بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

كارل ماركس – النظرية والممارسة

« السابق التالي »

الأزمة والفرصة

نظر ماركس إلى الماضي، إلى 1848 حين تمخضت الأزمة الرأسمالية عن ردة فعل ثورية. وبرغم أن النتيجة النهائية لم تأتِ بما كان يأمله، إلا أنها أظهرت بوضوح كلاً من قوة الطبقة العاملة وجبروت الحكام. كانت تلك دروساً هامة يمكن الاستفادة منها في الأزمة المقبلة، التي أوضحت دراسات ماركس أنها نتيجة لا مفر منها لفوضى النظام الرأسمالي. وفي المرة المقبلة، ينبغي أن تكون حركة الطبقة العاملة مستعدة.

في 1857، دبت أزمة اقتصادية في أركان النظام. كان الأمر مثيراً للسخرية بالنسبة لماركس؛ فجيني كانت قد تلقت قبل ذلك بعام واحد ميراثاً صغيراً مكَّنهم من تسديد ديونهم والانتقال إلى سكن أفضل. هذه الأزمة لم تسفر عن أي موجة من النضال، في حين كانت بعض التحركات، بالأخص في أوروبا حيث تنمو الطبقة العاملة بأعداد كبيرة في فرنسا وألمانيا، وتولدت أشكال سياسية جديدة ملأت الفراغ السياسي الذي خلَّفه غياب تنظيم الطبقة العاملة الأكثر راديكالية قبل ذلك بعقد من الزمان – الحركة التشارتية. في بريطانيا عام 1863، تجمهر العمال في تجمعات كبيرة لتأييد الشمال في الحرب الأهلية الأمريكية – ما كان يعني دلالات هامة بالنسبة لماركس. قوبل الراديكالي الإيطالي جاريبالدي بترحيب شديد في تجمعات جماهيرية في لمدن، واندلع تمرد في بولندا حظى بتأييد هائل، كل هذه التجمعات قد نظمها مجلس نقابات لندن الذي عمل مع ماركس وإنجلز لسنوات.

في سبتمبر 1864، دعت نفس المجموعة من القيادات العمالية إلى اجتماع أممي، من أجل تحفيز التضامن عبر الحدود القومية، وللتأكيد على أن العمال من مختلف القوميات لن يتلاعب بهم الرأسماليون ضد بعضهم. ورغم أن ماركس لم يكن عضواً مؤسساً لما أصبح فيما بعد “جمعية الشغيلة الأممية”، إلا أنه دُعِيَ فيما للمشاركة. لم يكن منخرطاً في النشاط منذ عام أو اثنين، لكنه انتهز الفرصة لأن الكيان الجديد كان، على حد تعبيره، “يضم أناساً ذوي ثقل”، مشيراً إلى القيادات العمالية – رغم أن من حضروا الاجتماع لم يكونوا كلهم من الطبقة العاملة، أو حتى ملتزمين جميعاً بقضية العمال الأممية. كان عليه أن يسرع، أكثر من أي وقتٍ مضى، في إرساء القواعد والمبادئ التي طُلِبَت منه كتابتها. حتى أولئك الذين أدركوا الدور الرئيسي لماركس والدور الذي يمكنه الاضطلاع به، كانوا متشككين في الاشتراكية، وغير مقتنعين على الإطلاق بالحاجة إلى الثورة. القادة النقابيون الإنجليز، مثلاً، كان هدفهم هو حق الاقتراع العام. الحاضرون من فرنسا كانوا متأثرين بشدة بخصم ماركس القديم برودون، أما الإيطاليون فقد كانوا على قناعة بأفكار مازيني الجمهورية الراديكالية.

إلا أن تلك مثّلت فرصة سياسية استثنائية لبسط نفوذ الأفكار الثورية بين قيادات الحركة العمالية، حتى برغم أن الحركة في هذه المرحلة كانت لا تزال في طور الجنين. كما أن دراسات ماركس أثناء كتابته “رأس المال” وطّدت لديه فهمه لفكرة أن نشأة الرأسمالية الأوروبية تؤدي أيضاً إلى نمو الطبقة العاملة عددياً، وإلى تعميق الصراعات بين رأس المال والعمال على نحو لا مفر منه. وقد كشف تناوله لخبرات نضالات العمال في “خطاب إلى الأممية” أن الأمور تتطور بالفعل حتى قبل 1848. ما أسفر عنه ذلك التحليل هو القناعة التامة والمركزية بأن أممية حركة الطبقة العاملة، حتى في تلك المرحلة، أمرٌ لا غنى عنه في النضال من أجل الاشتراكية. أوضح ماركس، في القواعد التي كتبها، أن ما من قواعد ثابتة وجامدة ستُطبق على القطاعات المختلفة، لكن بنفس القدر أيضاً كان واضحاً لماركس وإنجلز أن الحاجة إلى اتجاه مركزي موَّحد في الحركة ستظهر في النقاشات داخل الأممية. وبالفعل، أظهرت مقدمة قائمة القواعد الجديدة أكثر أفكار ماركس مركزية:

“تحرر الطبقة العاملة ينبغي أن تنجزه الطبقات العاملة نفسها… والنضال من أجل تحرر الطبقات العاملة لا يعني النضال من أجل امتيازات طبقية، بل من أجل حقوق وواجبات متساوية، ومحو الحكم الطبقي برمته”.

شدد الخطاب على أن الهدف هو “ظفر الطبقة العاملة بالسلطة السياسية”، تلك العبارة التي فهمها المشاركون المختلفون بطرق مختلفة، وقد فتح ذلك الكثير من النقاشات المطوّلة. وبعد ذلك بعام، حينما أنكر بعض المندوبين الفرنسيين حق ماركس في الحضور، سعى أحد المندوبين النقابيين الإنجليز لتذكيرهم بأن “ماركس قد كرّس حياته كلها لنصرة الطبقات العاملة”، وطالَبهم آخر بإتاحة “كل الطرق الممكنة لكل من درس الاقتصاد السياسي من منظور الطبقة العاملة للانضمام إلى مؤتمراتنا”.

قوبل ماركس بمعارضة من قبل أتباع برودون، الذين كان أغلبهم عمالاً، لكن ليسوا في الصناعات الرئيسية الكبرى للرأسمالية الحديثة. امتهن هؤلاء الحرف الماهرة، وكانوا مرتبطين بشكل كبير بأفكار برودون، حيث تأسيس مجتمعات مشتركة كبديل موازٍ للرأسمالية. وكان ذلك بالطبع يتعارض مع إصرار ماركس على إنشاء منظمة ثورية للعمال لتحدي سلطة الطبقة البرجوازية وبناء نظام جديد للمجتمع تسوده الأغلبية ولا يكون فيه الربح هو القوة الدافعة التي تُشَكِّل المجتمع وتنظمه.

في ألمانيا، اشتعلت المعركة مع حزب الزعيم الاشتراكي لاسال (الذي كان قد توفى قبل ذلك)، فيما كان إصدار جريدة “العمال الاشتراكيون الديمقراطيون” بقيادة كارل ليبكنيخت، الذي قاد فيما بعد الثورة الألمانية عام 1919، يمثل خطوة كبرى للأمام بالنسبة لحزب ماركس.

« السابق التالي »