ملحمة اعتصام الضرائب العقارية
14. أوامر رئاسية بضرورة إنهاء الأزمة والوزير يتراجع ويصدر قرارا بضم الموظفين للمالية
أصدرت المؤسسة الرئاسية أوامرها إلى وزير المالية بالاستجابة لمطالب موظفي الضرائب العقارية لإنهاء اعتصامهم الذي استمر أياما.
وكانت “العربي” قد انفردت العدد الماضي بنشر خبر بتدخل مبارك لحل الأزمة بعد أن كشفت تفاصيل المذكرة التي تلقاها الرئيس أثناء وجوده باليونان، وشددت المذكرة المزينة بخطوط حمراء والتي أرسلها جهاز أمني رفيع المستوي علي ضرورة تدخل مبارك لإنهاء الاعتصام وكذلك إنهاء حالة الجدل السياسي حول صيغة الدعم الذي تقدمه الحكومة للفقراء.
ورغم صدور قرار وزير المالية بالرضوخ لمطالب المعتصمين، فقد أكد أعضاء اللجنة العليا للإضراب أن الضمان الحقيقي لتنفيذ القرار هم موظفو الضرائب العقارية أنفسهم مشيرين إلى أنه في حالة عدم تنفيذ هذه القرارات فسوف يعاودون الاعتصام من جديد في التاسع من يناير المقبل وهو الموعد المحدد لبحث الترتيبات النهائية للتنفيذ واعتبروا أن ما حققوه من انتصار لابد من استثماره في السعي الدائم للمطالبة بجميع حقوقهم المسلوبة.
وأعلنوا تعليق اعتصامهم حتى التاسع من يناير للاحتفال بالانتصار وتنفيذ الوعود الحكومية أو العودة لإعلان الإضراب والدخول في اعتصام من جديد، فبعد عشرة أيام متواصلة من الاعتصام أمام مجلس الوزراء والإضراب عن العمل في المحافظات انتصر العاملون بمصلحة الضرائب العقارية وتمكنوا من انتزاع حقوقهم كاملة بعد إصدار قرار وزاري بالانضمام إلى وزارة المالية ومساواتهم بزملائهم بمصلحة الضرائب العقارية بالقاهرة اعتبارا من أول يناير المقبل. وكذلك صرف شهرين لجميع العاملين بالمصلحة والمديريات والمأموريات علي مستوي الجمهورية.
وكان الآلاف من موظفي الضرائب العقارية قد بدأوا اعتصامهم المفتوح قبل أسبوعين بعد حالة التسويف المزمنة التي فرضها يوسف بطرس غالي وزير المالية علي طلبهم المشروع بالمساواة بزملائهم بالقاهرة رابطا بين تحقيق مطالبهم وفرض قانون الضرائب العقارية الجديد الذي يحقق دخلا جديدا للميزانية يقدر بنحو سبعة مليارات جنيه في العام، وهو ما اعتبره المراقبون سوطا جديدا من سياط وزير المالية لإنهاك الشعب المصري الذي يعاني فقرا مدقعا وحالة اقتصادية بالية.
وقد شهدت الساعات الأخيرة للإضراب فرحة عارمة من جانب المعتصمين لتحقيق مطالبهم بعد عدة مفاوضات مع الجهات الإدارية والتنفيذية والشعبية اتسمت جميعها بالفشل ولاسيما تلك المفاوضات التي عقدت داخل مجلس الشعب بين اللجنة العليا للإضراب المشكلة من 11 عضوا يمثلون معظم المحافظات التي اشتركت في الاعتصام وحسين مجاور رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر برعاية فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والذي اعتذر عن حضور المفاوضات قبل انعقادها بساعات، كما تلتها مفاوضات أخري داخل وزارة المالية ورئاسة الوزراء اتسمت هي الأخرى بالفشل لإصرار وزير المالية علي تسويف مطالب المعتصمين لحين تمرير قانونه الجديد وإصرار ممثلي العمال علي تحقيق المطالب كاملة دون تأخير وهو ما تحقق بالفعل بعد صدور تعليمات عليا بضرورة حل الأزمة قبل حلول يوم الجمعة منعا للظهور الإعلامي المكثف لحركة الاحتجاج التي نالت قسطا لا بأس به من التغطية الإعلامية المقروءة، والمسموعة والمرئية ولاسيما مع إقامة شعائر صلاة الجمعة الأولي للاعتصام بالشارع والتي كانت مادة خصبة لتعليقات الصحافة العالمية.
كما أرجع المحللون رضوخ الجهات التنفيذية لمطالب موظفي الضرائب العقارية إلى المذكرة الأمنية التي رفعتها جهة سيادية إلى رئيس الجمهورية محذرة من انتفاضة شعبية وسط العاصمة خاصة أنها ضمت عدة آلاف من الموظفين تحاكي انتفاضة الخبز في1977.
وأشاروا إلى أن تحقيق المكاسب جاء من خلال عدة أوراق للضغط منها التنسيق بين المعتصمين وزملائهم بالمحافظات للتوقف عن التحصيل والمراجعة خاصة في هذا الشهر من العام الذي يمثل ذروة العمل بالمصلحة والمديريات والمأموريات وهو ما أصاب المصلحة بالشلل وعجل بقبول المطالب.
وفي جلسة المفاوضات الأخيرة التي ضمت أعضاء اللجنة العليا للإضراب وعددا آخر من ممثلي الموظفين مع وزير المالية يوسف بطرس غالي داخل الوزارة والتي استمرت حتى الرابعة صباحا يوم 12/12/2007 رضخ غالي في نهاية الأمر لمطالب العمال معلنا انضمامهم ماليا وإداريا لوزارة المالية في تراجع واضح عن تصريحاته التي ملأت الصحف ووسائل الإعلام بعدم أحقيتهم في الانضمام للوزارة، وهو ما أعلنه متخاذلا في مؤتمر صحفي بإلغاء القرار الوزاري 136لسنة 1974القاضي بأيلولة مأموريات الضرائب العقارية بالمحافظات إلى الإدارة المحلية منعا لإهدار مبدأ تكافؤ الفرص بين العاملين بالمصلحة الواحدة.
وعقب صدور القرار رسميا صباح الخميس الموافق 13/12/2007 بمقر معهد المحصلين والصيارفة الكائن بحلميه الزيتون حيث أن السيد/ إسماعيل عبد الرسول ـ رئيس مصلحة الضرائب العقارية بالقاهرة مقرر عقد اجتماع للسادة رؤساء 150 مأمورية وهم قطاع بحري حيث سيتلى عليهم تعليماته بالقضاء على هذه الاعتصامات واتخاذ موافق متشددة مع المعتصمين كما فعل سابقا وإرسال فاكس لمديري مديريات الضرائب العقارية بالمحافظات لاطلاعه على الموظفين الذين تغيبوا عن العمل يوم 21/10/2007 وتحويلهم إلى إدارة الشئون القانونية للتحقيق معهم
لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن:ـ (أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد)
هذا ما حدث بالضبط حضور السيد الدكتور/ يوسف بطرس غالي ـ وزير المالية الاجتماع بدون سابق إنذار بالحضور وبرفقته الجنة العليا للإضراب وذلك في تمام الساعة الواحدة بالضبط وبعض المشاركين في الاعتصام الماضي قرر السيد الوزير بضم العاملين بمديريات الضرائب العقارية في المحافظات إلى وزارة المالية من تاريخ 13/12/2007 وصرف شهرين مكافأة على عيد الأضحى المبارك وأنه تحدد لقاء آخر مع سيادته بعد العيد مباشرة لوضع الخطوط العريضة لطريقة الضم وكيفية ذلك, وقابل الحاضرون بالكامل هذه القرارات بفرحة عارمة وتحدث السيدان/ كمال أبو عيطة بالنيابة عن اللجان النقابية بينما تحث الزميل/ صلاح محمد عبد السلام ـ رئيس مأمورية ميت سلسيل ونائب رئيس اللجنة النقابية في الدقهلية وشكروا الحضور والسيد الوزير على ما قدمه للعاملين في الضرائب العقارية وكذلك أثنوا على العمل البطولي للمعتصمين في انتزاع حقهم المسلوب منذ ثلاثون عاما. وكالعادة كان السيد/ إسماعيل عبد الرسول يحضر في مطبخه في غرفة أخرى عدد من رؤساء اللجان النقابية اللذين لم يشاركوا في الإضرابات والاعتصامات مثل/ محمد السيد رقية ـ رئيس اللجنة النقابية بالغربية وسامي مباشر ـ أمين عام اللجنة الإدارية بالإسماعيلية لمقابلة السيد الوزير لكن اللجنة العليا للإضراب والمعتصمين أفشلوا هذه المؤامرة الدنيئة وخرج الوزير دون التحدث معم.
وأجلت قوات الأمن المعتصمين وأعطتهم مهلة ست ساعات فقط لإخلاء المكان وإبلاغ المضربين بالمحافظات داخل المأموريات بفض الإضراب والعودة للعمل والبدء في إجراء المراجعات النهائية السنوية وعمل الحسابات الختامية لإيرادات الضرائب العقارية علي مستوي الجمهورية.
وقد لملم المعتصمون أمتعتهم وخيامهم المنصوبة وسط حالة من الفرح يشوبها الحذر من أن يكون قرار وزير المالية مجرد تصريح إعلامي لفض الاعتصام وتفريق شمل المعتصمين لتحقيق الهدوء في البلاد ولاسيما في هذه الفترة التي تواكب حلول عيد الأضحى المبارك وعيد الميلاد المجيد.
وفيما أشارت مصادر مطلعة داخل وزارة المالية إلى أن القرار ملزم للحكومة بالتنفيذ شكك عدد من المراقبين في جدية الحكومة خوفا من زيادة الحركات الاحتجاجية في مصر والتي أصبحت سمة أساسية لهذا العصر الذي امتلأ بالتراجع عن مكتسبات العمال والفلاحين وهو ما يكرس لتصاعد الحركات الاحتجاجية.
الجمعة الموافق 7/12/2007 عرفات الضرائب العقارية. خطيب معتصمي الضرائب العقارية أعتبر الاعتصام جهادا في سبيل الله ودعا المسلمين والأقباط للتوحد حول حقوقهم
بعد أن دخل اعتصامهم اليوم الخامس أدي أكثر من 10 آلاف موظف بالضرائب العقارية صلاة الجمعة ” في موقع الاعتصام.. أمام مقر مجلس الوزراء، ألقي خطبة الجمعة محمد السيد أحد قيادات الاعتصام.. وتضمنت الحديث النبوي عن مسئولية الحاكم تجاه رعيته.. وأشار صراحة إلى مسئولية الدكتور/ أحمد نظيف رئيس الوزراء في الأزمة التي يعيشها موظفو الضرائب العقارية علي مستوي الجمهورية، وقال إن مسئولية “نظيف” تأتي لكونه راعيا ومسئولا عن “الرعية” التي يمثلها الشعب بمختلف قطاعاته.
أكد في الخطبة أن موظفي الضرائب العقارية يطالبون بحقوقهم في المساواة مع أقرانهم في الضرائب العامة.. ودعا خطيب الجمعة زملاءه المعتصمين بالثبات، والصمود، وتقوي الله، حتى يتحقق لهم “النصر”.
وعقب انتهاء صلاة الجمعة قام كمال أبو عيطة رئيس اللجنة النقابية بالجيزة بالدعاء علي الظالمين، وردد خلفه باقي المعتصمين كلمة “آمين”.
تحول شارع حسين حجازي إلى مسجد للمعتصمين حيث افترش الموظفون المعتصمون الحصائر والبطاطين داخل السياج الحديدي المحاط بجنود الأمن المركزي وأقاموا صلاة الجمعة وأمام عدة آلاف من المصلين خطب أحد
المعتصمين من مأمورية ملوي الأستاذ/ محمد السيد. بادئا بالحمد لله والاستعانة به والدعاء بالتثبيت ونادي في المصلين (أيها الأخوة المعتصمون) وأعتبر موقف الأخوة المعتصمون جهادا في سبيل الله من أجل الحق المنهوب وذكر كلمة الرسول (كلكم راع وكلكم مسئولا عن رعيته) والمسئولون المشغولون عن مصالح الرعية يخالفون شرع الله.
وقال أن باب الله مفتوح بينما باب المسئولين مغلق في وجوهنا. خرجنا من بيوتنا وجئنا من كل محافظات مصر للنوم في العراء والبرد لنطالب بحق لنا لأننا لا نريد أن نعصى الله بالسرقة أو الرشوة لذلك فنحن هنا في سبيل الله، والمطالبة بالحق أشرف ألف مرة من الفساد وأضاف قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه لو عثرت دابة في العراق لسئل عنها عمر) وقال أيها الوزراء اتقوا الله فينا وذكر قول الله في الحديث القدسي (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) قاصدا دعوة المظلوم وشرح الخطيب قضية المعتصمين قائلا: نحن هنا نعرض قضيتنا حتى لا يتقول علينا احد ويقول إننا عزلنا عن المالية بقرار وزاري وعندما نطالب بالعودة يقولوا انتظروا القانون
نعزل بقرار وزاري ولا نعود إلا بقانون. لماذا يسهل الظلم ويصعب العدل وقال الخطيب للمصلين اثبتوا وسوف ينصركم الله بعدله (أن ينصركم الله فلا غالب لكم) وتلا على المصلين الآية (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وشبه شارع (حسين حجازي بعرفات الضرائب العقارية) لأنه كما تعرف ادم على حواء على جبل عرفات
تعرف الموظفون من كل المحافظات على بعضهم وعرفوا أنفسهم في شارع حسين حجازي وقال: إننا نبيت في العراء في حقولنا وإعمالنا ونكد ونكدح واعتصامنا هذا ليس أصعب علينا من حياة الشقاء التي نعيشها
ونادي أيها المعتصمون ـ مسلمون وأقباط اثبتوا وصابرو ـ (ودعا مع المصلين اللهم لا تردنا خائبين وانصرنا يا رب العالمين اللهم ارزقنا رزقا حلالا طيبا. اللهم بارك لنا فيه)
وبعد صلاة الجمعة تحدث/ كمال أبو عيطة مستنكرا عدم حضور أي مسئول رسمي للتحدث إلى المعتصمين كأن الدولة بلا مسئولين وقال أن الموظفين يجهزون الآن لمسيرة إلى رئاسة الجمهورية.وندد أبو عيطة بموقف التنظيم النقابي الرسمي وأكد انه بعد الانتهاء هذا الموقف ستكون هناك وقفة قوية للموظفين مع النقابات العمالية التي تستخدم اشتراكاتنا في السفريات والفسح في الخارج وهتف يسقط النقابيين العملاء يسقط أعداء العمال يسقط أعداء الموظفين عاش كفاح الموظفين والعمال.وقال أبو عيطة انه خلال العام الماضي انتحر 62 موظفا من الفقر وان البدائل أمام الموظفين أما الرشوة والفساد أو الجوع والانتحار أما ألان فلنا بديل ثالث وهو النضال من اجل حقوقنا. ثم تظاهر الموظفون وهتفوا (يا نظيف – يا نظيف – خامس يوم على الرصيف خامس يوم في العراء… بنتغطى بالسماء)
وكان موظفو الضرائب العقارية قد أرسلوا رسالة إلى مؤتمر– أيام اشتراكية ـ تشرح فيه موقفهم وقضيتهم
وبدوره أرسل المهندس كمال خليل مدير مركز الدراسات الاشتراكية كلمة عبر المحمول ومكبرات الصوت للموظفين تعلن تضامن كل القوى الوطنية مع إضراب الموظفين…
وقد صرح بعض الموظفين من محافظة الشرقية للدستور ـ بأنه قد تم صرف 20 يوما لموظفي العقارية بالشرقية تحت اسم (منحة عيد الفطر) بعد العيد بفترة طويلة و(15) يوما أخرى تحت مسمى منحة(عيد الأضحى) في محاولة لرشوة الموظفين حتى لا ينضموا للاعتصام.. ورغم ازدياد برودة الطقس إلا أن الموظفين احضروا كمية كبيرة من البطاطين وأكدوا عزمهم مواصلة الاعتصام حتى صدور قرار مساواتهم بالضرائب العامة واخذ حقوقهم كاملة، كما أكد المعتصمون أنهم سيحضرون أسرهم إلى الاعتصام.
وكانت محاولات التهدئة التي بذلتها القيادات النقابية باتحاد العمال لإقناع قادة الاعتصام “بإنهائه” قد فشلت علي مدي الأيام ورفض المعتصمون فض الاعتصام والدخول في مفاوضات مع الحكومة قبل تنفيذ مطالبهم المشروعة.
ودعا رئيس النقابة العامة للعاملين بالبنوك والتأمينات زملاءه المعتصمين بإنهاء الاعتصام بحجة أن الحكومة استجابت لمطالبهم بالمساواة مع زملائهم بالضرائب العامة وأن الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية تقدم بمشروع قانون يتضمن مادتين تنصان علي إعادة تبعية العاملين بالضرائب العقارية إلى وزارة المالية، ووضع نظام لإثابة العاملين. ولم تفلح جهوده في فض الاعتصام.