بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

انتفاضة فبراير 1946.. القوى السياسية والمسألة الوطنية

في فبراير 1946 انفجرت انتفاضة شاملة في أغلب مدن مصر الكبرى تعبيرًا عن فقدان الطبقات الحاكمة سيطرتها على جموع العمال والطلاب والفقراء في مصر نتيجة لعجزها الواضح عن إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية فقد تفككت الأحزاب القديمة التي تعبر عن هذه الطبقات وعلى رأسها حزب الوفد وظهرت للوجود قوة جديدة كانت إحدى الدلائل على اختمار خبز الانتفاضة ونضوجه. تمثلت هذه القوى في الحركة العمالية والطلاب ورغم أن النظام الاجتماعي القائم آنذاك كان عاجزًا عن حل المشاكل الأساسية لتطور البلاد وعلى رأسها القضية الوطنية (الاستقلال)، وأن الغالبية العظمى من المصريين كانت تعيش في بؤس وتعاسة ظاهرين من جراء السياسات الطبقية التي طبقتها حكومات الأقليات المتحالفة مع المستعمر البريطاني والملك وأعلنت عدائها للنظام القائم عبر الإضرابات العمالية الواسعة النطاق والمظاهرات الطلابية فإن هذه الأغلبية كانت لا تملك أهدافًا واضحة أو طرق كفاح موضوعية أو قيادة سياسية تؤدي غلى النصر بصورة واعية ولذلك خمدت انتفاضة فبراير 1946 سريعًا.

اللجنة الوطنية للعمال والطلبة
اندلعت في التاسع من فبراير مظاهرة حاشدة ضمت عدة آلاف من الطلاب إثر عقد مؤتمر طلابي في جامعة القاهرة وصدور قرارات تطالب بوقف المفاوضات مع البريطانيين وجلاء القوات البريطانية فورًا عن مصر والسودان سار الطلاب في اتجاه قصر عابدين لتقديم قراراتهم للملك فاروق، وبينما كانت المظاهرة تعبر كوبري عباس فتحت قوات الجيش والشركة الكوبري وهاجمت المتظاهرين. وسقط العديد من الطلاب في النيل وأصيب أعداد كبيرة منهم بجروح وأثار هذا الحدث غضبًا شعبيًا هائلاً في مختلف مدن مصر أسفر عن زيادة حدة المظاهرات في الأيام التالية من 10 فبراير حتى الرابع من مارس. وخلال هذه الأيام القليلة من شهر فبراير تجذرت حركة الطلاب وأخذت مضمونًا طبقيًا جديدًا كان أوضح تعبيرًا عنه هو تشكيل اللجنة الوطنية للعمال والطلبة يوم 18 و 19 فبراير بعد سلسلة اجتماعات شارك فيها ممثلون عن اللجنة الوطنية للطلاب التي تشكلت في صيف عام 1945 من عناصر نشطة وفدية وماركسية وإخوان مسلمين وممثلون من اللجنة الوطنية العامة لعمال شبرا الخيمة وعمال المطابع ومؤتمر نقابات الشركات والمؤسسات الأهلية واللجنة التحضيرية لمؤتمر نقابات مصر ورابطة العمال المصرية ودعت اللجنة للعمال والطلبة إلى إضراب عام يوم 21 فبراير أطلق عليه اسم “يوم الجلاء” وفي ذلك اليوم تجمع حشد يضم حوالي 100000 شخص بينهم 15000 عامل من شبرا الخيمة وحدها (كان عمال نسيج شبرا الخيمة بارزين بصفة خاصة في هذه الحركة) واصطدمت قوات الاحتلال البريطاني بهذه الجموع المحتشدة وأسقطت 23 متظاهرًا قتيلاً و 121 جريحًا وفي اليوم التالي دعت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة للقيام بإضراب عام ثان في الرابع من مارس أطلقت عليه اسم “يوم الشهداء”. ورغم أن مظاهرات 4 مارس كانت محدودة داخل القاهرة إلا أن أماكن أخرى مثل الإسكندرية والمحلة شهدت اشتباكًا بين حشد كبير من المتظاهرين وبين القوات البريطانية سقط فيها 28 متظاهرًا قتيلاً و 342 آخر جريحًا وأغلقت الصحف والمصانع والمتاجر والمدارس أبوابها احتجاجًا في مختلف أرجاء مصر وكان أكبر إضراب في المحلة الكبرى حيث توقف 25 ألف عامل عن العمل في شرك مصر للغزل والنسيج.
مستوى الصراع الطبقي في بداية 1946

شهدت الصناعة المصرية خلال فترة الحرب العالمية الثانية نموًا كبيرًا فقد تسبب انقطاع المواصلات مع أوروبا في زيادة طلب الجيوش الأجنبية الموجودة بمصر ومنطقة الشرق الأوسط على المنتجات المحلية وتسبب من ناحية أخرى في حماية هذه المنتجات من المنافسة الأجنبية. وخلال هذه الفترة حققت الرأسمالية نموًا كبيرًا وتراكمت أرباحها.

كان لظهور صناعة رأسمالية واسعة النطاق خلال فترة الحرب وما قبلها أثر حاسم على حجم الطبقة العاملة المصرية وخصائصها ووعيها العام وأساليب تنظيمها ومواقفها السياسية فقد أدى ارتفاع تكاليف المعيشة إلى نمو حركة العمال الاحتجاجية المطالبة برفع الأجور وبحق إنشاء النقابات. وتحت ضغط العمال اعترفت حكومة الوفد عام 1942 بحق التكوين النقابي وذلك كجزء من سياسة الاحتواء والتهدئة الاجتماعية التي اتبعها الوفد في هذه المرحلة التي كانت تموج بالاضطرابات بسبب تردي الظروف المعيشية وعجز غالبية المصريين عن توفير الموارد الضرورية للعيش حيث تحملت الطبقة العاملة وجموع الفقراء أعباء التوسع الرأسمالي بكاملها. فبرغم زيادة الأجور اليومية للعمال بنحو 113% خلال الحرب فإن تكاليف المعيشة زادت بنسبة 193% في الفترة ذاتها الأمر الذي يعني أن أجور الأغلبية العظمى من العمال في قطاع الصناعة (حتى أولئك الذين يحصلون على أفضل الأجور) يعيشون في مستوى الكفاف وكانت النتيجة الحتمية لهذا الوضع هو تفجر الصراع الطبقي بشكل لم يسبق له مثيل في مصر.

من ناحية أخرى ساهم التوسع الرأسمالي في نمو عدد المتعلمين. فقد سعت الرأسمالية المحلية الناشئة تحت ضغط حاجتها لمهندسين ومحاسبين وفنيين وإداريين للضغط على الحكومة للتوسع في التعليم الجامعي وقبل الجامعي وتحديث التعليم بشكل عام بما يتلائم مع احتياجاتها. ومن ثم تزايدت أعداد الطلاب المقبولين في المدارس والجامعات بشكل كبير، وانتمى أغلب هؤلاء الطلاب إلى أسر الشريحة الوسطى من ملاك الأراضي في الريف. وكان هؤلاء الطلاب يعيشون عند مستوى الكفاف مثلهم مثل العمال لضعف المصروفات التي كانت ترسلها لهم أسرهم.

وبنهاية الحرب العالمية الثانية انخفض طلب الجيوش الأجنبية على السلع المصرية وبدأ استيراد السلع الأجنبية من الخارج الوضع الذي أدى إلى إغلاق الكثير من المصانع وواجه ربع عدد العمال (البالغ 1.3مليون) البطالة دون وجود أي نظام للتأمين الاجتماعي. وأصبحت الغالبية العظمى من العمال تعيش في فقر مدقع، ونتيجة لتقلص الصناعة زاد أيضًا عدد المتعطلين بين المتعلمين وأصبح أكثر من 100000 من حاملي شهادة التوجيهية والشهادات الجامعية في بطالة وساد القلق في أوساط الطلاب حيث استشرفوا المستقبل المظلم الذي ينتظرهم بعد التخرج.

وأسفر عن ذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي بعد الحرب أزمة طبقية حادة بين جموع الفقراء، وعلى رأسهم الطبقة العاملة والطلاب من ناحية، والرأسماليين من ناحية أخرى. وكانت بداية عام 45 ساخنة قدر سخونة الوضع الطبقي. فقد شهدت مصر في هذا العام الكثير من الإضرابات وأصبح الإضراب خبز الحياة اليومية في المناطق العمالي كحل للمحافظة على الوظيفة أمام تقلص النشاط الصناعية وإغلاق المصانع وكانت هذه الإضرابات أكثر كثافة وتنظيمًا في قطاع النسيج حيث زادت حدة المواجهة بين العمال والنظام بعد إضرابات عمال نسيج شبرا الخيمة المتكررة خاصة إضراب ديسمبر من هذا العام حين قام الجيش البريطاني وقوات الشرطة المصرية بعملية احتلال فعلي لشبرا الخيمة. ونظم جميع عمال النسيج هناك تقريبًا إضرابًا واسعًا بين الأول والتاسع من يناير 1946 احتجاجًا على هذه الخطوة واحتجاجًا على الاستمرار في إغلاق المصانع. وظلت المواجهة بين العمال والنظام تتصاعد طوال شهر يناير وفبراير إلى أن وصلت ذروتها نتيجة ما جرى من تطورات في الحركة الطلابية، واستقالت حكومة النقراشي غير القادرة على حفظ الأمن ومصالح الطبقات الحاكمة وكلف الطاغية إسماعيل صدقي رئيس غرفة الصناعات المصرية بتشكيل الوزارة. وكان تعيينه فاضحًا للطبيعة الطبقية للحكومة وتعبيرًا عن تحالف الرأسمالية المحلية مع رأس المال الأجنبي والاحتلال البريطاني.

لقد كانت الانتفاضة بما مثلته من صعود في منحنى الصراع الطبقي مرآة كاشفة للمواقف الطبقية لكل التيارات السياسية والتي فرضت عليها من خلال تحالفاتها وتوازناتها مواقف محددة من الانتفاضة ومن حركة العمال والطلبة أدت في مجملها إلى إجهاض الحركة.

الوفد: تشكل حزب الوفد تاريخيًا في 1919 تحت قيادة وهيمنة أحد أجنحة البرجوازية المصرية الصاعدة (الأكثر راديكالية بينها في ذلك الوقت) هذا الجناح الذي كان عموده الفقري أعيان الريف المتحدرين من أصول مصرية وليست تركية ـ العمد ومشايخ البلدان وما شابه. هذا الجناح لعب دورًا في دفع حركة الجماهير إلى الأمام عام 1919 في مواجهة الاستعمار البريطاني وسلطة القصر بتوحيد مطلبي الاستقلال والدستور، لكنه تخاذل سريعًا عندما بدأت انتفاضة الجماهير تتجذر باتجاهات أكثر ثورية مضيفة ابعادًا اجتماعية إلى القضية الوطنية. مما أصبح يهدد المصالح المباشرة لهؤلاء الأعيان ودفعهم إلى تصفية الثورة وطرح أسلوب المفاوضة مع المستعمر على أنه الطريق الصحيح لتحقيق الاستقلال.

ومنذ ذلك الوقت، وعلى امتداد الربع قرن التالي لعب الوفد ودورًا في كبح جماح حركة الجماهير بما امتلكوا من هيمنة واسعة على قطاعات عريضة من أبناء الطبقات الوسطى في الريف والمدينة. ومن منتصف الأربعينيات كانت مصالح ذلك الجناح من البرجوازية المصرية قد توثقت تمامًا مع الرأسمال الأجنبي وملاك الأراضي الكبار ذوي الأصول التركية، وذلك باندماج مصالحهم داخل عملية التنمية الصناعية والتجارية الحادثة من الفترة السابقة. أدى ذلك الوضع إلى خضوع قيادة الوفد بدرجة كبيرة لهيمنة الاستعمار والقصر واقتصرت دعايته على محاولة تحقيق بعض الإصلاحات في إطار النظام القائم. دفع ذلك أعداد واسعة من أبناء الطبقات الوسطى المنخرطين تاريخيًا تحت قيادة الوفد إلى التجاسر باتجاهات أكثر راديكالية بعيدًا عنهم في ظل الوضع المأزوم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا في تلك الفترة.

وفي أثناء أحداث الانتفاضة كان على قيادة الوفد أن تختار بين الحفاظ على الوضع القائم وبين تعبئة الجماهير ضد الاستعمار والقصر بما يهدم النظام الاجتماعي وبالطبع اختارت الحالة الأولى وكانت مشاركة بعض العناصر الطلابية الوفدية النشطة في الانتفاضة، مجرد وسيلة لكسب ورقة ضغط لكي تستخدمها قيادة الوفد بعد ذلك وهي تتفاوض مع الاستعمار.

الإخوان المسلمون: نمت جماعة الإخوان المسلمين وسط الشرائح التي عصف بها التطور الرأسمالي والأزمة الاقتصادية التي أعقبت الحرب من حرفيين وأصحاب دكاكين وتجار صغار وصغار موظفين ووافدين ريفيين جدد إلى المدينة. واتخذت حركتها بالتالي طابع الحركات البرجوازية الصغيرة ـ الأكثر رجعية منها على وجه خاص. واعتمدت في خطابها على دعاية غامضة تركز على المطالب العامة المجردة دون الدخول في أي تفاصيل توضيحية ملموسة فعلى سبيل المثال لخصت الأزمة الطبقية للمجتمع التي يعاني منها العمال في أنهم يعملون في مؤسسات يملكها أجانب ويهود ومن ثم تكون المشكلة في سيطرة غير المسلم على المسلم. وذلك من وجهة نظرها سبب ما يعانيه العمال من تعاسة وبؤس أي أنها تغلف العلاقات الطبقية بمسوح دينية الأمر الذي يطمس جوهر الصراع الطبقي بين طبقات مستغلة وطبقات مستغلة بغض النظر عن ديانتها، ويعوق التطور الطبقي لدى الجماهير.

وعندما نشطت العناصر الماركسية وسط العمال والطلاب أخذت جماعة الإخوان المسلمين على عاتقها التصدي لهذه العناصر رافعة شعار العداء للشيوعية متعاونة في ذلك مع سلطات الأمن وقامت الجماعة بالاشتراك مع أصحاب المصانع في الحملة القمعية التي شنتها الحكومة ضد إضراب عمال نسيج شبرا الخيمة.

وعند اشتعال الاحتجاجات الطلابية في فبراير 1946 أنشأت الجماعة (بمساعدة الحكومة) اللجنة القومية للطلبة كمحاولة لإيجاد قوة موازية للجنة الوطنية للعمال والطلبة تعمل على تفتيت الحركة وإضعافها. وأكثر من ذلك عندما ذهب وفد من اللجنة الوطنية للعمال والطلبة إلى الشيخ حسن البنا أثناء الإعداد للإضراب العام في 21 فبراير طالبًا مساهمة الإخوان في هذا الإعداد رفض حسن البنا على أساس أنه غير مستعد.

لقد لعب الإخوان في الواقع دوراً تخريبيًا داخل الانتفاضة وكانوا الجناح من الحركة الوطنية الأكثر استعدادًا للتحالف مع الملك ضد الجماهير.

المنظمات الماركسية الثلاثة: ظهرت ثلاث تنظيمات ماركسية رئيسية خلال فترة الأربعينيات هي طليعة العمال وإيسكرا والحركة المصرية للتحرر الوطني وذلك بعد أن توحدت العديد من الحلقات الماركسية الصغيرة التي برزت في نهاية الثلاثينات على أرضية اشتداد الأزمة الطبقية وضعف سيطرة الأحزاب السياسية خاصة حزب الوفد على مهني الطبقة الوسطى من محامين وصحفيين وطلبة ومدرسين وموظفين. مما أتاح الفرصة لهذه المنظمات الراديكالية أن تنمو وسط هذه الفئات خلال تلك الفترة.

ورغم أن الكفاح الاقتصادي للعمال منذ عام 1938 أثبت رفض الطبقة العاملة الملموس للفكرة التي تنادي بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية بين الرأسماليين والعمال أخضعت المنظمات الماركسية الثلاثة النضال العمالي المستقل لمتطلبات القضية الوطنية. وظلت المسألة الطبقية ينظر إليها في معظم الأحوال من المنظور الوطني وربطت استراتيجية هذه المنظمات بين تحقيق المصالح المستقلة للطبقة العاملة والمشاركة في جبهة وطنية أوسع تضم القوى البرجوازية المحلية حيث أكدت أن مصر غير مستعدة للثورة الاشتراكية وأن الثورة الممكنة هي ثورة وطنية ديمقراطية مثل تلك التي نادى بها ماوتسي تونج في الصين. على أي الأحوال كانت تكتيكات الجبهة الشعبية هي السائدة والمسيطرة على أغلب الأحزاب والمنظمات الماركسية في العالم الثالث فقد عملت آلة الدعاية الأيديولوجية السوفيتية في ظل ستالين على الترويج لهذه التكتيكات والعمل على دمج الحركات الماركسية مع الحركات الوطنية البرجوازية في جبهة واحدة في مواجهة الإمبريالية خدمة لمصالح البيروقراطية الروسية الحاكمة في صراعها مع الغرب. وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى أن تلعب دورًا مجهضًا لحركة الجماهير.

طبقت تكتيكات الجبهة الشعبية على الأرض من خلال اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التي شاركت فيها المنظمات الثلاثة فالخطاب السياسي للجنة يؤكد على أن نقاط الاتفاق بين العمال والطلبة الذي تبنته اللجنة ينحصر في قضية الاستقلال والكفاح الوطني دون أي محاولة لتحديد الطبيعة الطبقية للنظام القائم ودور ووضع الطبقة العاملة في تغيير هذا النظام. إن هذه اللجنة لم تكسب ثقة العمال لأنها لم تفعل شيئًا لهم في قضايا الأجور والبطالة ومصادرة الحريات فهي حتى لم تحتج على القبض على زعماء العمال بعد إضرابات عمال نسيج شبرا الخيمة قبل قيامها بشهر واحد.

على الرغم من الدور الفاعل الذي لعبته المنظمات الماركسية في انتفاضة 1946، إلا أن فصلها للقضية الوطنية عن الصراع الطبقي المحتدم، أعاق من قدراتها على حشد وتعبئة الجماهير العمالية وتطوير فعاليتها، مما أدى إلى إجهاض الحركة في النهاية.

إن خمود لهيب انتفاضة فبراير 1946 بسرعة البرق يثبت لنا ضرورة أن يكون هناك حزب أو منظمة ثورية مشبعة بصورة عميقة بمصالح الانتفاضة وأهدافها تستطيع أن تنقل السلطة إلى أيدي الطبقة العاملة التي تعلن في نضالاتها اليومية أنها الطبقة الوحيدة القادرة على زعامة الأمة لحل كل المسائل التي يطرحها التاريخ ومن ضمنها المسألة الوطنية. وهذا الحل يأتي خارج إطار النظام البرجوازي ويكون على أنقاضه.

إن الخبرة التي تقدمها لنا انتفاضة 1946 نستطيع تمثلها في نضالنا اليوم ضد السياسات الطبقية التي تطبقها الدولة وتؤدي إلى تعظيم البؤس والإفقار عند الغالبية العظمى من المصريين من عمال وطلاب وبرجوازيين صغار الأمر الذي يمكن معه بناء إطار مشروع الطبقة العاملة للتحرر الذاتي. لكنها ـ الطبقة العاملة ـ لا تستطيع إنجاز ثورة عمالية منتصرة دون وجود حزب عمالي ثوري ينظم الطليعة الثورية للطبقة ويتشكل بناؤه في القلب منها داخل المصانع ووحدات الإنتاج. وعلى الثوريين المناضلين في سبيل الثورة العمالية أن يدركوا تلك الحقيقة ويدفعوا استراتيجيات بنائهم لحزب في اتجاهها.