الأناركية – رؤية نقدية من المنظور الماركسي
1. مقدمة الطبعة العربية
أطلقت الثورة المصرية، كما هو طبيعي في حالة كل الثورات، طاقات نضالية عميقة للجماهير المضطهدة على مدار العامين الماضيين. وتبادلت النضالات الاقتصادية والسياسية الأدوار في احتلال مركز الصدارة في المشهد النضالي من خلال موجات متفرقة تحاول من خلالها الجماهير تلمس طريقها لتنظيم أنفسها لتحقيق مصالحها في انتزاع مصالحها في العدالة الاجتماعية وحياة كريمة. واجهت الجماهير المؤمنة بالثورة مقاومة شرسة ودموية من طبقة حاكمة هزتها الانتفاضة الثورية ولكنها صممت وتعمل جاهدًة، كما يجب أن يكون منتظر من كل الطبقات المُستَغلِة، على هزيمة الثورة وإعادة فرض سيطرتها الشاملة.
دخلت الطبقة الحاكمة هذه المعركة مزودة بأسلحة اقتصادية وسياسية لا حصر له، مُتكِئة على جهاز دولة عميق وإعلام يناصر مصالحها تحت قيادة المجلس العسكري غير المأسوف على تفكيكه، ومعتمدة على استعداد الأحزاب القائمة – سواء ليبرالية أو إسلامية – للتهادن مع النظام الاقتصادي والسياسي المُجحف للعمال والفقراء والمضطهدين سواء من خلال تأييدهم لقمع العسكر والشرطة للجماهير في لحظات من عمر الثورة أو ، كما نرى الآن في ممارسات الأخوان المسلمين في الحكم أو مضمون معارضة الليبراليين للإخوان، إجراء إصلاحات محدودة وشكلية مع إعادة تأهيل كل العناصر الأساسية في النظام الرأسمالي الفاسد بأكمله.
وللأسف دخلت الجماهير الثورية المعركة وهى تفتقد الأدوات السياسية والإعلامية الضرورية لتطوير مستوى تنظيم ونضج حركتها للتعامل مع ضراوة قوى الثورة المضادة ودرجة تنظيمها. وفى هذا السياق، ورغم بسالة النضالات سواء سياسية كانت أو اقتصادية، لم ولن تكفى أبدا الشجاعة والنضالية والتعبئة الجماهيرية ومواجهات الشوارع في حد ذاتها لهزيمة الطبقة الحاكمة.
ففي حين تمتلك الطبقة الحاكمة حتى الآن القوة الاقتصادية والسياسية والإعلامية في المجتمع للدفاع عن نظامها، فإنه لا مفر أن تعتمد الجماهير المصممة على استكمال الثورة ليس فقط على نضالي الاقتصادية أو السياسية العفوية بل على رفع وتطوير درجة وعيها وتنظيمها السياسي جنبا إلى جنب مع النضال.
ومن هنا سنحاول من مركز الدراسات الاشتراكية أن نستمر في المساهمة برؤيتنا الاشتراكية الثورية – التي تؤمن بأن الاشتراكية الحقيقية ما هي إلا نضال الجماهير من أجل بناء مجتمع قائم على حكم الجماهير لأنفسها وبأنفسها من أجل تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية بدون استغلال وطغيان – في تطوير النقاشات النظرية التي لا غنى عنها لكل الثوريين الذين يطمعون في انتصار الثورة المصرية إما أجلا أو عاجلا.
ونصدر هذا الكتيب عن الرؤية الماركسية للأفكار والإستراتيجيات الأناركية على مدار الخبرة التاريخية – وهى الأفكار التي أثرت لحد كبير في تشكيل الحركات الثورية في بلدان عديدة وتؤثر بشكل أو بأخر في صفوف وتوجهات الكثيرين من المناضلين في مصر ممن يشاركون في الثورة- ليس بهدف توبيخ أو التقليل من المساهمات الرائعة لكل من شارك أو شاركت في هذه الثورة وكل من قدم التضحيات لتقدمها، بل لأن كثير من الرفاق الأناركيون يشاركوننا نفس الحلم في مجتمع يقوم على المساواة والحرية للمنتجين، وينبذون كما ننبذ التجارب الستالينية التي قمعت العمال والفقراء بإسم الاشتراكية.
وإذا كنا لا ندعى أن لدينا كل الإجابات السليمة على كل المسائل التكتيكية والإستراتيجية التي واجهت وستواجه الجماهير، وإذا كنا أيضًا نؤمن بأهمية الحوار النظري بين كل الثوريين في إطار النضال المشترك على أساس الاحترام المتبادل، فإننا نحمل القناعة بأن الماركسية كنظرية مُرشدة للنضال هي سلاح لا غنى عنه للثوريين، وأن بناء حزب وأحزاب سياسية ثورية مرتكزة على العمال والفلاحين والمضطهدين هو ضرورة لا غنى عنها في النضال اليومي ضد طبقة مُستغلة ومنظمة سرقت الماضي وتستميت لرهن المستقبل.
مركز الدراسات الاشتراكية
خريف 2012