روزا لكسمبورج: النظرية والممارسة
كانت ألمانيا قد تطوَّرت متأخرًا إذا ما قورنت بالرأسمالية الأوروبية، لكن في الربع الأخير من القرن التاسع عشر بدأت في تعويض تأخُّرها ومنافسة فرنسا وبريطانيا، وكانت ديناميكية الرأسمالية تقوم بعملها، تلك الديناميكية التي كتب عنها ماركس وإنجلز قبل خمسين عامًا في البيان الشيوعي. إذ تحوَّلَت حياة الناس من العمل في الأرض إلى التجمع في جماعات للعمل في المصانع الكبرى والمدن المتنامية في ألمانيا. حينئذٍ كان للشيوعيين أن يتحدَّثوا حقًا عن الجماهير كجمهورهم.
كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا أهم حزبٍ للطبقة العاملة. فالقوانين المعادية للاشتراكية التي وضعها بسمارك في 1878 كانت قد سقطت قبيل عام 1890، وبالتالي كان الاشتراكيون في ألمانيا، على خلاف روسيا وبولندا، قادرين على التنظيم بانفتاح وشرعية بالرغم من بقاء بعض القيود، كأن يجلس أحد ضباط الشرطة على المنصة في التجمعات العامة للحزب الاشتراكي الديمقراطي ليتحقَّق من عدم مخالفة أي قانون، الأمر الذي كان يحدث غالبًا.
استغل الحزب الاشتراكي الديمقراطي تلك الفرصة ليضُخ مجهوده في التجنيد والدعاية الانتخابية. وبلغت عضوية الحزب في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر المليون عضوًا، وكان لدى الحزب 4.5 مليون ناخبًا و90 جريدةً يومية في أنحاء البلاد إلى جانب العديد من النقابات العمالية والتعاونيات.
وصلت لكسمبورج إلى برلين في مايو 1898، وكانت مُتزوَّجةً من صديق أحد أصدقائها، وهو جوستاف لوبيك، لتحصل على الجنسية الألمانية. وبرغم كونها امرأةً شابة تتمتَّع بدرجةٍ استثنائية من الثقة بالنفس، لم يكن سهلًا عليها الاندماج في هذه العاصمة المثيرة والمشحونة. وما إن وصلت حتى كتبت رسالةً إلى ليو جوجيتش تقول فيها: “أشعر أني وصلت هنا كغريبةٍ تمامًا ووحيدةٍ لأغزو برلين، وبعد إلقائي نظرة عليها أشعر بالقلق من قوتها الباردة ولامبالتها تجاهي”. لم يدم هذا الشعور بالاختلاف طويلًا، فقد كان عام 1898 عامًا انتخابيًّا، قدَّمت فيه لكسمبورج خدماتها للحزب الاشتراكي الديمقراطي كعضوةٍ بحملات مناطق بروسيا الشرقية التي تتضمَّن العديد من العمال المُتحدِّثين بالبولندية. قُبِلَ عرضها وانطلقت بالفعل في جولةٍ من الندوات التي حقَّقَت نجاحًا كبيرًا. وقد امتلكت وضوحًا نظريًا تامًا وكانت تأخذ الجماهير على محمل الجد، ليس فقط عبر تحفيزهم عاطفيًا، وإنما عبر تقديم الحجج الواضحة أيضًا. وهكذا عادت لكسمبورج إلى برلين مستعيدةً ثقتها بنفسها حاملةً سمعة بارزة.
اكتسبت لكسمبورج أصدقاء سياسيين مهمين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كان منهم كارل كاوتسكي، الذي كان يُعتَبَر وريثًا لتراث ماركس وإنجلز. وقد أصبحت صديقةً مُقرَّبةً لزوجته لويز. كما تقاربت مع كلارا زيتكن، المُنخرِطة في الحزب منذ أيام ما قبل عمله الشرعي، والتي كانت محررةً لجريدة المرأة الاشتراكية “المساواة”.
وخلال أشهرٍ قليلة من وصولها، كانت لكسمبورج بصدد الدخول في جدالٍ مع أحد قيادات الحزب النظرية دفاعًا عن الأطروحة المركزية لماركس، والتي تقول بأن تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون بفعل الطبقة العاملة نفسها.