بيان الاشتراكيين الثوريين
ياحاكمنا بالمباحث.. كل الشعب بظلمك حاسس
يبدو فعلاً أنه ابتلع لفافة مخدر، ففّجرت عظام وجهه وهشمت أسنانه وقذفت وجهه بالسلالم الرخامية وسببت له نزيفا حادا حتى مات مخنوقا.. خالد محمد سعيد؛ آخر قطفة من مزرعة جلادي الداخلية.
قضية الشاب خالد مسّت عصباً عارياً لدى الشارع؛ فالشاب ليس معارضا للنظام ولم يشارك يوماً في مظاهرة، ولم يحمل لافتة تأييد أو يوقع علي بيان تغيير.. إنه باختصار نموذج لشاب علي مقاس الحكومة, لكن يبدو أن هذا ليس كافيا. ليس كافيا أن تبقي منبطحا أو حتى تمشي داخل “الحيط”؛ لكي تحتفظ بحياتك سليماً؛ وجسدك نظيفاً من علامات رجال الداخلية. يجب أن تكون مسحوقاً بدرجة ممتاز حتى تستطيع النفاد بجلدك من زبانية التعذيب الذين طبقت شهرتهم الآفاق. ماحدث مع خالد أصاب الجميع بدهشة وخلق دائرة استنكار واسعة؛ لأنه قابل للتكرار مع اي شخص مسالم- حسب تعريف السلطة للشخص المسالم.
ومن جانبه فإن النظام، شرطته ونيابته العامة ومخبريه، وصلوا جميعا إلى درجة غير مسبوقة من الانحطاط والتدليس، جرأة غير مسبوقة في التزوير، والمطلوب من جموع الشعب تصديق تقرير النيابة والطب الشرعي أن الشاب ابتلع فعلا لفافة مخدرات، والمطلوب أن نصدق أكاذيب الصحف الحكومية التي لم تتورع في تبرير “الشوارع” التي أحدثها مخبرو الداخلية في وجه القتيل، بأنهم – القتلة – حاولوا إفاقة القتيل عبر “خبط” رأسه في جدران البنايات!
لفهم طبيعة النظام المصري، ينبغي تتبع مسيرة الأنظمة الديكتاتورية العسكرية بعد فترة من طول مكوثها في السلطة دون أي حروب يشارك فيها الجيش. هذه الأنظمة تتحول قليلا قليلا إلى أنظمة بوليسية – عسكرية سابقاً – تتوسع فيها سطوة البوليس بدرجات متفاوتة تتجاوز في بعض الاحيان سلطة الجيش – مثل الجستابو – البوليس النازي في ألمانيا. محليا.. وبسبب تكلس مبارك على كرسي السلطة منذ نحو ثلاثين عاماً، توسعت سلطات الشرطة وانزوى تأثير الجيش في الشارع إلا في اللحظات الصعبة والخطيرة مثل ضبط توزيع الخبز والدقيق المدعم وأنابيب البوتاجاز وإنجاز الكباري والأنفاق وغيرها من المهام الثقيلة التي تحتاج جيش مصر لتنفيذها، وانفردت الداخلية شيئا فشيئا بالمواطن، حتى وصل مبارك إلى هذه القناعة: بقائي دائم ومصون مادام العادلي باقيا!
بالمقابل، فإن ما يحدث من “بولسة” الدولة يفتح باباً لسقوطه في المستقبل، فديكتاتوريات أوروبا الشرقية – العسكرية تحولت قبل تحطمها إلى ديكاتوريات بوليسية مثل نظام نيوكلاي شاوشيسكو الذي جاء سقوطه مدوياً بنفس درجة سطوة شرطته وبوليسه، وهو ما ينتظر نظام مبارك الذي يلفظ حاليا أنفاسه الاخيرة.
ما تفرضه علينا اللحظة الراهنة، رغم الحزن علي فقدان الشاب البرئ، هو الاتحاد وتنظيم الصفوف وتكثيف بخار الغضب في ماكينة التغيير حتى تتقدم للأمام، فنجاح مظاهرة، على أهميته، لم يعد كافيا، وإنما حفز الغضب الشعبي ليتحول الي طاقة تغيير تزلزل هذا النظام وتدك أركانه هو المهمة العاجلة، فإما الآن أو أبداً.