بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

بروفات ثورية (1) | تشيلي 72 – 1973: العمال والثورة والعسكر

« السابق التالي »

11- الانقلاب

أسقطت العمليات العسكرية المشتركة التي بدأت في الصباح الباكر حكومة سالفادور آيندي في 11 سبتمبر 1973. قاد الانقلاب أوجوستو بينوشيه الذي كان عضوًا في وزارة آيندي العسكرية الثانية في اغسطس.

مع حلول التاسعة صباحًا، كانت الدبابات قد أحاطت بالقصر الجمهوري، مثلت هذا الفعل الخطوة الأخيرة في عملية الانقلاب، حيث أنه كان قد جُرّدت تنظيمات العمال والفلاحين والطلبة وساكني مدن الصفيح الأكثر نضاليةً من السلاح، ودمرتها خلال حالة الطوارئ السارية خلال الأسابيع السابقة.

ورغم انتشار إشاعات عن حدوث مقاومة شعبية للانقلاب لبضع ساعات، إلا أنه في الواقع، وباستثناء محاولات مقاومةٍ فردية متناثرة، لم يكن هناك أي نضال يذكر ضد الانقلاب. كان النضال الجماهيري قد خسر بالفعل، وكانت الحركة قد اُقتيدت لهزيمة فادحة على أيدي قادتها الإصلاحيين.

مع مضي اليوم، أُلقيَ القبض على مئات الناس، وأخذوا إلى منشآتٍ عسكرية وسجونٍ ومعسكرات اعتقالٍ مرتجلة. أُقتيد الآلاف إلى إستاد كرة القدم الوطني في سانتياجو، وأُبقوا هناك حتى نُقلوا لأماكن أخرى ليعذبوا أو يُقتلوا. لم يطل الأمر بالبعض إلى هذا الحد، فشخص مثل “بيكتور هارا” أشهر مغني الأغاني الجماهيرية في تشيلي، كُسرت يداه حين حاول أن يغني أغنيةً للمقاومة قبل أن يُقتل.

نُفذ الانقلاب بوحشيةٍ لا مثيل لها، الآلاف اغتُصبوا وتعرضوا لتعذيبٍ غير آدمي، وتم تجويعهم والتعدي الجسدي عليهم قبل أن يُقتلوا. قُتِل في العام الأول من الانقلاب 30,000 شخص. كانوا من أفضل وأشجع قادة الطبقة العاملة، تم انتقاء الضحايا بمنهجية بمساعدة استخباراتٍ خارجية متطورة. لم يقتلوا فحسب – لقد مُزقوا إربًا لتخويف الجماهير ولإعطاء إنذارٍ بياني للجميع بأن النظام الجديد لن يتسامح أو يعرف الرحمة.

كان ذلك مغزى الأجساد المشوهة التي طفت صبيحة كل يوم لى سطح نهر مابوتشو في سانتياجو. لم يجد أولئك اليساريين والليبراليين الذين لطالما أصروا وراهنوا على “رساخة عمق” التقاليد الديمقراطية في تشيلي، كآيندي نفسه، وعلى “حرفية وحيادية” قواتها المسلحة مُستبعدين تماما أن يقوم الجنرالات بأي انقلابات، لم يجد هؤلاء أي تفسيرٍ لوحشية الانقلاب وساديته.

ظل الإصلاحيون حول العالم يرددون سردًا عمّا حدث في تشيلي في 1972-1973، مكنهم من أن يصنفوا الانقلاب على كونه مجرد انحراف شاذ عن “التقاليد الديمقراطية لتشيلي”، سردًا غطى على الخطأ القاتل في تحليهلم لطبيعة الجيش، سردًا يحمي الوحدة الشعبية من سخط الأجيال التالية وإدانة التاريخ.

حاول هؤلاء الإلقاء باللائمة على مؤامرة من تدبير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكة CIA. لكن الحقيقة كانت شيئًا آخر. لقد حدث الانقلاب، ليس نتيجة لمجرد مؤامرة خارجية من CIA، بل لأن الدرجة المتصاعدة من الصراع الطبقي في تشيلي في 1972-1973 اقتربت من تهديد وجود المجتمع البرجوازي. وكالعادة في تلك اللحظات الأخيرة والحاسمة من الصراع الطبقي، فإن الطبقة الحاكمة لا تعرف الرحمة أو التسامح، بغض النظر عن تقاليدها تلك المزعومة.

إن الديمقراطيات الغربية نفسها، بعد كل شيءٍ، تدافع بقوة على تقاليد “الديمقراطية” حتى أقصى درجة، حتى إذا اقتضى الأمر استخدام أسلحة دمارٍ شاملٍ رهيبة.

لم يكن انقلاب الجنرالات في تشيلي أمرًا استثنائيا. لم يصدر عنف العسكر التشيليين عن دوافع للانتقام الشخصي، وإنما إستهدف الاجتثاث المنهجي لأفضل قادة الطبقة وأكثرهم شجاعةً.

وبعد أن انتهى الجنرالات من هذه المهمة، حولوا تشيلي إلى ساحة تجارب للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية تعصف بمكاسب وحياة الطبقةٌ عاملة. كان منطقهم هو منطق وهدف الرأسمالية وقد نزعت ُقفازيها: مجرد حد أدنى لمستوى معيشة العمال، وبطالة دائمة وهيكلية، وغياب تام للخدمات الاجتماعية، ومناخ رعب دائم، ومدارس تُدرس فيها الوطنية الشوفينية والسمع والطاعة.

إن المفارقة هنا أن الإصلاحيين والوحدة الشعبية، وهم يحذرون العمال ضد النضال من أجل وصول الطبقة العاملة للسلطة عن أي طريق غير البرلمان؛ بسبب الضرر الذي قد يلحق بالجماهير من جراء ذلك، في الواقع كانوا يتركون الطبقة العاملة عزلاء وعاجزة في مواجهة الاتقلاب العسكري، الذي دمر واحدة من أعظم محاولات الجماهير للثورة في القرن العشرين.

« السابق التالي »