بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أنطونيو جرامشي – النظرية والممارسة

« السابق التالي »

5- محاربة الحرب

وجدت الثورة الروسية صدى في تورينو أكبر منه في أي مدينة أخرى في غرب أوروبا. وقد صُعقت المدينة حين وصلت إليها أخبار أول ثورة روسية، تلك التي أسقطت القيصر في فبراير 1917، وبعثت الأمل في أن يليها ثورة ثانية يقودها العمال وتخرج روسيا بفضلها من الحرب.

وقد وصل إلى تورينو في 15 أغسطس1917، وفدٌ ليخطبَ في مظاهرة حاشدة لعمال الذخيرة. فقد كان الروس كلهم داعمين لاستمرار الحرب، وأرادوا حثّ إخوانهم وأخواتهم الإيطاليين على مساعدتهم، بزيادة إنتاج أسلحة الدمار الشامل. وقد اندهشوا أيّما اندهاشٍ عندما استُقبلوا بهتاف: يحيى لينين!
في الحادي والعشرين من أغسطس لعام 1917، ظل ثمانية مخابز في المدينة مغلقين. وتظاهر النساء والأطفال في كافة أنحاء المدينة مطالبين بالخبز. وسارعت السلطات لإدخال الطحين، إلا أن المظاهرات كانت قد تحركت على صعيد سياسي. يقول أحد العمال في مصنع دياتو فريوس متذكرًا: “بدلا من الدخول إلى المصنع، بدأنا المظاهرة على أبوابه وصرخنا أننا لم نأكل، ولذا لا نستطيع العمل ونريد الخبز!، وأكد صاحب المصنع للجمهور بأن الخبز في الطريق. هدأ العمال للحظة، ونظروا إلى بعضهم البعض كأنهم يتشاورون في صمت. ثم صرخوا معًا: في داهية الخبز، نريد السلام! فليسقط المتربحون، ولتسقط الحرب! ثم تركت الجموع المصنع” (جون إم كاميت وأنطونيو جرامشي وأصول الشيوعية، ستانفورد يونفيرستي برس 1967 ص52).

نشبت المواجهات أولا بين العمال والشرطة، ثم مع العساكر. وشُيّدت المتاريس في مناطق سكن الطبقة العاملة. هُجم على عدد من متاريس الجيش، وأبرمت النيران في كنيستين، وقد أسهم ذلك في كشف مشاعر الناس نحو الكنيسة. وفي النهاية تقهقر العمال أمام المدرعات والبنادق الآلية. قتل خمسون عاملا، وأُرسل غيرهم لمحاكمات أمام المحاكم العسكرية، أو أُرسلوا مباشرة إلى وحدات الصفوف الأمامية في الخنادق.

وقد تسبّب في فشل الانتفاضة شيئان، أولهما أنّه، وعلى رغم من بياناتهم الثورية، لم يكن للقادة أي خطة عمل، سواء أكانت منسقةً تنسيقًا ضعيفًا أو غير منسقة على الإطلاق. وثانيًا أن معلومات قد تسرّبت عن بعض الوحدات العسكرية المنفصلة التي رمت سلاحها، إلا أن العمال فشلوا في استمالة القوات. كان لواء سردينيا صاحب الدور الحاسم في قمعهم، مما ألهب إصرار جرامشي على الوحدة بين عمال الجنوب ومزارعي الشمال.

جمع الحزب الاشتراكي في المدينة، والذي التزم يسار الحزب بشدة، المتمردين من جميع المصانع، مع نشطاء المجتمع، وأخضعهم كلهم لتأثير النقاشات التي أحاطت الحزب والحركة الدولية.

وعلى المستوى القومي، كان رد فعل الفريق المناهض للحرب-داخل الحزب الاشتراكي-على انتفاضة تورينو، أن يدعو لعقد اجتماع في فلورنسا في شهر نوفمبر. وقبل أن تفض الشرطة الاجتماع، تحدّث شاب ثوري من مدينة نابولي، اسمه أماديو بورديجا، وقال أمام الجمع أن وقت العمل قد حان وأن عليهم أن يعملوا. لم تكن إيطاليا مستعدة بعد للانتفاضة، إلا أن شغفها بالأخبار الآتية من مدينة بتروجراد (بطرسبرج حاليا) الخاصة بثورة أكتوبر قد ألهبت مزاج شباب الاشتراكيين الموجودين في القاعة كجرامشي مثلا.

أثارت الحرب مزيجًا من الاضطرابات. ففي تورينو كان هناك إضراب عن العمل ضد دخول إيطاليا الحرب، وثورة الخبز في 1917. وقد خلق نشوب تنظيم ذاتي في المصانع إمكانية الجمع بين المطالب الاقتصادية مع المطالب السياسية. في أثناء ذلك عاد الفلاحون المجندون من الخنادق وفي حلوقهم غصّة الإحساس بالظلم، فالتقفوا عدوى الأفكار الجديدة من المدن الجنوبية. واكتشفوا بمزيد من المرارة أن الوعود بالحصول على أراضٍ كانت أكذوبة.

وسرعان من تآكل النظام القديم للأرض. كان المزارعون قد بدأوا منذ عام 1915 أن يضعوا أيديهم على أراضٍ في منطقة لازي، وكان ذلك هو النموذج الذي بدأ في الانتشار في إيطاليا. انتشر خبرٌ بين المزارعين وعمال الأجرة ممن لا يملكون الأراضي مفاده أن الثورة في روسيا قامت بتوزيع الأرض على الناس.

شكّل المزارعون والأجراء الذين لا أرض لهم أغلبية المجندين، على النقيض من الطبقات العليا التي ضمنت بُعد أبنائها عن الخدمة العسكرية على الجبهة الأمامية. كسلاندرا، أحد رؤساء الوزراء في زمن الحرب، الذي كان له ثلاثة أبناء في سن التجنيد، لكنهم لم يدخلوا الجيش أبدًا لسبب ما.

« السابق التالي »