بيان مركز الدراسات الاشتراكية
لا للحرب الإمبريالية ضد العراق.. لا للمذابح الإسرائيلية
بمجرد أن أعلن مجلس الأمن قراره رقم 1441 والذي يعطي للولايات المتحدة الأمريكية مشروعية ضرب العراق جاء الرد من مدينة فلورنسا الإيطالية فخرج مليون شخص في مظاهرة يعلنون رفضهم للحرب الأمريكية على العراق.. وقبلها بشهر واحد كانت لندن قد شهدت مظاهرات مشابهة شارك فيها أكثر من نصف مليون متظاهر يحملون نفس الشعارات وينادون بنفس المطالب.. “لا لضرب العراق” و”نعم لحق الشعب الفلسطيني في دفاعه عن نفسه وكفاحه من أجل تحرير أرضه”.
ولم تكن مظاهرات فلورنسا المليونية إلا مجرد حلقة في سلسلة طويلة تناهض سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول منعها من تنفيذ مخططاتها، فقد شهدت الحركة العالمية لمناهضة الحرب نشاطاً واضحاً في الشهور الماضية.. من واشنطن إلى لندن.. ومن مارسيليا إلى ماليزيا.. مئات الألوف من المتظاهرين الرافضين للحرب والمدافعين عن شعب العراق وفلسطين.
لقد بات واضحاً لدى قطاعات واسعة من الجماهير أهداف الإمبريالية الأمريكية من ضرب العراق، فواشنطن تريد بوضع يديها على نفط العراق، صاحب الاحتياطي الأكبر من نفط العالم، أن تضرب عصفورين بحجر واحد. الأول هو السيطرة على أسعار النفط مما يتيح تخفيض أسعار البترول إلى 15 دولار للبرميل مما يساهم في تنشيط حركة الاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة. وفي هذا السياق كان لافتاًُ للنظر في المظاهرات التي شهدتها العواصم الأوروبية حجم اللافتات التي ترفع شعارات من نوع: أموالنا للوظائف وليست من أجل الحرب. أما الهدف الثاني فهو تشديد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، وبالأخص على منافسيها الرئيسيين كالاتحاد الأوروبي واليابان والصين، والذين سيجدون أنفسهم مجبرين أكثر وأكثر للرضوخ للإرادة الأمريكية وللمصالح الأمريكية في العالم.
ومما لا شك فيه فإن الإمبريالية الأمريكية لم تكن لتستطيع أن تعد العدة للعدوان على الشعب العراقي دونما مساعدة ملموسة من الأنظمة العربية، والتي يدعي البعض منها معارضته الكلامية للحرب، فهناك من يسمح بمرور السفن الأمريكية إلى الخليج عبر قناة السويس، وآخر تشترك جيوشه في مناورات حربية على حدود العراق، وثالث يسمح باستخدام القواعد الأمريكية الرابضة على أرضه لذبح الشعب العراقي.
إن الحرب الأمريكية التي نسمع دقات طبولها حالياً، عبر حشد أهم ما في جعبة الترسانة العسكرية الأمريكية والبريطانية، في منطقة الخليج، سيكون لها تداعيات خطيرة على العالم والمنطقة.
فانتصار واشنطن معناه على الصعيد العالمي استمرار سياسات الخراب الهيكلي التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية على الجماهير الكادحة في العالم كله والتي تتسبب في وفاة الملايين جوعاً أو مرضاً أو فقراً. ويكفي أن نشير هنا إلى أن التقديرات الأولية لتكاليف الحرب الأمريكية تشير إلى رقم الـ 300 مليار دولار، وهو رقم يكفي على أقل تقدير لإيقاف وفاة 30 مليون شخص يموتون من الجوع سنوياً. أما في المنطقة العربية وفي القلب منها فلسطين، فسيكون للانتصار الأمريكي آثاراً وخيمة على الجماهير العربية. فمجرم الحرب شارون سيتحين هذه اللحظة بتوازناتها الجديدة، مستغلاً هيمنة أمريكية غير مسبوقة، لكي يفرض حلوله الصهيونية على الشعب الفلسطيني. هزيمة العراق في هذه المعركة معناها بالضبط فتح الباب لمشاريع شارون الإجرامية المتعلقة بنقل الشعب الفلسطيني جواً وبحراً إلى العراق إو إلى أي مكان آخر. هزيمة العراق قد تكون نقطة الختام للانتفاضة الفلسطينية الثانية مما تعنيه من إحباط من إحباط ليس محدوداً لدى الشعب الفلسطيني البطل.
غير إن هزيمة العراق لن تسدد ضربة قاصمة فقط للانتفاضة الفلسطينينة ولكنها ستفتح الباب واسعاً لكي تحتل النزاعات العرقية، مقدمة المسرح السياسي بالمنطقة وهي القضايا التي طالما أخمدتها الأنظمة العربية عبر سياسات الاضطهاد والقمع، وستكون نتيجة الحرب الأمريكية المزيد من القهر لكافة جماهير المنطقة سواء كانوا من الشيعة أو الأكراد أو السنة.
وبالمقابل فإن دحر العدوان الأمريكي، وهو أمر لن يتحقق سوى عبر تحركات واسعة النطاق نم الجماهير العربية في المنطقة سيعطي دفعة غير محدودة للشعب الفلسطيني لكي يواصل انتفاضته، وسيمنح الجماهير العربية ثقة متزايدة لمواجهة حكومات الاستغلال والقمع والطوارئ. وفي مقدمة هذه الجماهير هو الشعب العراقي الذي عانى الأمرين تحت حكم الديكتاتور صدام حسين والذي لن يجني من العدوان والاستعمار الأمريكي سوى المزيد من البؤس والقمع.
ولكن اللافت للنظر أنه وسط كل هذه الاحتجاجات الجماهيرية التي تملأ شوارع أوروبا وأمريكا ضد الحرب ما زال الشارع المصري والعربي لم يشهد المظاهرات الواسعة التي تهدد المصالح الأمريكية والتي تضغط على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف عملية لمساندة الشعب العراقي وذلك باستثناء العمليات المسلحة ضد التواجد العسكري الأمريكي في الخليج والأردن ولبنان…
وإذا كان السؤال الذي يشغلنا جميعاً حالياً هو “ما العمل في الفترة القادمة”؟ فإن مركز الدراسات الاشتراكية انطلاقاً من موقفه المبدئي الرافض للحرب الاستعمارية الأمريكية يرى ضرورة أن تتحرك كافة التيارات السياسية التي تتفق فيما بينها على مطلب واحد هو وقف الحرب الإمبريالية، معاً لمواجهة العدوان المرتقب.
على كافة التيارات السياسية المعارضة للحرب أن تتحرك الآن وليس غداً من أجل تنظيم أوسع حركة جماهيرية لكي تضغط على الحكومة المصرية لاتخاذ مواقف عملية ضد العدوان المرتقب. ومما لا شك فيه إننا لن نستطيع أن نخطو خطوة واحدة في هذا الطريق دونما ربد هذه الحركة بمطالب الجماهير، التي تعاني من أوضاع اقتصادية بالغة السوء، خاصة بعد ما تبددت أوهام الرخاء وأعلنت الحكومة رسمياً فشل سياسات “الإصلاح الاقتصادي”، وهو أوضاع مرشحة للتفاقم إذا اندلعت الحرب، إذ تقدر الصادرات المصرية المهددة بالتوقف بثلاثة مليارات دولار.
غير إننا على ثقة أن الجماهير العربية ستنتفض آجلاً أم عاجلاً، تماماً كما شهدناها تحتل شوارع العواصم العربية تضامناً مع الانتفاضة الفلسطينية منذ فترة ليست بعيدة، ستنتفض الجماهير ضد أمريكا وحلفائها بالمنطقة بعد أن انتزعت حقها في التظاهر رغم قوانين الطوارئ والحكام العسكرية وبات مشهد احتلالها لميدان التحرير مألوفاً خلال العامين المنصرمين.
إن توسيع نطاق هذه الاحتجاجات وتحويلها من تحركات سياسية محدودة إلى تحركات جماهيرية واسعة النطاق هو السبيل الوحيد لمواجهة العدوان الأمريكي.