بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

روزا لكسمبورج: النظرية والممارسة

« السابق التالي »

15- ثورة في ألمانيا

في أكتوبر ونوفمبر من عام 1918، كانت الحرب تدور على نحوٍ صعبٍ بالنسبة لألمانيا، لكن الجنرالات رفضوا قبول ذلك. بدأت الإضرابات السياسية ضد الحرب تندفع نحو مصانع الذخيرة ليتبعها تمرد في قاعدة كييل البحرية. لم تعرف الحكومة كيف تتجاوب وانتشر التمرد، وظهرت مجالس الجنود في المقدمة وتبعتها مجالس العمال في أرجاء البلد، وهكذا بدأت الثورة الألمانية.

لم تشأ الطبقة الحاكمة القديمة أن تترك السلطة بسهولة وقد عرف هؤلاء كيف يبقون عليها. فأثناء الحرب، تعاون الحزب الاشتراكي الديمقراطي مع الأحزاب الحاكمة وقام بعمله باسم الوحدة القومية، وقد أملت الطبقة الحاكمة أن يستطيع الحزب الاشتراكي الديمقراطي إنقاذها. كان فريدريش إيبرت زعيما للحزب، وقد أخبر المستشار الأمير ماكس “أنه إن لم يتخلَ قيصر عن عرشه، فإن الثورة أمر لا مفر منه. لكني لا صلة لي بذلك، فأنا أكرهها كالخطيئة”.

اندلعت الثورة إلى برلين في التاسع من نوفمبر من خلال إضراب عام. وسلّم الأمير ماكس المستشارية لإيبرت آملًا أن ذلك سيهدِّئ الثورة؛ هربت الملكية وأُعلِنَت الجمهورية الألمانية من خلال عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي شديمان. وعلى بعد شوارع قليلة، كان ليبكنخت يعلن جمهورية اشتراكية.

كانت تلك هي المشكلة المركزية للثورة الألمانية؛ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان لا يزال حزبًا عماليًا ملتزما بالاشتراكية قولًا، شارك في الحكومة لوضع حدٍّ للثورة. رغم ذلك حافظ الحزب على نفوذه لدى غالبية العمال والادعاء أنه إلى جانبهم. أثناء الحرب انشق الجناح الوسطي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي مُكوِّنًا الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل والذي انضمت له عصبة سبارتكوس. لكن في الواقع كان المستقلون منقسمون وكانت عصبة سبارتكوس صغيرة وضعيفة.

وهكذا فإنه في الوقت الذي دعت فيه لكسمبورج – المُحرَّرة من السجن بفعل الثورة – ودعا أيضًا ليبكنخت إلى ثورةٍ اشتراكية حقيقية، كان إيبرت يُشكِّل حكومةً “اشتراكية ثورية” من أعضاء الحزبين الاشتراكي الديمقراطي والمستقل بهدف معلن يوافق الأغراض العسكرية الألمانية وهو قمع الثورة بالقوة.

برغم ذلك كانت هناك حالة من ازدواج السلطة لمدة أسابيع قليلة، إذ كان كلٌ من المجالس العمالية وحكومة إيبيرت تديران ألمانيا. وقد أصدر السبارتكيون (نسبة لعصبة إسبارتاكوس) جريدة جديدة وهي “الراية الحمراء” في 18 نوفمبر. وقد حذَّرَت لكسمبورج في مقالها من أهداف إيبيرت: “تدعو الحكومة الحالية لتشكيل جمعية تأسيسية لتخلق ثقلًا برجوازيًا في مقابل مجالس العمال والجنود، وبتلك المناورة توضَع الثورة على مسار الثورة البرجوازية الخالصة واستبعاد الأهداف الاشتراكية للثورة”. لكن لكسمبورج والثوريين لم يكن لديهم ثقلهم المضاد الخاص بهم، فلم تكن هناك منظمةٌ جادةٌ قادرةٌ على قيادة الثورة لما بعد الجمهورية.

عقدت عصبة سبارتكوس مؤتمرًا لتأسيس الحزب الشيوعي الألماني في ديسمبر 1918، وانضمت لهم مجموعة تسمى “الراديكاليون اليساريون”، وانضم لهم أيضًا نشطاءٌ شباب آخرون من أنحاء ألمانيا كانوا قد انخرطوا في الثورة.

وقد بدا الضعف واضحًا على الفور. فكانت من أولى المسائل التي نوقشت هي مسألة المشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية. فبينما عارض الشيوعيون الجمعية مبدئيًا، جادلت لكسمبورج بضرورة مشاركتهم لشجب الجمعية نفسها، إذ قالت: “لحشد الجماهير ضد الجمعية الوطنية ولندعوهم بالنضال الحاد ضدها، لابد أن نستخدم الانتخابات ومنصة الجمعية الوطنية نفسها”.

وقد وافقها كل الأعضاء القياديين الآخرين، لكن الأعضاء الشباب، ظنًا منهم بأن الثورة على وشك الانتصار، لم يروا الغاية من المشاركة في انتخابات كانوا يعارضونها؛ هكذا كانت الحركة مُشتَّتة، ورُفض اقتراح لكسمبورج، وكان ذلك دليلًا لها على ضرورة التحذير من نفاذ الصبر والأعمال المتهورة.

« السابق التالي »