بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

بروفات ثورية (1) | تشيلي 72 – 1973: العمال والثورة والعسكر

« السابق التالي »

9- السلطة المزدوجة والفصل الختامي

في صباح يوم 29 يونيو 1973 حرك كولونيل روبيرتو سوبيرقائد كتيبة مدرعات سانتياجو دباباته ووزعها في شوارع العاصمة مُعلنا استيلاءه على السلطة. وصلت الأخبار لمعمل EASTON وهو جزء من كوردون بيكونا ماكيننا في التاسعة صباحًا.

“في التاسعة والربع أطلقنا صفارة المصنع ودعونا لاجتماعٍ عام. اتفقنا أن نظل جميعًا في المصنع وأن نبعث بـ”قوات سريعة” للتواصل مع أماكن العمل الأخرى”.

شُكلت “قيادة مشتركة” في كوردون ثيرييوس، وتم نشر أربع بياناتٍ بفاصلٍ زمني مدته ساعاتان طيلة اليوم.
حدد البيان الأول المهام المباشرة:

التعليمات:
1) الاستيلاء على كل المصانع
2) تنظيم كتائب من 11 رفيق، وقائدٍ واحد، ويتولى قادة كل كتيبة سويًا مع المنظمين النقابيين مهمة تنظيم المصنع.
3) تتم داخل كل مصنع تعبئة ومركزة كل المركبات والمواد التي قد تكون مفيدة في الدفاع عن المصنع والطبقة العاملة والحكومة.
4) على رأس الساعة، كل ساعة، سيطلق كل مصنع صفارته ليشير إلى أن كل شيٍ على ما يرام. إذا احتيج إلى المساعدة، ينبغي إطلاق الصافرة بشكل مستمر.
5) ضبط المذياع بصورة دائمة على موجة راديو كوربوريشن.
6) وضع حارس على أكثر نقطة مرئية في المصنع.
7) الاحتفاظ بتواصلٍ مستمر مع المصانع المجاورة وتعيين رفاق للقيام بدور المراسيل.
8) الإخبار بمكان تمركز القيادة ومكان اجتماع الرفاق القياديين إذا استحال الدخول للمصنع.
9) تنظيم اجتماعات دورية وإبقاء كل العمال على دراية بالتطورات.

تكررت هذه التجربة على طول البلاد وعرضها، مع تشكيل كوردونات وكوماندوس في خلال ساعات من محاولة سوبير الانقلابية. في الواقع، كان سوبير شخصية مغامرة وغير نمطية و ذا صلاتٍ علنية مع حزب الوطن والحرية اليميني المتطرف. وكان يُنظر إليه بقدرٍ معتبرٍ من الشك من قبل قيادات الجيش العليا فلم تكن تلك أول محاولة له للانقلاب.

لم تكن محاولة سوبير الانقلابية أكثر مما أسماه برييتو “حركة من أجل الدعاية المسلحة”، وكانت ناجحةً في تحقيق هذا. عارض قيادة العسكر فقط توقيت حركة سوبير، كانت الدوائر اليمينة، والتي كانت تضم معظم القادة العسكريين، تناقش بشكلٍ عملي منذ بعض الوقت تنظيم انقلاب عسكري. ومن وجهة نظر هذه الدوائر، أنهى رد الطبقة العاملة العنيف على انقلاب سوبير أي امكانية للحديث عن حل السياسي.

أثار رد الفعل الجماهيري، داخل القوات المسلحة، لمحاولة سوبير مناقشةً عاجلة عن الحاجة لتدخل عسكري.

بمعنىً ما، كان آيندي نفسه مسئولًا عن الثقة والاعتداد بالنفس الذي شعر به العسكر في تلك اللحظات: ألم يدعُهم بصورة متكررة لحل النزاعات الاجتماعية؟ ألم يوافق على زيادات هائلة (وغير معلنة) في مرتبات للعسكر في نفس التوقيت الذي كان يدعو الطبقة العاملة تُدعى لضبط النفس.

الآن، في صبيحة 29 يونيو، سيظهر آيندي مرةً أخرى إيمانه في – واعتماده على – القوات المسلحة. في حين كانت الكوردونات منهمكة في تنظيم مقاومة الطبقة العاملة ضد انقلاب عسكري، كان “رئيس الطبقة” يجتمع مع القائد الأعلى للجيش من أجل النقاش. أوضحت هذا التباين أن الوحدة الشعبية لم تكن تمتلك أي دفاعات وكانت عاجزة تماما أمام استنفار البرجوازية وتحركها.

في الأيام التالية أصدرت (MIR) و(MAPU) والحزب الاشتراكي نداءاتٍ مدوية للعمال للاستعداد للدفاع عن الحكومة، وبحمل السلاح. حتى مسئولي الحزب الشيوعي كانوا يشجعون العمال الصناعيين على استخدام مخارطهم لتصنيع الأسلحة، كما امتلأت خطب آيندي بتهديداتٍ مقَّنعة. وتعود الصورة الشهيرة لآيندي وهو يتدرب على استخدام السلاح في مضمار رماية للمسدسات، وهي الصورة التي ألهبت غضب اليمين، تعود إلى هذه الفترة.

إلا أنه لا ذلك ولا دعوات اليسار لبناء سلطة الشعب كانت تعني أي شيء طالما اقترنت بإعادة إقرار السياسات القديمة وإعلانات الولاء لقيادة الوحدة الشعبية. حتى في هذه المرحلة، حين كانت الطبقة العاملة أفضل ما تكون تنظيمًا وأكثر ثقة من أي وقت مضى، وحين تواجدت تنظيمات موجدة بطول البلاد، وحين كان أفضل الثوريين في موقعٍ قيادي لا لبس فيه، حتي في هذه المرحلة لم يسلك اليسار طريق محاولة الاستيلاء على السلطة، فقد كان ذلك من شأنه أن يضعهم في مواجهة مع الوحدة الشعبية نفسها.

لذا، وكما كان الحال في بيان ثيرييوس، اختلطت النداءات لتفعيل أعلى درجة من الاستقلال في حركة الطبقة العاملة بتكرار إعلان الولاء لآيندي. بالنسبة لبعض المعلقين، مثل ذلك الولاء قوةً، وعاملًا مهمًا في كسب المعركة الأيديولوجية داخل الجيش. بالنسبة للإصلاحيين، كانت تلك هى الطريقة التي بها تُكسب المعركة – بإفراز قيادةٍ جديدة وتقدمية للجيش. في الواقع كان من الممكن فقط أن يقع انشقاقٌ في الجيش لو أمكن للجنود العاديين أن يتحركوا من منطلق التضامن الطبقي مع إخوانهم وأخواتهم متحدين المحولة للاستيلاء على السلطة. لقد أدرك الجنرالات ذلك، أما آيندي فلم يدرك ذلك. أدرك الجنرالات أن الجيش المحترف موجودٌ كخط الدفاع الأخير عن الدولة البرجوازية، أما آيندي فلم يدرك ذلك.

لم يكن ذلك الوهم الأثر بأن الجيش سيخوض الصراع الطبقي نيابةً عن العمال محصورًا في الإصلاحيين -ففي عددها الصادر يوم 30 يوليو، دعت بونتو فينال، جريدة MIR- العمال للنضال من أجل ديكتاتورية مشتركة من الشعب والقوات المسلحة.

بالرغم من هذه الشعارات المتناقضة من اليسار، كانت نقلةً نوعية في الحركة والوعي الجماهيري تحدث في الشوارع والمصانع، وكانت خطى الأحداث آخذة في التسارع، وكان كل يوم جديد يأتي بتنظيمات جديدة تشكل جنين نظام بروليتاري.

وحد كوردون جديد، سانتياجو ثينترو، الموظفين الحكوميين وساكني الأحياء الفقيرة. في بارانكاس تُرجمت سلسلة من الاستيلاءات على المصانع مباشرةً إلى تشكيل كوردون جديد بعد أن كون ممثلي العمال عن كل مصنع في لجنة تنسيقية مشتركة.

أينما حاول أصحاب المحال إغلاق متاجرهم، تم فتحها من قبل الجماهير التي قامت فورا بتنظيم توزيعٍ مباشرٍ للسلع. وعندما أضرب أصحاب الشاحنات مرةً أخرى، مُتظاهرين بالاحتجاج على خطة لخلق نظام لنقل حكومي، سيطر العمال على الشاحنات مباشرة وقاموا بتسييرها بأنفسهم. واستولي العمال على المستشفيات وشكلوا لجان قاعدية لتسيير العمل بها وتقديم الخدمات الصحية للمواطنيين.

وبشكل ما مثل الرد الجماهيرى على محاولة سوبير الانقلابية تكرارًا لمشهد نضالات العمال في أكتوبر 1972. إلا أنه كانت توجد اختلافات مهمة بين اللحظتين. أولًا، في صيف 1973 كان لدى الطبقة العاملة تراكم من خبرة عدة شهور من التنظيم الذاتي تستطيع أن تبني ردها عليها. ثانيًا، كان العامل العسكري محوريًا الآن. ثالثًا، أصبح ما تستطيع حكومة آيندي أن تقدمه الآن من قبيل الدعم للعمال أقل من ما كانت تقدر عليه العام السابق.

باختصار، كانت المخاطر التي تهدد الثورة في صيف 1973 أكبر والوقت أقصر. ولكن كانت احتمالات انتصار العمال على البرجوازية أيضا أعظم بمراحل من أكتوبر 1972.

قامت مجموعة من النساء، في مصنع ملبوسات إيل آس، دون أي سابق أي خبرة في العمل السياسي، بالاستيلاء على المصنع، و أعربت العاملات عن دهشتهن حين تضامن معهن القائد النقابي المحلي، وكان عضوًا في الحزب الديمقراطي المسيحي، وعن ابتهاجهن حين دُعين لعضوية كوردون أوهيجنز. هكذا وصفت إحدى العاملات الموقف والوعي في المصنع:

“كان موقف القيادات النقابية فيCUT لحل الأزمة دائما هو التفاوض مع الرأسماليين والوصول إلى اتفاقٍ معهم، وإعادة المصانع مرةً أخرى لهم. لم أكن أبدًا ممن يختلطن بالسياسة، لم نكن نتحدث كثيرًا عن العملية [السياسية]، لكن الآن أصبحنا جميعًا مشاركات في النضال ونفهم ما يعنيه الأمر، ونستطيع أن نقول جميعًا أن إعادة مصنعنا للملاك هو خيانة للطبقة العاملة. ربما يكون مصنعنا مصنع صغير.. لكن في الأساس، والمهم هنا أمر سياسي وليس أمر اقتصادي فئوي، أننا إذا أردنا نحن العمال السلطة، فلن نحصل عليها أبدًا عن طريق إعادة المصانع للرأسماليين، بغض النظر عن مدى صغرها”.

تجمعت كل عناصر الأزمة الثورية على أرض الواقع في صيف 1973: آلت وظائف الإنتاج والتوزيع والدفاع عن العمال والخدمات الاجتماعية إلى أيدي تنظيمات عمالية، كانت البرجوازية تعبء قواتها للمواجهة، وكانت الدولة القائمة عاجزة عن العمل بحسم في وضع لم تعد قادرة على التحكم فيه.

بعد انقلاب سوبير بثلاثة أيام، أعلن آيندي مرةً أخرى حالة الطوارئ، لم يكن هذا الإعلان أكثر ولا أقل من دعوة للجيش بحل الأزمة بالطريقة التي يرونها أفضل. لم تضم الوزارة الجديدة التي أُعلن عنها في 4 يوليو ممثلًا عسكريًا. ولم يكن تأكيد آيندي بأن ذلك كان بهدف “عدم تعريض حيادية القوات المسلحة للخطر” مُقنعًا للغاية. على النقيض، بدا كما لو كان آيندي يمنح الجنرالات حريةً قصوى في الحركة بإعفائهم من أي سيطرةٍ سياسية عليهم.

كان عمل العسكر الأول، كسابق عهدهم، هو التحرك ضد كل الجرائد والمحطات التلفيزيونية المتعاطفة مع العمال. صُودر أحد أعداد بونتو فينال من باعة الجرائد وفرضت الرقابة على محطة التلفاز الحكومية، وسمح الجيش باستمرار بث القناة 13 التي يديرها الديماجوج اليميني الزاعق الأب آسبون والت كان يستخدمها كمنبر للدعوة لانقلاب عسكري على مدار الساعة. كما فُرض الجيش حظر التجوال، مانعًا العمال من الناحية الفعلية من تنسيق أنشطتهم أثناء الليل. أما خارج سانتياجو فإن التقارير كانت تؤكد أن العسكر كانوا بالفعل يتحركون لفرض سيطرتهم بشكل كامل على كل الأمور.

كان الجنرالات يدعمون قوتهم وسلطاتهم بصورة مخيفة، كما كشف أنصار الوحدة الشعبية في القوات البحرية والقوات الجوية الذين كانوا يشاهدون بأعينهم الاستعدادات العلنية للانقلاب التي كان يتم القيام بها في عددٍ من المنشآت العسكرية الأساسية. ولاقت مناشدة أنصار الوحدة الشعبية داخل الجيش لآيندي بالتحرك فورا ضد استعدادات الجنرالات للقيام بانقلاب عسكري مجرد ” شكرًا رئاسيًا” على ولائهم بالإضافة إلى تصريحٍ من آيندي بأنه يتعين عليه، في ظل حالة الطوارئ، أن يترك للقيادة العليا للجيش أمر التصرف في هذا الشأن، وأكد لأنصاره أنه كان واثقًا من أن القيادات العليا للجيش ستقوم بالمطلوب. وبالفعل، وعلى طريقتهم، حاكم الجنرالات أنصار آيندي محاكمةً عسكرية وحكموا عليهم بفترات سجنٍ طويلة وعذبوهم.

« السابق التالي »