تاريخ اللد والرملة.. مدنٌ في قلب الثورة الفلسطينية

احتشدت العصابات الصهيونية في المدن والبلدات الفلسطينية هاتفةً “الموت للعرب”. وقعت بعض أكثر أعمال العنف الصهيوني وحشيةً، واندلعت الاحتجاجات الفلسطينية في مدن اللد والرملة. في الوقت نفسه، وصف المراسلون الصحفيون والسياسيون التظاهرات الفلسطينية بـ”الغوغاء العربية”. فيما وصف عمدة مدينة اللد الاحتجاجات الفلسطينية بالمذبحة المنظمة.
في الحقيقة، واجه فلسطينيو اللد والرملة عقودًا من العنف والعنصرية بهدف إخراجهم من المدينتين وجعلهم أقلية. كانت اللد والرملة من المدن التي شهدت أكبر عمليات الطرد الجماعي وقت تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948.
كان من المفترض، وفقًا لقرار التقسيم الذي قسم فلسطين إلى جزئين، أن تكون اللد والرملة جزءًا من الدولة الفلسطينية الجديدة. ولكن عندما غادرت بريطانيا، التي كانت تحتل فلسطين، في عام 1984، شنَّ مؤسسو الكيان الصهيوني حملاتٍ لانتزاع الأراضي الفلسطينية بالقوة وطرد الفلسطينيين منها.
كتب ديفيد بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني، أن حدود الكيان ستُحدد بالقوة وليس بقرار التقسيم. ولكنه أراد أيضًا أن يكون الفلسطينيون أقليةً في أي أراضي يحتلها الكيان الصهيوني، إذ صرح: “الدولة المستقرة والقابلة للحياة هي فقط الدولة التي يشكل اليهود 80% من سكانها على الأقل”.
عيَّن بن غوريون إسحاق رابين، الذي أصبح لاحقًا رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ليكون أحد قادة غزو اللد والرملة. كتب رابين في إحدى اليوميات التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية سؤاله لبن غوريون عما يفعله مع الـ50 ألف فلسطيني المستسلمين، “فأشار بن غوريون بيده في تلميحٍ يعني قم بطردهم”.
ارتكب الجنود الصهاينة وقت غزو اللد مجزرةً استشهد فيها 426 فلسطيني منهم رجال ونساء وأطفال في أول أيام الهجوم. وفي اليوم التالي انتقلوا من منزل إلى منزل وطردوا عشرات الآلاف من الفلسطينيين خارج المدينة إلى الضفة الغربية.
وصف صحفيان دعتهما القوات الصهيونية للمشاهدة من جريدتيّ شيكاغو صن تايمز ونيويورك هيرالد تريبيون المجزرة. قال أحد الصحفيَّين: “عمليًا، لقد قتلوا كل شيء في طريقهم. كانت أشلاء الجثث ملقاةً على جانبي الطريق”. فيما قال الآخر: “تناثرت جثث العرب من رجال ونساء وحتى أطفال في أعقاب المجزرة التي تم ارتكابها بلا رحمة”.
ذكر سبيرو منيّر، الذي عاش في اللد في ذلك الوقت: “ذهب الجنود الصهاينة إلى المنازل في المناطق التي احتلوها، جمعوا السكان وطردوهم. امتلأت الشوارع بالناس المتجهين إلى مصيرٍ مجهول”.
أدت المذابح التي ارتُكِبت في اللد إلى استسلام الفلسطينيين في الرملة المجاورة. طُردوا أيضًا وأُخرجوا في طوابير إلى الضفة الغربية بلا ماء أو طعام.
لم يسمح الكيان الصهيوني لهؤلاء اللاجئين بالعودة قط. ومن يعيش هناك الآن هم أحفاد مئات الفلسطينيين القلائل الذين نجوا من عمليات التهجير. ورغم أن الكيان الصهيوني يمنحهم الجنسية، فإنه يحرص على إبقائهم أقليةً فقيرةً ومنعزلة.
ومع زيادة أعداد الفلسطينيين في اللد ببطء في السنوات الأخيرة، دعم الكيان الصهيوني الجهود المبذولة لجعلهم أقلية. انتقل المستوطنون الصهاينة إلى قلب مدينة اللد، مع أن نشاطهم الأساسي كان يتركز في بناء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. باعت حكومة الكيان الصهيوني الأراضي للمستوطنين بأسعار زهيدة في 2003، ودعمتهم لبناء حي متطور. ظلت الأحياء العربية القريبة فقيرة، ورفض سكانها الخروج. وبنت حكومة الكيان الصهيوني حوائط مصممة لفصل الأحياء الفلسطينية عن الأحياء الصهيونية.
أطلق صهاينة اليمين العنصري هجمات من منزل إلى منزل في تكرار لنفس أساليب الجيش للتطهير العرقي في 1948. ويتحسر السياسيون الآن على انهيار ما كان يسمى “نموذج التعايش في المدن المختلطة”!
الحقيقة أن الفلسطينيين عاشوا لعقودٍ في ظل نظام فصل عنصري، والهجوم عليهم ما هو إلا جزء من هذا النظام، والاحتجاجات الفلسطينية هي المقاومة.
* المقال بقلم نِك كلارك – جريدة العامل الاشتراكي البريطانية.