بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أنطونيو جرامشي – النظرية والممارسة

« السابق التالي »

13- كفاح جرامشي من أجل إعادة الحزب إلى المسار

طرح جرامشي في 1924 أن الفاشية وليدة ظرف عجزت فيه البرجوازية والطبقة العاملة أن تعمل من أجل حلّ حاسم لأزمة المجتمع. ويعني هذا ببساطة أن الفاشية ليست بظاهرة إيطالية.

استولت الفاشية على الدولة بمعارضة النخبة السياسية الحاكمة القديمة، ولكنها لم تستبدل الطبقة الحاكمة القديمة بطبقة جديدة. كانت عائلة أجنيلي وغيرها مازالت مالكةً لشركة فيات وشركات صناعية أخرى. عارضت الفاشية الأشكال القديمة، وكذا أغلب أيديولوجية الدولة القديمة، خاصة ما يتعلق منها بضرورة قبول بعض الحلول الوسط مع الطبقة العاملة. انتهجت الفاشية بدلا عن سياسة التوافق القديمة، وتتلخص في قمع أي شكل من التنظيم للطبقة العاملة، وأي تنظيم مستقل عن الدولة أو الكنيسة. هذا ما كان يميزها عن أي شكل آخر من النظم الطبقية الحاكمة.

ازداد إحباط جرامشي أكثر فأكثر بسبب الطريقة التي كان الحزب الشيوعي الإيطالي يقدم نفسه بها، بصفته قائد الطبقة الحاكمة. فقال مشيرًا إلى علاقة بينية أكثر ديناميكية بين الحزب والطبقة العاملة والحركة الجماهيرية، مقارنة بالعلاقة التي كان يطرحها بورديجا، أنّه “لا يُنظر إلى الحزب كنتيجة لعملية جدلية، تلتقي فيها الحركات العفوية للجماهير الثورية مع الإرادة المنظمة والموجهة للمركز. وكان يُنظر إليه على أنه شيء معلق في الهواء، شيء يتطور بشكل مستقل معتمدًا على الذات، شيء ينضم إليه الجماهير عندما تحين اللحظة، وتكون الموجة الثورية في ذروتها…” (كتابات سياسية، 1920 – 1926 ص 198).

جاءت الفرصة المثلى للتطبيق العملي لمثل هذه السياسات، مع وقوع أزمة كادت تنهي الحكم الفاشي. شنّ ماتيوتي الإصلاحي الاشتراكي في أبريل 1924هجومًا ضاريًا على موسوليني في البرلمان الإيطالي. سُمع الديكتاتور وهي يقول لماذا لا يُفعل شيءٌ ما حيال هذا الرجل؟ وبعد بضعة أيام اختُطف ماتيوتي من شوارع روما، وفيما بعد وجِدت جثته خارج المدينة. وسرعان ما أُثبت أنّ فرقًا تعمل تحت إمرة موسوليني مباشرةً لها علاقة بعملية الاغتيال.

ترنح النظام وشُلّ داعموه. اجتاح الغضب؛ بسبب قضية الاغتيال والشعور بأن الأزمة ستجرف الفاشية. إلا أن نواب مختلف التياراتِ الاشتراكيةِ الليبراليةِ واليمينيةِ المنتقدة لعملية القتل، اكتفوا بالخروج من البرلمان؛ لينقلوا أعمالهم إلى مكان آخر في روما. دعا جرامشي لحملةٍ متحدةٍ مكونة من كل الأحزاب المناهضة للفاشية، لكن على أساس الحشد، مع الدعوة لإضراب عام ضد النظام.

حاول الحزب الشيوعي أن يحول المظاهرات العفوية إلى تحد أكثر قوة. ويقول جرامشي عن نمو الحزب الذي تلى: “إن حركتنا اتخذت خطوة جبارة إلى الأمام، توزيع الجريدة تضاعف ثلاث مرات، وفي كثير من المراكز تولّى رفاقُنا قيادة الحركة الجماهيرية، وقاموا بمحاولة نزع السلاح عن الفاشيين، وهتفوا شعاراتنا ورددوها أثناء تمرير الاقتراحات في اجتماعات المصانع. أظن أن حزبنا قد أصبح حزبًا جماهيريًا حقيقيًّا في هذه الأيام القليلة الماضية” (جيوزيبي فيوري وأنطونيو جرامشي: حياة الثوري، دار فيرسو 1990 ص174).

اعتبر جرامشي الديمقراطيين غير قادرين على قيادة المقاومة ضد الفاشية. كراهيته للديمقراطية البرجوازية كانت تظهر من تحت السطح، إلا أنه فهم أنه لا يكفي مجرد “كشف القناع”، أو شجب الديمقراطية البرجوازية، بل كان يجب اجتذاب الطبقة العاملة والمضطهدين إلى جانب الثورة.

كان حزب جرامشي من النوع التدخلي. رأى بورديجا أن الحزب يقوم بتكوين الكوادر التي ستعمل في اللحظة التاريخية المناسبة، أما جرامشي فقد رأى في الشيوعيين الجزء النشط واليقظ في كل حركة. كان على الحزب أن يصبح جزءًا مكملا للطبقة العاملة، حتى وإن كانت أغلبيتها مازالت مؤيدة للديمقراطية الاشتراكية.

استطاع جرامشي ما بين عامي 1924 و1926 أن يفوز بالسيطرة الحقيقية على الحزب، فأعاد تسليحه، وأبعده عن منهج بورديجا العصبوي. كتب جرامشي في يناير 1926، بالاشتراك مع بالميرو توجلياتي ويون تزيز، وثيقتَه الأنضج سياسيًا، ودليلَ إعادة تسليح الحزب وتحويله إلى قوة شعبية.

لم تستطع المعارضة، بكل أسفٍ، استثمار الغضب الذي نشب بسبب مقتل ماتيوتي، مما سمح لموسوليني أن يلتقط أنفاسه، ويعيد ترتيب الصفوف، وأن يعيد إحكام قبضته الديكتاتورية أكثر فأكثر. كان سحب الحماية من الملاحقة للنواب البرلمانيين من بين الإجراءات التي اتُخذت. قٌبض على جرامشي وسُجن. وقال القاضي أثناء النطق بالحكم: “علينا أن نوقف عقله عن العمل لمدة 20 عامًا”. ولكن الفاشيون أخفقوا في ذلك كما أخفقوا في أشياء كثيرة أخرى.

« السابق التالي »