الماركسية والحزب
لقد كان هناك الكثير من المنتقدين لنظرية لينين للحزب من خارج وداخل حركة الطبقة العاملة ولكن كانت أهم هذه الانتقادات هى انتقادات رور الوكسمبورج الاشتراكية الثورية التى دافعت بعمق عن وجهة نظر بديلة للحزب.
1- المجادلات ضد لينين – عفوية الجماهير:
كانت روزا لوكسمبورج ثورية بولندية أمضت أعوام حياتها القائدة النظرية لاقصى يسار الاشتراكية الديموقراطية الألمانية. وظهرت فى1899، بكتيبها إصلاح اجتماعى أم ثورة كالمعارضة الرئيسية للتحريفية البرنشتينية ومنذ تلك اللحظة اكتشفت بشكل متزايد وحاربت جمود ومحافظية الوسط الكاوتسكى.ولكن كان اهتمامها الشديد بتطور الحركة الاشتراكية الروسية السبب فى أنها كونت وجهة نظرها المميزة عن دور الحزب الثورى وعلاقته بالطبقة العاملة فلما أزعجها انقسام 1903فى الحزب الروسى وما اعتبرته”الوسطية المتطرفى للينين قررت أن ترد على لينين فى كتيبها الشهير المكتوب فى1904‘مشاكل تنظيمية للاشتراكية الديموقراطية الروسية.
فى هذا العمل بدأت. كما ينبغى أن يفعل الماركسى بوضع مسألة تنظيم الحزب بقوة فى إطار المهمات الخاصة والمشاكل التى تواجه الحركة البروليتاريا ككل فى روسيا. لأنه تجادل روزا. روسيا لم تحقق ثورة برجوازية بعد وما تزال تعانى من سيطرة ملكية مطلقة فان البروليتاريا لم تنتفع بعد بالتعليم والتنظيم السياسى الذين يأتيان حتميا مع الديموقراطية البرجوازية لذا ففى روسيا لكتب روزا:
يجب أن تصنع الاشتراكية الديموقراطية بجهودها فترة تاريخية كاملة يجب أن تقود البروليتاريا الروس من حالهم البحر الأحمر الذى ××× الاتوقراطى. إلى تنظيم طبقى يساعدهم على أن يصبحوا واعين بأهدافهم التاريخية ويحضرهم للنضال لتحقيق عدة الأهداف يجب أن يخرجوا هذا التنظيم من العدم. مثل الآلة الجبار لوجاز التعبير.
فى هذا الإطار من النضال ضد النوادى المنفصلة والمجموعات المحلية التى ميزت الفترة السابقة فى روسيا تجد هى انه من المفهوم لماذا يجب أن يكون شعار الأشخاص الذين يريدون أن يروا منظمة قوية هوالمركزية ولكنها تذكر أن المركزية لا تغطى تماما مسألة التنظيم بالنسبة للاشتراكية الديموقراطية الروسية لأنه رغم انه لا يمكن إنكار أن هناك ميل عضوى نحوالمركزية فى الحركة الاشتراكية الديموقراطية مصدره التكوين الاقتصادى للرأسمالية. فانه يمكن مدها لنقطة تعيق فيها التطور غير المكبل ومبادرة الطبقة العاملة ذاتها.
أن الحركة الاشتراكية الديموقراطية هى الأولى فى التاريخ التى تقوم فى كل مراحلها ومن خلال ×× تحويلها على التنظيم × للجماهير لهذا السبب تخلق الاشتراكية الديموقراطية نوعا من التنظيم مختلف تماما عن المعروف فى كل انحرافات الثورية السابقة من حركات اليعقوبين والبلانكيين.
فلأن البروليتاريا تتعلم وتطور كلا من وعيها الطبقى وتنظيمها فى مسار النضال ذاته:
تجادل ورزا لوكسمبورج بان لينين قد نسى أوانه لا يقدر هذا الفرق الرئيسى بين تنظيم الاشتراكية الديموقراطية وبين تنظيم اليعقوبية أوالبلانكية وتكتب روزا ضد رأى لينين بان الثورى الاشتراكى الديموقراطى ما هوإلا يعقوبى مندمج تماما فى تنظيم البروليتاريا التى أصبحت واعية بمصالحها الطبقية أن الحقيقية هى أن الاشتراكية الديموقراطية ليست ملحقة بتنظيم البروليتاريا أنها البروليتاريا ذاتها لذلك لا يجب بأى ثمن تقيدها بشكل تنظيمى متطرف – المركزية وتأديبى بل يجب السماح لها بالحرية التامة بالتطور فالخطوة الكبرى للأمام من حيث التكتيك ووسائل النضال لا يخترعها القادة واللجنة المركزية ولكنها الناتج العمومى للحركة التى تحتمر.
فبالنسبة للوكمسمبورج كان فشل لينين فى تقدير هذا الميل المحافظ خطرا خصوصا فى ظروف روسيا حيث كانت الحركة البروليتارية شابة غير مكتملة النضج بعد فى تعديلها السياسى.
بالإضافة إلى هذه التحذيرات العاملة من مخاطر المركزية – المتطرفة للينين تتعامل لوكسمبورج مع قواعد الحزب والانتهازية مرددة مقولات تروتسكى (انظر الفصل الثانى) فهى ترفض فكرة أن طريق الانتهازية يمكن أن يسد بواسطة فقرات فى دستور الحزب‘ فالانتهازية هى نتاج تاريخى ومرحلة حتمية فى الحركة وتعتقد لوكسمبورج: أنه من السذاجة تمنى إيقاف هذا التيار بواسطة معادلة موجودة فى دستور‘.
وفى استخلاصاتها لنقدها الأطروحات لينين التنظيمية تعود لوكسمبورج للنقطة الأولى. واضعة الخلاف فى مجمل تطور الصراع الطبقى فى روسيا وذلك فى فقرة بليغة خالدة.
وهكذا اعتبرت لوكسمبورج كل خطة لينين التنظيمية انحراف ذاتوى أوأدارى بلغة فلسفية مثالى) عن التوجه التاريخى المادى أنتجه خليط من حركة بروليتاريا غير ناضجة مع المهام الضخمة التى تواجهها وفى مواجهة تشديد لينين على دور الحزب وقيادته شددت هى على الدور المحافظ الكامن فى مثل هذا الجسم وباينت بينه وبين العفوية الثورية للجماهير فى نضالها.
طورت روزا هذه الأطروحات اكثر الإضراب الجماهيرى.. الحزب السياسى والنقابات العمالية” المكتوب في 1906 ليشرح للطبقة العاملة الألمانية دلالة وأهمية أحداث 1905 فى روسيا يوضح الكتيب كيف أصبحت الأفكار التى طرحت فى المسائل التنظيمية للاشتراكية الديموقراطية الروسية واقعا حقيقيا فى روسيا الانتفاضة الثورية 1905 فوق كل شئ يعتبر الكتيب تقديرا لمبادرة وشجاعة الطبقة العاملة فى أيجاد حلول لمشاكل استعصت على المنظرين لمدة عقود من الزمن.
أوضحت لوكسمبورج أن 1905 كانت مجرد أعلى نقطة فى خمس سنوات من الغليان قصتها روسيا مشتعلة بالإضرابات الجماهيرية كانت هذه الإضرابات هى التعبير الخارجى عن النضج الداخلى للثورة ذاتها كثيرا ما بدأت تلك الإضرابات بدون تحضير أوحتى مجرد صناديق إضراب بل وعلى عكس كل السيناريوهات السابقة بدلا من تعقب الإضرابات وجود تنظيم نقابى سبقتها أعطتها دفعة قوية كثيرا أيضا ما كان السبب المباشر مشكلة بسيطة فالإضراب الجماهيرى فى يناير 1905 بسانت بطرسبورج والذى أدى إلى المسيرة لقصر الشتاء بدا بسبب الاستغناء عن عاملين فى مصنع أعمال بوتيلوف وجد كل تلك الأفعال عفويتها لم يكن لديها أى خطة معدة مسبقا ولم يدع لها أي حزب أومجموعة من القادة كانت هذه الإضرابات ممكنة لان الثورة أطلقت مبادرة وشجاعة وتضحية ذاتية من فى الجماهير بدرجة لم يكن يحلم بها من قبل وذكرت لوكسمبورج أن محاولة اللجنة المركزية للحزب الاشتراكى الديموقراطى لروسي قرابة سياسة الحركة الدعوة إلى إضراب جماهيرى فشلت بشكل مطلق أيضا كان من المركزى فى نقد لوكسمبورج للمفاهيم المسبقة المتفق عليها عن الصراع الطبقى هجومها على الفصل الميكانيكى بين النضالات الاقتصادية والسياسية وهى ازدواجية موجودة بوضوح فى كتاب ما العمل؟! ولم يمتثل العمال الروس لهذه التبويبات أيضا:
ولكن أن الحركة لا تتقدم من النضال الاقتصادى للسياسة ولا حتى العكس، أن كل فعل جماهيرى سياسى ××××× يصل إلى أعلى نقطة سياسية له. إلى عدد كبير من الإضرابات الاقتصادية وهذا لا ينطبق فقط على كل الإضرابات الجماهيرية العظيمة ××××××× ووضح وتعقد النظام السياسى لا يحدث فقط أن النضال الاقتصادى لا يتراجع بل يتسع وينتظم ويصبح مشتركاً على قدم المساواة بين ××××.
تتحول كل بداية جديدة للنضال السياسى وكل انتصار طازج له إلى قوة دفع هائلة للنضال الاقتصادى والعكس صحيح، فظروف نضال العمال الاقتصادى المستمر ضد الرأسماليين تحافظ على طاقتهم القتالية فى كل فترة نضال سياسى. بالاختصار أن النضال الاقتصادى هوالتحول من مركز سياسى إلى آخر. النضال السياسى هوالإخصاب الثورى لمعركة النضال الاقتصادى السبب والنتيجة يتبادلان الأماكن هنا باستمرار. وهكذا يشكل العامل الاقتصادى والسياسى فى فترة الإضراب الجماهيرى للنضال الطبقى للبروليتاريا في روسيا.
كما نرى فان كتيب الإضراب الجماهيرى جزء من الجدل ضد ليني فبالضبط كما كانت خطة لينين لتنظيمية ×× يعتبر ذاتوايين هؤلاء الذين يحاولون التخطيط للإضراب الجماهيرى أن الأطروحة الأساسية للكسمبورج فى عمليها المذكورين هى التحذير ضد المبالغة فى تقدير إمكانيات الحزب وبالتحديد قيادة الحزب:
2- دور الحزب:
ما هى الاستنتاجات التى استخلصتها روزا لوكسمبورج حول دور وطبيعة الحزب الثورى بناء على هذا التسديد القوى على الفعل الذاتى والمبادرة الخاصة بالطبقة العاملة هذا التشديد الذى سيطر على كل فكرها وفعلها الثورى؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أولا أن تكون الاستنتاجات التى لم تستخلصها روزا واضحة لأنه كثيرا ما أساء من أدعوا تأييدها أومنتقدوها تصوير موقيت فى هذا الموضوع.
لم تطرح لوكسمبورج كما أكد البعض كثيرا نظرية عن الثورة عفوية نقية ليس الحزب الثورى ولقيادة السياسية مهمين فيها من السهل إثبات هذا لان كل تاريخها السياسى وما كتبته بالفعل يشهدان ضد هذا التأكيد فقد انضمت إلى حزب البروليتاريا البولندى وهى مازالت طالبة بالمدرسة وظلت طوال المتبقى من عمرها عضوا بحزب سياسى بالفعل كان الحزب الاشتراكى الديموقراطى البولندى الذى قاده أقرب رفاق لوكسمبورج ليوجوشية(leo Jogiches) فى ظروف مشابهة لتلك فى روسيا حزبا غير مرة مركزى وتامرى كتبت فى مسائل تنظيمية للاشتراكية الديموقراطية الروسية أن الاشتراكية الديموقراطية كقانون مضادة لأي مظاهر للمحلية والفيدرالية. أنها تسعى لتوحيد كل العمال وكل المنظمات العمالية فى حزب واحد‘
خصصت روزا لوكسمبورج فصلا من كتيبها الإضراب الجماهيرى للدفاع عن الحاجة لفعل متحد بين النقابات العمالية والحزب الاشتراكى الديموقراطى فى ظل السيطرة العامة للحزب وبعد 1914 وانهيار الأممية الثانية دافعت لوكسمبورج.مثل فعل لينين عن بناء أممية مركزية ضد فكرة الأممية الالفيدرالية وفى نهاية كتيب جونيوس كتبت فى الملحق أطروحتها حول مهام الاشتراكية الديموقراطية الأممية:
أن مركز الجذب فى تنظيم البروليتاريا كطبقة هوالأممية فى وقت السلم التكتيكات التى تتخذها الأقسام القومية فى مسائل العسكرة. سياسة المستعمرات السياسة التجارية الاحتفال بأول مايووأخيرا التكتيك الجماعى الذى يجب اتباعه فى حالة الحرب.
يجب أن يكون لفرض تنفيذ قرارات الأممية الأولوية على كل شئ آخر الأقسام القومية التى لا تلتزم تضع نفسها بنفسها خارج الأممية.
من هذا يتضح أن روزا لوكسمبورج تنبهت للحاجة لان يقود حزب ثورى الطبقة العاملة فى كل شئ بالضبط كما تنبه لينين أما الخلافات مع لينين فقد كانت فى المفهوم حول طبيعة هذا الحزب وماهية مهامه. لقد رأت لوكسمبورج بسبب ثقتها المطلقة فى قدرات العمال فى النضال، أن المهام الأساسية للحزب هى القيادة السياسية وليس إصدار الدعوات للفعل والتنظيم الفعلى لهذا النضال.‘ بدلا من أن يحير الاشتراكيون الديموقراطيون أنفسهم بالجانب التقنى أوميكانيزمات الإضراب الجماهيرى. فهم مدعون لتولى القيادة السياسية فى خضم الفترة الثورية.
هذه أساسا، رؤية دعاوية لمهام الحزب ولها تداعياتها على درجة المركزة والنظام الذى يتطلبه التنظيم الحزبى. فالنظام الصارم الذى طالب به لينين كان فوق كل شئ لتحقيق الوحدة فى الفعل. أن حزبا يحدد نفسه عموما بالدعاية ليس به حاجة لمثل ذلك النظام الصارم؛ يصبح هنا التفاعل الحر للأفكار أكثر أهمية واحد من افضل الأمثلة على الاختلاف بين لوكسمبورج ولينين فى هذا الموضوع هوالفرق بين رأيهم فى الروتين والإدارة الحزبيين. كان لينين دائما مشتركا بشكل مكثف فى كل صغائر التنظيم الحزبى. تمويل وأعداد المؤتمرات. ولكن لم تلعب لوكسمبورج أى دور، تقريبا، في هذه الأمور لا فى الحزب البولندى ولا الألماني يكتب مؤرخ حياتها، نيتل. يقول:
عند نقطة معينة تم التوصل لقرار حزبى رسمى فى الحزب الاشتراكى الديموقراطى انه يجب إلا تشغل لوكسمبورج نفسها بالمسائل التنظيمية أبدا. وبأنه يجب إلا تشترك فى أي من المؤتمرات والاجتماعات الرسمية.
أيضا، ولان عقلها كان منصبا على مهمة الدعاية، لم يهمها على الإطلاق مسألة التفريق بين عضوالحزب الخاضع لنظام تنظيم وبين المؤيدين والمتعاطفين مع الحزب، تلك هى المسألة التى كانت حيوية جدا بالنسبة للينين ويتضح عدم اهتمامها هذا من تحذيرها ضد “إقامة تقسيم في الهواء” بين أعضاء الحزب و”مجالهم الجماهيري المباشر”. هكذا، في رأى لوكسمبورج. يجب أن يمارس تأثير الحزب فوق الروليتاريا أساسا من خلال أفكاره، برنامجه وشعاراته وليس من خلال سلطة تنظيمية أومبادرته بالفعل. بينما كان هذان العنصران أكثر توازيا عند لينين.
من المهم أن نبقى الخلافات بين لوكسمبورج ولينين، على الرغم من أهميتها، فى حدود معينة فقد وقعت محاولة لاقتراح أن ابتعاد لوكسمبورج عن لينن فى مسألة طبيعة الحزب جعلها بطريقة ما منفصلة عن التيار الرئيسى للماركسية الثورية فى القرن العشرين – أنها مثلت نموذج ديموقراطى يكاد يكون ليبرالى من الماركسية معاكس لنموذج لينين الديكتاتورى. يكتب برترام د.وولف، أحد المدافعين الأساسيين عن هذه الرؤية، فى مقدمه كتاب الثورة الروسية والماركسية واللينينية:
رغم انه يطلق على كليهما (لينين ولوكسمبورج) ثورى اشتراكى إلا أن مزاجيها المختلفين وارائهما المتباينة حول طبيعة القيادة الاشتراكية والفعل الذاتى للطبقة العاملة، كل هذا جعلهما قطبين منفصلين.
المراد قوله هنا هوأن اعتراضات لوكسمبورج على الوسيطة – المتطرفة للينين كانت جوهرية بينما كان اتفاقهما كاشتراكيين ثوريين شئ سطحى وعرضى إلا أن هذه مغالطة ضخمة يروح لها من اجل قيد روزا لوكسمبورج فى المعركة الأيديولوجية للحرب الباردة أن هذه مغالطة تجد نفيها التام فى ذات الوثيقة التى يستخدمها وولف كدليل الإثبات الرئيسى، الثورة الروسية.
لقد اثبت البلاشفة انهم قادرون على كل شئ يمكن أن يقدمه حزب ثورى ضمن حدود الإمكانيات التاريخية… أن الأمر ليس هذه أوتلك المسألة الثانوية التكتيكية. بل هوقدرة البروليتاريا على الفعل. قوتها على الفعل هوإرادة الوصول للاشتراكية فى هذا الأمر كان لينين وتروتسكى وأصدقاؤها فى المقدمة. هؤلاء هم أصحاب السبق فى تقديم المثل لبروليتارية العالم. وما يزالوا هم الوحيدون حتى الآن الذين يستطيعون أن يصرخوا بأعلى صوت لقد جرؤنا على الفعل‘.
هذه هى السياسة البلشفية الجوهرية والباقية وبهذا المعنى خدمتهم الخدمة التاريخية الأبدية هى السير على راس البروليتاريا العالمية بالاستيلاء على السلطة السياسية والإحلال العملى لمسألة تحقيق الاشتراكية وفى المبادرة بجلال على تصفية حساب راس المال والعمل المأجور فى العالم كله يمكن فقط طرح المسألة فى روسيا ولكن لا يمكن حلها فى روسيا وبهذا المعنى يكون المستقبل فى كل مكان للبلشفية.
الأكثر من ذلك انه فى غضون شهور من كتابة هذه السطور كانت لوكسمبورج منخرطة فى اكثر شكل ملموس للتضامن مع لينين باشتراكها فى تأسيس الحزب الشيوعى الألماني كانت روزا لوكسمبورج مفكرة ذات شأن واستقلال عظيمين لهذا اختلفت مع لينين فى الكثير من نقاط النظرية والتطبيق؛ إلا أن اشتركت فيه مع لينين- الإخلاص التام للماركسية الثورية والصراع الطبقى العاملى للبروليتاريا –كان أكثر جوهرية. لقد تجادلا بعنف، أجل ولكن داخل إطار مشترك. وليس أبدا بنفس الطريقة التى حاربا بها برنشتاين وكاوتسكى المخضرم. يمكن فقط على أساس فهم هذا الإطار المشترك، نقطة انطلاقهما الواحدة استيعاب وتقدير خلافاتهما طبيعة ودور الحزب بشكل سليم.
3- خلفية أفكار لوكسمبورج:
لوكان لينين ولوكسمبورج، كما جادلنا، قد انطلقا من نفس المقدمات الجوهرية. فكيف أذن تفسر خلافاتهما حول مسألة الحزب؟ أن التفسيرات المبينة على مزاج لوكسمبورج لن تفيدنا في شئ. فأيا كانت اختلافاتها المزاجية التي شعرت بها تجاه أساليب لينين فقد كانت ثورية منضبطة بالقدر الكافي للتغلب على مشاعرها الشخصية لووجدت في ذلك ضرورة سياسية، بالضبط كما فعل تروتسكى في 1917. والأضعف من التفسيرات المزاجية هوإرجاع اختلافها مع لينين إلى أي ضعف نظرى عانت منه لأنه لم يكن هناك أي مبالغة حين وصفها فرانز ميهرنج بأنها “أكثر العقليات عبقرية من بين كل الورثة العلميين لماركس وإنجلز.
تكمن الجذور الحقيقية لاختلافات لوكسمبورج مع لينين بالتحديد فى الظروف التاريخية المختلفة جدا التى كان الاثنان يعملان فى إطارها. فعلى الرغم من أن المسائل التنظيمية للاشتراكية الديموقراطية الروسية والإضراب الجماهيرى قد عالجا الحركة العمالية الروسية كموضوعهما إلا أنه من الواضح أن لوكسمبورج كانت تكتب وهى تضع نصب عينها الظروف الألمانية والتجربة الألمانية. هذا التوجه فى الكتابة صريح فى الإضراب الجماهيرى، ولكن حتى فى العمل الأول نجد أنها عندما تريد مثل ملموس على مخاطر المركزية المفرطة والاتجاهات المحافظة للقيادة فأنها تستشهد بمثل الاشتراكية الديموقراطية الألمانية وتكيفها مع البرلمانية ففوق كل شئ كانت الظروف الألمانية هى التى شكلت مفهومها عن الحزب؛ ولم يكن بالإمكان أن تكون شروط تواجد الحركتين العماليتين الألمانية والروسية أكثر تباينا مما كانتا عليه.
فى المقام الأول: عند وصولها لألمانيا انضمت لوكسمبورج لحزب جماهيرى موجود بالفعل – أكبر وانجح اشتراكى عرفه العالم حتى ذلك الوقت – يضم مئات الألوف من الأعضاء، الآلاف من المنظمات الإقليمية، حوالى80 جريدة يومية وعدة عقود من النضال كتاريخ. كان على لينين، على العكس، أن يبنى حزبا من لا شئ.هكذا بينما كان على لينين التعامل بمنتهى الجدية مع كل المسائل العملية(وبالتالى النظرية) للتنظيم والكفاءة والاحتراف، تعاملت لوكسمبورج مع تلك المسائل كامر مفروغ منه فلم يكن موضوع كيفية تنظيم الحزب بالضبط أمرا مطروحا فى الحزب الاشتراكى الديموقراطى أبدا.ولا يوجد دليل مطلقا على روزا فكرت بجدية فى تفاصيل التنظيم من هذه الزاوية لم يمكن أبدا أن يكون التباين مع لينين أكثر اكتمالا.
فى المقام الثانى نجد حقيقة أن الحزب الاشتراكى الديموقراطى الألماني والنقابات العمالية المرتبطة به كان قد وصلا إلى مرحلة متقدمة من البقرطة فى ما كان وطن البيروقراطية والنظام كما أشرنا من قبل فى هذه الدراسة فقد حافظت الحركة العمالية الألمانية على شريحة ضخمة من الموظفين الثابتين أصحاب الامتيازات يخدم تنظيم بوجوده كحجة مستديمة من أجل تجنب الفعل. إما أن التنظيم لم يصل بعد للقوة الكافية للفعل أوأن الفعل سيعرض التنظيم للخطر. أكتشفت روزا لوكسمبورج هذه الحقيقة بوضوح وقبل أى ماركسى آخر. وبالتأكيد قبل أن يراها لينين بزمن. وتعاملت برد فعل عنيف ضدها لقد حثت بقوة على ضرورة الإبداع العفوى للجماهير من أجل إيجاد مخرج من مملكة الموظفين المحافظة.
الأكثر من ذلك العفوية والنضال كانا هما بالتحديد الناقصين فى الحركة العمالية الألمانية. لقد كان مستوى الإضراب عند الطبقة العاملة الألمانية فى الأعوام الأولى من هذا القرن منخفضا جدا. فى السنوات الست بين1900و1905 كان هناك1171 إضراب فى السنة تضمنت 122606 مضرب في السنة (مما يجعل معدل رقم العمال فى الإضراب الواحد 104 عامل فقط). قارن هذا المعدل بأرقام روسيا حيث كان هناك 870000 مضرب في 1903 مع الأخذ فى الاعتبار أن قوة العمل الروسية كانت اصغر بكثير. وكان هناك2863000 مضرب في 1905 (1843000 منهم اشتركوا في إضرابات سياسية و550000 مضرب سياسي فى 1912 من هذا يمكن رؤية أن الحركة العمالية الألمانية، رغم حزبها الاشتراكى العظيم وتنظيماتها الرائعة، كانت ضعيفة وغير فاعلة نسبيا فى الصراع الطبقى البسيط ضد الرأسمالية. بينما حارب العمال فى روسيا، حيث لم يكن هناك حزب جماهيرى وحيث كان التنظيم النقابى غير موجود فعليا. معارك عظيمة ضد كل من الرأسماليين والدولة. لقد كان من طبيعة ثورية مثل روزا لوكسمبورج،بالضبط كما كان من طبيعة لينين، أن تركز على ما كان يبدوانه العنصر الغائب فى الوضع- والذى كان بالنسبة لها العفوية والفعل الجماهيرى من أسفل هكذا أمكن للينين، الذى انطلق من وجود العفوية بالفعل، أن يكتب:”أعطونا عفوية الجماهير وسيكون عندنا ثورة”.
بالإضافة لهذه العوامل العامة كانت لوكسمبورج متأثرة أيضا بالوضع المحدد داخل الحزب الاشتراكى الديموقراطى الألماني. كانت الخطوة الأولى المنطقية نحوبناء حزب ثورى حقيقى فى ألمانيا هى تكوين تكتل داخل الحزب الألماني. إلا أن هذا كان صعباً جدا لأنها كانت ستجد تأييد قليل جدا لأراءها – حتى لينين لم يكن ليؤيد مثل هذه الخطوة قبل أغسطس 1914. فالسلطة الأدبية لأعظم قائدين للحزب، كاوتسكى كمنظر وبيبل كمنظم عملى كانت هائلة – أعظم بكثير من سلطة بليخانوف. الشخصية الوحيدة التى يمكن مقارنتها بهما فى روسيا- فالتأثير الذى حظيت به روزا فى الحركة الألمانية كان يرجع، على الأقل جزئيا، إلى احتمال كاوتسكى كان يستمع إلى آراءها حتى 1910. بالإضافة إلى كل ذلك كانت تحتاج لحلف مع وسط الحزب لمحاربة خطر البرنشتاينية.
أخيرا، كانت هناك حقيقة أن تكوين تكتل سيطرح بالتأكيد مسألة الانفصال الأمر الذي عارضته تماما لوكسمبورج، من المحتمل أنها كانت متأثرة في رأيها هذا بالقدر الذي حاق بالحزب الاشتراكي المستقل وهوكبيرة نسبيا من الثوريين انفصلوا عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في 1891 متهمينه بالإصلاحية. عاش هذا الحزب حياة قصيرة جدا قبل أن يختفى تماما.حتى يناير 1917 كانت لوكسمبورج ما تزال تجادل ضد فكرة الانفصال:
رغم وجاهة ومعقولية نفاذ الصبر والمرارة التى تدفع الكثير جدا من افضل العناصر إلى ترك الحزب اليوم فان الهروب يظل هروب انه خيانة للجماهير التى بيعت للبرجوازية وتختنق من السيطرة المحكمة لشيدمان وليجبن يمكن للفرد أن ينسحب من الفرق الصغيرة حينما تكف عن مناسبة حتى يؤسس فرقا جديدة أنها محض فارنتازيا غير ناضجة حين يريد البعض تحرير جماهير البروليتاريا من القبضة الثقيلة والفظيعة للبرجوازية بانسحاب بسيط معتبرا هذا مثل شجاع. أن التخلص من بطاقات العضوية كوهم التحرر هومحض توهم مقلوب أن القوة تكمن فى بطاقة عضوية الموقفان هما قطبان مختلفان للوسيطة التنظيمية. المرض الدستورى للاشتراكية الديموقراطية الألمانية القديمة.
4- نقاط القوة والضعف فى موقفها:
لقد أوضحنا كيف أن تركيز لوكسمبورج على العفوية ومفهومها لدور الحزب كانا مشروطين بوضعها التاريخى المحدد. ولكن التفسير ليس تبرير من الضرورى أيضا أن نقوم بتحليل آرائها حيث أنها قد استبعدت كثيرا من الماركسيين ببساطة بناءا على سلطة ما العمل؟ كانت روزا العمال أنفسهم فى خضم المعركة لقد اثبت هذا مرة بعد الأخرى على النطاق التاريخى مع الخلق العفوى لنوع جديد من الدولة(كوميونة باريس؛السوفيتات الروسية؛ وبطريقة مماثلة فى احتلالات المصانع واختراع وسيلى الـflying picket (عمال المناجم وعمال البناء الإنجليز في1972).
كانت محقة في أن الصراع الطبقي في أقصى قوة دفعة لا يسمح بالفصل الميكانيكى بين الاقتصادي والسياسي، وبعض النقاط التي تطرحها لوكسمبورج حول هذه المسألة في الإضراب الجماهيري اكثر جدلية من بعض الأطروحات المجردة في ما العمل؟ ومرة أخرى توضح لنا الإضرابات الحديثة للطبقة العاملة الإنجليزية هذا بشكل رائع. لقد كان وجود قانون العلاقات الصناعية (الذي أصدره حزب المحافظين) مع تجميد الأجور في أوائل السبعينات يعنى النزاعات النقابية، الاقتصادية الخالصة مثل نضال عمال التفريغ ضد نظام ميكنة التفريغ في 1972، الإضراب من أجل الاعتراف بالنقابة في مصنع كون- ميخ في 1973 وإضراب عمال المناجم في 1974 أن تحول نفسها إلى معارك سياسية جماهيرية ضد القانون والحكومة بالفعل نظرا لان الحكومات الرأسمالية الحديثة مدفوعة اليوم أكثر وأكثر للتدخل في الصناعة ولجعل تقييد الأجور هومحور كل استراتيجيتها فان النضال السياسي والاقتصادي للطبقة العاملة هوأكثر اختلاطا من أي وقت مضى وهذا الوجه من فكر روزا لوكسمبورج قد أصبح مهما بشكل متصاعد. كانت لوكسمبورج محقة في تحذيرها من الميل المحافظ الكامن في قيادات الأحزاب الاشتراكية وحتى في الأحزاب عموما، هذا الميل الذي ينتج عن الانعزال عن القوة الدينامية التي تعمل دون أن تلاحظ في أعماق حركة الطبقة العاملة. لقد جرب لينين نفسه مثل هذا الموقف في 1905و1917. ويشرح ماركسي معاصر دنكان هالاس، بوضوح كيف يمكن أن يحدث هذا في داخل الموقع ذاته:
يحدث أحيانا أن يجد حتى افضل المناضلين أنفسهم مسبوقين بالأحداث ومحتلين موقعا على يمين العمال الذين كانوا خاملين في الماضي وذلك لفترة تطول أوتقصر. أن مثل هذه التجربة معروفة جيدا لدى النقابيين القاعدين النشطين فالشعارات والمطلب التي كانت بالأمس مقبولة فقط لدى الأشخاص الأكثر وعيا يمكن أن تغدوفجأة محدودة جدا بالنسبة للأغلبية عندما يتطور نضال ما ويتعدى نقطة متوقعة حتميا تولد التجربة والمعرفة الأكبر لدى النشطين حذرا معينا، هوعموما مناسب. ولكنه أن يصبح أحيانا في ظرف يتغير بسرعة إلى عائق حقيقي للتقدم.
لقد كانت محقة أيضا في معارضة مفهوم لينين عن تقديم الاشتراكية إلى الطبقة العاملة “من الخارج” بمفهومها عن الدور والإنجازات الرائعة للعفوية. الحزب ليس نبع كل حكمة ولا المدير المعصى من الخطأ للصراع الطبقي، وهناك عنصر من الحقيقة في الاتهام بان لينين كان يلوى العصا أكثر من اللازم وفى اتجاه الإرادوية (إلا أنه كما أوضحنا أن هذا أيضا وبمعنى ما كان إنجازه العظيم).
هكذا ففي عدة نقاط كانت روزا لوكسمبورج أقرب إلى تحليل ماركسي سليم من لينين 1901-1904 ولسوء الحظ عانت رؤاها من نقاط ضعف حاسمة وضحت من خلال مجرى التاريخ. من السهل وضع أيدينا على أحادية آراءها حول عفوية الإضرابات الجماهيرية. فبينما يمكن أن تحدث مثل هذه الإضرابات بشكل عفوي، وهذا يحدث كثيرا، فليس هذا هوالحال بالضرورة كما انه ليس ميزة دائما ويوضح الإضراب العام الإنجليزي في 1926 هذا بشكل جيد. فلقد جاءت كل القوى والطاقة والمبادرة للإضراب من أسفل، ولكن كان الإضراب مخططا له ومدعوا إليه بواسطة قيادة المجلس العام لاتحاد نقابات بريطانيا. الأكثر أهمية هوأن نفس القيادة هي التي أفشلت الإضراب في اللحظات الحرجة في الشهور التي سبقت الإضراب أعدت الطبقة الحاكمة البريطانية نفسها سياسيا وعسكريا بعناية كبيرة من أجل المواجهة. الأكيد انه في تلك الحالة لم يوجد النقد الماركسي لفكرة انه يمكن التخطيط للإضراب بل ضد المجلس المركزي لفشله في التخطيط والإعداد بشكل كافي عندما كان معروفا أن العدويفعل ذلك ألا أن هذا كان خطأ صغيرا نسبيا. أمكن للوكسمبورج بسهولة أن تصححه الأكثر من هذا الخطأ هوأن استراتيجيتها فشلت في الاختبار الأكثر أهمية على الإطلاق – الثورة الألمانية ذاتها.
في الثورة الألمانية 1918- 1919. والتي طال انتظارها. أثبتت عصبة سبارتاكوس (التي كونت أساس كتكتل داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في 1916) أنها القوة الوحيدة الثورية بثبات في ألمانيا. رغم ذلك كانت اضعف في العدد والخبرة والتماسك التنظيمي من أن تؤثر بحسم في الأحداث. لذا مضت العصبة في العاصفة الثورية مثل الريشة تطيح بها الرياح في كل الاتجاهات. غير قادرة على صياغة استراتيجية منسجمة إلا الدعوة المتكررة من اجل الفعل الجماهيري وكل السلطة للجان العمال والجنود لقد كتب راديك، والذي يعمل كمبعوث للدولة السوفيتية. في تقريره انه عند بدء الثورة لم يكن هناك إلا عضوا منظما لعصبة سبارتاكوس في برلين، وحتى في المؤتمر الذي أسست فيه عصبة سبارتاكوس الحزب الشيوعي الألماني شعر راديك انه مضطر للتعليق: “ولكنى لم اشعر أنني كنت في حضور حزب”.
حتى اعنف مؤيدي روزا لوكسمبورج واقلهم نقدا لها، بول فروليخ. يؤكد على هذه الصورة من الضعف(رغم انه لا يعترف بآثارها الضارة على الاستراتيجية): عندما أتت الثورة كانت عصبة سبارتاكوس عبارة عن تجميعه للمجموعات الإقليمية موجودة في كل المدن الكبيرة. ولم تتحول بعد إلى حزب سياسي بالإضافة إلى ذلك فقد عانت العصبة من كل المشاكل البدائية التي تعانى منها أي منظمة شابة وجدت روزا وبقية اللجنة التنفيذية في أقلية ضئيلة في المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الألماني عند التصويت على مسألة الاشتراك في انتخابا ت الجمعية الوطنية(لقد تخلص البلاشفة من مثل هذا التطرف اليساري عشر سنوات قبل ثورة 1917). ومع عدم قدرتها على إحداث أي تغيير يذكر داخل اللجان العمالية اضطرت عصبة سبارتاكوس إلى الدخول في تحالف غير مستقر مع الاشتراكيين الديمقراطيين المستقلين (انشقاق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1917) وعمال العنابر الثوريين ثم تخلص نفسها من هذا التحالف عندما بدأت هذه العناصر في التأرجح في النهاية، وعلى الرغم من انه جاء ببرنامجها: “إن عصبة سبارتاكوس لن تحاول الوصول للسلطة السياسية أبدا إلا عندما يتماشى ذلك مع الإرادة الواضحة والبينة للغالبية العظمى من الجماهير البروليتارية بألمانيا فقد أربكتها الأحداث ودفعت للقيام بانتفاضة مسلحة يائسة غير ناضجة أسفرت عن تحطيم الثورة ومقتل لوكسمبورج وليبنخت. كانت لوكسمبورج واعية بدون شك انه كانت هناك أخطاء ترتكب إلا أنها كانت عاجزة عن منعها. هكذا كلفها فشلها في صهر العمال المتقدمين في حزب طليعي مستقل منضبط حياتها في نهاية الأمر. ربما جاء عدم بدئها تنفيذ هذه المهمة كما فعل لينين في 1903 نتيجة لعوامل تاريخية لم يكن بالإمكان تجنبها. ولكن عدم القيام بها فيما بعد جاء نتيجة جزئيا نتيجة قرار واعي.
يسجل نيتل أن: ‘قادة سبارتاكوس قرروا عن وعى عدم القيام بأي محاولة جادة لخلق تنظيم في 1918. لقد كانوا مقتنعين بان الإمكانيات الثورية جعلت هذا إضاعة غير ضرورية للمجهود.’
الخلل الآخر الرهيب في استراتيجية لوكسمبورج كان تقليلها من قدرة القادة الإصلاحيين على لجم وتضليل الطبقة العاملة. رغم أنها كانت الأولى التي استوعبت الدلالات النظرية للبرنشتاينية وخمول الوسط الكاوتسكي إلا أنها. على كل حال. فشلت في رؤية الأثر المثل التقسيمي الذي يمكن أن تحدثه هذه الاتجاهات في الطبقة العاملة حتى في غمار الفعل الجماهيري الذي طالما انتظرته. كتبت في 1913: ‘القادة الذين سيتخلفون للوراء ستزيحهم جانبا الجماهير العاصفة’.
ولكن. لم يثبت الواقع أن الأمر بهذه السهولة فبدلا من حدوث ذلك. استطاع الاشتراكيون الديمقراطيون استغلال الارتباط التاريخي لملايين العمال بهم لتخريب الثورة وبسبب فشلها في استيعاب هذه المشكلة في وقت مبكر لم تر لوكسمبورج الحاجة لمحاربة الانتهازية تنظيميا- أي من خلال النصوص في دستور الحزب. من خلال الانشقاق…. الخ- إلى جانب الجدال السياسي.
5- الجذور النظرية لأخطائها:
لقد أبرزنا الخلفية التاريخية لأفكار روزا لوكسمبورج ويستطيع المرء أن يرى كيف أن كلا من نقاط قوتها وضعفها كانا مشروطين تاريخيا. ولكن ماذا عن الجذور التاريخية لأخطائها؟ يجب أن نلجأ في بحثنا عن مصدر تلك الأخطاء في موقعين متشابكين مع بعضهما البعض في فكرة : تحليلها للعملية التي تطور بواسطتها البروليتاريا وعيها الثوري. ومفهومها عن دينامية الثورة ذاتها.
بالنسبة للتيار الأساسي في الاشتراكية الديمقراطية يتطور الوعي من خلال عملية منسجمة من التراكم التدريجي بدون تناقضات وبدون نقلات نوعية. تركيز لوكسمبورج على عفوية الجماهير وضعها ابعد من كل الماركسيين الغربيين عن هذه الرؤية. إلا أنها لم تكسر تلك الحلقة تماما. لم يكن الأمر هوأنها بالغت في تقدير المستويات التي قد يصل إليها العمال عفويا ولكن أنها بالغت في تقدير التكافؤ الذي تحدث به هذه العملية.من المؤكد أنها كانت تعرف أن بعض العمال اقدر وأشجع من البعض الآخر وان لديهم مستوى أعلى من الوعي الاشتراكي من البعض الآخر،الذي لم تستوعبه بشكل كامل هوانه يوجد تناقض ما بين العامل الثوري الذي يريد التخلص من الرأسمالية وبين العامل الأقل تقدما الذي يريد تحسين ظروفه في ظل الرأسمالية(وهوليس تناقض لا يمكن حله). وانه على أساس هذا التناقض تنشأ أحزاب تدعى أنها أحزاب طبقة عاملة، ولكنها في الحقيقة تعمل كعملاء للبرجوازية داخل الحركة العمالية. بسبب هذه الفجوة في نظريتها فشلت أن ترى ضرورة تنظيم العمال الثوريين المتقدمين منفصلين ومستقلين من اجل زيادة تأثيرهم داخل الطبقة ككل. ولتسليحهم من اجل النضال ضد التأثيرات الانتهازية والإصلاحية على الطبقة أن تقليلها من شأن التأثيرات السلبية للقادة السيئين ينبع أيضا من هذا المصدر. لأنه إذا تثورت الطبقة العاملة ليس فقط بعفوية ولكن أيضا بتكافؤ إذن بالفعل فان القادة الذين سيتخلفون للوراء سيزيحهم جانبا الجماهير العاصفة’.
أما بالنسبة لمفهوم لوكسمبورج عن الثورة فهنا يصلح تعليق توني كليف كنقطة بداية لنا:
إن السبب الرئيسي وراء مبالغة لوكسمبورج في تقدير عامل العفوية وتقليلها من شأن عامل التنظيم يكمن تقريبا في الحاجة للتركيز على العفوية كخطوة أولى في كل الثورات وذلك في النضال المباشر ضد الإصلاحية ومن هذه المرحلة في النضال البروليتاري عممت لوكسمبورج اكثر من اللازم لتتضمن النضال ككل.
يمكننا أن نطور هذا بالقول أن لوكسمبورج مالت لمساواة الإضراب الجماهيري (والذي كثيرا ما يصاحب الانفجار العفوي للثورات)بذروة الثورة ذاتها في الإضراب الجماهيري كتبت التالي:
اليوم عندما تتعرف الطبقات العاملة على هدف النضالات الثورية، عندما يجب أن يجمعوا قواهم ويقودوا أنفسهم، عندما تتوجه الثورة ضد الاستغلال الرأسمالي مثلما ضد سلطة الدولة القديمة يبدوالإضراب الجماهيري كالأداة الطبيعية لتجنيد أوسع الشرائح البروليتارية من اجل النضال. كما أنه يبدوفي نفس الوقت كأداة لتقليص وللتخلص من سلطة الدولة القديمة واستئصال الاستغلال الرأسمالي….
إن الشكل الأساسي للثورات البرجوازية السابقة حرب المتاريس، الصراع المفتوح مع القوة العسكرية للدولة هي، في ثورة اليوم مجرد نقطة بلوغ النهاية(هنا بمعنى تحصيل حاصل) مجرد لحظة في عملية نضال طبقة البروليتاريا.
ولكن في الواقع، فان الإضراب الجماهيري، أيا كان حجمه أوقوته أوراديكاليته – يطرح فقط مسألة السلطة – انه لا يحل هذه المسألة ولا يمكن أن يحلها. يمكن تحطيم سلطة الدولة من خلال الانتفاضة أن تحل هذه المسألة والانتفاضة لا بد أن تكون بسبب طبيعتها منظمة: لابد أن تكون فعل موحد ومتوازي للأجزاء الحاسمة من البروليتاريا. معد لها مقدما وفى سرية ومحدد لها موعد معين. إن تنفيذها إذن يتطلب حلقة مؤسسة بعناية من القيادة ذات التأثير والسلطة بعرض الطبقة كلها بعبارة أخرى يمكن أن تنظم الانتفاضة كما وضح من تحليلنا لثورة أكتوبر في الفصل الثالث. فقط بواسطة الحزب – وليس أي نوع من الحزب بل حزب محارب منضبط قادر على التحرك كوحدة واحدة.
ليس صحيحا القول بان روزا لوكسمبورج لم تتعامل أبدا مع مسألة الانتفاضة (فقد كتبت كتيبا عنها في يناير 1906) ولكن تذكر هذه المسألة فقط بشكل عرضي في الإضراب الجماهيري ولا يوجد أي دليل على أنها تعاملت مع المسألة بشكل متكامل أوأنها فكرت بعناية في دلالتها بالنسبة لطبيعة الحزب. لوكانت فعلت ذلك لكانت اضطرت لمراجعة رؤيتها الدعائية لدور الحزب (لأنه بالتحديد عندما يتم التعامل مع مسألة الانتفاضة يتحول التوازن بين الدعاية والفعل في عمل الحزب بحسم لصالح الأخير) وأيضا لمراجعة آرائها عن الانضباط والمركزية.
ترتبط مسألة الانتفاضة والحزب أيضا بعدم التكافؤ في وعى البروليتاريا بطريقة تتعلق بالذات بمصير روزا لوكسمبورج في الصورة الألمانية. الوجه الآخر لنفس العملة التي تسبب تأخر بعض أجزاء الطبقة خلف أجزاء أخرى (واستمرار ارتباطها بأحزاب إصلاحية)، هوقوة الدفع التي تعطيها الثورة للعمال المتقدمين لكي يحاولوا الاستيلاء على السلطة بتسرع هذا ما حدث بالضبط في الثورة الروسية في أيام يوليو’ وفى الثورة الألمانية مع انتفاضة يناير. في روسيا كما ذكرنا في الفصل الثالث، استطاع البلاشفة أن يعارضوا بوضوح المغامرة، أن يمنعوا أن تحدث تدميرا ذا شأن أن يحافظوا على تنظيمهم ويعدوا للجولة التالية في المعركة،في ألمانيا أطاحت الأحداث بعصبة سبارتاكوس إلى الكارثة. يكمن الفارق ليس في ‘ذكاء’ أو‘واقعية’ لينين المعاكسين للـ‘الثورية الرومانسية’ لروزا لوكسمبورج، بل في وجود حزب في روسيا صقلته التجربة وأكسبته السلطة بين العمال المتقدمين وغياب مثل هذا الحزب في ألمانيا.
ماركس، لينين، ولوكسمبورج:
يجب بالضرورة أن يكون ماركس ولينين هما المرجعين الذين نستخدمهما لأي حكم عام على نظرية روزا لوكسمبورج حول الحزب في أوجه كثيرة كانت روزا لوكسمبورج اقرب من ماركس عن لينين تميزت بنقاط القوة عند ماركس، معارضته للانفصالية وتركيزه على الفعل الجماهيري للطبقة العاملة. تميزت أيضا بنقاط الضعف عند ماركس: رؤية مبالغة في التفاؤل وقصيرة النظر عن العملية التي تتحول من خلالها الطبقة من طبقة في ذاتها إلى لذاتها – الافتراض بان الوحدة الاقتصادية الموضوعية للطبقة العاملة تؤدى عفويا إلى وحدتها السياسية كمنتهى. بالتالي شاركت روزا ماركس في ميله إلى القدرية في مجال التنظيم. لقد سبق أن ذكرنا أنها لم تكن مخطئة تماما في جدالها مع لينين في 1904، ولكن استطاع لينين، من خلال تجربة 1905، أن يصحح أحادية صياغاته المبكرة وبالتالي يحقق تفوقه الحاسم على ماركس، بينما لم تستطع لوكسمبورج أن تفعل ذلك لوعاشت لتستوعب وتتفهم تجربة الثورة الألمانية، ربما كان ممكنا، بل محتملا جدا، أن تحقق هذا التصحيح.
كما هي تظل نظرية روزا لوكسمبورج عن الحزب وعلاقته بالطبقة العاملة سلاحا مفيدا في حركة عمالية عانت لعقود من السيطرة البيروقراطية للاشتراكية الديموقراطية والستالينية على حد سواء إلا أنها فوق كل شئ سلاح مفيد فقط بالقدر الذي تدمج في إطار اللينينية.كبديل لينينية يجب أن نحكم على اللوكسمبورجية بأنها غير صحيحة.