كارل ماركس – النظرية والممارسة
ماركس اليوم
هناك دائماً من يرددون “ليس لدى ماركس ما يقدمه لنا في القرن الحادي والعشرين”. هناك دائماً من يجادل، في كل مرحلة، بأن هذه الأفكار كان لها وقتها، ووقتها هذا كان في الماضي.
إلا أن فهم القوى القوانين والعوامل التي توضح كيف تعمل الرأسمالية، وبأي غرض، يدفعنا مرة بعد أخرى للعودة إلى ماركس. والمساعي التي لا مهادنة فيها من أجل تحقيق فائض القيمة لا تزال جارية تفوق كل الاعتبارات الأخرى، والعالم اليوم يتشكل، أو بالأحرى يتشوّه، بالسيطرة المطلقة لرأس المال. صحيح أن العملية كلها تتغير، والبرجوازية قد تتخذ أشكالاً مختلفة أو تحيا بطرق مختلفة، وأعدادٌ غفيرة من العمال يرتدون الياقات البيضاء أو الملابس الرسمية بدلاً من زي العمال. إلا أن العلاقة بين من يملكون ويسيطرون ويديرون ثروات المجتمع وموارده، وأولئك الذين يحيون على الأجور التي يتلقونها لإنتاج الثروة، باقية ومستمرة تماماً كما وصفها ماركس. التغيرات الحادة في العالم اليوم، حتى وصل إلى حافة الدمار، نراها في انبعاثات الاحتباس الحراري، والبحيرات المسمومة، والتصحر الذي يأكل العالم.
لكن ماركس كان مهتماً بفهم الرأسمالية وما تقوم به من نهب، ليس من أجل النقد الأخلاقي لها، بل من أجل الإعداد لتحرر الطبقة العاملة. وكما محت الرأسمالية الحدود أمام توسعها وتمددها، على حركة الطبقة العاملة هي الأخرى أن تصير أممية، وبقوتها المنظمة ستكتسح هياكل السلطة وتقتضي على الدولة نفسها يوماً ما. لكن ذلك لن يحدث تلقائياً، بل بواسطة النضال العمالي. وخلال هذا النضال، لن يتجاوز العالم الرأسمالية فحسب، بل سيولد مجتمعٌ جديد تصير فيه موارد البشر ضمانة لحريتهم.
لم تكن هذه المهمة أكثر إلحاحاً بقدر ما هي عليه اليوم.