بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عفواً: الجيش لا يصنع ثورة!

بالرغم من المكاسب والإصلاحات الاجتماعية، والتي استفاد منها الملايين من الشعب المصري، من العمال والفلاحين والموظفين، وبالرغم من المناخ الوطني، الذي ساد في العهد الناصري بالعداء للاستعمار العالمي والصهيونية، فإن نظام 23 يوليو 1952 بمصادرته الحريات السياسية والنقابية أرتكب جريمة بحق جماهير الشعب المصري، حيث كانت الإصلاحات علوية بقرار من القائد، ومواجهة الصهيونية والاستعمار علوية بقرار من القائد، لقد كانت جريمة إعدام العاملان في كفر الدوار مصطفى خميس ومحمد بقري ، في أغسطس 1952، بعد شهر واحد من حركة الضباط، دليلاً على سياسة العسكر تجاه العمال، وكأنهم يقولون:

“المكاسب والإصلاحات بقرار علوي منا، وليس بحركة من أسفل منكم، حتى لو كانت حركتكم غير موجهة ضدنا، وموجهة ضد رأس المال المستغل” !!!

بالرغم من أن قوانين الإصلاح الزراعي، التي طبقت في العهد الناصري، كانت مكسباً إصلاحياً هاماً لمئات الآلاف من الفلاحين المصريين، حيث تم توزيع أراضي على الفلاحين، لكنهم لم يحصلوا على أية عقود ملكية لتلك الأراضي، رغم أنهم سددوا ثمن الأراضي على أقساط طوال عشرات السنيين، وحينما تم رفع الحراسة عن ممتلكات الإقطاعيين السابقين، سنت قوانين تلو قوانين لهذا الغرض، بدأ طرد الفلاحين من أراضيهم، في سراندو، وبهوت، ودكرنس، وغيرها، وأمام المحاكم لم يكن لديهم سندات ملكية، وتخلت عنهم هيئة الإصلاح الزراعي، تمتع الفلاحون بالأرض حينما أصدر القائد والزعيم قوانين للإصلاح الزراعي، وبموت القائد تبخرت القوانين، وطرد الفلاحين من الأرض.

حدث الشيء نفسه في القطاع العام الصناعي، حيث حاز العمال على مكاسب إصلاحية عديدة، لكن بموت القائد والزعيم تغيرت القوانين، وتم بيع القطاع العام، وداست عجلات الخصخصة الملايين، من كل زاوية، وفي كل شيء.

فالقائد الذي أمم المصانع هو من أمم التنظيم النقابي للعمال، وصادر حرياتهم، وجرم حق الإضراب، وحطم أية تنظيمات سياسية أو نقابية للعمال، وحرم الفلاحين من تشكيل اتحادات حرة للدفاع عن مصالحهم.

القائد صادر حرية اجتماع وتنظيم الجماهير، والعسكر هم البرج العاجي لصناعة القرار، ولا دور لشيء أسمه الجماهير، دورهم الوحيد هو مباركة القرار العلوي، وتنفيذ الأوامر العليا:

دُعيتُ للميدان !
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شان
أنا الذي أقصيتُ عن مجالس الفتيان :
أدعى إلى الموت .. ولم أدع إلى المجالسة!!)

الشيء نفسه في مواجهة الصهيونية والاستعمار، مجرد قرارات علوية، تلاها تحرك الجيوش النظامية، ولا مجال لتنظيم الجماهير في حرب شعبية، فكانت هزيمة 5 يونيو 1967، وكانت نكبة توقيع كامب ديفيد في 1978، ثم معاهدة الاستسلام في 1979:

قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر
في استعراض عيد الفطر و الجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهاراً)
لا تصنع انتصاراً.

إن ما حدث طوال الستون العام الماضية يثبت صدق المقولة التي تقول: “يا ميت ندامة على أمة ثورتها يعملها الجيش”.

رغم أنني أعرف أن “لو” تفتح عمل الشيطان، و أن كلمة “لو” لا محل لها من الإعراب الآن، لكنني مضطر لقولها، وملعون أبو الشيطان: ” لو استمرت الحركة الشعبية في الأربعينيات، واتسعت موجات الإضرابات، واتسع تمرد الفلاحين في كفر نجم وبهوت وغيرها، و سارت حركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز في طريقها، الذي بدأته في أوائل الخمسينات، وتعمق الطريق الذي بدأه الطلبة والعمال في “اللجنة التحضيرية للطلبة والعمال”، وتعمق مجرى النضال الشعبي، ولو لم يتم قطع الطريق عليه، لكان حال الجماهير والتاريخ في مصر مختلف كل الاختلاف، ولشق التاريخ مجرى آخر مجرى النضال من أسفل، مجرى القرارات التي تنبع من القاعدة الجماهيرية، مجرى استقلال الحركة الجماهيرية، وعدم تبعتها للعسكر”

لكن بدلاً من أن نفتح عمل الشيطان تعالوا نقول:

إن 23 يوليو تحتاج الآن لثورة جديدة، والثورة الجديدة والتغيير لازم يكون من أسفل، من تحت، من قلب الجماهير، مش من العسكر، أما تعليق الآمال على تحرك الجنرالات، ورجال المخابرات، والصراعات في كواليس السلطة يبقى خيبة ، خيبة كبيرة قوي، هذا الوهم الموجود في ذهن البعض، إذا حدث فمعناه أن تفقد الحركة الجماهيرية استقلالها، بل ربما تفقد وجودها ذاته، حيث لا يمكن أن تدخل كلمة “جيش” في جملة شعبية مفيدة، إلا إذا قلنا: “تجيش تقتلني”.