بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

العرب والخيانة العظمى لفلسطين

غالباً ما تقدم الطبقات الحاكمة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط دعماً خطابياً للنضال من أجل التحرير الفلسطيني. وقد استنكرت جامعة الدول العربية، في العاصمة المصرية القاهرة، العدوان الإسرائيلي الأخير باعتباره “جريمة حرب”. ووصفته إيران بأنه “عدوان وحشي”. وأدانت أيضاً المملكة العربية السعودية ذلك الهجوم في نهاية المطاف.

حتى الآن، دائماً ما تبيع هذه الأنظمة الحاكمة القضية الفلسطينية، سواء كانت قومية عربية، أو ليبرالية، أو إسلامية. إن النضال ضد الاستعمار في الشرق الأوسط قد جلب إلى السلطة جيلاً من الحكام العرب القوميين، مثل جمال عبد الناصر في مصر. برز أيضاً ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية بسياسات قومية مماثلة. وأدى ذلك بالكثيرين للمجادلة بأن التحرير الفلسطيني قد يأتي من خلال كسب دعم الطبقات الحاكمة العربية والخليجية للنضال.

قد يكون الأمر مفيداً لأنظمة كالنظام المصري أن تبدو راديكالية. وحتى الآن، سرعان ما تهمل كل الأنظمة الفلسطينيين طالما أن هناك صفقة جيدة على الطاولة. فالإمبريالية الغربية تتسع لهم جميعاً.

لقد أظهر الربيع العربي إمكانية النضال من أجل التحرير الفلسطيني كجزء من انتفاضة من الأسفل في منطقة الشرق الأوسط. وأظهر أيضاً الحدود القصوى لبعض المجموعات. فعلى سبيل المثال، أثار الساسة الغربيون الذعر حول احتمالية وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في مصر. وزعموا أن مصر قد تتحالف مع حركة المقاومة حماس في غزة وتدمر اتفاقية كامب ديفيد التي تُحافظ على “السلام” بين إسرائيل ومصر.

الصفقة
ولكن لم يقم الرئيس الإخواني محمد مرسي بتمزيق اتفاقية كامب ديفيد. وبدلاً من ذلك توسّط في اتفاق بين حماس وإسرائيل.

وعندما امتدت الموجة الثورية إلى سوريا، جادل الكثيرون بأن ذلك قد يكون كارثة بالنسبة للفلسطينيين. أشاد بعض اليساريين بوثائق الرئيس بشار الأسد المُفترض أنها مناهضة للإمبريالية وبدعمه للتحرير الفلسطيني. ولكن دائماً ما يضع النظام السوري مصالحه قبل دعمه النفعي لفلسطين.

إن تاريخ خيانة الطبقات الحاكمة العربية للفلسطينيين ليس محض صدفة. فهي تنبع من علاقاتهم مع الإمبريالية الغربية. وقد مثلت سبعينيات القرن الماضي نقطة تحول هامة بالنسبة للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، ووضحت كيف ولماذا خانت الأنظمة العربية فلسطين.

كانت الاستراتيجية الأمريكية هي تفتيت تحالف الدول العربية والذي ظهر من خلال النضال ضد الاستعمار. وفي عام 1973، قامت كل من مصر، وكان رئيسها آنذاك أنور السادات، وسوريا في ظل حكم الأسد والد بشار، بمهاجمة إسرائيل كجزء من تحالف واسع. قامت الدول العربية الأخرى بما في ذلك العراق والأردن والجزائر بتوفير ما يصل إلى 100 ألف جندي. وقدمت المملكة العربية السعودية والكويت المساعدات المالية.

غالباً ما تُقدَّم هذه الحرب كأنها حرب بين القوميين العرب الداعمين لفلسطين، وإسرائيل حارس الإمبريالية الأمريكية في المنطقة. وصحيحٌ أن تلك الحرب كانت جزءاً من الصراع بين الإمبريالية الأمريكية والحكومات العربية، لكن تم استخدام الفلسطينيين كأدوات جيوسياسية من قبل الحكومات العربية والتي كانت تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة.

أرادت الطبقات الحاكمة العربية اتباع سياسات مستقلة – عادةً مستوحاة من رأسمالية الدولة في روسيا – لتنمية اقتصاداتها القومية. وقد أجبر ذلك الطبقات الحاكمة المحلية في الدخول في صراع مع الإمبريالية الغربية.

كما ولَّد المشروع الاستعماري لإسرائيل صراعَاً على المصالح. ففي عام 1967 استولت على صحراء سيناء من مصر، وهضبة الجولان من سوريا. ولذلك طوال فترة السبعينيات شملت مطالب الأنظمة العربية سعراً عادلاً للنفط، و”ضبط النفس” من الجانب الإسرائيلي.

ولكن مصر حاولت مراراً وتكراراً التوصل لتسوية مع إسرائيل قبل عام 1973. وكان فشلها سبباً جزئياً في قيام الحرب. وجاءت معاهدة كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل كخيانة واضحة للفلسطينيين. وقد حددت هي المشهد في العقدين التاليين.

قامت هذه الصفقة بتحييد مصر عن طريق إعادة سيناء مرة أخرى. وقد أعطت إسرائيلَ الحرية للتركيز على قمع الفلسطينيين ومحاربة أعدائها في الشمال.

الغزو
بعد الانتهاء من توقيع اتفاقية كامب ديفيد مباشرةً، قامت إسرائيل بشن أول هجوم لها على لبنان. وبعد الانتهاء من تسليم سيناء في عام 1982 شنت إسرائيل غزواً آخر أكثر وحشية.

كان “السلام البارد” الجديد مُدمّراً للفلسطينيين. عزز النظام المصري نفوذه في العالم العربي جيوسياسياً واقتصادياً. تبنى السادات وخليفته حسني مبارك سياسات نيوليبرالية استفاد منها الرأسماليون. وقاموا أيضاً بتعميق العلاقات مع رجال الأعمال الإسرائيليين.

ولكن لم تكن كل الدول العربية “منتصرة”. هُزمت سوريا في حرب 1967، وأرادت استعادة هضبة الجولان، ولكن هذا لم يعنِ أنها كانت لتدعم الفلسطينيين. كان هدف سوريا هو التفاوض مع إسرائيل من موقع قوة، لاسترداد أرضها، فيما كان يُنظر للفلسطينيين كعقبة أمام مصالح النظام السوري. وكان حافظ الأسد قد أشار لياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بأنه “عقبة لابد من إزالتها”.

لم تعد سوريا تقدم مساعدات للمقاومة الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، صار هدفها هو السيطرة عليها لاستخدامها كورقة مساومة. كان السبب الرئيسي الذي أتى بحافظ إلى السلطة عام 1966 هو “معارضة حرب العصابات ضد إسرائيل”. وقام سريعاً بشن الهجوم على مجموعات حرب العصابات المتواجدة في سوريا.

كان لدى فلسطين القدرة على حشد معارضة جماهيرية ضد الطبقات الحاكمة العربية، وطوال فترة السبعينيات ظلت الأنظمة غير مستقرة.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية تشكل قوة كبيرة في الأردن البلد المجاور لها. وكانت استراتيجيتها تكمن في العمل مع الأنظمة العربية. ولكن ضغط الهجمات العسكرية، وبدرجة أكبر من المجموعات اليسارية، أجبرها على التحرك ضد النظام الهاشمي الملكي في الأردن. قتل النظام الأردني آلاف الفلسطينيين بوحشية في عام 1970 في هجوم عُرِفَ باسم “أيلول الأسود”. وأوضح ذلك أن الأنظمة العربية على استعداد لمهاجمة الفلسطينيين من أجل إبقاء قبضتهم على السطة.

أبدى حافظ الأسد احتجاجه الدبلوماسي فقط، وذهب لمهاجمة المقاومة الفلسطينية في لبنان. وفي عام 1975 أرسل نظام الأسد قوات لسحق المقاومة الشعبية في بداية الحرب الأهلية اللبنانية. تكونت المقاومة من منظمة التحرير الفلسطسنية واليسار اللبناني وحركة العمال. وقد مكّن الهجوم السوري ميليشيات الكتائب اللبنانية الفاشية من القيام بمجزرة مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين.

عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان عام 1978، كان هدفها من الحرب هو طرد منظمة التحرير والمقاومة التي تعمل هناك. ولكن الخيانة السورية الواضحة جاءت أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. فقد دعمت إيلي حبيقة ليصبح الزعيم الجديد لميليشيات الكتائب.

المذبحة
قاد حبيقة مذبحة وحشية في مخيّمي صبرا وشاتيلا للاجئين في عام 1982. ولكن مع تحييد مصر، كان لإسرائيل القليل من الاهتمام لتوقيع اتفاقية سلام مع سوريا. اتبعت سوريا استراتيجية بناء العلاقات مع الغرب. فأيدت الحرب ضد العراق عام 1991. ولكنها حاولت تعزيز موقفها من خلال دعم حزب الله ضد إسرائيل.. أصبح دعم حركات المقاومة مستنداً على المصالح الجيوسياسية.

حاولت إيران تنصيب نفسها قائداً للدول الإسلامية وبطلاً للفلسطينيين. وأعطت دول الخليج أيضاً دعماً خطابياً لفلسطين، ولكنها سايرت الإمبريالية الأمريكية. حتى الطبقة الحاكمة الإيرانية كانت تنتوي تطوير علاقات مع حكومة المالكي الطائفية في العراق، وتعمل مؤخراً مع الولايات المتحدة ضد داعش.

أدت كل تلك الخيانات إلى اتفاقيات “عملية السلام” أوسلو في عام 1993، وأدت بمنظمة التحرير الفلسطينية لقبول “حل الدولتين”. وقد أعطى هذا أملاً هائلاً للفلسطينيين، ولكن السلطة الفلسطينية الجديدة تحولت إلى ألعوبة إسرائيل بتمويلها المشروط بدفع السياسات النيوليبرالية.

وبينما كان قادة منظمة التحرير الفلسطينية يتحركون نحو الخيانة، اندلعت الانتفاضة الأولى ضد إسرائيل. وقد تزامن ذلك مع احتجاجات وانتفاضات ضد السياسات النيوليبرالية في الأردن. أي أنه حين انتفضت الضفة الغربية ضد إسرائيل، انتفضت الضفة الشرقية ضد الهاشميين.

منذ ذلك الحين تفتت فلسطين إلى شظايا؛ فطرق المستوطنين تقطّع أرجاء الضفة الغربية، وأصبحت غزة سجناً مفتوحاً تحت الهجوم المستمر.

إن تاريخ فلسطين يوضح لماذا لا يمكن أبداً تحقيق الحرية بالاعتماد على الدبلوماسية والحكام الإقليميين. وهناك إمكانية لربط النضال من أجل تحرير فلسطين بالنضال ضد الأنظمة التي خانتها. تستطيع فقط انتفاضة للطبقة العاملة من أسفل في جميع أنحاء المنطقة أن تحرز الحرية لفلسطين.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 29 يوليو 2014 بجريدة العامل الاشتراكي البريطانية