بيان الاشتراكيين الثوريين:
بمناسبة عاصفة الغلاء.. لنتحدث عن الحريات المدنية

الآثار الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا سبقت حتى تحرك القوات الروسية صوب أهدافها، فقفزت أسعار القمح والحبوب، وتضاعفت أسعار الطاقة، ومع تطور العمليات العسكرية الروسية وتحولها لحرب يصعب توقع مداها الزمني أو الجغرافي، تفاقمت الأزمة واتسع مجالها، وانعكست في عاصفة غلاء أضيفت لما خلفه الوباء ولم تنته آثاره بعد.
في مصر آثار الأزمة لم تتأخر، بعكس آثار الانتعاش التي تخلف مواعيدها دائمًا. فتحت ستار الأزمة الناجمة عن الحرب في شرق أوروبا ارتفعت كافة أسعار السلع والخدمات، سواء المتصلة بالأزمة، أو غيرها، الغلاء امتد إلى أبسط السلع، ليبدأ من رغيف الخبز غير المدعم، مع تصريحات سابقة للحكومة بحتمية رفع أسعار الخبز المدعم، لتصل إلى كافة السلع الغذائية الأساسية، الأرز والسكر والزيت والدواء، وتشمل بعد ذلك كافة السلع والخدمات، لتتحول الحياة اليومية للطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة إلى كابوس.
ورغم آثار الأزمة التي ضربت مصر، فالعاصفة في بدايتها، إذ لم ينقض الأسبوع الثاني من الحرب بعد، ولا يعلم أحد كم أسبوع آخر سينقضي قبل أن تضع الحرب أوزارها، ومع ذلك بدأ رفع الأسعار قبل وصول تأثير الأزمة المباشر، فالمخزون السلعي المتوفر بالفعل، هو المخزون الذي لم تطله أسعار الحرب، وهو ما يعني أن موجة الغلاء في بدايتها، ومع ارتفاع أسعار القمح والوقود والواردات ومستلزمات الإنتاج ستعلو الموجة أكثر، خاصة مع شهر رمضان.
هل يبدو الحديث الآن عن الحريات المدنية والسياسية مناسبا للأزمة؟
نعم، هذه الأزمة الطاحنة لا تبدو فقط مناسبة للحديث عن الحريات السياسية والمدنية، ولكنها الأنسب على الإطلاق.
في مواجهة المطالبة بالحريات والحقوق السياسية، رفع النظام دائمًا شعار (المفهوم الشامل لحقوق الإنسان)، والذي عمد فيه النظام لوضع الحياة الكريمة، والصحة والتعليم والغذاء في مقابل حرية الرأي والتعبير والحريات السياسية.
والحقيقة أن هذه المقايضة كانت تعني دائمًا خسارة الاثنين معا، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحريات السياسية والمدنية، ومع أزمة الحرب وآثارها الاقتصادية، يبدو المجتمع مكشوفًا على نحو يفاقم من آثار الأزمة، ويقضي على أي قدرة على مواجهتها.
لا يمكن بأي حال تحميل مسئولية الأزمة للحكومة، فنشوب الحرب وما ترتب عليه من ارتفاع الأسعار العالمية، أمر تتحكم به الدول الكبرى، ولكن هناك أمرين لا يمكن إعفاء الحكومة منهما.
أولهما، أن السياسة الرسمية للحكومة منذ سنوات، والتي اعتمدت على تخلي الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية، بإلغاء الدعم وإخضاع أساسيات الحياة لقوانين السوق، جعلت السوق المحلية أكثر حساسية لأي تقلبات في السوق.
والثاني، هو أن سياسة القبضة الحديدية وحظر كافة أشكال العمل العام وأي نشاط جماعي، سواء كان سياسي أو نقابي أو حتى إنساني، والهيمنة المطلقة على الإعلام، تركت المجتمع مجرد من أي أدوات لمقاومة الأزمات والتخفيف من آثارها.
لم تصنع الحكومة الأزمة، ولكن توزيع آثار الأزمة وفق قدرات الطبقات المختلفة، بما يعني عدم تحميلها بالكامل للطبقات الفقيرة والتي لا تملك أي أدوات للتخفيف من آثارها هو بالتأكيد مسئولية الحكومة.
هنا تبدو الحريات السياسية والمدنية قضية وثيقة الصلة بعاصفة الغلاء التي نعيشها اليوم. فآثار تلك الأزمة يمكن أن تكون مختلفة إذا توافرت أدوات الرقابة الشعبية على الأسواق، وإذا توافر إعلام مستقل وغير خاضع للسلطة، يمكنه مناقشة سيناريوهات مواجهة الأزمة والبدائل الممكنة دون توجيهات وإملاءات مسبقة من السلطة. كانت آثار الأزمة لتختلف في وجود أحزاب حقيقية لا تتحكم فيها السلطة وقادرة على استخدام حقها في مناقشة الموازنة العامة وأولويات الإنفاق وتوجيه قدرات الدولة لتخفيف آثار الأزمة عن الطبقات الفقيرة، ومحاسبة المتاجرين بالأزمة والمتكسبين منها.
كانت آثار الأزمة لتختلف في وجود نقابات غير خاضعة للدولة وقادرة على تنظيم العمال للمطالبة بتحسين الأجور لمواجهة الغلاء.
الأزمة الحالية تؤكد أن الحريات السياسة والمدنية ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها، فالحزب السياسي والنقابة العمالية والاتحاد الطلابي والاتحاد الفلاحي والإعلام المستقل والجمعية الأهلية والمنظمة الحقوقية وغيرها من الحريات السياسية والمدنية، هي أدوات المجتمع لمواجهة أي أزمة. وبالنسبة للنظام، فإن نزع هذه الأدوات هو مقدمة ضرورية لنزع كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فتقييد الأيدي وتكميم الأفواه ليس سوى الخطوة الضرورية السابقة على خطف رغيف الخبز.
الاشتراكيون الثوريون
7 مارس 2022