بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

في ذكرى كوميونة باريس

كوميونة باريس

كان الثامن عشر من مارس عام 1871 بداية كوميونة باريس؛ وهي المحاولة الأولى لتطبيق ديمقراطية العمال، أعادت الكوميونة بطريقة ثورية تمامًا تصميم حياة الباريسيين بشكل جذري مظهرين للعالم لمحة عن قوة العمال والديمقراطية.

الحرب والثورة

أعلنت فرنسا الحرب عام 1870 في ظل حكم نابليون الثالث على رئيس الوزراء اوتو فان بسمارك والأراضي البروسية المتحدة، ولكن سرعان ما تمت هزيمة الجيش الفرنسي على يد القوات البروسية الأفضل من حيث التسليح والتدريب. في الثاني من سبتمبر تم تحديد مسار القوات الفرنسية وسرعان ما تعرض نابليون وجيشه للحصار والأسر، عندما اجتاحت أخبار الحصار باريس في الرابع من سبتمبر اقتحم العمال الباريسيون قصر بوربون وأجبروا المجلس التشريعي على إعلان سقوط الامبراطورية، وبحلول المساء تم تأسيس الجمهورية الثالثة بقيادة حكومة الدفاع الوطني في قاعة البلدية.

كانت حكومة الدفاع الوطني التي تقودها مجموعة صغيرة من السياسيين البرجوازيين المحافظين، والتي تم تأسيسها لاستكمال جهود الحرب على بروسيا، تخشى من طبقة العمال والفلاحين أكثر من أي شيء آخر، وسرعان ما بدأت في رسم الخطط للاستسلام وترك البروسيين يدمرون عمال باريس. في التاسع عشر من سبتمبر أطلق الجيشان البروسيان بداية الحصار الطويل لباريس. استطاعت فرنسا أن تجمع عدة كتائب عسكرية داخل جدران باريس خلال الخمسة عشر يومًا ما بين انقلاب حكومة الدفاع الوطني وبداية الحصار، وبلغ عدد تلك الكتائب مجتمعة مع جموع الطبقة الدنيا من الباريسيين العاطلين عن العمل (الذين رفعوا السلاح لاحتياجهم الشديد لأي مصدر للدخل إلى جانب حكومة الدفاع الوطني، التي كانت أحد القلائل الذين يوفرون وظائف ذات راتب في المدينة) حوالي ثلاثمائة ألفًا.

أعلنت حكومة الدفاع الوطني استسلام باريس في الثامن والعشرين من يناير عام 1871 بعد أربعة أشهر طويلة من الحصار، وصل السياسي المحافظ “أدولف تيير” إلى السلطة بعد أن دفع خمسة مليار فرانك في تعويضاتٍ لبروسيا بينما قام بتمرير مجموعة من قوانين مرفوضة ضد الأغلبية الفقيرة، بما في ذلك قانون الاستحقاقات (الذي قضى بوجوب دفع كافة الإيجارات المستحقة والديون العامة داخل باريس التي تم تعليقها بسبب الحرب، خلال ثمانية وأربعين ساعة).

سلطة العمال

أرسل “تيير” في الثامن عشر من مارس الجنرال “لاكومت” بصحبة قواتٍ لنزع السلاح من العمال الذين يدافعون عن باريس في محاولة للاستيلاء على مدافع الحرس الوطني التي كانت تحرس تل مونمارتر الشمالي. دقت أجراس الكنيسة الإنذار وامتزجت أسراب من عمال وفلاحي وربات بيوت باريس وأطفالهم مع جنود الحكومة وقاموا بتشكيل حاجز، حينما أعطى “لاكومت” الأمر بإطلاق النيران على الحشود، رفض الجنود تنفيذ الأمر وقتلوه بدلًا من ذلك.

سرعان ما هرب معظم البرجوازيين الفرنسيين مع تيير والمجلس الوطني خوفًا على حياتهم من باريس إلى فرساي، ثم تبعتهم الآلاف من قوات الحرس الوطني، وفي الثامن عشر من مارس بدأت الحرب الأهلية، وأعلن البروسيون دعمهم وحمايتهم لبرلمان الحرس الوطني وأعلنوا هجومهم المجدد على باريس.

ولكن على النقيض أصبحت جماهير باريس سادة المدينة، ففي السادس والعشرين من مارس عام 1871 تم انتخاب كوميونة باريس – أول حكومة عمالية في أوروبا – في انتخابات مجلس محلي للعمال والجنود، وتم انتخاب لجنة مركزية للحرس الثوري، والتي أعلنت التالي:

“لقد أدرك بروليتاريو العاصمة في ظل فشل وخيانة الطبقات الحاكمة أن الساعة قد حانت لأن يقوموا بإنقاذ الموقف عن طريق تولي إدارة الشئون العامة بأنفسهم، إن العمال هم الذين يقومون بإنتاج كل شيء ولا يتمتعون بأي شيء، وهم الذين يعانون من الفقر بينما تتكدس المنتجات التي هي ثمرة عملهم وكدحهم، هل سيظل هؤلاء العمال دائمًا معرضين للانتهاك؟ لقد تحرر البرجوازيون منذ ثلاثة أرباع قرنًا وسبقوا في طريق الثورة، ألا يفهمون أن اليوم قد حان الوقت لتحرير البروليتاريا؟”.

بدأت اللجنة وهي رافعةً العلم الأحمر في تنظيم سكان المدينة البالغ عددهم اثني مليونًا، وقامت الحكومة الجديدة بخلق أجهزة سلطة جديدة معتمدة على سيطرة العمال المباشرة حيث يتم تنظيم المصانع كمجتمعات تعاونية، بدلًا من السيطرة على آلات الدولة القديمة. كما قامت بفصل الكنيسة عن الدولة، وحددت حد أقصى لراتب موظفي الكوميونة، وتحدت مؤسسات الهيمنة الذكورية، كما قال كارل ماركس موثقًا في مؤلفه “الحرب الأهلية في فرنسا”:

“بعد أن تم التخلص من الجيش والشرطة تم فتح كافة المؤسسات التعليمية للشعب بشكل مجاني، وتم تطهيرها في ذات الوقت من أي تدخل للكنيسة والدولة، وهكذا لم يتم إتاحة التعليم فقط، بل تم تحرير العلم ذاته من القيود التي فرضها عليه التحيز الطبقي والقوة الحكومية. كان من المفترض أن يتم تجريد الموظفين القضائيين من ذلك الاستقلال الزائف الذي ساعدهم على إخفاء خنوعهم الحقير لكل الحكومات المتعاقبة التي أقسموا لها بالولاء ثم حنثوا القسم، كان من المفترض أن يكون القضاة منتخبين ومسئولين ويمكن عزلهم مثل بقية الموظفين العموميين”.

الثورة المضادة

خلال الأيام المتبقية من شهر أبريل قام جيش فرساي ببناء جيشه بشراسة بينما يستمر في مناوشاته مع قوات الحرس الوطني، اندلعت احتجاجات تطالب بمسيرة فورية ضد فرساي بشكل متقطع، ولكن اقترب سقوط اللجنة المركزية بسبب رفضها مواجهة المشكلة كما طالب الشعب، كما كتب ماركس لاحقًا: “لقد جعلت اللجنة المركزية نفسها مذنبة بخطأ حاسم بعدم السير مرة واحدة ضد فرساي بمقاومتها لاستكمال الحرب الأهلية التي أشعلها تيير، ثم وجدت نفسها عاجزة تمامًا، مما وضع نهاية لمؤامرات تيير”.

بدأ المناهضون للثورة يتدفقون إلى باريس في الحادي والعشرين من مايو بعد عدة أسابيع من القصف من قبل قوات فرساي، قاتل العمال الباريسيون ورجال الحرس الوطني بشدة ولكن تم هزيمة كل حي بالمدينة بسبب عدم وجود دفاع مخطط حقيقي للمدينة، وتم إعدام أي سجين بحيازته سلاح أو يشتبه في اشتراكه في القتال. بسبب رفض تيير لأية مفاوضات مع الكوميونة أصبحت الأيام السبع اللاحقة أحد أكثر اللحظات ظلمةً في التاريخ الفرنسي، حيث تم ذبح ما يتراوح بين خمسة وعشرين ألفًا وثلاثين ألفًا من الطبقة العاملة فيما أصبح يعرف بالأسبوع الدامي، ومع إطلاق آخر رصاصة في الثامن والعشرين من مايو حدث التطهير واستعادة باريس، تم حفر مقابر جماعية في أنحاء المدينة، وسرعان ما تم إعادة بناء الأسوار وخطوط الدفاع التي كان سكان باريس قد بنوها وتوفوا أمامها خلال الحرب الأهلية، وظلت المدينة تحت حكم القانون العسكري للأعوام الخمس التالية.

الدروس المستفادة

لقد انبثقت الحركة الشعبية التي أشعلت ثورة 1871 عن الغضب من الطبقة الحاكمة والتوزيع غير العادل للثروة، اجتثت الثورة التي أسست أول حكومة عمالية المجتمع بطريقة لم تكن معروفة من قبل، وتوصلت خلال أقل من ستين يومًا إلى؛ حل الشرطة ومؤسسات حاكمة أخرى واستبدالها بكوميونة ديمقراطية جامعة بين السلطات التشريعية والتنفيذية، ومجالس عرضة للعزل الفوري، ودفع أجور العامل المتوسط. وكما قال أحد أعضاء الكوميونة: “لم نعد نسمع عن الاغتيال والقتل والاعتداءات الشخصية، يبدو أن الشرطة قد اصطحبت كل أصدقائها من المحافظين معها إلى فرساي”. وبينما فشلت الكوميونة في تحدي حكومة فرساي ودفعت الثمن النهائي، إلا أنها توضح لمحة مما يمكن تحقيقه بقوة العمال والديمقراطية.

* المقال منشور لأول مرة باللغة الإنجليزية في 18 مارس 2013 بموقع منظمة الاشتراكيين الأمميين بكندا