بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أزمة الثانوية العامة: تعليم يخدم أبناء الكبار

من احتجاجات طلاب الثانوية العامة
من احتجاجات طلاب الثانوية العامة

أصدرت وزارة التربية والتعليم، في يوليو الماضي، قراراً بإضافة 10 درجات للحضور والسلوك لطلاب الثانوية العامة، كما تضمن القرار رفع تكاليف إعادة القيد من 10 جنيهات إلى 1000 جنيهاً، على أن تكون إعادة القيد مرة واحدة في نفس السنة أو مرتين في المرحلة كلها، وجعل 30% من الامتحانات من خارج المناهج الدراسية. وكانت هذه القرارات قد صدرت بعد أيام قليلة من ظهور نتيجة الثانوية العامة التي أعقبتها كارثة الطالبة مريم ملاك التي حصلت على صفر في جميع المواد الدراسية.

لم تكن قرارات الوزارة مدروسة على الإطلاق، فوزارة التربية والتعليم، التي من المفترض أن تسهّل الأمور التعليمية على الطلاب وأولياء أمورهم، والمعلمين أيضاً، لم تراع من الأصل لِمَ يتغيب الطلاب عن مدارسهم. هناك الآلاف من طلاب الثانوية العامة يعملون بجانب دراستهم لإعالة أنفسهم وعائلاتهم، فلا يستطيعون التوفيق بين الدراسة والعمل والحضور، فكيف تفرض الوزارة درجات للحضور وترفع مبلغ إعادة القيد لألف جنيه، في حين أن سبب تغيّب الكثير من الطلاب هو الظروف المادية الصعبة أحياناً.

لم تدرس الوزارة حالة الطلاب على مستوي الجمهورية لدى اتخاذها مثل هذا القرار، فحتى وظيفة الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة أصبحت تقتصر علي تنظيم انتخابات الاتحادات الطلابية أو تنظيم الرحلات والبرامج الترفيهية ليس إلا، حيث ينفصل الأخصائي عن وظيفته الرئيسية وهي متابعة الحالة الاجتماعية للطلاب بالمدرسة.

من الظلم أيضاً تخصيص 30% من الامتحانات من خارج المناهج، فذلك لا يراعي مطلقاً الفروق الفردية للطلاب، هل ينتظر سيادة الوزير من الطلاب الذين اعتادوا على الحفظ طوال حياتهم أن يجتازوا اختباراً به 30% للمهارات الذهنية والمعلومات العامة دون تمهيدٍ لهم على مدار سنوات سابقة؟ بالطبع مستحيل.

على الجانب الآخر، في نفس الفترة التي صدرت فيها القرارات، تفجرت حالة الطالبة مريم ملاك. أي معلم أو طالب في أي مرحلة تعليمية يعلم أن لا أحد يحصل على صفر في الامتحان سوى الذي يترك ورقته بيضاء ولم يكتب بها شيئاً، وهذا بالطبع لا ينطبق على طالبة متفوقة اعتادت على أن تحقق الدرجات النهائية في جميع سنواتها السابقة. من الغريب أن تُعرض مريم على مصلحة الطب الشرعي الفاسدة وتصدر قراراً بتطابق خطها، عن أي خط يتحدثون؟ عن خطها الذي هو غير موجود من الأصل في الورقة التي تقولون أنها ورقتها؟ أم عن خطها التي كتبت به بياناتها على غلاف ورقة الإجابة؟ أي معلم أو طالب أو حتى عامل خدمات بأي مدرسة يعلم أن الغلاف بالبيانات يتم إزالته من على ورقة الإجابة حيث أنه (من المفترض) يتم التصحيح دون أن يعلم المصحح من صاحب الورقة.

بحسب كلام الأستاذ عبد الخالق رمزي خليل، رئيس لجنة إدارة امتحانات الثانوية العامة على مستوى الجمهورية لعام 2014، في إحدى اللقاءات التلفزيونية، فقد التقى بأشخاص في اللجنة العامة لم يتغيروا منذ 11 عاماً بل يتمسكون بوجودهم بضراوة مما يفتح أبواباً للفساد والرشاوي فهؤلاء يعرفون كل كبيرة وصغيرة ويتحكمون بحركات المراقبين واللجان. يقول الأستاذ عبد الخالق أنهم عرضوا عليه “تفصيل” لجنة في إحدى المحافظات بمعنى أنه يقوم بترشيح أناس معينين لمراقبة لجنة معينة تضم مدارس خاصة أو تجريبية لغات لأن الطالب يدفع في الدراسة حوالي 20 ألف جنيه فيجب أن تفصل لجنة وكنترول مخصوص لمثل هؤلاء الطلاب من علية القوم حتى تصبح النتيجة “لائقة” بالمدرسة. ويضيف أنه عرض عليه حوالي 2 مليون جنيه لتفصيل لجنة واحدة وهو مشرف علي 9 محافظات وأضاف أيضاً أن الوزير له حصة من المبلغ والمحافظ كذلك له حصة، وهو أيضاً له حصته. يقول أنه تقدم بعدها بشكاوى لكل المسؤولين في الدولة لكن الحكومة لم تحرك ساكناً، واختتم بقوله أنه في تلك المنظومة كن فاسداً ترتقي.

مريم ملاك ليست أول أو آخر ضحية للمنظومة التعليمية الفاسدة، لكن قضيتها حازت على الاهتمام بسبب “بجاحة” الدولة، خاصةً وزير التربية والتعليم، في التعامل مع الموقف وتجاهل الاحتجاجات الطلابية ضد قرارات الوزير وضد ظلم الطالبة مريم ملاك التي وصلت إلى تبني الطلاب لمطلب إقالة وزير التربية والتعليم. كل هذا الفساد يتلخص في وقاحة وزير التربية والتعليم في تصريحه بأنه لن يتم امتحان مريم ملاك حتى وإن ثبت التزوير. بالطبع مستقبل الفتاة التعليمي في مصر مبهم للغاية، فهي بالفعل لن تمر أبداً من مرحلة الثانوية العامة حفاظاً علي هيبة وصورة الوزارة والدولة، لأنه إذا نجحت سيتوجب إقالة وزير التربية والتعليم وستُفتح أبواب لا حصر لها من ملفات الفساد في الوزارة.

في الحقيقة مشكلات التعليم في مصر، وبالأخص الثانوية العامة، لم تظهر فجأة هكذا بل هي نتيجة لتراكم الفساد والرشوة والإهمال داخل المنظومة التعليمية بأكملها. فكما هو حال الدولة، لا يختلف فساد وزارة التربية والتعليم عن أية وزارة أخرى ولكنها تعتبر الأساس التعليمي في مصر، لذلك فهي قضية ليست هينة، لا أقصد بهذا الانفصال عن النضال ضد الفساد في كل أجهزة الدولة والتركيز على المنظومة التعليمية، بل يجب ربط جميع تلك القضايا ببعضها. بالطبع تحاول الدولة فصل قضايا طلاب المدارس عن طلاب الجامعات عن العمال والموظفين وفصل كل هؤلاء عن قضايا النضال ضد الطائفية والعنصرية والاضطهاد، لكن في الحقيقة كل تلك القضايا والمشاكل ما هي إلا أجزاء تكمل الأحجية الفاسدة لوجه الدولة إن تلك المنظومة التي تحكمها المؤسسة العسكرية قد تخطت مرحلة الإصلاح.