قرض الصندوق: أعلى مراحل هجوم الثورة المضادة

لم تحمل موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض مصر قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات أية مفاجأة. فقد سبق وطبق النظام المصري كافة شروط الصندوق للحصول على القرض، ومنح المستثمرين كل ما نصح به الصندوق وحتى ما لم ينصح به.
ويأتي قرض صندوق النقد الدولي في سياق ما تقوم به سلطات الثورة المضادة من استكمال ما استمر نظام مبارك في القيام به حتى انفجرت ثورة يناير تحت وطأة السياسات الاقتصادية التي أفقرت العمال والكادحين وضمنت للقلة المحيطة بالسلطة تحصيل أرباح هائلة ومراكمة ثروات ضخمة عبر الاحتكارات والامتيازات التي دفع تكلفتها الفقراء.
ومع استلام مصر الشريحة الأولى من القرض بقيمة 2.75 مليار دولار، يتأكد النهج الاستبدادي والقمعي الذي تنتهجه سلطة الثورة المضادة. فإجراءات اقتصادية تمثل أكبر تحول في الاقتصاد المصري، تجاهل فيها النظام حتى إقامة مشاورات ولو شكلية مع ممثلي المجتمع نقابات واتحادات وأحزاب وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، ليؤكد أن سياسة الإفقار والاستغلال لا يمكن أن تطبق دون سياسة الاستبداد والقمع، وأن قانون التظاهر لا ينفصل عن قانون الضريبة على القيمة المضافة وقانون الخدمة المدنية. الرأي الوحيد الذي استمعت إليه سلطات الثورة المضادة إلى جانب نصائح الصندوق هو رأي المستثمرين الذين حظوا بتمثيل قوي في المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيسي قائد الثورة المضادة، وهو المجلس نفسه الذي انعقد قبل إقرار قرض الصندوق ليقرر تأجيل تطبيق ضريبة تعاملات البورصة لثلاث سنوات جديدة، بالإضافة لمنح الأراضي بالمجان وبأسعار مخفضة للمستثمرين، مع إعفاءات ضريبية مؤقتة ودائمة. وبالطبع الطريقة الوحيدة لتمويل تلك الامتيازات، والتي فاقت في قيمتها الامتيازات الأجنبية التي منحت في عهد الاستعمار، كانت تطبيق قانون القيمة المضافة على المستهلكين لترتفع الأسعار على الفقراء، وتطبيق قانون الخدمة المدنية لخفض أجور الموظفين، ورفع أسعار الطاقة ليدفع الفقراء وحدهم فاتورة الامتيازات التي يمنحها النظام للمستثمرين.
وقد كانت واحدة من أبرز الخطوات الممهدة للقرض، ما قامت به الدولة في الثالث من نوفمبر بتعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود بنسب مرتفعة متجاهلة تأثير ذلك على أسعار السلع الأساسية على الطبقات الفقيرة، وفي مقابل ذلك قدمت الحكومة تعويضات زهيدة للمواطنين مثل زيادة 3 جنيهات على بطاقات التموين – كأن تلك الجنيهات هي التي ستنقذ المواطنين من الفقر- وخفض سن معاش “تكافل وكرامة إلى 60 بدلًا من 65.
ولا زالت الطبقة العاملة تتعرض لضربات متتالية من جراء تلك السياسات الاقتصادية وكأنها هي المسئولة عن دفع ثمن الأزمة الاقتصادية، فقانون النقابات العمالية وقانون العمل الجديد في الطريق لحرمان العمال من مجرد الحق في الاستقرار في العمل وحق امتلاك أدوات تنظيمية للدفاع عن مصالحهم.
وتعد الموازنة العامة للدولة هي الأكثر تعبيرا عن انحيازها الطبقي ففي موازنة العام المالي 2016-2017 كان إجمالي الضرائب المستهدفة من الشركات (تحت بند ضرائب أرباح الأشخاص الاعتبارية) 45.1 مليار جنيه. والضرائب الاستهلاكية المستهدفة من السجائر وحدها حوالي 42.5 مليار جنيه. هكذا تخفف الدولة من أعباء المستثمرين وتلقي بالأعباء نفسها على الفقراء.
وإذ تعدنا الحكومة بأن الاوضاع الاقتصادية ستتحسن بعد ضخ مليارات الصندوق إلى الاحتياطي الدولاري مدعيةً أن ذلك سيمنحنا “شهادة الثقة” من صندوق النقد تجذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن كيف ستأتي الاستثمارات في ظل استمرار حالة الاحتقان السياسي الناتجة عن قمع الحريات؟ ألم يقدم الصندوق قروضًا لبلدان مثل اليمن والعراق فهل يفضل المستثمرون العمل في مثل تلك البلدان؟
إن القرض لن يؤدي إلا إلى المزيد من سياسات الإفقار والتقشف، سياسات تفقر الطبقة العاملة والمتوسطة. فكيف أن نثق في سياسات حكومة تسعى لسداد الديون الخارجية عبر المزيد من الديون؟
إن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة مدعومة بأسوأ أدوات القمع والاستبداد التي لم تشهدها مصر من قبل، تستدعي توحيد جهود القوى المناضلة في النقابات المهنية والعمالية والأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في سبيل تدعيم نضال الفقراء والكادحين ضد هجمة هي الأسوأ على الإطلاق على مستويات معيشة الفقراء. إن تطبيق تلك السياسات فجر موجات النضال العمالي والاجتماعي في دول أمريكا الجنوبية وشرق أسيا وأوروبا من قبل، وتصدت الحركة النقابية والسياسية ببسالة ضد الهجوم على العمال وأصحاب المعاشات والفقراء، وفي تلك المعارك ولدت حركات نقابية قوية وجماهيرية غيرت المسار السياسي للبلاد التي ناضلت فيها وقضت على أسوأ النظم العسكرية استبدادًا.
واليوم في مصر تلقي الأزمة الحالية بالمسؤولية على كاهل القوى المناضلة في النقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لمواجة هجوم الثورة المضادة الذي لن ينجو منه أحد.
الاشتراكيون الثوريون
13 نوفمبر 2016