أنطونيو جرامشي – النظرية والممارسة
أصبح التأكيد على خلق مجالس تقوِّي العمال هي الرسالة المركزية للصحيفة السياسية الأسبوعية، (لوردينه نووافو أو النظام الجديد)، التي أصدرها جرامشي مع مجموعة من الأصدقاء في شهر مايو من عام 1919، والتي اكتسبت شعبية بين جمهور المصانع في تورينو. واستلهم جرامشي مقولة الكاتب الفرنسي رومان رولان “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”، شعارًا تسترشد به الصحيفة.
شنت صحيفة النظام الجديد حملة لإعطاء كل العمال الحق في التصويت لمجالس المصانع ولكل قطاع في مكان العمل، لينتخبوا ممثليهم، ولتوسيع سيطرة العمالة وانخراطهم.
يعود جرامشي بالذاكرة إلى أغسطس 1920 فيقول إنّ “مشكلة تطوير اللجان الداخلية أصبحت الشغل الشاغل للصحيفة الرئيسة، وأصبح يُنظر إليها على أنها مشكلة العمال الجوهرية. وأصبح النظام الجديد “صحيفة مجالس المصانع”. ونقول بنفس راضية تمام الرضا أن العمال كانوا يعشقون الجريدة. لماذا؟ لأنهم كانوا، من خلال مقالاتها، يُعيدون اكتشاف جزء منهم، بل هو أفضل جزء؛ لأن مقالاتها كانت فعليًّا تلحظ الأحداث الواقعة ويُنظر إليها كلحظات من عملية التحرر الداخلية، ومن التعبير عن الجزء الخاص بالطبقة العاملة؛ لذا أحبَّ العمال النظام الجديد، وكيف أن فكرتها “تشكلت”. (كتابات سياسية، 1910 – 1920 ص293 – 294).
خرجت ثلاثة إصدارات فيصلية من محرري النظام الجديد، حيثُ حملت الأولي الحجة القديمة بأنّ من يملك عضوية في نقابة هو فقط من يحق له التصويت. وكانت قيادات النقابات المهنية تُردّدها مرات ومرات، حتى قُسّمت صحيفة النظام الجديد بين تاسكا الذي كان ينحاز إليهم وجرامشي الذي كان يناصر المجالس الجديدة. والثانية أنّه كان هناك ميلٌ لرؤية أشكال جديدة من السيطرة التي كانت تمارسها مجالس المصانع، مع وجود أشكال قديمة للإدارة والملكية الخاصة. وكان هذا الاتجاه أيضًا موضع تشجيع من قيادات النقابات.
كان وجود جرامشي والنظام الجديد يقلل من حجة أن سيطرة العمال لا يمكن تطويرها بشكل كامل، والحفاظ عليها إلا من خلال تغيير ثوري في المجتمع. ولكن بدون هذا كان هناك اتجاه يرى أن مجالس المصانع سوف تغرق في وابل من الخلافات الفردية، ثم تتحول إلى ما لا يرقى إلا ليكون نوعًا من ممثلي النقابات أكثر تمردا بعض الشيء.
أما عن الثالثة فقد قلل جرامشي، بتأكيده على دور مجالس المصانع كوسيلة لخلق سلطة للعمال، من دور الحزب الثوري ليصبح كمجموعة ضغط فقط. وقد كان تحديه للماركسية الآلية، التي ترى أن الحزب يقود العمال ببساطة إلى أرض الميعاد، زائدًا عن الحد. كان يعني ذلك أنه لم يستطع الدفاع عن رأيه داخل الحزب، مما ترك المجال مفتوحًا أمام بورديجا وأنصار برنامج الحد الأقصى. إذ عملوا على أن يعزل النظام الجديد وداعموه في تورينو والمناطق النائية المجاورة له. بالإضافة إلى ذلك فقد كان اتحاد النقابات الرئيس وكل الفصائل بداخل الحزب الاشتراكي الإيطالي، مجتمعين على رغبتهم في عزل داعمو النظام الجديد وهزيمته. وبالإضافة إلى ذلك عزم أصحاب الأعمال، الذين انتبهوا إلى مخاطر الدعوة إذا ما انتشرت من تورينو، على كسر مجالس المصانع.