روزا لكسمبورج: النظرية والممارسة
جدَّدَت لكسمبورج حربها على التحريفيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في خطابها بمؤتمر شتوتجارت. لكن قبل عام 1910 ظهر انقسامٌ آخر داخل الحزب، وكان موجعًا للكسمبورج على الصعيد الشخصي.
في ربيع 1910، اندلعت سلسلةٌ من المظاهرات الجماهيرية في ألمانيا، من أجل الإصلاح الانتخابي، وقد تزامن ذلك مع إضراباتٍ كبيرة لعمال المناجم والبناء. وللمرة الأولى منذ عام 1905 بدت الطبقة العاملة وكأنها تتقدَّم. وقد طرحت لكسمبورج أن يتقدَّم الحزب ليقود هذه النضالات مستخدمًا تكتيك الإضراب الجماهيري السياسي سلاحًا له. فإما أن الحركة تحتدم وإما أن تصبح مُعرَّضةً لخطر التلاشي. وقد كتبت مقالًا بجريدة “نيو زايت” تُوضِّح موقفها، لكن مُحرِّر الجريدة كارل كاوتسكي رفض نشر المقال.
كان كاوتسكي صديقًا للكسمبورج، ورفيقًا لها منذ وصولها برلين. فقد كانا متقاربَين سياسيًا وكانا بمثابة قائدَين للجناح الراديكالي بالحزب. لكن ما بدا حينها هو أن كاوتسكي يتغيَّر بشكلٍ كامل، إذ لم يتوقَّف الأمر عند رفضه مقال لكسمبورج، بل إنه قد كتب مُهاجِمًا موقفها بحدةٍ، مُجادلًا بعدم إمكانية تطوُّر الإضرابات الحالية إلى أي شيء، وأن عليهم انتظار الانتخابات التالية خلال سنتين. وبدا أنه أصبح يرى ثورةً تنمو ليس من النشاط الذاتي للعمال، كما جادل ماركس، بل من خلال النجاح الانتخابي للحزب.
منذ ذلك الحين، استغل كاوتسكي كل فرصةٍ للهجوم على لكسمبورج لتطلُّعها المُتمرِّد، لكنه استمر أيضًا في هجومه على التحريفيين داخل الحزب لرغبتهم في التعاون مع الأحزاب البرجوازية. وبالتالي أصبح لدى الحزب في ذلك الوقت ثلاثة تيارات: التحريفيون بقيادة برنشتين، والوسط الماركسي بقيادة كاوتسكي، والذي برَّرَت كلماته المُنمَّقة، عمليًا، الانحدار نحو الإصلاح، والتيار الثالث هم الراديكاليون اليساريون، بقيادة لكسمبورج وليبكنخت وزيتكن وآخرين قلائل.
عمَّقَت أزمة المغرب من الانقسامات داخل الحزب عام 1911. ففي يوليو َوجَّهَت البحرية الألمانية سفينةً حربيةً إلى ميناء أغادير، بادعاء حماية المصالح الألمانية في المغرب، وأثار ذلك أزمةً دبلوماسية كبرى وحصَّنَ مواقع المُروِّجين للحرب في فرنسا وألمانيا. وأرادت الأممية الاشتراكية الدعوة لاجتماعٍ يناقش إصدار بيان ضد التحركات الألمانية، لكن قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي رَدُّوا بأن ذلك ليس ضروريًا، وأنه من الأفضل عدم المخاطرة بإثارة أَيَّة مشاعر مناهضةُ للاشتراكيين، مع قُرب موعد الانتخابات.
بدأت المظاهراتُ المناهضةُ للحرب في الاندلاع في برلين ومناطق أخرى من ألمانيا، مدعومةُ بحماسٍ من جانب لكسمبورج ورفاقها، لكن قيادة الحزب لم تتجاوب مع التظاهرات بأي شكل. وبغضبٍ شديد أرسلت لكسمبورج رسالةً، تفضح فيها قيادة الحزب، لتراخِيهم في مواجهة الإمبريالية المتنامية.
منذ أزمة المغرب وصاعدًا، أصبحت المعركة ضد الإمبريالية والحرب هي المسألة الرئيسية التي شكَّلَت النقاشات داخل الحزب. ظهرت ثلاثة مواقف بخصوص ذلك: التحريفيون تشبَّثوا بفكرة أن أفضل خدمة لقضية الاشتراكية هي دعم الدولة الألمانية، وبالتالي كسب إصلاحات من خلال البرلمان. وقد أمضى نواب الحزب من هذا الجناح وقتهم في الضغط، من أجل ظروف وأسلحة أفضل للجنود الألمان. أما كاوتسكي والوسط فجادلوا بأن الحلف المعادي للإمبريالية يمكن تكوينه مع الرأسماليين الصناعيين – عدا مصنعي السلاح – إذ لا يوجد شيئًا ليكسبوه من سباق التسلُّح وخطر الحرب. وجادل كاوتسكي أيضًا بأن ألمانيا وبريطانيا ستصبحان أفضل إذا ما توصلتا إلى اتفاق بدلًا من تهديد أرباحهما من خلال الحرب. وكان الوسط يؤيد نزع السلاح انطلاقًا من فوائده بالنسبة للرأسمالية. أما لكسمبورج والراديكاليون فقد رأوا أن سلامًا رأسماليًا ليس بسلامٍ على الإطلاق بل أنه مجرد احتواءٍ لبذور الحرب المقبلة؛ فالإمبراطوريات الأوروبية العظمى كانت تحتك ببعضها البعض وتحرض سكانها على القومية. وكانت مهمة الثوريين هي مواجهة ذلك بالأممية والنضالات الجماهيرية لتحويل الأزمة الإمبريالية إلى حركة ثورية. وقد ساد موقف كاوتسكي داخل الحزب خلال دورة 1912-1913.