بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أنطونيو جرامشي – النظرية والممارسة

« السابق التالي »

11- تقدم مسيرة موسوليني إلى الأمام

كان أنطونيو جرامشي يتمتع ببصيرة واضحة تستطيع أن ترى بعيدًا. ففي ذروة الفترة الحمراء، في مايو 1920، أطلق تحذيرًا مفاده أنّ “المرحلة الحالية في الصراع الطبقي في إيطاليا هي المرحلة التي تسبق إما انتزاع السلطة السياسية على يد البروليتارية الثورية، أو رد فعل رهيب من جانب الطبقة صاحبة الأملاك والطبقة الحاكمة، والتي لن تتوارى عن استخدام العنف لإخضاع البروليتارية الصناعية والزراعية لكدح مذل”. (جرامشي كتابات سياسية، 1920 – 1910 ص 191).

لم تكن كلماته مجرد رطانة، فالطبقة العاملة الإيطالية دفعت ثمنًا باهظًا؛ لأنها تركت اللحظة الثورية تمر عندما كان الفاشيون يستولون على الحكم في أكتوبر 1922.

كان موسوليني، الاشتراكي السابق، شخصيةً هامشيةً غير قادرة على إيجاد موضع لنفسها حتى أواخر 1920. مجموعته الصغيرة، واسمها فاشيو، كانت عاجزةً عن حسم إذا ما كانت يسارية أو يمينية. كان موسوليني أثناء احتلال المصانع يجوب طرقات ميلانو معبّرًا للعمال عن تعاطفه.

إلا أن العصابات الفاشية الآخذة في النمو استطاعت على مدار عامي 1921 و1922 أن تبث الرعب في نفوس سكان الريف ثم المدن، بحرقها لمكاتب النقابات والصحف الاشتراكية والتعاونيات الزراعية، وضرب نشطاء الاتحاد واليسار وقتلهم.

بدأت الهجمة الفاشية في منطقة الحدود الشمالية الشرقية بجوار تريست المتنازع عليها مع يوغوسلافيا، حيث كانت العصابات الفاشية تروّع التجمعات السلافية. ثم انتقلت إلى بولونيا والوادي بو عصابات من الضباط السابقين والطلبة وشباب الطبقة الوسطى. الذين بدأوا، بتمويلٍ من آبائهم الليبراليين وبتسليح من الجيش، في شنِّ حملة إرهاب ضد الاتحادات المهنية الريفية، والسلطات المحلية بقيادة اشتراكية.

كان اليسار قد حظى بالسيطرة على المجالس المحلية في هذه المناطق، حتى وإن كانت تحت قيادة الاشتراكيين الوسطيين، فقد كان هذا كافيًا لإغضاب أصحاب الأراضي الذين اعتادوا على أن تكون لهم السلطة المطلقة. لم يستطع الحزبُ الاشتراكي الإيطالي، بالرغم من خطابه الثوري، الردَّ على هذه العصابات شبه العسكرية. حيثُ طُردوا أولا من مكاتبهم في بولونيا، وأُحرقت نوادي النقابات المهنية الريفية، وضُرِب النشطاء وقُتلوا.

انضم موسوليني لهذه الفرق، ونصّب نفسه، ببعض الصعوبة، قائدًا للحزب الفاشي القومي. دخل في الريف أفواجٌ تحت السيطرة الفاشية مع تدمير المنظمات العمالية كلها من أي نوع. وانتقل الهجوم إلى المدن الصغيرة والمدن الأكبر، ولم تقترب الفاشية لتهاجم مدنًا كتورينو، قبل أن تكون معها السلطة كاملة.

وقع اليسار الإيطالي في حالة ارتباك بخصوص نوعية الرد، في حين دفع الجناح اليميني بداخل الحزب الاشتراكي الإيطالي وقيادات النقابات المهنية بأن على العمال والفلاحين أن يلجئوا لقوة القانون والنظام؛ للدفاع عنهم ضد التهديد الفاشي. رغم حقيقة أن الجيش والشرطة والمحاكم كانوا كلهم في عون فرق موسيليني. أما أنصار برنامج الحد الأقصى، أمثال سيراتي، فقد أيّدوا الاشتراكية ببساطة، إلا أنهم لم يقدموا استراتيجية للمضي قدمًا.

لم يكن حال خصومه في اليسار الثوري أفضل كثيرًا؛ إذ قالوا إن العمال لا صالح لهم في الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، ملمحين بذلك إلى أنه إذا ما نجحت الفاشية في تدمير البرلمان، فسيكون مفعول ذلك هو الكشف عن وهم التغيير البرلماني، ومصرين على أن الوحدة مع عمال غير ثوريين غير ممكنة ضد العنف الفاشي، إذ أن ذلك من شأنه أن يمس “نقاءهم” الثوري.

كانت رؤى جرامشي ضرورة قصوى في تلك الفترة، إلا أنّه كان قد بلغ أقصى درجات العزلة والارتباك في لحظة خطرٍ داهمٍ.

« السابق التالي »