بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

بيان الاشتراكيين الثوريين

مَن هو الإرهابي الأكبر؟

نعم ينبغي أن نرفض بحزم وبلا تردد التفجيرات الإرهابية الأخيرة في شرم الشيخ. فقتل العشرات من الأبرياء، فضلا عن إجراميته، لن يؤدي إلا إلى مزيد من القمع الحكومي والهمجية الأمريكية، وإلا إلى إعطاء مبرر لعصابة بوش- مبارك لمواصلة سياساتها المضادة على طول الخط لمصالح الشعوب. فسياسة الإرهاب الفردي لن تهزم الإمبريالية ولن تقضي على الديكتاتورية ولن تصّفي الاستغلال. على العكس، هذه السياسة المجنونة التي تنفي أي دور للجماهير في مواجهة أعداءهم، تزكي، بتفجيراتها العشوائية في وجه الأبرياء، روح البغضاء بين الشعوب وتعطي الأنظمة الفرصة لتعزف نغمة الوطنية الزائفة والعنصرية البغيضة.

لكن هناك بعد هذه التأكيدات سؤال هام ينبغي أن نطرحه على أنفسنا: لماذا ينتشر الإرهاب الفردي في هذه الآونة كالنار في الهشيم؟ صحف الحكومة، بل حتى بعض الصحف المستقلة، لا تقول لنا شيئا في هذا الصدد. لا، هي في الحقيقة تقول شيئا رديئا؛ هي تقول أن الإرهابيين هم مجموعة من الحاقدين الذين لا هدف لهم سوى القتل والتدمير! هل هذا معقول؟ هل مطلوب منا أن نصدق هذه الحدوتة الركيكة؟ فلماذا الإرهابيين حاقدين؟ وعلى من وعلى ماذا يحقدون؟

الإجابة على هذه الأسئلة واضحة لدينا. القاعدة (ومن يشبهها) تحقد على الإمبريالية وعلى الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان. تحقد على أنهار الدماء التي يسفحها القتلة في محاولة لتمتين سيطرتهم على النفط ولتعزيز هيمنتهم الاستعمارية على العالم. إذن فالقاعدة رد فعل على الإمبريالية. واجبنا بالطبع أن نفضح سياسات القاعدة ونرفضها لأنها لن تحل شيئا ولأنها لا تواجه العدو بل تواجه الحليف المحتمل: شعوب الغرب. ولكن في الوقت الذي نذرف فيه الدمع على قتلى عمليات القاعدة، علينا أيضا أن نذرف الدمع على قتلى الفلوجة وجنين وعلى أسرى أبو غريب وجوانتانامو.

الإصرار على الفصل بين تصاعد الإرهاب وتصاعد جرائم الإمبريالية لن يخدم إلا الإمبريالية والأنظمة المتواطئة معها. جرائم الإمبريالية هي السبب الرئيسي في تصاعد الإرهاب. من هنا فنحن نرفض بحزم أي إدانة للأحداث الإرهابية الأخيرة لا تشير بإصبع واضح لا يحتمل الشك إلى أن جورج بوش وتوني بلير وحسني مبارك هم المجرمون الأكبر الذين يستحقون الإدانة على أفعالهم في فلسطين والعراق ومصر. لا ينبغي أبدا أن ننسى أن بن لادن ورجاله والمتشيعين حوله يصنعون قنابل رديئة تقتل العشرات، في حين أن جورج بوش وتوني بلير يصنعون – أو يستخدمون – الإف 16 والقنابل العنقودية التي تقتل الآلاف وتشوه وتشرد عشرات الآلاف. ومن ثم فنحن لا نقبل أن توصف جرائم بوش بالقتل الخطأ في حين توصف جرائم بن لادن بالإرهاب الأسود. هل نحتاج أن نذّكر أنفسنا بقصة القرصان الصغير الذي كان يجوب البحار ليهجم علىالسفن الآمنة وينهب ما تحمله من خيرات، والذي كان يواجه الإدانة ويوصف دائما بالمجرم والآثم والخارج على القانون. ثم حدث أنه اكتشف ذات يوم أن هناك إمبراطوريات كبرى تفعل نفس ما يفعله هو، ولكن على نطاق أوسع بكثير وبأسلحة أشرس بكثير، ولكنها لا توصف بالإجرام ولا تدان، بل تعتبر بانية للحضارة وناشرة لها، ويسمى ما تفعله فتوحات وليس قرصنة!! فما كان منه إلا أن قرر أن مخرجه من الهجوم والإدانة هو أن يكون قرصاناً كبيراً وليس مجرد قرصانا صغيرا يتحمل الأوزار ويطارد باللعنات!! هذه بالضبط هي قصة جورج بوش وبن لادن!!

ولكن ربما يسأل البعض: وما دخل مصر في المواجهة بين الإمبريالية والقاعدة؟ هل نحتاج فعلا للإجابة على هذا السؤال؟ ألا نعلم دور النظام المصري في منطقة الشرق الأوسط؟ ألا نعلم كيف أن مبارك – من أجل أن يمد في عمر حكمه عاما أو عامين – قرر أن يبيع الغاز لإسرائيل وأن يوقع معها اتفاقية تجارية تسمى الكويز؟ ألا نعلم أنه يدرب قوات الأمن الفلسطينية على قمع المقاومة؟ ألا نعلم أنه يطيع كل أوامر “ماما أمريكا”؟ ألا نعلم أنه قبل – كغيره من الأنظمة العربية – أن يعترف بنظام حكم عراقي عميل يلعب دور واجهة للاحتلال؟ ألا نعلم أنه يؤيد السياسات الأمريكية الجبانة والحقيرة في كل أركان الأرض؟

القاعدة، أو أشباهها، يضربون مبارك شرم الشيخ لأنه حليف للإمبريالية. فإذا كنا نريد أن نواجه سياسات القاعدة في مقاومة الإمبريالية – وهي سياسات لا شك تتطلب المواجهة والرفض التام – فإن واجبنا أن ننطلق قبل كل شيء من مواجهة مبارك ونظامه وسياساته. لا ينبغي أبدا أن نقع في فخ التقارب مع النظام من أجل مواجهة الإرهاب. هذه خيانة للآمال التي علقتّها الجماهير على قوى المعارضة المصرية المناهضة للديكتاتور. موسم إدانة الإرهاب ينبغي أن يبدأ بإدانة الإرهابي الأكبر في مصر: نظام الحكم الديكتاتوري الذي يستخدم قوات الأمن ليحمي نفسه من غضب جماهير ترفض سياساته المتواطئة مع أمريكا والمتحالفة مع إسرائيل والحامية للفاسدين والممثلة للرأسماليين الكبار. نقطة البداية في مواجهة القاعدة هي مواجهة سياسات مبارك ونظامه.

إذن فهناك مسئولية تقع على حركة التغيير في مصر. لا يصح أبدا أن تنسى حركة التغيير واجباتها الأساسية في فضح المسكوت عنه في الصحافة الرسمية: سبب تصاعد الإرهاب مجددا في مصر. علينا أن نكشف أن مبارك يُضرب لأنه حليف للإمبريالية والصهيونية. علينا أن ندين مبارك ونظامه وسياساته. ثم، وفي هذا السياق – فقط في هذا السياق – يمكننا أن نؤكد على إدانتنا لأساليب القاعدة المرفوضة تماما وغير المجدية وغير الإنسانية، بل والإجرامية.

حركة التغيير هي أمل كل الكادحين والمقهورين والمقموعين في هذا البلد. لن نحقق هذا الأمل إلا بمواجهة حاسمة مع النظام.. إلا بحفرنا لمجرى نضالي آخر يثبت للشعوب أن مواجهة الإمبريالية والديكتاتورية والاستغلال لن تكون ناجعة إلا عبر وسائل مختلفة تماما عن وسائل القاعدة وأشباهها. القاعدة وسياسة الإرهاب الفردي لن يُقضى عليهما إلا إذا ساهمنا نحن بكل قوتنا في إذكاء روح المقاومة الجماهيرية.. تلك الروح التي تمثل السلاح الحقيقي للانتصار على كل أعداء الشعوب.

الاشتراكيون الثوريون
27 يوليو 2005