بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

كوبا: مائة عام على الاستقلال.. أربعين عام على الثورة

احتفلت كوبا الشهر الماضي بمضي أربعين عاماً علي ثورتها التي انتصرت في 1 يناير عام 1959. ومما لا شك فيه أن هذه الجزيرة الصغيرة القابعة علي بعد 80 ميل من السواحل الأمريكية قد أخذت مكاناً خاصاً في تاريخ النصف الثاني من القرن العشرين لاعتبارات كثيرة أهمها إنها تعتبر واحدة من المعاقل القليلة الآن التي تنتهج نظام رأسمالية الدولة وتعتبر أيضاً من الجيوب غير الكثيرة في العالم الصامدة أمام الإمبريالية المتمثلة في جارتها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد فرضت الولايات المتحدة حصاراً اقتصادياً شديداً علي كوبا منذ أربعين عاماً أدي إلي تدهور حاد في وضعها الاقتصادي خاصة بعد توقف المساعدات الاقتصادية القادمة من الاتحاد السوفيتي بعد سقوطه. وقد حاولت الولايات المتحدة ومازالت تحاول إزاحة النظام الحاكم الحالي في كوبا بحجة إعادة الديمقراطية إلي كوبا مرة أخري ولكن لا يخفي علينا، بالطبع، النوايا الأمريكية الحقيقية وراء ذلك وهي فرض السيطرة التامة علي جميع أنحاء أمريكا الوسطي واللاتينية علي اعتبار إنها الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية الذي يجب دفن كل من تسول له نفسه تحدي هذه السيطرة.

من الاستقلال إلى الثورة
كانت كوبا آخر بلدان أمريكا اللاتينية التي تحصل علي استقلالها من الاستعمار الإسباني عام 1898 بعد حرب دامت ثلاث أعوام. وقد أسالت تلك الجزيرة الصغيرة لعاب الولايات المتحدة الأمريكية في عصر توسعها نظراً لبعديها الاقتصادي والإستراتيجي. فعلي الصعيد الاقتصادي فإن الرأسمال الأمريكي كانت له أطماع كبيرة في كوبا خاصة في مجال إنتاج السكر. وعلي الصعيد الإستراتيجي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد لكوبا أن تصبح واحدة من سلسلة القواعد الحربية الأمريكية المنتشرة في البحر الكاريبي وأمريكا الوسطي لحماية المصالح الإمبريالية في الجنوب.

وبالفعل ما لبثت كوبا أن حصلت علي استقلالها إلا وكانت الولايات المتحدة تسرع بالتدخل في الأنشطة الاقتصادية والحياة السياسية في تلك الجزيرة. وعند مجيء عام 1902 كانت الولايات المتحدة تتحكم تماماً في البنك الوطني والخدمات والشرطة والرئاسة بالإضافة إلي ذلك فقد أدخلت عبارة في الدستور الكوبي تسمح للولايات المتحدة بالتدخل في أي وقت في كوبا إذا ما رأت أن الكوبيين يواجهون خطراً!!؟

وقد ازداد التدخل الإمبريالي الأخطبوطي الأمريكي في كوبا بشكل مطرد في خلال النصف الأول من هذا القرن. ففي عام 1926، كانت 63% من صناعة السكر في كوبا. تقع في أيدٍ أمريكية و75% من واردات كوبا تأتي رأساً من الولايات المتحدة. لم يكن، كما قلنا، التدخل الأمريكي في كوبا وقفاً علي النشاط الاقتصادي بل امتد، ربما بشكل أكثر استفزازا، في الحياة السياسية. فقد ساندت الولايات المتحدة بقوة الديكتاتور “جيراردو ما شادو” الذي جاء إلي الحكم عام 1927 واستمر حتى عام 1933 الذي يعتبر عام احتجاجات شعبية عارمة وحركات ثورية في كوبا. فقد احتل عمال السكر مواقع عملهم ودافعوا عنها بالسلاح، وقام عمال النقل العام بإضراب عام وأنشئت سوفييتات في بعض الأماكن كما كان للطلبة دور فعال في موجه الاحتجاجات الشديدة التي عمت البلاد.

وسقط نظام الديكتاتور “ما شادو” في 23 أغسطس وبين ذلك التاريخ وحتى 9 سبتمبر 1933 كانت البلاد تدار بطريقة رائعة من الجماهير. وفي 9 سبتمبر اختير “جراو سان مارتين” رئيساً للبلاد ولكنه استقال وجاء مكانه بعد أربعة شهور “باتيستا” ديكتاتور كوبا الشهير.

ولكن ماذا كان دور الحزب الشيوعي الكوبي في أحداث عام 1933، ذلك العام الذي كاد أن يكون نقطة تحول في تاريخ الاشتراكية الثورية في العالم. كان الحزب الشيوعي الكوبي يقوم بقيادة اتحادات العمال كما ساند أيضاً إضرابات العمال في بدايات العام ولكن مع تكوين الجماعات المسلحة بين جماعات العمال المضربين نادي الحزب الشيوعي علي العمال أن يوقفوا الإضراب العام ويعودوا إلي مواقع عملهم، كما لم يحاول الحزب الشيوعي الاستفادة من الصراع المتفجر آنذاك.

هذا هو باختصار الموقف الرجعي الذي اتخذه الحزب الشيوعي الكوبي من الصراع الحاسم عام 1933، وهذا بالطبع غير جديد علي كل الأحزاب الستالينية والتي دائماً تلعب دوراً رجعياً في كبح جماح الجماهير الغاضبة في ذروة ثورتها، وذلك الدور الرجعي من الستالينيين تكرر في كثير من البلاد بعد ذلك ولعل من الأمثلة الواضحة أيضاً ما حدث في فرنسا عام 1968 والدور شديد الرجعية الذي لعبة الحزب الشيوعي الفرنسي الستاليني في تهدئة ثورة العمال والطلبة ومناداة قياداته في العمال المضربين للرجوع إلي أعمالهم. وكان ذلك في سبيل بضعة مقاعد في البرلمان الفرنسي وعد بها “ديجول” الشيوعيين الفرنسيين إذا ما ساعدوه في إنهاء حالة الثورة بين العمال! وهذا هو السيناريو الذي تم…!!

عودة مرة أخري إلي كوبا، فبعد إجهاض المحاولات الثورية القوية التي حدثت في عام 1933 لم يكن للولايات المتحدة شيء أفضل من أن يحكم كوبا رجل مثل “باتيستا” الذي تولي مقاليد الحكم في الجزيرة معظم الفترات ما بين 1934 و 1959. رجعت مرة أخري الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة علي إنتاج السكر في الجزيرة كما اتسعت الاستثمارات الأمريكية في مجال السياحة في كوبا وأصبحت كوبا وخاصة هافانا، العاصمة، منتجعاً لاستجمام الرأسماليين الأمريكيين حيث يجدون أيضاً كثير من بيوت الدعارة المتاحة لهم.

في أثناء تلك الفترة المظلمة من تاريخ كوبا في ظل ديكتاتورية “باتيستا” التي ساندتها، وبقوة، الولايات المتحدة الأمريكية، ازدادت طبقة العمال بشكل كبير ولكن بسبب الموقف المخزي للحزب الشيوعي الكوبي الذي تحالف بشكل مخجل مع نظام “باتيستا”، لم تستطع الطبقة العاملة من لم شمل نفسها وتنظيم قيادتها لخلق 1933 أخرى. ومن هنا أصبحت غالبية حركات المقاومة لنظام “باتيستا” تأتي من خارج الطبقة العاملة خاصة من الطبقة الوسطي.

في نهاية الخمسينات أصبحت جماهيرية باتيستا منعدمة مما مكن الجماعة المسلحة الصغيرة التي كونها كاسترو في المكسيك عام 1956 وقادها هو و”شي جيفارا” إلى السيطرة على الحكم في بداية عام 1959. وقد ازدادت شعبية الحكومة الجديدة خاصة بعد أن عملت علي زيادة الأجور وخفض الأسعار وتحسين أوضاع التعليم والصحة. وقد أعلن النظام عام 1959 إن الثورة الكوبية ليست رأسمالية أو شيوعية إلا أن كاسترو أعلن عام 1961 أن كوبا سوف تتخذ الماركسية اللينينية منهجاً لها. وقد قطعت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية كل علاقاتها بكوبا وساندت محاولة إزاحة كاسترو التي قام بها بعض المعارضين له عام 1961 عند خليج الخنازير. وقد أممت الحكومة الجديدة في كوبا الكثير من الأراضي والتي كان يخضع الكثير منها للسيطرة الأمريكية مما جعل الولايات المتحدة تفرض حصاراً اقتصادياً كاملاً علي كوبا.

اتجه بعد ذلك كاسترو تماماً إلي الاتحاد السوفيتي. واصبح الاتحاد السوفيتي بعد فترة قصيرة متحكماً تمام التحكم في الاقتصاد الكوبي كما كانت الولايات المتحدة متحكمة قبل الثورة. فقد كان السوفيت يخططون الاقتصاد الكوبي ويملون علي الكوبيين ماذا يجب فعله في نظير إمداد كوبا بالقمح والبترول والأسلحة. وقد فشلت محاولات كاسترو لتنويع الاقتصاد الكوبي بسبب الأوامر السوفيتية وبقي السكر هو المنتج السائد. ارتبط التحكم السوفيتي في الاقتصاد الكوبي بتطابق وجهات النظر الدولية المختلفة. فقد أيدت كوبا الغزو الروسي عام 1968 لتشيكوسلوفاكيا وأصبحت أداة للاتحاد السوفيتي في أفريقيا لتطبيق سياساته.

من الواضح إذن إن ما فعلته الثورة في كوبا لم يكن تغييراً جذرياً في بنية المجتمع وإنما كان بشكل ما إزاحة هيمنة قديمة متمثلة في الولايات المتحدة والمجيء بسيطرة جديدة سوفيتية مع تغيير بعض أوضاع لعمال السكر وتحسين بعض الخدمات.

كوبا بعد أربعين عاما من الثورة
يخطئ من يقول إن كوبا مجتمع اشتراكي، فالاشتراكية تتضمن حكم العمال والديمقراطية ولكن لا هذا ولا ذاك يتم في الجزيرة الكوبية. إنما النظام الحاكم في كوبا لا يتعدى كونه نظاماً أخر من أنظمة رأسمالية الدولة مثل الاتحاد السوفيتي وكتلة أوروبا الشرقية. فكل القرارات في كوبا يتم اتخاذها من أعلي، أي من كاسترو ومجموعة البيروقراطية الحاكمة التي تكونت من قيادات الحزب وضباط الجيش والتي تعيش في رفاهية شديدة مختلفة تمام الاختلاف عن عامة الشعب. الانتخابات تتم عن طريق اختيار أشخاص من قوائم موافق عليها مسبقاً من الحزب الحاكم. بالإضافة إلي ذلك فقد لجأ النظام إلي قمع جميع معارضيه بما فيهم اتحادات العمال. كل ذلك إلي جانب تبني الحكومة الكوبية لمبدأ رأسمالي وهو استغلال العمال لمواكبة المنافسة العالمية. فأين وسط كل هذا الاشتراكية التي يتحدث عنها كاسترو وأين في كل هذا المذهب الماركسي اللينيني الذي يدعي إنه ينتهجه؟؟!

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وكوبا تواجه مشكلات عويصة ومتعددة، فالاتحاد السوفيتي كان يساند ويدعم كوبا بشكل واسع علي المستوي الاقتصادي، وبعد سقوطه توقفت تلك المساعدات وبدأت الأزمة. ففي السنوات الأخيرة دعت الحكومة الشعب لترشيد الغذاء وتم تسريح عدد كبير من العمال وبذلك ارتفعت نسبة البطالة بشكل مرعب.

وأصبحت سياسة النظام الكوبي حيال تلك الأزمة هي أن ينفتح علي السوق العالمي وبالفعل بدأت استثمارات بريطانية وأسبانية وفرنسية تقتحم كوبا وبدأت المنظمات الرأسمالية الضخمة ترجع بشكل أخطبوطي ليتزايد استعباد العمال وترجع الأوضاع شبيهة بما قبل 1959 خصوصاً بعد أن أصبحت هافانا مركزاً سياحياً مهماً لرجال الأعمال مرة أخرى وارتبط ذلك بانتشار الدعارة بشكل موسع مرة أخرى.

أخيراً نحن كاشتراكيين ثوريين نختلف تماماً مع كاسترو ونعرف جيداً إن نظامه لا يمت بصلة إلي الاشتراكية ولكننا لا نملك إلا أن نتضامن معه في صموده أمام الإمبريالية العالمية. ومما يدعو إلي الابتهاج الحقيقي بعيداً عن الفظاظة الأمريكية ونظام كاسترو هو الطبقة العاملة الضخمة التي نمت في أمريكا اللاتينية في العقود الماضية. وهناك بين أفراد الطبقة العاملة العملاقة في بلاد مثل المكسيك والبرازيل تقبع القوة الحقيقية التي بإمكانها التصدي للإمبريالية العالمية النضال من أجل تكوين مجتمع اشتراكي حقيقي.