الأحداث كان في صفه. بحلول نوفمبر 1905 كان بوسعه أن يلاحظ برضى:
في المؤتمر الثالث للحزب اقترحت أن يكون هناك حوالي ثمانية عمال أمام اثنين من المثقفين في لجان الحزب. كم يبدوهذا الاقتراح عتيقا اليوم!الآن علينا أن نأمل أن يكون لدى منظمات الحزب الجديدة مثقف اشتراكي ديمقراطي واحد أمام مئات من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين. كما أن إعادة التقييم النظرية التي أجراها لينين للقدرات العفوية للبروليتاريا لم تضمن عودة للقدرية الاقتصادية. فإن آراؤه الجديدة حول تنظيم الحزب لم تعن أيضا تبنيه لموقف المناشفة الخاص بالحزب الواسع.الباب المفتوح للحزب الذي تصوره لينين في الفقرة الثورية كان ممكنا فقط على أساس الاستعداد القوى للحزب سلفا.
هل تتعرض الاشتراكية الديمقراطية للخطر بتحقيق الخطة التي نقترحها؟ قد يقال إن الخطر في تدفق مفاجئ لأعداد واسعة من غير الاشتراكيين الديمقراطيين إلى الحزب. إذا حدث ذلك، سيذوب الحزب بين الجماهير. وسيتوقف إن يكون الطليعة الواعية لطبقته. وسينخفض دوره إلى دور الذيل، سيعنى ذلك فترة يرثى لها جدا بالفعل. ولا شك أن هذا الخطر يمكن أن يصبح خطيرا جدا إذا أظهرنا أي ميل نحوالديماجوجية. أوإذا افتقدنا المبادئ الحزبية…بالكامل، أوإذا كانت هذه المبادئ ضعيفة ومزعزعة. ولكن الواقع هوأنه لا توجد أي ميل نحوالديماجوجية… لقد طالبنا أولئك الذين ينضمون للحزب بالوعي الطبقي، وأصررنا على الأهمية الهائلة للاستمرارية في تطور الحزب، ودعونا للانضباط وطالبنا بتدريب كل عضوبالحزب في واحدة أوأخرى من منظمات الحزب…لا تنسوا أنه في كل حزب حي ومتنامي ستكون هناك دائما عناصر عدم استقرار وتذبذب وتردد. ولكن هذه العناصر يمكن التأثير عليها، وسوف لتأثير النواة الثابتة والصلبة من الاشتراكيين الديمقراطيين”.
هكذا فان خبرة”البروفة العظيمة” للثورة الروسية رفعت نظرية لينين حول الحزب إلى مستوى جديد. لقد عمقت معارضته للانتهازية وقوت عزمه على بناء، حزب ثوري على وجه التحديد. كما جعلت فهمه للعلاقة بين الحزب والطبقة أوضح. يظل الحزب طليعة متميزة عن الطبقة ككل، ولكنه الآن حزب الانتلجنسيا التي تقدم الاشتراكية” من الخارج”. ولكن لم تكن فقط فترة صعود الثورة هي التي أثرت على لينين، بل أضافت فترة الرجعية التي تلت ذلك عناصر هامة لنظريته حول الحزب.
2- الرجعية تتصلب:
بعد هزيمة ثورة1905، ابتلعت الرجعية الرهيبة روسيا لعدد من السنوات. ساد الإحباط في كل مكان وتحطمت المنظمات البلشفية.
من الشيق مقارنة رد فعل لينين لهذه الحالة برد فعل هزيمة ثورات1848. حل ماركس العصبة الشيوعية وترك المهاجرون في شجارا تهم التافهة وتفرغ للدراسة. أما لينين فقد تثبت باستقتال ببقايا تنظيمه الحزبي وبفكرة الحزب،مدافعا عنهما بحماسة ضد كل الهجمات. لقد كتب: ” دع الرجعية تعربد…الحزب الذي ينجح في تعزيز نفسه من أجل العمل المثابر في الاتصال بالجماهير؛ حزب الطبقة المتقدمة الذي ينجح في تنظيم طليعته والذي يواجه قواه بحيث يؤثر بروح اشتراكية ديمقراطية على جميع جوانب حياة البروليتاريا – حزب كهذا سينتصر مهما حدث.
من أجل بناء نوع الحزب الذي كان يرغب فيه، كان على لينين أن يخوض العديد من المعارك الفيصلية. كانت أهم ثلاث معارك ضد(أ)” التصفوية، اليمينية” (ب)” الاستدعائية، اليسارية المتطرفة” (ج) التوفيقية، الوسطية. أصبحت هذه النزعات شديدة الشراسة والتشابك، ولم يكن المستوى النظري للمجادلات التي أفرزتها عاليا جدا على الدوام. وبالتالي فليست هناك حاجة للدخول في تفاصيلها هنا، ولكن ظهرت مع ذلك بعض المبادئ العامة الهامة التي تستحق الذكر، والتي أكتشف لينين نفعها في السنوات اللاحقة،أولا، مبدأ أن الحزب ليس فقط منظمة للهجوم، وإنما أيضا للانسحاب المنظم. من بين جميع الأحزاب المعارضة والثورية المهزومة، أجرى البلاشفة الانسحاب الأكثر تنظيما، بأقل الخسائر”لجيشهم” ومع الحفاظ على نواة هذا الجيش كأفضل ما يكون. ثانيا: مبدأ الجمع بين العمل غير الشرعي واستخدم” الفرص الشرعية” وثالثا:مبدأ الوصول بالصراع ضد الانتهازية إلى استنتاجاته التنظيمية وإحداث انشقاق مع جميع العناصر غير الثورية.
كانت هذه النقطة الأخيرة هي العلامة المميزة حقا للينينية، وقد أسفرت في 1912 عن الإنشاء الرسمي لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي(البلاشفة) كحزب منفصل ومستقل تماما. كان كاوتسكي قد صارع برنشتاين نظريا.ألا أن التراجعيين لم يتم طردهم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وصارعت روزا لكسمبورج كاوتسكي وسط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني.. ولكنها لم تنشأ منظمة منفصلة وكان تروتسكي معارضا لكل من التصفوية والاستدعائية كما كان ناقدا كلينين للخط السياسي للمناشفة. ومع ذلك فقد عمل بنشاط ضد الانشقاق. وقد شكل هذا تقدما أيضا على الموقف السابق للينين نفسه حيث أن انشقاق1903 كان إلى حد كبير عمل المناشفة. وكثيرا ما كان لينين راغبا في الموافقة على إعادة التوحيد في حين أنه الآن أجرى قطعا نهائيا مع المناشفة.
كانت نتيجة صراعات لينين الحازمة أثناء فترة الرجعية هي أن البلاشفة بدءوا الحياة كحزب مستقل تماما في الوقت الذي بدأت فيه حركة الطبقة العاملة تسير مرة أخرى. حصلت الحركة التي كانت تصحوببطء على دفعة عظيمة من مذبحة عمال مناجم الذهب في لينا في ابريل1912، التي أسفرت عن موجه من الإضرابات والاجتماعات الاحتجاجية والمظاهرات على امتداد البلاد. وهى موجة بلغت أوجها في إضراب (400ألف عامل بمناسبة أول مايوتدخل لينين في هذه الحالة من خلال إصدار جريدة يومية شرعية” برافدا” ظهر عددها الأول بعد18 يوما من مذبحة لينا. جمعت”برافدا” بين خط سيأسى ثوري لا يلين وتقارير عديدة من العمال أنفسهم يسجلون فيها ظروفهم وصراعاتهم اليومية. في سنة واحدة، نشرت 11ألف رسالة ومساهمة من العمال. بلغ التوزيع اليومي لبرافدا أكثر من 40ألف نسمه، وعوض تكوين مجموعات عمالية لجمع المال للجريدة افتقاد حزب شرعي جماهيري. على أساس التحليل المجهد لعملية جمع المال هذه، أظهر لينين أن البلاشفة كانوا قد كسبوا هيمنة حقيقية على العمال الواعين سياسيا. في 1913، حصلت برافدا على تبرعات من 2181 مجموعة، في حين حصلت البرافدا المنشفية على تبرعات من 661 مجموعة، وفى 1914، وحتى 13 مايو، كان رقم التبرعات لبرافدا 2873، في مواجهة 671للمناشفة. من هذا استنتج لينين أن “البرافدية والقرارات البرافدية والتكتيكات البرافدية وحدت أربعة أخماس العمال الواعين طبقيا في روسيا”. هكذا أصبح لينين أول ثوري يبنى حزبا يتكون من الثوريين فقط، دون أي جناح إصلاحي أوانتهازي، ولديه أيضا قاعدة ضخمة داخل الطبقة العاملة.
3- القسم الأكثر ثورية في الأممية الثانية:
من المفيد عند هذه النقطة أن نعتبر الحزب البلشفي، التجسيد الملموس لأفكار لينين حول الحزب، مقارنين إياه بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأكثر أرثوذكسية.
أولا: كان البلاشفة بالطبع، حزبا غير شرعي يعمل في بلد لم تكن فيه حريات ديمقراطية ولا نقابات عمالية فعالة، في حين أن أغلب الاشتراكيات الديمقراطية الغربية كانت قد حصلت على شرعيتها منذ وقت طويل. وبالتالي لم يطور البلاشفة ولم يكن بوسعهم أن يطورا –كما فعل مثلا الحزب الاشتراكي الألماني – شريحة واسعة من الموظفين تتكون من المسئولين المحليين والقادة النقابيين وأعضاء المجالس المحلية، الخ. هذه شريحة تكون عرضة بالضرورة لضغوط “اعتدالية” قوية من بيئتها.حيث أنهم يرتفعون إلى موقع متميز إزاء العمال العاديين، يجد هؤلاء الموظفون أن لديهم دورا محددا يلعبونه ليس فقط داخل الحركة العمالية. وإنما أيضا داخل الرأسمالية. كوسطاء بين الطبقات، ولديهم بالتالي مصلحة مباشرة في السلام الاجتماعي. أنهم يشكلون إذن قوة محافظة كبيرة. عملت هذه الشريحة داخل الاشتراكية الديموقراطية الدولية كقاعدة دائمة للإصلاحية. كون أن القيادة البلشفية وكادرها المحلى كانوا أقرب إلى خلية السجن والمنفى السيبيرى منهم إلى مناصب الوزارية أوالقيادة النقابية وكون أن الحزب نفسه لم يكن لديه أكثر من جهاز إداري مهلهل. فان ذلك قد أعطى الحزب مناعة نسبية (وأن لم تكن مطلقة) أمام الروتينية البيروقراطية.
ثانيا: كان الحزب البلشفي بروليتاري الثقل في تركيبة أعطى ديفيد لين البيان التفصيلي التالي للعضوية البلشفية لعام 1905: العمال61.9%، الموظفون الكتابيون 27.4%، آخرون 5.9%، وهويستنتج “إذا حكمنا على أساس المستويات السفلي للحزب وبصفة خاصة تأييده الشعبي” يمكن أن يقال أن البلاشفة كانوا حزبا عماليا في حين أنه “يبدومن المرجح أن المناشفة كان لديهم أعضاء “برجوازيون صغار أكثر ومؤيدون من الطبقة العاملة اقل في المستويات الأدنى مقارنة بالبلاشفة “إثناء فترة الرجعية كان هناك خروج كبير للمثقفين من الحركة في حين أن خلايا المصانع رغم عزلتها بقيت على قيد الحياة بشكل افضل مما أدى إلى زيادة الطابع البروليتاري للحزب يؤكد هذه الصورة تحليل لينين المذكور أعلاه لعمليات جمع المال بين1912 و1914 من بين جميع التبرعات للبرافدا في الربع الأول من1914. جاء 87% من العمال و13% من غير العمال. في حين أن 44% فقط من التبرعات للجرائد المنشفية جاءت من العمال و56% من غير العمال.
أدى مزيج الوضع غير الشرعي للحزب وتركيبه البروليتاري إلى بنية تنظيمية مختلفة جذريا عن التقليد الاشتراكي الديمقراطي العادي. فعلى الرغم من بلاغتهم الثورية، كانت الاستراتيجية الأساسية لأغلب أحزاب الأممية الثانية هي تحقيق الأغلبية البرلمانية. وبالتالي. فان الوحدات القاعدية لهذا الأحزاب كانت منظمة على أسس سكنية أوجغرافية. بحيث تسهل تعبئة أعضاء الحزب للحملات الانتخابية في مختلف الدوائر الانتخابية. أما في روسيا فان غياب الانتخابات البرلمانية(الانتخابات التي جرت للدوما كانت على أساس المصانع) والحاجة للسرية دفعا البلاشفة إلى إقامة تنظيم على أساس المصانع يسجل أوسيب بياتينتسكى. وهوبلشفي قديم أنه أثناء جميع الفترات، كان التنظيم الحزبي الأدنى للبلاشفة يوجد في مكان العمل وليس في مكان السكن.” وفرت هذه البنية. على الرغم من صغر حجم الحزب البلشفي، علاقة أوثق بين الحزب والعمال من تلك التي حققها الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، حيث كان يتم الاحتفاظ بالصلة بالمصانع بشكل غير مباشر فقط من خلال السيطرة على النقابات. وحيث قام تقسيم عمل معين الصراع الصناعي الذي تولته النقابات والصراع السياسي الذي تولاه الحزب لم يحدث مثل هذا الانفصال الفعلي في حالة البلاشفة لقد وصف بياتنتسكى عمل خلايا المصانع البلشفية:
في روسيا القيصرية استخدمت الخلايا جميع الشكاوى في المصانع فظاظة الملاحظين.الخصم من الأجر الغرامات عدم توفير الرعاية الطبية في الحوادث… الخ في التحريض الشفوي في أماكن العمل من خلال المنشورات. والاجتماعات عند أبواب المصانع. أوفي ساحات المصانع والاجتماعات المنفصلة للعمال الأكثر وعيا طبقيا وثورية أظهر البلاشفة دائما الصلة بين إساءة المعاملة في المصانع وبين حكم الأوتوقراطية… وفى نفس الوقت تم ربط الأوتوقراطية في تحريض خلايا الحزب بالنظام الرأسمالي بحيث انه عند بداية تطور الحركة العمالية، أقام البلاشفة ارتباطا بين الصراع الاقتصادي والصرع السياسي.
هكذا فان الحزب البلشفي لم يكن مجرد ممثل سيأسى للطبقة العاملة بل كان حزبا قتاليا تدخلياً يسعى لقيادة وإرشاد الطبقة في كل معاركها.
كان من الأمور الهامة أيضا شباب عضوية الحزب فى1907 كان حوالي 22% من الأعضاء يبلغون اقل من 20 سنة من العمر وكان 37% بين20و24و16% بين 25و29 علق تروتسكي على دلالة هذا الأمر: عندما كانت البلشفية تحت الأرض كانت دائما حزبا من العمال الشباب اعتمد المناشفة على الشريحة العليا الماهرة الأكثر احتراما ودائما ما افتخروا بذلك ونظروا باحتقار للبلاشفة وقد أظهرت لهم الأحداث التالية خطأهم بقسوة في اللحظة الحاسمة قام الشباب بسحب الشريحة الأكثر نضجا وحتى العجزة وراءهم ” ويلاحظ ليون أن البلاشفة كانوا اصغر من المناشفة في المستويات الأدنى للتنظيم الحزبي وقد صح ذلك بين النشطين أكثر منه بين الأعضاء العاديين يشير هذا إلى أن البنية التنظيمية البلشفية سمحت للشباب بالتقدم إلى مواقع المسئولية بسهولة اكثر من البنية التنظيمية المنشفية…. سياسيا ربما وفر هؤلاء الشباب قيادة اكثر ديناميكية ونشاطها للفصيل البلشفي. ولا شك أن شباب الحزب كان عاملا هاما آخر في تحريره من الروتينية المحافظة.
أخيرا كان الحزب البلشفي هيئة منضبطة لقد وصف النظام الداخلي للحزب بالمركزية الديموقراطية ولكن هذه الجملة في حد ذاتها ليست لها دلالة عظيمة كقاعدة تنظيمية لم تكن على الإطلاق لينينية تحديدا حيث أنها كانت مقبولة نظريا من جانب المناشفة والعديد من الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية الأخرى ما كان مهما هوالتفسير المعطى للمركزية الديمقراطية عمليا لقد عرفها لينين بأنها وحدة العمل، وحرية المناقشة والنقد” وقد عنى بذلك حرية النقد داخل حدود برنامج الحزب وحتى يتم التوصل إلى قرار محدد ثم تنفيذ هذا القرار بواسطة الحزب ككل واحد.
لا يستطيع حزب يحتوى على جناح ثوري وآخر إصلاحي أي مجموعات لها أهداف مختلفة جوهريا -أن يكون عمليا منظمة منضبطة هكذا فعلى الرغم من الاشتراكية الديموقراطية الألمانية أعطت أهمية خاصة عظيمة للمركزية الإدارية والوحدة الحزبية فقد كان لها موقف شديد التهاون إزاء انتهاكات الانضباط من جانب كبراء الحزب والقادة النقابيين… الخ الانضباط لتحقيق الوحدة في العمل ولكن إذا وضعت الوحدة التنظيمية فوق المبدأ فان الانضباط الحقيقي يختفي بالضرورة.
كتب لينين: ” ما لم تكن الجماهير منظمة فان البروليتاريا لا شئ فإذا كانت منظمة فهي كل شئ التنظيم يعنى الوحدة في العمل الوحدة في النشاط العملي ولكن كل عمل لا يكتسب قيمته بالفعل إلا بمقدار ما يسهم في دفع الأمور للأمام وليس للوراء… التنظيم الذي لا يقوم على المبدأ لا معنى له وهويحول عمليا العمال إلى ملحق بائس للبرجوازية التي في السلطة… لا ينبغي إذن على العمال ذوى الوضع الطبقي أن ينسوا أن هناك انتهاكات خطيرة للمبدأ تجعل قطع جميع العلاقات التنظيمية ضروريا”.
اضطرت الظروف الحزب البلشفي لان يكون منضبطا وقد تمكن من تحقيق الانضباط اللازم لأنه كان متحدا سياسيا ولكن من المهم أدراك أن هذا الانضباط لم يعنى، كما يدعى كثيرا المبادرة المستقلة من قواعد الحزب. الظروف القمعية نفسها التي جعلت الوحدة في العمل ضرورة، أجبرت أيضا الأقسام المحلية في الحزب على العمل من تلقاء نفسها.
يكتب بياتنيتسكى:
تم تشجيع مبادرة المنظمات الحزبية المحلية. والخلايا لوكان على بلاشفة أوديسا أوموسكوأوباكوأوتفليس أن ينتظروا دائما توجيهات اللجنة المركزية واللجان الإقليمية الخ والتي كثيرا ما فقدت الوجود أثناء سنوات الرجعية والحرب بسبب عمليات إلقاء القبض فماذا كانت ستكون النتيجة؟ لم يكن البلاشفة سيحوزون على ثقة الجماهير العاملة ويمارسون أي تأثير عليها.
جميع هذه العوامل مجتمعة جعلت حزب لينين البلشفي عشية الحرب العالمية الأولى كما كتب تروتسكي. القسم الأكثر ثورية –القسم الثوري الوحيد بالفعل – في الأممية الثانية”.
4- القطع مع الاشتراكية الديموقراطية:
أن وصف تروتسكي للبلاشفة بأنهم القسم الثوري الوحيد في الأممية الثانية ” يشير أيضا إلى حدود إنجازات لينين حتى هذه النقطة حيث انه يوضح أن البلاشفة ظلوا قسما من الاشتراكية الديموقراطية أن هذا في حد ذاته يظهر انه على الرغم من أن لينين كان قد طور عمليا حزبا مختلفا تماما عن النموذج الاشتراكي الديمقراطي فانه لم يكن قد عمم بعد هذه الخبرة بوعي في شكل نظرية متميزة وجديدة حول الحزب. لقد كان انهيار الأممية في مواجهة الحرب العالمية هوالذي أثمر القطع النظري الكامل للينين مع الاشتراكية القديمة كما أثمر ميلاد نظرية لينينية تحديدا حول الحزب من المعروف أن لينين فوجئ تماما بالتأييد الذي أعطته كل الأحزاب الاشتراكية الأوروبية الأساسية للحرب في تمرد كامل على سياستهم السابقة كان رد فعله الأول إزاء عدد” فورواتس” الذي سجل تصويت الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني لصالح اعتمادات الحرب هوأن هذا الخبر لابد مزور ولكن متى استوعب حجم الاستسلام تطور فكرة بسرعة شديدة فمقال لينين الأول بعد اندلاع الحرب. مهام الاشتراكية الديمقراطية الأوربية في الحرب الأوربية” والمكتوب في تاريخ سابق على 28 أغسطس.لم يكتف بإدانة زعماء الاشتراكية الديمقراطية الدولية بسبب “خيانتهم للاشتراكية” وتسجيل “الإفلاس الأيديولوجي والسياسي للأممية”.
بل رأى في هذه الخيانة وفى التخلي عن المواقف السابقة استمرار لنزعات كانت قائمة لمدة طويلة خلال فترة ما قبل الحرب يحدد المقال الاشتراكية- الشوفينية بأنها نتاج الانتهازية وتطويرها.” هذا الانهيار(للأممية) كان بالأساس نتيجة للشيوع الفعلي فيها لانتهازية البرجوازية الصغيرة…… ما يسمى بوسط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأخرى استسلم في الواقع بجبن للانتهازيين”. من هنا استنتج لينين على الفور انه ينبغي أن تكون مهمة الأممية المستقبلية تخليص نفسها بحزم وبلا رجعة من هذا التيار البرجوازي في الاشتراكية.
من هذه النقطة فصاعدا، لن يكون للينين أي صلة بخطط إعادة توحيد أوأحياء الأممية القديمة ” على العكس”، دعي إلى الاعتراف صراحة بهذا الانهيار وتفهمه، بحيث يكون من الممكن بناء وحدة اشتراكية جديدة وأكثر دواما لعمال جميع البلاد.
بحلول أول نوفمبر كانت اللجنة المركزية البلشفية قد رفعت شعار” فلتحيا أممية بروليتارية محررة من الانتهازية” في ديسمبر كان لينين يسأل ” أليس من الأفضل التخلي عن اسم الاشتراكيين الديمقراطيين الذي لوثوه وحقروه، والعودة للاسم الماركسي القديم الشيوعيين”؟ وبحلول فبراير 1915 كان مؤتمر الحزب البلشفي الزم نفسه رسميا بإنشاء ” أممية ثالثة”.
حتى 1914 رأى لينين نفسه كاشتراكي ديمقراطي أرثوذكسي يطبق منهج كاوتسكي وبيبل – بعد تجربتهما واختبارهما على الظروف الخاصة لروسيا القيصرية ولكن قرار إنشاء أممية ثالثة لم يعن العزم على الحفاظ على ذلك التراث الذي تخلى عنه قادته، بل عنى الرفض الشامل لهذا التراث. لقد وجه لينين تهمتين متصلتين للأممية الثانية:
أنها كانت نتاج فترة ممتدة من”السلام” الشعبي بين الطبقات – ليس فقط السلام بين الأمم، إنما أيضا السلام النسبي بين الطبقات- أصبحت معتادة خلالها على الوسائل الشرعية وعلى نمومنظماتها الجماهيرية الشرعية لدرجة أنها صارت غير راغبة ولا قادرة على الانتقال الضروري للعمل غير الشرعي.
أنها كانت ائتلافا بين الثوريين والانتهازيين لصالح الانتهازيين.
فالأحزاب الاشتراكية في عصر الأممية الثانية كانت ذلك الحزب الذي يسمح بان تتواجد بين صفوفه انتهازية تم بناؤها في عقود الفقرة السلمية”.
لقد تجاوز هذا النوع عمره الافتراضي. وحتى إذا انتهت الحرب فى1915، فلن تجد أي اشتراكي يفكر مستعدا للبدء في 1916 في إعادة بناء الأحزاب العمالية مع الانتهازيين، مع علمه في ضوء الخبرة،بأنهم سيقفون مع البرجوازية في أي أزمة جديدة؟
بالمقارنة بالأممية الثانية – التي وصها كاوتسكي بأنها أداة للسلام، غير مناسبة للحرب” فإن الأممية الثالثة كانت بالتحديد أداة للحرب – الحرب الأهلية الدولية ضد البرجوازية الإمبريالية- وبالتالي ما كانت لتحتمل في صفوفها طابورا خامسا ولا مترددين.
في قيامه بهذا النقد للاشتراكية من الواضح أن لينين اعتمد في أفكاره على خبراته مع البلاشفة والصراع ضد المنشفية، ولكن تم الآن، لأول مرة تعميم هذه الخبرات والملحوظات النظرية العديدة التي صاحبتها على المستوى الدولي، مما أثمر نظرية جديدة حول الحزب تستبدل أشكال التنظيم القديمة في كل مكان بأخرى مختلفة.
ومع ذلك، فإن نظرية جديدة حول الحزب لم تكن لتقف بذاتها، لقد كانت تقتضي التجديد الشامل للماركسية فنظرية الحزب هي مجرد تطبيق لتحليل الصراع الطبقي ككل على مسألة التنظيم. كانت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية منتجة ونتاجا في نفس الوقت لتفسير ميكانيكي وقدري للماركسية تم من خلاله النظر لتوحيد البروليتاريا ونموحزبها السياسي كعملية تسير بسلامة وتجانس في خط صاعد بانتظام كنتيجة حتمية للتطور الرأسمالي. في إطار هذه الصورة، صاغ كاوتسكي مهام الماركسيين بأنها “بناء التنظيم وكسب كل مواقع القوة التي نستطيع أن نكسبها ونحتفظ بها، ودراسة الدولة والمجتمع، وتعليم الجماهير، لا نستطيع بوعي وبشكل منتظم أن نضع أهدافا أخرى لأنفسنا أولمنظماتنا” إما الهدف فهو” الوصول إلى سلطة الدولة عن طريق الحصول على أغلبية في البرلمان. ورفع البرلمان إلى مستوى سيد الحكومة” ورأى كاوتسكي أن هذا الهدف سيتحقق حتما بشرط فقط أن يتجنب إرباك ” منظماته” من خلال التورط في صراعات حمقاء وغير ناضجة عمليا. أصبح تجنب مثل هذه الاضطرابات الشغل الشاغل لكثير من القادة الاشتراكيين الديمقراطيين في سنوات الحرب الأولى. عكف لينين بشكل منتظم على تدمير هذه الرؤية وبناء أساس نظري جديد للأممية الثالثة المستقبلية. وقد دفع هذا لينين نحوثلاثة مجالات أساسية للبحث النظرأ) الفلسفة. (ب) الاقتصاد (تحليل الإمبريالية) (ج)السياسة (الدولة). كان لكل من هذه المجالات تأثيره على نظريته حول الحزب، وبالتالي، فعلى الرغم من انه ليس من الممكن هنا أن نشير للارتباطات المتبادلة الأساسية إلا أننا سنضطر في عجالة إلى الاشارة إلى أهم هذه الإسهامات.
فيما يتعلق بالفلسفة. سبق أن جادلنا بان مفتاح موقف لينين في الانشقاق الأولى مع المناشفة كان رفضه للموقف القدري (الذيلي) من مشاكل التنظيم. في ذلك الوقت. كان موقف لينين نتاجا لغريزته السياسية الحادة وتقديره العملي الثاقب أكثر من كونه نتاجا لقطع فلسفي مع المادية الميكانيكية، كما يظهر من صياغته في ” المادية ونقد التجريبية” إلا انه في نهاية 1914 غاص لينين في دراسة هيجل،وخاصة علم المنطق لهيجل. أن لينين مثل ماركس لم يكتب أبدا الجدل الخاص به ومع ذلك فان ملاحظاته الهامشية حول هيجل تظهر بوضوح الثورة الفلسفية الناتجة عن هذه القراءة. لأول مرة يستوعب لينين بوضوح ويهضم الجدل الماركسي. من خلال إعادة هذا الجدل والممارسة إلى مكانهما الصحيح في النظرة الماركسية للعالم أقام لينين الأساس الفلسفي لحزب لا يستهدف أن يكون انعكاسا سلبيا للطبقة العاملة. وأن ينتظر نتيجة القوانين التاريخية الحديدية، وإنما يستهدف أن يتدخل فعليا في صناعة التاريخ.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد كانت مهمة لينين هي أن يظهر أن الوضع الموضوعي كان ناضجا لخلق حزب دولي جديد. يكون ثوريا ليس فقط في أحد أهدافه النهائية، وإنما أيضا في تبنيه واستعداده الفوري لأساليب الصراع الثورية.
في كتيبه الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، استهدف لينين إظهار أن الثورة كانت على جدول الأعمال على النطاق العالمي كانت حجة لينين، في خطوطها العامة، هي أن الإمبريالية كانت نتاج التحول، من خلال قانون تركيز رأس المال، من الرأسمالية القائمة على المنافسة الحرة إلى عكسها، الرأسمالية الاحتكارية. كان هذه مصحوبا بسيطرة رأس المال المالي على رأس المال الصناعي. وتحقيق تراكم الفائض من رأس مال لم يكن من الممكن أن يجد منافذ مربحة إلا في البلاد المتخلفة حيث العمل رخيص ورأس المال نادر.
وبالتالي فقد انقسم العالم بين الاحتكارات الكبرى وحكوماتها. وحيث إن مثل هذا الانقسام لم يكن ليحدث إلا على أساس القوة النسبية،وحيث إن القوة(أي الحرب). على هذا الأساس، فإن أي تحقيق للسلام لن يكون إلا مقدمه لحرب جديدة. وفوق كل شئ. عمقت الإمبريالية التناقض بين إضفاء الطابع الاجتماعي على الإنتاج والاستيلاء الفردي عليه، وهكذا فقد مثلت الإمبريالية بداية هبوط الرأسمالية وافتتاح عصر ” الحرب والثورات”.
بالإضافة إلى إقامة الأساس الموضوعي لأممية ثورية جديدة، وفر تحليل لينين للإمبريالية أيضا أساسا اقتصاديا لنقده للأممية الثانية، مستدعيا تعليقات إنجلز حول برجزة قسم من البروليتاريا الإنجليزية بسبب الاحتكار الصناعي والكولونيالى لإنجلترا جادل لينين بأن الاحتكارات الإمبريالية ربحت “سوبر أرباح” من استغلالها للمستعمرات وأن ذلك سمح ” لبرجوازية القوى العظمى” بأن ترشى اقتصاديا الشرائح العليا من عمالها. في القرن التاسع عشر كان هذا ممكنا في إنجلترا فقط، وقد عمل هناك لعقود مفسدا الحركة العمالية.إما الآن. فإن كل قوة عظمى “إمبريالية تستطيع أن ترشى، وترشى بالفعل، شرائح أصغر(من إنجلترا في 1848- 1868) من” أرستقراطية العمال ” بهذه الطريقة، ففي جميع البلدان أمنت البرجوازية لنفسها بالفعل. أحزابا عمالية برجوازية” من الاشتراكيين الشوفينيين. هكذا اعتبر لينين أن الانتهازية أوالإصلاحية، في حركة الطبقة العاملة لم تكن مجرد مدرسة فكرية بديلة. أومؤشر على عدم النضج. أوحتى نتاج لضغط الأيدلوجية البرجوازية. بل كان لها على العكس “أساس اقتصاديا” كانت الانتهازية هي التضحية بالمصالح الكلية للبروليتاريا ككل لصالح المصالح الفورية لمجموعات منفصلة من العمال. يعنى مفهوم “الحزب العمالي البرجوازي” أن الانتهازية ينظر إليها على أنها عميل العدوالطبقي داخل صفوف البروليتاريا.
إن هذا التعريف للانتهازية، والذي لم يصفه أي ماركسي بهذا الوضوح قبل ذلك. هام جدا بالنسبة لنظرية لينين حول الحزب. إنه السبب الأساسي في ضرورة أن يستبعد الحزب بصرامة جميع التيارات الإصلاحية من داخل صفوفه. إنه اعتراف بان الحزب الثوري يجب تنظيمه من أجل الصراع ليس فقط ضد البرجوازية، وإنما أيضا(بطريقة مختلفة) ضد المنظمات البرجوازية داخل الطبقة العاملة إنه فهم للصعوبات المتضمنة في الانتقال من الطبقة في ذاتها إلى الطبقة لذاتها., وتفسير مادي لهذه الصعوبات. فى1901 كان لينين قد استوعب هذه المشكلة، ولكنه فسرها من خلال عدم قدرة الطبقة العاملة على الوصول للوعي الاشتراكي بواسطة جهودها الذاتية.
إما الآن فقد فسرها من خلال التناقض بين المصالح التاريخية للبروليتاريا ومصالحها الفورية. التي يمكن أن تسود لفترات محدودة وفى شرائح محدودة على الحاجة للوحدة الطبقية تتطور الوحدة الاشتراكية للطبقة العاملة جدليا، من خلال الصراع الداخلي.وباعتباره العنصر الفاعل في هذا الصراع، فعلى الحزب الثوري أن يقصر عضويته على أولئك الذين يعلون المصالح الكلية للبروليتاريا على المصالح الفورية. أي على الأمميين.
أخيرا، هناك مسألة الدولة، التي أبرزتها على الساحة الجدالات الإمبريالية والحزب إن جوهر الثورة الاشتراكية هونقل سلطة الدولة من البرجوازية إلى البروليتاريا. ولما كان تنظيم الحزب يتحدد جزئيا بالضرورة بواسطة المهام التي سيكون عليه أن ينجزها في الثورة، فإن كيفية تصور هذا الانتقال تصبح في غاية الأهمية بالنسبة لنظرية الحزب. لم يستبعد منظروالأممية الثانية العنف، وبصفة خاصة العنف الدفاعي، في الصراع على السلطة، ولكنهم توقعوا بشكل أساسي أن تترك آلة الدولة سليمة. دور الحزب سيكون الاستيلاء على الدولة القائمة، مغيرا بلا شك أشخاصها القياديين ومعيداً تنظيمها، ولكن دون تحدى بنيتها بشكل جوهري. مع رأى كهذا حول مهام الثورة فيما يتعلق بالدولة، فإن مركز ثقل الصراع الطبقي ينبغي حتما أن ينظر إليه على أنه في البرلمان والانتخابات البرلمانية. هكذا فقد كتب كاوتسكي:
هذا العمل المباشر للنقابات يمكن أن يجرى بفعالية كمساعد ومقوى فقط للعمل البرلماني، وليس كبديل له”، وكتب أيضا أن(البرلمان) هوأقوى أداة يمكن استخدامها لرفع البروليتاريا من انحطاطها الاقتصادي والاجتماعي والمعنوي” ويترتب على ذلك أن قيادة الحزب تتمثل في ممثليه البرلمانيين مادامت الحكومة الثورية ستتشكل من خلال الأغلبية البرلمانية. وفقا لهذا التصور، فإن دور عضوالحزب العادي- وبالأحرى دور العمال خارج الحزب – سلبي بالأساس: فعلى الرغم من أنه قد يتم اللجوء إليهم في الصراع، إلا أنه لا يتوقع منهم أن يخلقوا هياكل جديدة للسلطة بأنفسهم أوأن يشاركوا في تسيير هذه الهياكل. مفهوم الاشتراكية الديمقراطية البيروقراطي عن الثورة استتبع تنظيما بيروقراطيا للحزب.
بالنسبة للبلاشفة، كما أظهرنا أعلاه، لم ينطبق شئ من هذا لأنه لم تكن هناك دولة “ديمقراطية حديثة في روسيا “وكانوا من البداية غير شرعيين.أما الآن، ومع تفكيره في أممية جديدة، فقد كان على لينين أن يواجه هذه المشكلة نظريا. كانت النتيجة هي أنه نجح في اكتشاف ووضح وقنن تعميم ماركس من خبرة ثورات48-1852و1871 الفرنسية، ذلك التعميم القائل بان “الطبقة العاملة لا تستطيع ببساطة أن تستولي على آلة الدولة القائمة وتستخدمها لأغراضها هي” لخص لينين المسألة في دفتر ملاحظاته،كما يلي:
ما هي التغيرات بعد1871؟ إنها تتمثل كلها – أوطابعها العام أومجملها- في أن البيروقراطية في كل مكان قد تضخمت (في البرلمانية وداخلها في الحكم الذاتي المحلى، كما في الشركات المساهمة المشتركة والاتحادات الاحتكارية وما إلى ذلك). ذلك هوالأول. أما الثاني فهوأن الأحزاب الاشتراكية، العمالية قد تحولت، بنسبة3/4إلى بيروقراطية مماثلة. الانشقاق بين الاشتراكيين-الوطنيين والأمميين. بين الإصلاحيين والثوريين، له بالتالي دلالة اكثر عمقا: الإصلاحيون والاشتراكيون – الوطنيون يراهنون على الدولة البيروقراطية في حين أن الثوريين يستعين عليهم تخطيها مستبدلين إياها ” بالكوميونة” وهى نصف دولة جديدة ربما يستطيع المرء باختصار وصرامة أن يعبر عن الأمر كله هكذا :استبدال آلة الدولة القديمة (المصنوعة سلفا) والبرلمانات بسوفيتات نواب العمال ووكلائها هنا يكمن الجوهر!!
الحزب الذي يستهدف تحطيم الدولة لا يمكن أن ينظم بنفس طريقة الحزب الذي ينوى الاستيلاء عليها. ينبغي أن يكون مركز ثقله في المصانع لا في البرلمان. حيث أن الدولة الجديدة ستنشأ من المصانع. لا يمكن لأعضاء الحزب العاديين أن يكونوا مجرد مصوتين سلبيين أوحتى دعائيين. فعليهم هم أنفسهم أن يصبحوا قادة لزملائهم العمال وبناة لآلة الدولة الجديدة الخاصة بهم وفضلا عن ذلك فإن أطروحة أن الدولة البرجوازية ينبغي تحطيمها ألغت بشكل نهائي خيار الثورة السلمية أوالدستورية. حتى بالنسبة لأكثر الجمهوريات الديمقراطية حرية. ستتضمن الثورة البروليتارية، بحكم التعريف. صراعا جماهيريا على السلطة، وبالتالي فان كل حزب ثوري ينبغي أن يكون منظما بحيث يتمكن من قيادة صراع كهذا. لقد عنى ذلك خلق أجهزة شرعية وغير شرعية متوازية. وتنظيم تجريدات محاربة وخلق مجموعات حزبية داخل القوات المسلحة، وما إلى ذلك.
وأخيرا، غيرت نظرية لينين حول الدولة بشكل راديكالي المفاهيم السائدة وقتها حول علاقة الحزب بالدولة العمالية أثناء الاستيلاء على السلطة وبعده. لوكانت الثورة تعنى الاستيلاء على الدولة القائمة، إذن فالمضمون الطبقي للدولة كدولة عمالية يتحدد بواسطة الحزب الذي يسيطر عليها. وينبغي على الحزب سيطبقه أن يندمجا. بهذا المعنى، كان الحزب بالنسبة للاشتراكية الديمقراطية هوجنين الدولة الجديدة. نظرية لينين حول استبدال الدولة القائمة بالسوفيتات(المجالس العمالية) أقامت تمييزا واضحا بين الدولة العمالية والحزب الثوري. يتحدد المضمون الطبقي للدولة الجديدة من خلال كونها من خلق الطبقة العاملة ككل. وكون أن الطبقة ككل تشترك في تسييرها”. في ظل الاشتراكية…ستصعد جماهير السكان إلى مستوى لعب دور مستقل، ليس فقط في التصويت والانتخابات، وإنما أيضا في الإدارة اليومية للدولة” دور الحزب ليس أن يكون الدولة العمالية. وإنما أن يكون الأقلية المتقدمة التي تقود وترشد عملية خلق وتعزيز الدولة الجديدة وكما ذكر كريس هارمان الاشتراكي البريطاني المعروف ” الدولة السوفيتية هي أعلى تجسيد ملموس للنشاط الذاتي للطبقة العاملة كلها” والحزب هوذلك القسم من الطبقة الأكثر وعيا بالمغزى التاريخي العالمي للنشاط الذاتي” ولان الحزب والدولة ليسا متطابقين فمن الممكن لأكثر من حزب أن يتنافسوا على التأثير والحكم داخل إطار مؤسسات سلطة الدولة العمالية”.
هكذا، فإن نظرية لينين حول الدولة كانت تكملة لا غنى عنها لنظريته حول الحزب. كانت نظرية الدولة هي ما أكد أن اقتصار الحزب على الأقلية المتقدمة من البروليتاريا لم يتضمن بأي حال من الأحوال أن يحل الحزب محل الطبقة ككل أوأن يسعى للوصول للسلطة كأقلية. وكانت نظرية الدولة هي ما جعل النظرية اللينينية حول الحزب تتجانس مع المبدأ الجوهري للماركسية وهوأن تحرر الطبقة العاملة يجب أن تحققه الطبقة العاملة نفسها”.
نتيجة لسنوات العمل النظري المكثف هذه تحطمت الأسس النظرية للأممية الثانية تماما. وأصبحت نظرية لينين الجديدة حول الحزب مكتملة تماما الآن (وهذا لا يعنى استبعاد إضافات أوتطويرات أخرى) لم تمثل النظرية الجديدة اكتشافا منعزلا وإنما مثلت الاستنتاجات العملية المتوجة لتجديد شامل للنظرة الماركسية للعالم. كما أنها لم تأت مبكرة لحظة واحدة- فسرعان ما واجهت الاختبار العملي الحاسم مع اندلاع الثورة الروسية في فبراير 1917. والسؤال العملي الذي يجب أن نطرحه هو: ماذا كان حظها من النجاح في مواجهة هذا الاختبار؟
5- الحزب في الثورة:
أكدت أحداث الثورة الروسية البالغة الأهمية نظرية لينين حول الحزب بطريقتين أساسيتين أولا: أظهرت أن منظمة صغيرة في الأصل تستطيع في سخونة الصراع. أن تنموبسرعة كبيرة جدا. وأن تكسب – وهذا أكثر أهمية – تأييد الغالبية الكاسحة من الطبقة العاملة. في يناير1917. بلغت عضوية الحزب البلشفى23600. ومع نهاية إبريل كانت قد نمت الى79204، وفى أغسطس قدرت بحوالى200000، ونستطيع أن نفترض أن العضوية زادت بحلول أكتوبر. بالقياس إلي سكان روسيا ككل. فإن 200ألف رقم لا قيمة له تقريبا. إلا أن العضوية البلشفية كانت مركزة في الطبقة العاملة ذات الأهمية السياسية الضخمة رغم صغر حجمها. لقد كتب ليونادر ثابيروأن استطلاعا للرأي بين المنظمات في خمس وعشرين مدينة أظهر أن نسبة البلاشفة المنظمين بين عمال المصانع في المدن في ذلك التاريخ(أغسطس1917) تراوحت بين1%و12%- حيث كان المتوسط بالنسبة للخمس وعشرين مدينة5.4% بالنسبة لحزب نشط منضبط. كانت هذه نسبة عالية جدا. لقد عنت أنه في المراكز الصناعية الأساسية، وخاصة بتروجراد، كان للبلاشفة القيادة السياسية الكاملة للبروليتاريا. هكذا فقد كانت أول هيئة تمثيلية يحصل فيها البلاشفة على أغلبية هي مؤتمر لمندوبي مصانع بتروجراد في نهاية مايو. وعندما دعت اللجنة التنفيذية للسوفيتات، التي كانت تحت سيطرة المناشفة/ الاشتراكيين الثوريين، لمظاهرة جماهيرية في بتروجراد في 18 يونيو، سار في المظاهرة حوالي 400ألف وحملت90% من الرايات شعارات بلشفية. أما عن أكتوبر فقد كتب خصم لينين القديم مارتوف:
أفهموا أرجوكم أن ما هوأمامنا آخر الأمر انتفاضة منتصرة للبروليتاريا- البروليتاريا كلها تقريبا تؤيد لينين وتتوقع أن تحقق الانتفاضة تحررها الاجتماعي”.
في تسعة أشهر صعد البلاشفة من مجموعة منشقة تبدوعديمة الأهمية إلى أقوى قوة سياسية في روسيا.
ثانيا. برهنت الثورة على أنه لا غنى عن حزب ثوري ممركز من أجل استيلاء الطبقة العاملة على سلطة الدولة. إن ثورة فبراير التي أسقطت القيصرية وأفرزت السوفيتات لم يقدها، بالطبع البلاشفة ولا أي حزب سياسي وكما يعلق تارة:
“كانت ثورة فبراير…… اندلاعات لجموع غفيرة ساخطة على الحرمان الناتج عن الحرب وعدم المساواة الظاهرة في توزيع الأعباء…. لم تلعب الأحزاب الثورية أي دور مباشر في صنع الثورة. إنهم لم يتوقعوها وقد أصابتهم في البداية ببعض الارتباك. كان إنشاء سوفيت بتروجراد في لحظة الثورة عملا عفويا لمجموعات من العمال بدون توجيه مركزي.
ولكن لهذا السبب بالتحديد، فإن الثورة المنتصرة التي صنعها العمال والجنود (فلاحون بالزي الرسمي). لم تقدم السلطة طوعا للبرجوازية في صورة الحكومة المؤقتة. بالطبع لم يكن العمال والجنود سعداء بهذا التطور.
في وقت مبكر مثل 3 مارس، بدأت اجتماعات الجنود والعمال تطالب بأن يخلع السوفيت على الفور الحكومة المؤقتة للبرجوازية الليبرالية، وأن يأخذ السلطة في يديه”. ولكنهم، بسبب افتقادهم للتنظيم والقيادة السياسية، كانوا عاجزين عن فرض إرادتهم. ولم تصبح أجنة سلطة الدولة العمالية هذه قادرة على تحقيق الإمكانية الكامنة فيها إلا مع نموالبلاشفة إلى حزب جماهيري ومع ظهور أغلبية بلشفية في السوفيتات. لم يكن من الممكن صياغة برنامج سياسي واضح ومختصر-” الخبز، الأرض، السلام”،وكل السلطة للسوفيتات،- بحيث يكون قادرا على تجسيد مشاعر الجماهير وتوحيد مختلف قوى الثورة، العمال والفلاحين والجنود، إلا من خلال حزب.
كان الحزب شديد الأهمية أيضا في شن ونجاح الانتفاضة المسلحة الفعلية. أولا، كان بوسعه_ من خلال قدرته على تقدير الحالة في روسيا ككل، وانضباطه، وسلطته المعنوية بين العمال- أن يمنع انتفاضة غير ناضجة في” أيام يوليو” كان من الممكن أن تعزل عمال وجنود بتروجراد المندفعين عن بقية البلد. لوكان البلاشفة أقل انضباطا أوأقل تجذراً لكان من الممكن أن تجرفهم الأحداث بسهولة نحوانتفاضة يائسة كانت ستواجه مصير كوميونة باريس أوثورة1919 الألمانية. وبعد ذلك، عقب هزيمة مؤامرة كورنيلوف، وعندما تحول مزاج البلد، وليس مجرد بتروجراد. لصالحهم وأصبح من الواضح أن البلاشفة سيحصلون على أغلبية في المؤتمر الثاني للسوفيتات، كان الحزب قادرا على الإمساك باللحظة الحرجة عندما كان بالإمكان كسب السلطة بسرعة وسلاسة. يكتب كار أنه” بالنسبة لتنظيم انتصار 25 اكتوبر – 7نوفمبر1917 الذي لم تسفك فيه دماء تقريبا. كان سوفييت بتروجراد ولجنته العسكرية الثورية مسئولين. ولكن السوفيت كانت به أغلبية بلشفية واللجنة العسكرية الثورية احتوت على عضوواحد غير بلشفي (اشتراكي ثوري- يساري شاب). وفضلا عن ذلك فإن القرار الأصلي بشن الانتفاضة المسلحة والذي كان ينفذانه لم يتخذه السوفييت. وأفرزت اتخذته اللجنة المركزية للحزب في جلسة سرية ولم يكن من الممكن أن تسير الأمور بشكل مختلف حيث أن التوقيت والسرية كانا جوهريين ولوكان قد جرى جدال مفتوح في السوفييت لنبه ذلك الحكومة ودفعها للقيام بعمل وقائي. لقد كانت السوفيتات بطبيعتها غير متجانسة. لم يكن بوسع أحد سوى حزب منضبط ومتحد سياسيا أن يناقش المزايا والعيوب التكتيكية للتمرد المسلح وأن يخطط لتنفيذه. وبعد الاستيلاء على السلطة مباشرة كان الحزب البلشفي يمتلك فقط وحده الهدف والإرادة للازمة لتشكيل حكومة قادرة على التعامل مع الفوضى والظرف البالغ الصعوبة الذي واجه الثورة.
الدور البارز للحزب البلشفي في انتفاضة أكتوبر المسلحة مضافا إلى العدد الصغير نسبيا للمشاركين في القتال وإنجاز العملية(على الأقل في العاصمة) دفع كل ذلك العديد من المعلقين إلى تصوير الثورة على أنها بالأساس انقلاب قامت به أقلية صغيرة ذات عزم عملت بشكل مستقل تماما عن الطبقة التي زعمت تمثيلها، ومما يجعل هذا الرأي يبدوأقوى إصرار لينين المتكرر على انه من الضروري محاربة الأوهام الدستورية والآمال المعقودة على مؤتمر السوفتيات ونبذ الفكرة المسبقة القائلة بان علينا بشكل قاطع أن ننتظر انعقاده. ألم يناقض المجرى الفعلي للانتفاضة المسلحة تماما التمييز بين الحزب والدولة الذي ناقشناه قبل قليل، أولم يعن ذلك أن المفهوم اللينيني للحزب كأقلية طليعية أدى حتما من الناحية العملية إلى الاستيلاء على السلطة بواسطة هذه الأقلية؟ في الإجابة على هذه الأسئلة من الضروري ألا ننظر فقط إلى الفترة التي أعتمد مصير الثورة خلالها على أيام قليلة من القتال، وإنما إلى تطور سياسة لينين على مدى1917. وضع لينين البلاشفة لأول مرة على طريق الاستيلاء على السلطة عندما كتب” أطروحات أبريل”، ولكنه حذر من البداية” من أي نوع من المغامرة البلانكية”. لقد كتب لينين:
“في الأطروحات اختصرت المسألة بشكل محدد إلى صراع من أجل التأثير داخل سوفيتات مندوبي العمال والعمال الزراعيين والفلاحين والجنود. ولكي لا اترك ظلالا من الشك حول هذا الأمر أكدت مرتين في الأطروحات على الحاجة لعمل” توضيحي” صبور ودؤوب”مطوع للحاجات العملية للجماهير”
ظل” التوضيح الصبور “خط لينين والبلاشفة على مدى ربيع وصيف1917، وكان الصراع على السلطة مربوطا دائما بكسب السوفيتات، وحتى عندما اعتبر لينين في يوليوأن السوفيتات قد انتقلت بحسم إلى المعسكر المعادى للثورة. وبالتالي أراد أن يسحب شعار” كل السلطة للسوفيتات” فقد ظل حريصا، حيث قال محذرا: لن يكون الصراع الحاسم ممكنا إلا في حالة صعود ثوري جديد في أعمق أعماق الجماهير “كما أنه لم يتخل وقتها عن الفكرة السوفيتية.
قد تظهر سوفيتات في هذه الثورة الجديدة بل من المحتم أن تظهر، ولكن ليس السوفيتات الحالية ليس الهيئات التي تمالئ البرجوازية، وإنما هيئات الصراع الثوري ضد البرجوازية. من الصحيح أن علينا حتى في ذلك الوقت أن نكون في صف بناء الدولة كلها وفقا لنموذج السوفيتات.
وفقط عندما حقق البلاشفة أغلبية في السوفيتات وضع لينين الانتفاضة المسلحة على جدول الأعمال.
إن قيام الحزب بالأساس – عاملا من خلال سوفييت بتروجراد- بتنفيذ الانتفاضة المسلحة لم يناقض هذا التصور الا أن هذه كانت عملية هدم. كانت البنية الجديدة لسلطة الدولة قائمة بالفعل ومعترف بها بوصفها السلطة العليا من جانب كل من العمال والجيش. ما حدث في ليلة 24/25 أكتوبر ألغى فقط الحكومة المؤقتة تاركا السوفيتات بوصفها السلطة الوحيدة. وبالإضافة إلى ذلك فقد استند البلاشفة في تشكيلهم للحكومة على الأغلبية التي كانت لهم في السوفيتات وليس على حق الاستيلاء العسكري. في 5نوفمبر كتب لينين:
ينبغي ألا يكون في روسيا سوى حكومة سوفيتية. لقد انتصرت السلطة السوفيتية في روسيا. ويمكن للحكومة أن تنتقل من أيدي حزب سوفيتي إلى أيدي حزب سوفيتي آخر بدون آية ثورة بمجرد قرار للسوفيتات هي فقط تلك التي يقوم ذلك الحزب بتشكيلها.
هكذا فبصفة عامة أكد الاختبار العملي المتمثل في الثورة الروسية صحة نظرية لينين حول الحزب. لقد بررت تماما اقتناعه بان الطليعة ذات المبادئ والمنضبطة ستلعب دورا حاسما في تحقيق الثورة الاشتراكية. ولكن لا بد هنا أن ندق جرس الحذر حيث أن العملية التي لعب بواسطتها الحزب البلشفي هذا الدور فعليا لم تكن على الإطلاق أوتوماتيكية.
قبل عودة لينين لروسيا انزلقت القيادة البلشفية نحوموقف تأييد مشروط للحكومة المؤقتة وأيضا للحرب وعندما أعلن لينين لأول مرة وقوفه في صف إسقاط الحكومة المؤقتة وكل السلطة للسوفييتات، لم يجد أي تأييد من داخل الدوائر القيادية للحزب أدانت هذه الدوائر موقف لينين معتبرة إياه “غير مقبول”.في برافدا وذلك استناد إلى الصيغة البلشفية القديمة،”الديكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين “. لم يكن بوسع حتى أكثر الأحزاب ثورية تدقيقا في استعداده أن يتوقع كل السمات الملوثة للثورة. وبالتالي كان عليه أن يتعلم من الواقع ومن العمال. داخل قيادة الحزب كان لينين هومحرك عملية التعلم هذه.‘النظرية يا صديقي، رمادية ولكن شجرة الحياة الخالدة خضراء‘ هكذا كتب لينين مدينا هؤلاء “البلاشفة القدامى” الذين لعبوا اكثر من مرة بالفعل أدوارا مؤسفة جدا في تاريخ حزبنا عن طريق ترديد صياغات محفوظة عن ظهر قلب دون فهم، بدلا من دراسة السمات الخاصة للواقع الجديد ولحى وكون أن لينين بدا من موقع عزلة بادية، استطاع بسرعة شديدة أن يكسب الحزب لموقفه، يعود جزئيا إلى مكانته الشخصية العظيمة، ولكنه يعود أيضا إلى انه كان يعبر نظريا عن آراء العمال المتقدمين الذين يندفعون نحوالحزب كالسيل. لقد توافقت حملات لينين على البلاشفة القدامى مع الضغط القادم من مناطق المصانع. على مدى1917، كرر لينين التعليق بأن على الحزب أن يتخلص من لجنته المركزية وعلى الجماهير أن تتخلص من الحزب وحتى عندما انتصر لينين من حيث المبدأ في مؤتمر إبريل فقد استمرت أقسام من الحزب في التأرجح. وقد ظهر ذلك جليا فيما يتعلق بمسألة الانتفاضة المسلحة. شكل كامينييف وزينوفييف ونوجين وميليوتين وريهوف مجموعة داخل القيادة معارضة تماما للقيام بانتفاضة مسلحة كان كاميينف وزينوفييف، بعد لينين، أقوى قادة الحزب نفوذا ومع ذلك فقد ترددا في اللحظات الحاسمة احتاج الأمر لشهر من الطرق من جانب لينين، بما في ذلك التهديد بأنه سيستقيل ويقوم بحملة بين قواعد الحزب، لكي يتم التغلب على هذا الموقف وإخراج اللجنة المركزية من قصورها الذاتي. وعندما طلبت مجموعة زينوفييف- كامينيف، بعد الاستيلاء على السلطة مباشرة. أن يدخل البلاشفة ائتلافا مع المناشفة والاشتراكيين والثوريين، هدد لينين مرة أخرى بالانشقاق (الانشقاق النزيه والمفتوح أفضل كثيرا جدا من التخريب الداخلي وإحباط قراراتنا والإخلال بالنظام والإنهاك‘) وأعلن انه إذا كانت المعارضة لها أغلبية في الحزب. فعليها أن تشكل حكومة ائتلافية. أما هوفسوف يذهب للمارة.
أن تأرجح أقسام من الحزب البلشفي، وفى بعض الأوقات ككل، بهذه الطريقة، لا يبطل بالطبع المبادئ التي بنى عليها فلم يحدث قبل ولا بعده أن تصرف حزب عمالي بطريقة افضل في ظل حالة ثورية. ولكن هذا التارجح يعنى أن تنظيم الحزب على أسس لينينية ليس في حد ذاته ضمانه للنجاح إنه ليس مفتاحا تنظيميا يفتح جميع أبواب التاريخ. لا يوجد غنى عن الحزب الثوري ولكن حتى أكثر الأحزاب ثورية يكون عرضة لعناصر روتينية محافظة ببساطة لان عليه أن يكون منظمة مستقرة دائما. وبالمثل فان مجرد خلق الحزب كهيئة متميزة يتضمن خطر أن يعزل الحزب نفسه عن الطبقة. أن ميزة الحزب اللينيني كانت قدرته على تخفيض هذه المخاطر إلى الحد الأدنى، إن لم يستطع أن يلغيها تماما كانت عظمة لينين في الثورة الروسية هي انه رجل الحزب بامتياز- تجاوز حزبه في التحليل الأخير لقد كان قادرا، إذا جاز القول، أن يصل من فوق الحزب إلى جماهير العمال والجنود الروس، ليس مخاطبا إياهم بقدر ما كان مستجيبا لهم، وبذلك كان قادرا على إجبار الحزب على الاستجابة أيضا. إذا شئنا التعبير عن هذه الفكرة في صورة تعميم نظري فيستطيع المرء أن يقول أن بالنسبة للينين، رغم أن الحزب كثيرا ما كان عليه أن يحافظ على درجة عالية من الاستقلالية إزاء الطبقة العاملة ككل. ورغم قوة ادعاءات الحزب وانضباطه، إلا أن الحزب ظل في التحليل الأخير خاضعا ومعتمدا عليها.لا تتضمن النظرية اللينينية بأي حال من الأحوال فيتشية الولاء الحزبي التي اتسمت بها الاشتراكية الديمقراطية ثم اتخذت بعد ذلك اكثر الأشكال والأبعاد شذوذا في الأحزاب الشيوعية الرسمية في الاتحاد السوفييتي والعالم.
6- الحزب العالمي الواحد:
لقد جادلنا بان نظرية لينين حول الحزب اكتملت تماما. في سياساتها مع بداية1917. والآن ومع برهنه ثورة أكتوبر على صحة النظرية، أمتلك لينين النفوذ والتأثير السياسي اللازمين لخلق الاستنتاج المنطقي لهذه النظرية أي الأممية الشيوعية.
افتتح المؤتمر الأول للأممية الشيوعية في موسكوفى2مارس1919. إلا أن ذلك في الواقع لم يكن سوى غرسا لراية وإعلانا لنية لم يحضر سوى 35مندوبا وكان أغلبهم من الأمم الصغيرة التي كانت رسميا جزءا من الإمبراطورية الروسية ولم تتخذ الأممية الجديدة شكلا محددا كمنظمة نضالية جماهيرية، إلا في المؤتمر الثاني في يوليو1920، والذي حضر 2175 مندوبا كانت قيادة الأممية الشيوعية. بالطبع عمل أشخاص كثيرون. وكثيرا ما اتخذ لينين مقعدا خلفيا كان زينوفييف رئيسها وتولى تروتسكي كتابه العديد من أهم بياناتها ومع ذلك فمن المشروع تماما تناول عمل الأممية الشيوعية في دراسة لنظرية لينين حول الحزب. حيث انه كان في الوقت ذاته المبادر بإنشائها واكثر أنصارها حماسة (في بعض الأحيان في مواجهة مؤيديه) كما انه يقينا الهم أووافق على جميع قراراتها الاستراتيجية الأكثر أهمية.
ستكون المناقشة هنا شديدة الاختصار والنقص. ويعود ذلك لسببين: أولا: أن التناول الملائم لجميع مسائل الاستراتيجية والتكتيكات والتنظيم التي تناولتها الأممية في سنواتها الأولى القليلة يقتضي كتابا على الأقل؛ وثانيا: إننا معنيون أساسا بتطور نظرية لينين حول الحزب. وقد اشتمل عمل الأممية بالأساس على تطبيق أفكار ناقشناها بالفعل. وبالتالي، فالخطوة العامة الأساسية فقط سيشار إليها هنا مع التركيز على تلك الجوانب من الكومنترن التي مثلت بطريقة ما انعطافات جديدة.
الفارق الأكثر لفتا للنظر بين الأمميتين الثانية والثالثة، كمنظمات. تمثل في كون الأولى اتحاد فضفاض لأحزاب وطنية مستقلة، في حين أن الأخيرة كان مقدرا أن تكون ممركزة بشكل صارم. وكما جاء في القوانين التي اقرها المؤتمر الثاني: ينبغي أن تكون الأممية الشيوعية،في الواقع وبالفعل، حزبا شيوعيا واحدا للعالم كله. الأحزاب العاملة في البلاد المتخلفة ليست سوى الأقسام المنفصلة لهذا الحزب.‘أعطيت السلطة العليا للمؤتمر العالمي الذي يلتقي دوريا مرة كل سنة، أما بين المؤتمرات فتتولى قيادة الأممية لجنتها التنفيذية المنتخبة، والتي منحت سلطات واسعة تتولى اللجنة التنفيذية إجمالي عمل الأممية الشيوعية بين مؤتمر وآخر… وتصدر تعليمات إجبارية على جميع الأحزاب والمنظمات المنتمية للأممية الشيوعية. على اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية أن تطرد المجموعات والأشخاص الذين يسيئون إلى الانضباط الأممي؛ كما أن لها أيضا الحق في طرد تلك الأحزاب التي تنتهك قرارات المؤتمر العالمي.
مثل هذا الفهم للأممية كحزب عالمي ممركز يمثل تقدما كبيرا. جزئيا، كان مصمما لمنع أي تكرار للتجزؤ الوطني الذي دمر الأممية الثانية في 1914. وبشكل أكثر إيجابية، كان يستهدف خلق هيئة أركان عامة لما افترض انه هناك ثورة عالمية وشيكة. لقد لخص تروتسكي بدقة التفكير الكامن وراء هذا الشكل التنظيمي.
أممية لينين ليست صيغة فارغة لتحقيق التجانس بين المصالح الوطنية والأممية،إنها تعتبر كوكبنا، الذي يسكنه ما يسمى بالإنسانية المتحضرة، ساحة معركة واحدة تتنازع فيها أمم وطبقات اجتماعية عديدة لقد اقتضت ساحة المعركة الواحدة جيشا واحدا وقيادة عالمية واحدة. لقد كان مقدرا للأممية الشيوعية أن تكون، بكلمات لوكاش” الحزب البلشفي-مفهوم لينين عن الحزب على نطاق عالمي‘.
ولتحقيق هذا الهدف، كان من الضروري رعاية النموالسريع لأحزاب ثورية أصيلة في جميع البلاد الرأسمالية الأساسية. ولكي يفعل ذلك، عمل الكومنترن على تجميع المجموعات والتيارات الشيوعية القائمة وتوحيدها في أحزاب مستقرة. كما عمل على كسب أكبر نسبة ممكنة من قواعد الأحزاب الاشتراكية الأوروبية (خاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المستقل والحزب الاشتراكي الإيطالي والحزب الاشتراكي الفرنسي). في هذه العملية كان العدوالأساسي هو”الوسطية” حيث كان يتعين القضاء على مصداقية الزعماء الوسطيين من أجل التمكن من كسب مؤيديهم. كما كان يتعين منعهم من دخول الأممية ونقل العدوى إليها لقد كان الضغط الذي مارسته القواعد لصالح الأممية هوما جذب الإصلاحيين إليها وخلق هذا الخطر الأخير. في المؤتمر الثاني. حذر لينين من أن الأممية الشيوعية أصبحت إلى حد ما الموضة… وقد تواجه خطر التميع من خلال تدفق المجموعات المتذبذبة وغير الحاسمة التي لم تمارس بعد قطعا مع أيديولوجية الأممية الثانية،.
وكما أصر لينين في 1903 على الفقرة 1 من أحكام الحزب كسلاح ضد الانتهازية فقد وضع الآن 21 شرطا للقبول في الأممية الشيوعية. كانت هذه الشروط شديدة الصرامة نص الشرط الثاني على أن أية منظمة تريد الانضمام إلى الأممية الشيوعية عليها أن تعزل بشكل ثابت ومنتظم الإصلاحيين والوسطيين عن مواقع المسئولية في حركة الطبقة العاملة.، وأصر الشرط الرابع على الدعاية والتحريض المنتظمين….. في القوات المسلحة، كما طالب الشرط الرابع عشر بان تجرى الأحزاب الشيوعية في البلاد التي يستطيع فيها الشيوعيون أن يعملوا بشكل شرعي تطهير دوري لعضويتها (إعادة تسجيل) بهدف تخليص الحزب بانتظام من العناصر البرجوازية الصغيرة التي تتسرب إليه حتما،.
تلخيصا للشروطالـ21، أعلن زينوفييف “بمثل ما انه ليس سهلا على الجمل أن يمر خلال ثقب الإبرة فإنني آمل ألا يكون من السهل على أنصار الوسط أن يمروا خلال الشروط الـ21″. لقد حضر المؤتمر قادة بارزون من الوسط، كريسبيان وديتمان من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المستقل وسيراتى من الحزب الاشتراكي الإيطالي. إلا أن لينين دحض اعتراضاتهم بقوة بوصفها” كاوتسيكية الأساس…. ومتشربة بروح برجوازية‘.
بموازاة الصراع مع الوسطية، كان هناك جدال مع عدة تيارات ثورية ولكن يسارية متطرفة أونقابوية. وقد جرت هذه الجدالات بطريقة ودية أكثر كثيرا. لقد تم رد أخطاء اليسار بالأساس إلى شبابهم‘ وقلة خبرتهم كان بعض اليساريين، وخاصة بستانيا من النقابويين الأسبان وتانر من الحركة النقابية القاعدية البريطانية، ساخطين على انتهازية الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية إلى درجة انهم رفضوا بالكامل الحاجة لحزب بروليتاري.في ردهم على ذلك، شرح لينين وتروتسكي وزينوفييف بصبر ألف باء النظرية اللينينية حول الحزب، مؤكدين على الاختلاف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الشيوعي. ومما يجدر ملاحظته انه لم تكن هناك حملات ضد الاقتصادوية ولا ذكر لإدخال الاشتراكية إلى الطبقة العاملة من الخارج‘ جاء في الأطروحات التي تبناها المؤتمر أن:
النقابويين الثوريين كثيرا ما يتحدثون عن الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه أقلية عازمة ولكن هذا هوالحزب الشيوعي- أقلية عازمة فعلا من الطبقة العاملة، أقلية شيوعية، تريد أن تعمل ولديها برنامج، وتسعى لتنظيم صراع الجماهير‘.
أما الجدال الأكثر صعوبة والأكثر إفادة فكان مع أولئك الذين قبلوا بالحاجة لحزب ثوري ولكنهم رغبوا في انتهاج سياسة نقية تتمثل في عدم المساومة، وعدم إجراء المناورات،وعدم الاشتراك في البرلمانات البرجوازية أوالنقابات الرجعية- كان هذا هوخط مجموعة منشقة عن الحزب الشيوعي الألماني، وبورديجا في إيطاليا، وجورتر وبانيكوك في هولندا، وجلاشر وسلفيا بانخورست في بريطانيا. بالنسبة للينين، كان كل ذلك هراءً قديماً ومعروفاً، إلا أن رده “الشيوعية اليسارية انحراف طفولي” المكتوب خصيصا للمؤتمر الثاني، كان واحدا من اشمل وأوضح عروضه لاستراتيجية وتكتيكات الحزب الثوري. روى لينين بعض القصص غير المعروفة جيدا في تاريخ البلشفية.مجادلا بأنه من الضروري البقاء في النقابات مع القيام بعمل شيوعي داخلها بأي ثمن “وبأنه مادمت تفتقد القوة اللازمة للتخلص من البرلمانات البرجوازية وسائر أنواع المؤسسات الرجعية، فعليك أن تعمل داخلها. لقد كتب أن المهمة الملقاة على عائق الشيوعيين في إقناع العناصر المتأخرة والعمل بين هذه العناصر وعدم عزل أنفسهم عنها بشعارات يسارية مصطنعة وطفولية. كان لينين معنى بالا يعتبر الشيوعيون أن ما هوعديم الجدوى بالنسبة لنا هوشئ عديم الفائدة بالنسبة للطبقة وبالنسبة للجماهير.
الصورة التي قدمها لينين للحزب في الشيوعية اليسارية صورة عصابة من الدوجمائيين محدودي الأفق السائرين في اتجاه واحد فقط-إلى الأمام- وإنما صورة منظمة شديدة الوعي والحنكة السياسية قادرة على المناورة وفى بعض الأحيان على المساومة والتراجع.بحيث لا تفقد أبدا الصلة بالطبقة التي تسعى لقيادتها. ومع ذلك فهي قادرة” خلال جميع المحطات الوسيطة وجميع المساومات…. أن ترى بوضوح الهدف النهائي وتسعى على الدوام لتحقيقه” بالطبع لن يكون من السهل دائما التمييز بين المساومات الضرورية وتلك الخائنة ولكن سيكون من العبث صياغة وصفة أوقاعدة عامة(لا مساومات) تناسب جميع الحالات.
جدال لينين بان المطلوب هوتحليل الوضع الملموس:
إنها في الواقع إحدى وظائف التنظيم الحزبي والقادة الحزبيين الذين يستحقون هذا الاسم أن يكتسبوا من خلال الجهود الممتدة والدورية والمتنوعة والشاملة لجميع ممثلي الطبقة الذين يستخدمون عقولهم أن يكتسبوا المعرفة والخبرة وبالإضافة إلى المعرفة والخبرة- الحس السياسي الضروري للحل السريع والسليم للمشكلات السياسية المعقدة”
أثناء 1919و1920.كان التركيز الأساسي داخل الكومنترن على الصراع ضد الانتهازية في حين ينظر إلى اليسارية المتطرفة على أنها انحراف اقل خطورة كثيرا ولكن في 1921 تغير ذلك على امتداد أوروبا. حدث شقاق داخل حركة الطبقة العاملة وطرد الانتهازيون والوسطيون من الأممية – والآن تحول التركيز إلى مواجهة اليسارية‘ كان السبب الأساسي في ذلك هوتغير الوضع الموضوعي فقد شهدت فترة ما بعد الحرب مباشرة موجة دولية من الصراعات الثورية المباشرة وأصيبت البرجوازية بالذعر كان منظور الأممية هوثورة عالمية آنية ولكن في بلد بعد آخر انهزمت الطبقة العاملة واستعادت البرجوازية الثقة في جميع الحالات فشلت الأحزاب الشيوعية الجديدة بشكل لافت للنظر في كسب تأييد غالبية الطبقة العاملة.
كان المحفز المباشر لإعادة توجيه استراتيجية الكومنترن هوالعمل المأساوي للحزب الشيوعي الألماني في مارس 1921.ففي مواجهة العمل المستفز بشكل معتمد المتمثل في احتلال البوليس لمناجم فحم مانسفيلد، بالغ الحزب الشيوعي الألماني في رد فعله حيث حاول قادته. بدون استعداد ودون تأييد الأغلبية، أن يدعوا لإضراب عام وان يحولوه إلى انتفاضة وعندما لم يستجب العمال، أمره أعضاء الحزب بإجبارهم على النزول إلى الشارع وتم استخدام العاطلين عن العمل، الذين كان للحزب قاعدة كبيرة بينهم، في احتلال المصانع ضد إرادة العمال. كانت النتيجة هي صراع شديد بين العمال الشيوعيين وغير الشيوعيين، وهزيمة نكراء للشيوعيين في هذا الصراع، هلاك الكثير من أعضاء الحزب(انخفضت العضوية بحوالي الثلثين) وحيث أنها لم تكتف بذلك، فإن القيادة اليسارية” للحزب الشيوعي الألماني حاولت تعميم هذه المغامرة السخيفة في نظام يحمل اسم ” نظرية الهجوم”.
كان واضحا أن الوقت مناسب لطلب وقفة.أعلن لينين أنه إذا كان ” منظروالهجوم” يشكلون تيارا محددا. فمن اللازم شن صراع لا هوادة فيه ضد التيار، فبدون ذلك لا توجد أممية شيوعية. تبنى المؤتمر الثالث للأممية في يونيو- يوليو1921 شعارا “للجماهير” وأعلن أن المشكلة الأكثر أهمية أمام الأممية الشيوعية اليوم هي كسب تأثير مهيمن على غالبية الطبقة العاملة” أصبحت تعطى عناية خاصة الآن للصراعات الجزئية والمطالب الجزئية.إن مهمة الأحزاب الشيوعية هي توسيع وتعميق وتوحيد هذا الصراع من أجل مطالب ملموسة…إن هذه المطالب الجزئية المتشكلة في ضوء حاجات أوسع الجماهير، يجب أن ترفعها الأحزاب الشيوعية بطريقة لا تقود الجماهير للصراع فقط، وإنما بحكم طبيعتها ذاتها تنظيم أيضا. كانت النتيجة المنطقية لهذا الخط الجديد هي سياسة الجبهة المتحدة. التي أقرتها اللجنة التنفيذية للأممية في ديسمبر 1921 وصدق عليها المؤتمر الرابع 1922. كانت فكرة الجبهة المتحدة هي انه يجب أن يقترح على زعماء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية إقامة جبهة متحدة على أساس برنامج مشترك يتضمن مطالب اقتصادية وسياسية أساسية تنبع من الحاجات المباشرة للطبقة العاملة إذا قبل الاشتراكيون الديمقراطيون. فستتوفر للأحزاب الشيوعية فرصة أن يظهروا عمليا تفوقهم بوصفهم المدافعين عن البروليتاريا. وإذا رفض الاشتراكيون الديمقراطيون الاقتراحات. فستقع عليهم اللوم فيما يتعلق بأي في صفوف العمال ولكن إلى جانب كونها سلاحا غير مباشر ضد الاشتراكيين الديمقراطيين. فقد كان مقصودا من الجبهات المتحدة أيضا التوفيق بين وجود أحزاب شيوعية منفصلة وحاجة الطبقة العاملة للوحدة في صراعها اليومي ضد الصناعيين والدولة.
ولكي تكون أحزاب الأممية قادرة بشكل أكثر فاعلية على القيام بهذا التحريض اليومي حول مطالب مباشرة وعلى إعطائه طابعا ثوريا. ولكي تكون أفضل استعدادا للفرص الثورية في المستقبل. فقد ساد الظن بأن من الضروري عليها أن س ليس فقط أيديولوجيتها واستراتيجيتها وتكتيكاتها. وإنما أيضا تفاصيل تنظيمها ووسائل عملها. لقد ناقشنا في وقت سابق الفروق بين تنظيم الحزب البلشفي قبل الثورة وذلك التنظيم الذي كان سائدا في الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية الأوروبية فى1921.كانت أحزاب الشيوعية كثيرة لا تزال تعمل على أساس النموذج الاشتراكي – الديمقراطي ولكي يتم إصلاح ذلك تبنى المؤتمر الثالث أطروحات حول تنظيم وبناء الأحزاب الشيوعية “كان على كل قسم وطني أن ينفذها إلى جانب الملاحظات العامة حول المركزية الديموقراطية. أكدت الأطروحات على ضرورة أن يعمل جميع الأعضاء وعلى الدور الرئيسي لخلايا المصانع والنقابات وعلى أهمية كتابة تقارير عن جميع الأنشطة وعلى ضرورة وجود شبكة اتصالات،كما أعطت الأطروحات تعليمات عن كيفية الاستعداد للاجتماعات والعمل في فروع النقابات.
إن تنظيم ملايين العمال في حزب عالمي واحد، الأممية الشيوعية أثناء سنواته الأولى القليلة يمثل من نواحي كثيرة أعلى نقطة وصلت إليها الحركة الثورية الماركسية ومع ذلك فقد كان هذا فشلا أيضا ليس فقط من حيث انه لم يثمر ثورة عالمية فورية. وإنما أيضا من حيث أن الكومنترن توقف عن أن يكون قوة ثورية على الإطلاق خلال سنوات قليلة من إنشائه واصبح أداة خاضعة للسياسة الخارجية الروسية.كانت السيطرة الروسية هي الصخرة التي تحطمت عليها الأممية الشيوعية لقد كان بالطبع حتميا أن يتم بالاستماع باحترام لزعماء أول ثورة عمالية ناجحة وفضلا عن ذلك فقد كان هذا في البداية عاملا إيجابيا حيث أن الزعماء الروس وخاصة لينين وتروتسكي كانوا متفوقين بوضوح في النظرية والخبرة العملية على أي شخص في الأحزاب الأوروبية الجديدة اعترف لينين صراحة بواقع القيادة الروسية ولكنه افترض أنها ستكون مؤقتة فقط أن القيادة في الأممية البروليتارية الثورية ذهبت لفترة ليست قصيرة بلا شك للروس كما كانت في فترات عديدة من القرن التاسع عشر في أيدي البريطانيين ثم الفرنسيين ثم الألمان طالما أن الثورة الفرنسية ربطت مصيرها بنجاح الثورة دوليا،فإن سيطرة الزعماء الروس ساعدت الأممية ولكن متى تم التخلي عن هذا التوجه تحطمت الأممية.
هنالك عاملان يفسران الخضوع السلبي المستمر للأحزاب الشيوعية الأجنبية للتوجه الروسي الأول هوسلسة الهزائم التي تعرضت لها حركة الطبقة العاملة الدولية. احتفظ الروس فقط بالمكانة المرموقة التي كفلها النجاح وعلى أساس لاشيء سوى النكسات لم يطور أي حزب آخر الثقة أوالنفوذ للازمين لتحديهم والسبب الثاني هوفشل البلاشفة في التوصيل أوبمعنى آخر فشل الأحزاب الأجنبية في التعلم لقد وجد شيوعيوألمانيا وإيطاليا وفرنسا…الخ. أنفسهم دائمي التعرض للنقد والتصحيح أولا من اليسار ومن اليمين خلال هذه العملية يبدوانهم لم يستوعبوا المنهج اللينيني ككل والذي كانت التصحيحات تقوم عليه وإنما استوعبوا فقط فكرة أن موسكوكانت دائما على حق وبالتالي. فلم يطوروا أبدا القدرة على التحليل الملموس المستقل التي اعتبر لينين من وظائف الحزب غرسها في قادته في خطابه الأخير أمام الأممية الشيوعية في نوفمبر 1922. بدا أن لينين بدأ التصارع مع هذه المعضلة وان كانت الفرصة لم تتح له لتطوير أفكاره:
في المؤتمر الثالث في 1921. تبنينا قرار حول البنية التنظيمية للأحزاب الشيوعية وحول وسائل ومضمون نشاطها القرار ممتاز ولكنه روسي تماما تقريبا. أي كل شئ فيه يقوم على أساس الظروف الروسية هذه النقطة الجيدة في القرار ولكنها أيضا سر فشله إنها سر فشله لأنني واثق أن الأجنبي لا يستطيع قراءته….. وإذا استطاع أجنبي بشكل استثنائي أن يفهمه فانه لا يستطيع تنفيذه… إننا لم نتعلم كيف نعرض خبرتنا الروسية للأجانب… أن أكثر الأشياء أهمية بالنسبة لنا الرفان الروس والأجانب كذلك هوأن نجلس وندرس… أننا بالمعنى العام أما هم فعليهم أن يدرسوا بالمعنى الخاص.لكي يتمكنوا من أن يفهموا حقا البنية التنظيمية للعمل الثوري ووسائله ومضمونه.
إن فشل الأممية وتحولها إلى أداة لبيروقراطية الدولة الروسية الصاعدة لا يحط من شأن مفهوم الحزب العالمي المركز حيث أن ذلك المفهوم كان انعكاسا للطابع الدولي للصراع الطبقي. ولكن هذا الفشل يظهر أن خلق أممية لا يكثف فقط المزايا وإنما أيضا المخاطر الكامنة في خلق أي حزب.كان من شأن وجود أممية صحية أن يوازن بقوة عملية الانحطاط الجارية في روسيا لقد أثبتت الأممية أن في الواقع كانت سندا ودعامة للبيروقراطية الستالينية. إن ما تبقى من السنوات الأولى للأممية الشيوعية كان بكلمات تروتسكي. ميراثا برنامجياً لا يقدر بثمن ويستطيع المرء أن يضيف إلى ذلك أن وثائقها وأطروحاتها وجدالاتها ومن بعض النواحي ممارساتها تعطينا الصورة الأكثر اكتمالا لتطبيق النظرية اللينينية حول الحزب في قمة تطورها.
7- جوهر نظرية لينين:
من النقاش السابق يتضح أن نظرية لينين حول الحزب كانت شديدة التعقيد ومتعددة الأوجه وقد جادلنا بان الفهم الكامل لهذه النظرية يقتضى تعقب تطورها بالمشاكل العملية والنظرية التى أفرزتها لقد حاولت أن نفعل ذلك وعلى هذا الأساس من الممكن أن نجازف بتخليص موجز لجوهر النظرية.
هناك تيمتان أساسيتان فى نظرية لينين حول الحزب: أولا؛ التنظيم المستقل تماما للعمال المتقدميين والذى يتمسك بصلابة بالمصالح الكلية للطبقة العاملة وجميع المستغلين وبالهدف النهائى المتمثل فى الثورة الاشتراكية العالمية وثانيا: أوثق علاقة ممكنة مع جماهير العمال والتى يتم الحفاظ عليها من خلال توفير قيادة عملية فى كل صراع يشارك فيه العمال أويؤثر على مصالحهم يعنى العنصر الأول التمسك الثابت بالمبدأ، للقبول لفترة بوضع الأقلية الصغيرة والتى تبدومنعزلة وشن صراع لا بهذا داخل الطبقة العاملة ضد جميع مظاهر الانتهازية ويعنى العنصر الثانى المرونة التكتيكية القصوى والقدرة على استغلال كل الطرق للحفاظ على الصلة بالجماهير.
هذان العاملان ليسا منفصلين بل انهما مرتبطان جدليا وبينهما اعتماد متبادل بدون مبادئ صارمة وتنظيم فاما أن الحزب سيكون غير قادر على تنفيذ التحولات التكتيكية المفاجئة الضرورية. أوأن هذه التحولات ستخرجه عن خطة وبدون مشاركة عميقة فى صراعات الطبقة العاملة. سيكون الحزب غير قادر على تشكيل انضباطه والحفاظ عليه وسيصبح عرضة للضغط من الطبقات الغربية إذا لم يكن الصراع اليومى للطبقة العاملة مرتبطا بالهدف النهائى المتمثل فى الإحاطة بالرأسمالية فانه فى تحقيق هدفه وإذا لم يستطيع الحزب أن يربط الهدف النهائى بالصراعات الآتية فانه سيحط إلى طائفة غير مفيدة كلما كان النشاط العفوى للعمال متطورا. كلما احتاج إلى تنظيم ثورى واعى تجنبا للهزيمة الكارثية. إلا انه يمكن الحفاظ على التنظيم الثورى وتجديده إلا إذا حصل على إمداد بالدم الجديد من الثورة العفوية للجماهير.
أن جميع الأشكال التنظيمية التى تتسم بها البلشفية..الرقابة الوثيقة على حدود الحزب التزام جميع الأعضاء بالنشاط الانضباط الصارم. الديموقراطية الداخلية الكاملة الدور الأساسي لخلية مكان العمل. الجمع بين العمل الشرعى وغير الشرعى. مستقرة من الحاجة للجمع بين هذين العنصرين الحزب اللينينى هوالتعبير الملموس عن التوليف المارهى للحتمية والإرادية فى الممارسة الثورية:
على امتداد حياة لينين الثورية كان الجابنان المشار إليهما هنا موجودين. ولكن فى الفترات المختلفة كان أحد الجانبين يميل إلى أن يزداد أهمية على الآخر فى اهتماماته فى 1903 و1914 وفى المؤتمرين الأولين للأممية الشيوعية كان استقلال الحزب هوالمسيطر وفى 1905 وفى المؤتمرين الثالث والرابع للأممية دان الجانب المسيطر هوالعلاقة بالجماهير في 1917. اندمج العاملين تماما بالتحديد لان الثورة عبرت عن اندماج المطالب الآتية للطبقة العاملة مع مصالحها التاريخية أن جزءا من عبقرية لينين الفريدة كان قدرته على الحكم على الجانب الذى ينبغى التأكيد عليه وأماله” العصا نحوه فى وقت محدد.
لقد كتب لينين: لا ينبغى ×
من بين جميع الماركسيين لا شك أن لينين صنع الإسهام الأكبر والأكثر أهمية فى تطور نظرية الحزب لقد عبرت أفكاره تنظيم استراتيجية وتكتيكات حركة الطبقة العاملة الروسية أولا ثم العالمية تمثل هذه الأفكار المعيار الذى يمكن بواسطة تقديم جميع باقى الإسهامات فى نظرية الحزب بما فى ذلك إسهام ماركس كما أنها تمثل إلى حد كبير الإطار الذى تدرس داخله هذه الإسهامات.