بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الثورة والثورة المضادة في روسيا

تجمع غالبية فصائل اليسار المصري على أن سقوط الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية تعد بمثابة هزيمة كبرى لمشروع الاشتراكية وللنظرية الماركسية، ويعد ذلك انتصاراً كبيراً للإمبريالية الرجعية. وبعض هذه الفصائل تخلى كلية عن الماركسية وسعى باحثًَا عن نظريات وصيغ سياسية جديدة تتماشى مع النظام العالمي الجديد التغيرات الجذرية التي طرأت على شكل الإمبريالية “الثورات التكنولوجية” التي أحدثتها الرأسمالية ولم تتنبأ بها المركسية وأخيرًا فشل المشروع الاشتراكي”.

بينما البعض الذي كان يتمسك في الماضي ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية كمرحلة منفصلة عن الثورة الاشتراكية، وسابقة لها. هؤلاء لم يغيروا شيئًا من برامجهم، ولكنهم ببساطة بترو مشروع الثورة الاشتراكية حتى كهدف مستقبلي.

وآخرون ممن لا يريدون التخلي عن الماركسية ولكن غير قادرين على فهم التغيرات المهولة التي هزت جميع الثوابت التاريخية التي كانوا يستندون إليها، يعيشون الآن فترة متأزمة من التخبط والإحباط. ولكن السمة العامة لجميع تلك الفصائل تتمثل في نظرتها لما حدث في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية بوصف هزيمة الاشتراكية وانتصار للرأسمالية.

ومن البديهي أن تكون هذه هي مواقف فصائل اليسار!! فإذا كان الاتحاد السوفيتي دول اشتراكية، عند البعض، أو دول “عمالية منحطة” أو ما بعد رأسمالية عند آخرون، وقد تحولت الآن، أو في طريقها للتحول، إلى الرأسمالية فلابد أن نعتبر ما يحدث بمثابة ثورة مضادة أو على الأقل ردة سياسية واجتماعية عنيفة.

أما تيارنا فيطرح تصورًا مغاير تمامًا لكل تلك التصورات المأساوية والمغلوطة التي يتبناها يسارنا. فنحن ترى أن ما حدث في روسيا وأوربا الشرقية من انهيار للبيروقراطيات أوهام الستالينية لا يمكن للاشتراكية، فهذه الستالينية كانت تقف عائقًا ضد الثورات العمالية وضد تطور الاشتراكية الثورية كما ظهر في الدور السوفيتي في قمع ثورة المجر 1956 وحركة العمال في بولندا في 56 وألمانيا الشرقية في 1953 وأخيرًا تشيكوسلوفاكيا في 1968. وكذلك دور الحزب الشيوعي الفرنسي في إجهاض حركة العمال في 68 والدور المتخاذل للأحزاب الستاليية في معظم التحركات الجماهيرية الثورية منذ الثلاثيات وحتى الآن.

إن موقفنا هذا يعتمد على تحليل ماركسي ثوري لتطور روسيا وأوروبا الشرقية يتكون من أربعة عناصر:

  1. كيف ولماذا هزمت ثورة 1917؟
  2. كيف ومتى حدثت الثورة المضادة؟
  3. ما هي طبيعة رأسمالية الدولة في روسيا؟
  4. وأخيراً، لماذا سقطت رأسمالية الدولة الروسية وما يعني هذا لنا كاشتراكيين ثوريين.

1-هزيمة الثورة:
استطاعت الطبقة العاملة الروسية أن تحطم الدولة البرجوازية وتخلق سلطتها البديلة من خلال المجالس العمالية – السوفيتيات – بقيادة البلاشفة، ولكن الدولة العمالية الوحيدة نشأت في بلد متخلف نسبيًا، فنسبة العمال الصناعيين لم تتجاوز 3% من السكان، بينما كانت الغالبية العظمى من الفلاحين.

نجحت الثورة البلشفية في كسب تأييد الفلاحين، ولكن هذا التأييد كان بطبيعة قصير المدى، فقد كان هدف الفلاحين الرئيسي هو الاستيلاء على الأرض بينما كان هدف العمال القضاء على الرأسمالية وبناء دولة عمالية، معادية بطبيعة الحال لكل أشكال الملكية.

ومن جانب آخر بدأت القيادات القديمة للجيش القيصري، وبدعم من الدول الإمبريالية، في تنظيم حملة عسكرية ضد الدولة العمالية في 1918 وكانت هذه هي بداية الحرب الأهلية.

في ظل هذه الظروف الصعبة وقفت الدولة العمالية معزولة بدون نصير، فالسلطة العمالية محاطة بريف متخلف ومعاد للثورة وحصار من القوى الامبريالية وحرب أهلية عنيفة.

طرح كارل ماركس في كتاب الايدولوجيا الألمانية: “أن الثورة العمالية إذا حدثت في غير البلاد الرأسمالية المتقدمة فستكون النتيجة تعميم الحاجة ومع الحاجة يعود الصراع القديم على ضروريات الحياة ويعود الوضع بالضرورة للعفن القديم.”

لم يكن البلاشفة غافلين عن هذه الحقيقة ولم يكونوا مثاليين في توقعاتهم ولم يتصوروا في أي لحظة أن الثورة من الممكن أن تنجح وتستمر في بلد واحد، وخاصة في بلد متخلف نسبيًا مثل روسيا. فقد كانت إستراتيجية البلاشفة تعتمد على أن تكون الثورة في روسيا (وهي أضعف الحلقات في السلسلة الامبريالية) الشرارة التي ستشعل سلسلة من الثورات العمالية عبر أوربا وقد أعلن لينين هذه الحقيقة مراراً، ففي يناير 1918 أشار إلى أنه: “بدون ثورة في ألمانيا سيكون مصيرنا الحتمي هو الفشل.” وعلى هذا الأساس أنشأ البلاشفة الأممية الشيوعية في مارس 1919 بهدف نشر الثورة العمالية في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدمًا. واستطاعت الدولة العمالية قطاعات واسعة من الحركة العمالية الأوروبية.

وفي الواقع لم تكن هذه الإستراتيجية مثالية كما ادعي البعض، فقد انتشرت الثورة بالفعل وقامت السوفيتيات (مجالس مندوبي العمال) في ألمانيا والمجر والنمسا، وأحتل العمال المصانع في إيطاليا، وقام عمال بريطانيا بأكبر إضرابات جماهيرية في تاريخهم ولكن هذه الموجة الثورية التي اجتاحت أوروبا (1918 – 1923) لم يكتب لها النجاح وتم حصارها وهزيمتها، وبهذا انعزلت الدولة العمالية في روسيا. وسنتناول تفاصل تلك الحقبة في مقالات قادمة.

في ظل هذه الظروف المدمرة من عزلة عالمية وتخلف البنية الاقتصادية وعداء الفلاحين كان تراجع الثورة حتميًا رغم انتصار البلاشفة في الحرب الأهلية. فقد أدت هذه الظروف إلى تقلص الصناعة ونقص عدد العمال الصناعيين من 3،024،000 في 1917 إلى 1،243،000 في 1931 وبدأت القاعدة الاجتماعية للدولة العمالية في التلاشي.

وفي 1921 تبنى الحزب البلشفي السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) والتي أعيد من خلالها آليات السوق في محاولة لاجتياز الأزمة، كان الغرض من هذه السياسة إرضاء الفلاحين وتأمين المؤن الغذائية للمدن، ووصف لينين هذه السياسة بأنها “تراجع مؤقت في ضوء تأخر الثورة العمالية.”

وفي 1924 وبعد وفاة لينين ظهرت ثلاث اتجاهات رئيسية واضحة المعالم داخل الحزب البلشفي نفسه.

أولاً: اتجاه يميني بقيادة بوخارين يدعو لتعميق سياسة النيب وجعلها سياسة ثابتة للدولة. وكان هذا الاتجاه يعبر عن فئة “رجال النيب” داخل الحزب وعن الفلاحين الأغنياء.

ثانيًا: اتجاه المعارضة اليسارية بقيادة تروتسكي والذي دعي للتمسك بالاتجاه الأممي للحزب والنضال من أجل امتداد الثورة إلى البلدان الرأسمالية المتقدمة مع الديمقراطية العمالية وتطويرها. كان هذا الاتجاه يعبر عن ما تبقى من العناصر الثورية في المجالس العمالية في بتروجراد وموسكو.

ثالثًا: اتجاه يتمثل في بيروقراطية الدولة جمع بين أجزاء من البيروقراطية القيصرية القديمة وبيروقراطية الحزب والتي تضخم دورها بعد فناء وتشتت الجزء الأكبر من الطبقة العاملة الصناعية. في البداية، تميز هذا الاتجاه، والذي تزعمه ستالين، بدرجة عالية من الوسطية، فكان يتأرجح بين اليمين واليسار حسب توازن القوى في الدولة والحزب ولكنه استطاع، من خلال تركيز السلطة في أيدي ستالين والضعف الشديد للاتجاهين الآخرين، أن يدمر المعارضة اليسارية في 1927 ثم اليمين البوخاريني في 1928.

بحلول منتصف عام 1928 كان قد قضي على كافة مظاهر الديمقراطية العمالية، وانتقلت السلطة السياسية بالكامل من أيدي الطبقة العاملة إلى أيدي البيروقراطية الستالينية.

2-الثورة المضادة:
أن مفهوم الثورة والثورة المضادة يستخدمان في التراث الماركسي للتعبير عن انتقال السلطة السياسية من أيدي طبقة اجتماعية بعينها إلى أيدي طبقة نقيضه. في 1917 انتقلت السلطة السياسية بالفعل من أيدي البرجوازية الممثلة في الحكومة الانتقالية إلى أيدي الطبقة العاملة الممثلة في السوفيتيات. وفي الفترة من 1924 – 1928 انتقلت السلطة بالكامل من أيدي السوفيتيات العمالية إلى البيروقراطية التي اعتمدت على قهر واستغلال العمال في تنفيذ برامجها. قامت البيروقراطية بالدور التاريخي للبرجوازية والذي لم تستطع البرجوازية التقليدية في روسيا القيام به وهو تحقيق التراكم الرأسمالي البدائي.

اعتمدت إستراتيجية التراكم في الخطة الخمسية الأولى على عنصرين أساسيين:
أولا: التجميع القهري للريف من خلال تدمير الكولاك كطبقة اجتماعية ودفع الفلاحين بالقوة للدخول في المزارع الجماعية، ولتحقيق هذا الهدف تعرض الفلاحون لدرجات من القهر غير مسبوقة تاريخيًا، فتم نقل أكثر من مليون عائلة فلاحية إلى معسكرات العمل الإجباري ولقي الملايين مصرعهم في المجاعات الناتجة عن تلك السياسات.

ثانيًا: الإسراع في رفع معدلات التصنيع، فتضمنت الخطة الخمسية الأولى زيادة في الإنتاج الصناعي قدرها 244% لم يأت الفائض الذي استخدمه ستالين في تحقيق مثل هذه المعدلات يدعي الكثيرون، فقد خرب الفلاحون الأرض وذبحوا جزء كبير من الحيوانات كجزء من مقاومتهم لسياسة التجميع القهري، واضطرت الدولة لاستثمار الملايين في الميكنة الزراعية لاستبدال تلك الحيوانات، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل عشوائي بين 1928 – 1932 ولم تستطع الدولة التحكم في ذلك.

ما حدث فعليًا خلال الخطة الأولى هو انتقال الفائض من المدن إلى المدن إلى الريف وأي مقارنة سريعة لحجم الاستثمارات في الزراعة من جانب وحجم العائد الزراعي من جانب آخر ستظهر بديهية هذه المقولة.

أعتمد ستالين أساسًا على تكثيف استغلال الطبقة العاملة وتحويل نظام الإنتاج إلى نظام قمعي مما مكنه من استخراج فائض القيمة الهائل الذي كان يحتاجه من أجل تحقيق الخطة.

يمثل التحول الاجتماعي الاقتصادي الذي أحدثته الخطط الخمسية المتتالية بين 1928 – 1940 نموذج لما أسما ماركس بالتراكم الرأسمالي البدائي، وقد مرت دول أوروبا الغربية بتطورات مشابهة مع فارق أن هذه التطورات استغرقت مائة عام لدول أوروبا بينما أنجزت في روسيا في أقل من 15 عام.

3- رأسمالية الدولة البيروقراطية في روسيا:
لماذا نعتبر النظام البيروقراطي الذي نشأ منذ أواخر العشرينات في روسيا نظام رأسمالية دولة وليس نظام “دولة عمالية منحطة” أو شكل ما من أشكال “ما بعد الرأسمالية”؟ يعتمد هذا الموقف على معارين أساسيين سنتعرض لهم سريعًا.

أولاً: المعيار الاقتصادي يتم تحيد نمك الإنتاج الرأسمالي على أساس صفتان أساسيتان: 1) سلعية العمل المأجور، وفيما يتم انفصال قوة العمل عن وسائل الإنتاج وتحولها إلى سلعة يقوم العامل ببيعها من أجل البقاء.

2) التراكم التنافسي لرأس المال، أي استثمار الجزء الأكبر من فائض القيمة المستخرج من عملية الاستغلال في توسيع وتطوير رأس المال، الأمر الذي يحتمه الصراع التنافسي بين الوحدات الرأسمالية المختلفة (أفراد أو شركات أو دول). تنطبق هذه الصفات بشكل كامل على الاتحاد السوفييتي بداية من أوائل الثلاثينات

تتبنى غالبية فصائل اليسار موقف خاطئ بخصوص سلعية العمل المأجور؛ فهم يرون أن قوة العمل في روسيا لم تكن سلعة طالما كانت الدولة هي الشاري الوحيد لها. والخطأ في هذا التصور هو أن روسيا لم تكن مصنعًا واحدًا تملكه الدولة ويتم التعيين المباشر لكل العاملين فيه. كان النظام الإنتاجي في الاتحاد السوفيتي مقسمًا إلى شركات متعددة ومتنوعة. وكانت هذه الشركات تتنافس، بيروقراطيا، على معدلات الإنتاج وتسعى لجذب العمال الأكثر مهارة وإنتاجية. أدي ذلك إلى تنقلات كثيرة للعمال؛ فالعمال الصناعي المتوسط في روسيا كان يغير عمله كل ثمان شهور في عام 1930 وكل ثلاثة عشر شهرًا في كان 1939. وكانت الأجور تحدد من قبل مديري الوحدات المختلفة بناء على مدى احتياجهم لجذب وإبقاء العمال.

أما بالنسبة للتراكم التنافسي، فخلال فتره الثلاثينات حدثت تحولات كبيرة في الأولويات الاقتصادية، فسقط معدل إنتاج السلع الاستهلاكية من 67،2% عام 1927 إلى 32،8% عام 1940 وفي نفس الفترة قفز معدل السلع الإنتاجية من 33% إلى 61%. وكما هو واضح، فقد تحولت الأولوية من الاستهلاك إلى الاستثمار الصناعي.

أن الحافز الأساسي للتراكم الرأسمالي أو لرأس المال هو التنافس بين الوحدات الرأسمالية المختلفة، وعلى الرغم من أن السوق التنافسي داخل الاتحاد السوفيتي قد تقلص لدرجة كبيرة خاصة خلال الخطة الخمسية الأولى، فقد حل التنافس العسكري مع الغرب محل التنافس الاقتصادي في السوق. لم يحدث هذا في روسيا فحسب بل أتجه الاقتصاد العالمي ككل إلى المنافسة العسكرية وسيطرة الدولة خاصة بعد الأزمة العالمية في نهاية العشرينات وما أحدثته من انكماش شديد في السوق العالمية.

في هذا السياق بدأت الدول الإمبريالية في التحول بدرجات متفاوتة إلى رأسمالية النازية وفي الولايات المتحدة في عهد روزفلت وكذلك في اليابان وبريطانيا وفرنسا، مع اختلاف الأشكال التي سارت عليها تلك التحولات.

وهكذا فقد انطبق على روسيا الشرطين الاقتصاديين الأساسيين لنمط الإنتاج الرأسمالي: سلعية العمل المأجور والتراكم التنافسي.

ثانيًا: المعيار الاجتماعي تعرف الماركسية الطبقة الاجتماعية باعتبارها جماعة من البشر تتحدد اجتماعيًا بموقعها من عملية الإنتاج.

إذا نظرنا للخريطة الاجتماعية في روسيا منذ الثلاثينات سنجد جماعتين واضحتي المعالم ومتناقضتين، البيروقراطية الحاكمة؛ وهي أقلية صغيرة تسيطر بشكل كامل على عملية الإنتاج، وتحتكر دون منازع تحديد نوعية وكمية وكيفية الإنتاج، تحدد الخطة الإنتاجية، تحدد مسار الفائض المنتج بين إعادة الاستثمار والتوزيع. هي بدون شك طبقة رأسمالية واضحة المعالم.

أما الجماعة الثانية، وتمثل الأغلبية داخل المجتمع، هي جماعة المنتجين المباشرين وتتكون من عمال المصانع والمزارع ومعسكرات العمل الإجباري، المغتربة و الفاقدة لأي سيطرة على العملية الإنتاجية، جماعة يتم استغلالها لاستخراج فائض القيمة اللازم للتراكم الرأسمالي، أيضًا طبقة عاملة واضحة المعالم.

يعتمد المناصرين للاتحاد السوفيتي (سابقًا) على مقولة واهية في الرد على الطرح السابق وتتمثل في أن الرأسمالية تعتمد بشكل أساسي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونما أن الدولة هي التي كانت تملك وسائل الإنتاج فهذا يعني أن الدولة السوفيتية تمثل نموذج متجاوز للرأسمالية!!!

ولكن الماركسية تحدد علاقات الإنتاج ونمط الإنتاج على أساس طبيعة عملية الإنتاج. والملكية الخاصة ليست إلا شلك قانوني يعكس السيطرة على وسائل الإنتاج وعلى عملية الإنتاج. وما يحدد طبقية مجتمع من عدمها هو السيطرة على وسائل الإنتاج من قبل أقلية، وليس الأشكال القانونية التي تعبر على تلك المسيطرة.

4- الانهيار والمستقبل:
أن انهيار رأسمالية الدولة في روسيا وأوروبا الشرقية ودول العالم الثالث التي تبنتها كان سببه الأزمة الاقتصادية التي مرت بها تلك البلدان. كلنا نتفق على ذلك ولكن لو أخذنا بالتحليل المطروح أعلاه سنستطيع فهم كيف، ولماذا حدثت تلك الأزمة؟

خرج النظام الرأسمالي العالمي من أزمة نهاية العشرينات من خلال تنامي دور الدولة في الاقتصاد وبالتسليح. ووصلت تلك الموجة لقمتها في فترة الحرب العالمية الثانية حيث أصبح الإنتاج لحربي الذي تهيمن عليه الدولة هو المحرك الأساسي للاقتصاد.

وأستمر هذه السياسة حتى بعد انتهاء الحرب وظلت هيمنة الدولة على الاقتصاد والإنفاق على السلاح يمثلان عنصرين أساسين في الاقتصاد العالمي، وشهد الاقتصاد العالمي، وشهد الاقتصاد العالمي، شرقًا وغربًا، ازدهار غير مسبوق في الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الستينات ولكن هذا الازدهار النمو توقف في أوائل السبعينات ودخل النظام العالمي أزمة جديدة طويلة المدى.

في الغرب أدت الأزمة إلى التحول البطيء بعيدًا عن تدخليه الدول باتجاه العالمية في الإنتاج وفي التداول من خلال الشركات متعددة الجنسيات مما خفف لبعض الوقت من حدة الأزمة.

أما في الشرق، فلم تتمكن روسيا وحلفائها من تنفيذ مثل هذا التحول وكانت النتيجة أن هبطت الكفاءة الإنتاجية النسبية في الكتلة الشرقية بشكل سريع وهبطت معها معدلات النمو والتي أصبحت بالسالب مند أوائل الثمانينات، الأمر الذي أدى إلى انهيار حكومات الكتلة الشرقية تباعًا في أواخر الثمانينات.

أن ما يحدث في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ليس تحولاً من الاشتراكية إلى الرأسمالية، ولكنه تحولاًً من رأسمالية الدولة البيروقراطية إلى رأسمالية الشركات متعددة الجنسيات – أي الرأسمالية العالمية.

لقد أصبح العالم حلبة صراع لعدد كبير من الأقطاب الرأسمالية المتناحرة، وأيضًا حلبة للصراع الطبقي فنحن نعيش عصر حروب وثورات مماثل للفترة بين 1914 و1930 ولكن ما يميز الفترة الحالية هو التطور الكمي والكيفي للطبقة العاملة العالمية والإمكانية الحقيقة التي يطرحها ذلك التطور لنجاح الثورة الاشتراكية العالمية.

الأزمة في مصر:
في أعقاب زلزال أكتوبر الماضي، خاصة جمع التبرعات أو إعادة التسكين.

ظهرت كذلك في الآونة الأخيرة درجة عالية من التخبط في السياسات الدعائية للنظام، فقامت جهة حكومية ما بوضع مئات الصور الدعائية المعادية للحركة الإسلامية في الميادين والشوارع الرئيسية في العاصمة، وبعد أسبوع قامت جهة حكومية أخرى بنزع الصور كلها.

هذا بالإضافة لخلافات أكثر عمقًا في أسلوب وإستراتيجية الحكم في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمعارضة الإسلامية، بين الرئاسة والحكومة وقيادات الجيش والشرطة والسفارة الأمريكية والبنك الدولي.

هذه الانقسامات داخل دائرة الحكم في مصر تشبه كثيرًا الانقسامات الحادة التي حدثت في بلدان أوروبا الشرقية وفي الكثير من دول أمريكا اللاتينية في فترات ما قبل الانقلابات العسكرية.

رد فعل الجماهير:
اتخذ رد الجماهير على هجمات النظام شكلين أساسيين في الفترة الأخيرة. يتمثل الأول في الهبات العفوية التي انفجرت في ادكو وأبو حماد في العام الماضي. فقد كانت هاتين الهبتين نموذجًا مصغرًا لما حدث في انتفاضة 1977، فقد هاجمت الجماهير أقسام الشرطة ودمرتها ثم توجهت إلى المؤسسات والمباني الحكومية وقامت بحرقها ولم تستطع الدولة السيطرة على الموقف إلا بإنزال الآلاف من جنود الأمن المركزي في المنطقتين.

الشكل الثاني يبرز بوضوح في الإضرابات العمالية في مصانع القطاع العام الكبرى، فمنذ منتصف الثمانينات ونحن نشهد صعودًا بطيئاً ولكن أكيدًا للحركة العمالية المصرية. يؤكد اندلاع مثل هذه الهبات والإضرابات أن الجماهير لم تعد تقبل الظروف التي يفرضها النظام.

الثورة القادمة في مصر:
أن الظروف الحالية في مصر لا يمكن أن تؤدي إلا لأحد تطورين: أما باستيلاء الحركة الإسلامية على السلطة من خلال انقلاب عسكري أو غيره، ولن يعني هذا سوى المزيد من القهر للجماهير حيث لن الحكم الإسلامي حل الأزمة البنيوية للرأسمالية في مصر وسينقلب بالضرورة على الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين. أما البديل الثاني فهو قيام ثورة عمالية تقود فيها الطبقة العاملة جميع المقهورين للإطاحة بالنظام البرجوازية الحاكم وبناء دولة عمالية.

ولكن هذه الثورة لا يمكن أن تنجح إلا بوجود حزب عمالي ثوري يقوم بتنظيم وقيادة الطبقة العاملة. أن المهمة الملقاة على عاتقنا اليوم هي مهمة بناء ذلك الحزب العمالي الثوري.

وهذا الحزب سينشأ متخلصًا من الأوهام حول ماهية الاشتراكية، عن طبيعة النظم التي انهارت في روسيا وأوروبا الشرقية، متخلصًا من كل شوائب وكوارث، الستالينية. وأخيراً، حراً من الخرافات القومية التي طالمًا هيمنت على فصائل اليسار المصري. أن بناء الحزب العمالي الثوري هو الطريق الوحيد لنجاح الثورة القادمة.