روزا لكسمبورج: النظرية والممارسة
17- الإرث
قامت الثورة الألمانية ثانية لعدة مرات خلال السنوات الأربعة التالية، لكن الحزب الشيوعي غير المخضرم والفاقد لعدد من أفضل قياداته لم يكن قادرا على توفير القيادة الضرورية للتغلب على الطبقة الحاكمة. وقبل نهاية عام 1923، كانت اللحظة الثورية قد انقضت، وكانت عواقب ذلك الإخفاق هي الأسوأ على الإطلاق. فالفرايكوربس التي قتلت لكسمبورج هي التي شكلت بذور عصابات هتلر؛ أما الاشتراكيون الديمقراطيون الذين أعدوهم (أي الفرايكوربس) فماتوا في معسكرات الاعتقال تحت حكم هتلر. فإنذار لكسمبورج بالبربرية أو الاشتراكية قد تحقَّق بمعناه السيئ؛ فالأمل في الاشتراكية بألمانيا قد تحطم، إلا أن القوات التي حطمت هذا الأمل لم تكن لتروَض. وقد شهد العقدان التاليان أسوأ همجيةٍ عرفتها الإنسانية حتى الآن.
إن إخفاق الثورة الألمانية ترك الروس محاصرين. وقبل أواخر العشرينات من القرن العشرين، تسلم ستالين زمام الأمور ليخنق دولة العمال الوليدة. فقد مات لينين في 1924 وعومِلَ كمعبود؛ الأمر الذي كان ليرعب لينين نفسه. وقد هوجمت لكسمبورج بعد وفاته لجدالاتها معه، لتتحوَّل من شهيدةٍ إلى عدوةٍ للبلاشفة وتُدفن أعمالها.
كشف اليسار الجديد في الستينيات عن أعمال لكسمبورج ثانيةً كماركسيةٍ غير مُشوَّهة بارتباط بالاتحاد السوفييتي؛ فيما استلهمها المنشقون في ألمانيا الشرقية. وقد وجدت فيها النسويات امرأة ثورية قوية ومُنَظِّرة رغم هجوم البعض عليها لقلة ما كتبته حول قضية المرأة. والآن هناك عودة للاهتمام من خلال مؤتمرات منتظمة وكتب وجمع جديد لكتاباتها.
إن عالمنا لهو عالم كانت لكسمبورج لتدركه؛ مناطق كاملة مجتاحة بفعل حروب إمبريالية تخلف فقرًا عميقًا في الجنوب وطبقة عاملة تتحمل تكلفة مرض الرأسمالية المزمن وأحزاب إصلاحية لا تبغي سوى الإبقاء على النظام. لكن في الوقت نفسه، نحن نعيش عصرا جديدا من الإضرابات الجماهيرية في الأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا في أوائل الألفية واليونان وإسبانيا والربيع العربي في 2011.
كتبت زيتكن عن لكسمبورج: “كانت السيف الحاد واللهيب الحي للثورة”.
وحتى الآن تتمتَّع كتابات روزا لكسمبورج ونموذج حياتها نفس الوهج الذي كان لها منذ قرنٍ مضى.