النضال الطلابي داخل «مدينة الثقافة والعلوم»

عند دخولك للمرة الأولى من بوابة مدينة الثقافة والعلوم للتعرف عليها، لتقييم وبحث مدى إمكانية التحاقك بها، سيفاجئك شكل الورود وشكل الاستقبال، وسيفاجئك أيضاً حديث الموظف عن مميزات المدينة والتصنيف العالي الذي تحظى به، وأهمية المحتوي العلمي الذي تقدمه، وعظمة هيئة التدريس بها، ويقول لك صراحة: إننا الأفضل في مجال التعليم.
بالطبع الورود والمعدات أُعدَّت مسبقاً قبل وصولك بيوم، وستُرفع وتُوضع في المخزن في اليوم التالي، وذلك انتظاراً لإخراجها العام المقبل في نفس التوقيت، بالطبع هذا ليس بالغريب في دولتنا، فجميعنا يعرف ذلك لأنه بالضبط مثل ما يحدث في أي مكان في مصر عند زيارة شخص “مهم” أو مسئول في الدولة، لكن الفرق وببساطة أنك لست الشخص المهم، بل المهم والأهم بالنسبة لهم هي “أموالك”، يمكنك إدراك ذلك أثناء عامك الأول في المدينة، فـ “كل شيئ هنا بمقابل” و”الأرباح قبل مصلحة الطالب” تلك هي شعارات ومنهجية إدارة المدينة في التعامل مع الطلاب، ويكفيك فقط أن تقرأ على صفحة الفيسبوك لأحد الأساتذة العاملين بها أنه “تم إلغاء قسمين من أقسام المعهد العالي للهندسة (الحاسب والهندسة الصناعية)” لتفهم وتدرك حالة التخبّط واللامسئولية الموجودة فيها.
سنحاول في هذا المقال تقديم المعلومات والتفاصيل المبسطة عما يحدث داخل أسوار هذه المدينة (الواقعة في السادس من أكتوبر والتي تحوي 7 معاهد عليا تضم في مجملها نحو 15 ألف طالب)، عن حقيقة ووضع المستوي الأكاديمي والحرية الأكاديمية والاستقلال الجامعي، وعن الوضع الأمني، والوضع السياسي العام وعلاقته بالحراك والنضال الطلابي داخل المدينة، وأفق هذا النضال الطلابي في العام الدراسي الحالي.
أولاً: المستوي الأكاديمي (الخدمة التعليمية المقدمة للطلبة)
لنبدأ بالمعهد العالي للهندسة باعتباره يضم أكثر عدد من الطلاب (3 آلاف طالب تقريباً)، يتمتع المعهد بمكانة جيدة وسط المعاهد العليا على مستوي الجمهورية كما يتمتع بسمعة مقبولة في مجال العمل، ولكن ينبغي علينا التوضيح بأن هذه المكانة مكتسبة منذ فترة بعيدة، وبأن المعهد منذ سنتين وهو في طريقه إلى الانحدار والاضمحلال، نتيجة رفض إدارة المدينة لمطالب الأساتذة الذين ينادون بزيادة رواتبهم، مما أدي إلى استقالة الكثير منهم، فأصبحت قوة المعهد تضم حوالي 10 أساتذة فقط لجميع الأقسام، والباقي من الأساتذة المنتدبين قليلي العدد أيضاً بسبب ضعف الرواتب التي تقدمها المدينة، فأصبح أستاذ المادة يُدرِّس أكثر من ثلاث مواد لكل الدفعات بمعدل محاضرتين يومياً، بصرف النظر عن المستوى العلمي للأستاذ أو مجال تخصصه، مما أثر سلباً على الخدمة التعليمية المقدمة للطلاب وعلى قدرتهم على الفهم والتطور أكاديمياً.
وكذلك الأمر بالنسبة للمُعيدين، فهم يطالبون بزيادة الرواتب، ولكنهم في المقابل لا يقدمون على الاستقالة نظراً لصعوبة توافر فرص عمل بديلة لهم، ونظراً أيضاً إلى الربح المقبول الذي يحصلون عليه من “الكورسات”، وهو الأمر الذي يتسبب بالطبع في عدم تقديمهم خدمة تعليمية جيدة للطلبة داخل أسوار المعهد.
مشكلة رواتب أعضاء هيئة التدريس وانعكاستها على الخدمة المقدمة للطلبة ليست هي المشكلة الوحيدة، فمشاكل المعهد عديدة من أهمها أسعار الكتاب الجامعي المرتفعة، والتي تبدأ من 50 جنيه لتصل إلى 70 جنيه بالرغم من الحالة المادية الرديئة للكتاب، فتكلفة طباعة الكتاب الفعلية 20 جنيه، ومع هذه الأسعار العالية أنت مُلزَم بشراء كتاب المادة من قبل أستاذ المادة الذي يتبع تعليمات وأوامر الإدارة بوضع درجات على الكتاب الجامعي، أضف إلى ذلك أن المحتوي التعليمي للمادة الموجود بالكتاب لا يتم تدريسه بالكامل.
مشكلة أخرى هي “المعامل الهندسية”، الحالة الرديئة للمعامل وعدم توافر الإمكانات والمعدات الهندسية المهمة، لصقل مهارات الطالب، بالإضافة إلى تكدس الطلاب على أجهزة المعامل القليلة فـ “سكشن” الطلاب الذي يضم في المتوسط 30 طالب مطالبين بالتعلّم والتطوّر على معمل يحتوي على 6 أجهزة فقط!
هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تتكرر كل عام، مثل مشكلة التسجيل التي يتم فتحها لوقت قصير بداية العام، في حين أنهم لا يتيحون التسجيل للطلاب إلا بعد دفع المصاريف واستخراج الكارنيه، بالإضافة إلى مشكلة النتائج التي تتأخر كل فصل دراسي، وأيضاً حجب اللوائح التي تنظم المعاهد ورفض عرضها على الطلاب أكثر من مرة، بالإضافة إلى “سبوبة” الالتماسات التي تتعامل معها الإدارة كوسيلة إضافية للتربح.
مشاكل باقي المعاهد تقريبا متشابهة مثل أسعار الكتب المرتفعة وجودتها المتدنية وقلة عدد الأساتذة ومشكلة التسجيل، بالإضافة إلى عدم تطبيق نظام الفصل الصيفي “السمر كورس” في باقي المعاهد حتى الآن.
ثانياً: الحرية الأكاديمية والبحث العلمي
المدينة لا تشجع ولا تنمي ولا تنادي من الأصل بعمل الأبحاث العلمية أو الاهتمام بها، ولا يوجد أي كيان في المدينة مسئول عن الأبحاث، لا يوجد سوي “مركز الثقافة والعلوم للتدريب والتطوير” ودوره الوحيد الإعلان عن كورسات تتم دراستها في المعهد، هذا بالإضافة إلى رفض الإدارة وهيئة التدريس بالمعهد العالي للاقتصاد والعلوم السياسية مناقشة الأبحاث المتعلقة بتحليل 30 يونيه 2013 والموقف من الإخوان المسلمين، وقد حدث ذلك على مدار العام الماضي أكثر من مرة.
ثالثاً: الخدمات داخل المدينة
مكان يضم 15 ألف طالب تقريباً ولا يوجد به منشأة جيدة للرعاية الطبية، فالعيادة الموجودة داخل المدينة إمكانياتها محدودة للغاية، ولا توجد بالمدينة سيارة إسعاف لنقل الحالات الحرجة التي لا يمكن علاجها داخل العيادة، بالإضافة إلى المباني والمعامل التي تحتاج إلى صيانة دورية، والملاعب المتهالكة التي تحتاج إلى صيانة بدورها وربما تحتاج إلى إعادة انشائها من البداية، مع العلم بانه كل طالب من أصل نحو “15 ألف” يقوم سنوياً بدفع 15 جنيه للرعاية الطبية، 15 جنيه للنشاط الرياضي، 15 جنيه رسوم استخدام معامل، وهنا السؤال المنطقي أين تذهب هذه الأموال في ظل تلك الخدمات المتردية؟!
رابعاً: الاستقلال الجامعي والتنسيق الأمني
الاستقلال الجامعي بالمعني الأكاديمي المتعارف عليه هو “استقلال الجامعة عن أجهزة الدولة المختلفة وبالأخص السلطة السياسية والتنفيذدية”، هنا وبكل تأكيد إدارة المدينة بعيدة كل البعد عن الاستقلال الجامعي، إدارة المدينة التي تنسق مع جهاز الشرطة بكل احترافية، فقد ساعدت إدارة المدينة جهاز الشرطة في خطف الطلاب الناشطين سياسياً في أكثر من واقعة، حيث تقوم الإدارة بإبلاغ الشرطة ببيانات الطلاب الناشطين داخل المدينة بل والأكثر من ذلك ابلاغ الشرطة بخط سيرهم ليتم اختطافهم، وقد تكررت حوادث اختطاف الطلاب من أمام المدينة عدة مرات خلال العامين السابقين، ووصل عدد حالات اختطاف الطلاب إلى ٧ حالات من ضمنهم رئيس اتحاد طلاب المدينة، وكان أحدثها هو اختطاف الطالب “حسين مصطفي” من أمام المدينة منذ نحو شهر.
سوف نقوم بعرض واقعة لاختطاف أحد الطلاب تكشف الوجه البشع للإدارة بل وتفضحه وتكشف مدي قذارة الإدارة وترابطها مع الأمن، حيث أنه عند خروج أحد الطلاب من غرفة الأمن عائداً إلى المنزل، أثناء خروج الطالب من البوابة المخصصة لخروح الطلاب وجد تعنت من قبل الأمن الإداري، فذهب إلى البوابة المخصصة لخروج السيارات، فقام رجال الأمن أيضاً بالتعنت وعدم السماح للطالب بالخروج وعندها قام بالتحدث إلى مدير الأمن شخصيا وقال له مدير الأمن حرفيا “عشر دقائق وهتخرج” وبعدها ب 10 دقائق وبعد خروجه مباشرة من بوابة الأمن قام رجال بالزي المدني باختطافه في ميكروباص، ليظهر بعدها في قسم شرطة أكتوبر، هذه الواقعة تدل وبدون أدني شك على مدي التنسيق الأمني بين الإدارة والشرطة.
مدير الأمن في المدينة هو اللواء/ إبراهيم أبو الخير – مأمور قسم امبابة السابق، وآخر مدير أمن بالزي الشرطي لجامعة القاهرة، والمسئول الأول وبصفة شخصية عن التنسيق الأمني بين الإدارة وجهاز الشرطة، اللواء إبراهيم الذي خرج علينا في بداية العام السابق على شاشة قناة العربية يشرح دور الشرطة في الجامعات وأهمية وجودها وحفاظها على الأمن وعلي العملية التعليمية.
أما عن المعتقلين من طلاب المدينة، فقد وصل عددهم منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة إلى نحو 80، لا يزال منهم حوالي 20 داخل السجون، من ضمنهم الطالب صهيب سعد الحداد المعتقل على ذمة القضية التي جرى الترويج لها رسمياً بوصفها “كشف أكبر خلية إرهابية في مصر!”، وذلك رغم انه تم اختطافه أثناء خروجه مع أصدقائه في منطقة الزمالك. وكذلك منهم الطالبة “أسراء خالد” التي قُبِض عليها بتهمة تنفيذ عمليات إرهابية والتخطيط لتفجير مديرية أمن بني سويف على الرغم من تواجدها طوال العام الدراسي بالقاهرة، إسراء التي توفي والدها في السجن بسبب سوء المعاملة الطبية لم تستطع أن تودعه أو تحضر جنازته، ومنهم أيضاً الطالب “محمد جمال” المتهم في قضية الانضمام لتنظيم الدولة الاسلامية والذي تعرض لأشد التعذيب .
فضلاً عن الاعتقال والوشاية فإن حالة الترهيب لا تكتمل إلا بتهديد الطلاب بالفصل، وفي هذا السياق قامت الإدارة على مدارعامين بفصل حوالي 10 طلاب لمدد تتراوح بين الفصل لمدة ترم والفصل النهائي، بالإضافة إلى الفصل النهائي لأحد أعضاء هيئة التدريس.
كما قامت الإدارة العام الماضي باستحداث عقوبة جديدة من نوعها، حيث قامت بحرمان 19 طالب من الطلاب الناشطين من دفع المصاريف أو استخراج الكارنيهات، في حين لم يُصدَر أي قرار بفصلهم، والمطلوب من هؤلاء الطلاب الابتعاد والتوقف عن تنظيم أو المشاركة في أي فعاليات ضد “النظام السياسي الحاكم” داخل المدينة، وأصبح بقاء الطلاب في المدينة مرهون بمدي صمتهم، ولم يتم تسجيل الطلاب إلا بعد حوالي شهرين من بداية الدراسة بعد التوقيع على إقرارات تفيد بأنهم مسئولون عن تنظيم المظاهرات والإضرار بالمعهد خلال العام، وأنهم لن يشاركوا في أي من المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية حتي تخرّجهم من المدينة.
خامساً: الحركات الطلابية والكيانات السياسية داخل المدينة
كمعظم الجامعات المصرية، نشطت الحركة الطلابية بعد أحداث ثورة 25 يناير، حيث تشكلت حركة ثوار مدينة الثقافة والعلوم من معظم أعضاء القوي السياسية الموجودة في المدينة كما ضمت أعداد من الطلاب الغير منتمين لكيانات سياسية، بدأت الحركة الطلابية أول تحركاتها للمطالبة بإقالة مدير الأمن وعميد المعهد العالي للهندسة، قامت الحركة بعدة وقفات واحتجاجات للضغط على إدارة المدينة حتي اضطرت الأخيرة إلى تنفيذ مطالب الطلاب، تطورت الحركة بعد ذلك لتشمل قطاع أوسع من الطلاب وتشكلت حركة “طالب بحقك” من الطلاب الغير منتمين للكيانات السياسية، قامت الحركتان الطلابيتان – ثوار مدينة الثقافة والعلوم وحركة طالب بحقك – بالإضافة إلى اتحاد طلاب المعهد العالي للهندسة، بالنضال من أجل مطلب آخر وهو تطبيق نظام الفصل الصيفي “السمر كورس” في المعهد العالي للهندسة، وبعد عدة احتجاجات صاخبة، وبالرغم من مماطلات الاإدارة وتحججها باللائحة وموافقة وزير التعليم العالي، استطاع الطلاب فرض مطالبهم ووافقت الإدارة على تطبيق “السمر كورس”.
ساد الهدوء المدينة بعد ذلك باستثناء عدة وقفات ومعارض طلابية ينظمها طلاب الكيانات السياسية، كانت عبارة عن دعاية سياسية للكيانات المنتمين لها بالإضافة لفعاليات رمزية تهدف إلى تخليد ذكرى المعارك الثورية مثل محمد محمود. ولكن في سياق الغضب الجماهيري -والحركة الطلابية في القلب منه- من مماراسات حكم محمد مرسي، بدأت حركة “ثوار مدينة الثقافة والعلوم” بالنشاط مرة أخرى، ولكن بعد انقلاب ٣ يوليو لم يظهر أي صوت أو فعالية للحركات الثورية الا عدد من الفاعليات المحدودة خلال الترم الاول من العام الدراسي التالي على مذابح فض اعتصامي رابعة والنهضة، وهو نفس الفصل الدراسي الذي شهد ظهور حركة (طلاب ضد الانقلاب) والتي يشكل طلاب الإخوان المسلمين أساسها التظيمي وحولهم دوائر من المتعاطفين ومن مؤيدي مرسي، وقد سيطرت “طلاب ضد الانقلاب” على الساحة السياسية داخل المدينة حتي الآن.
ولكن ينبغي علينا أولاً تحليل الحركات الطلابية وأداء الكيانات السياسية داخل المدينة لنفهم ما هي أسباب التراجع، ولنراكم خبرة حول اداء الحركات الطلابية عامة، حتي لا تتكرر الأخطاء وهذه هي بالضبط الفائدة من دراسة التاريخ.
بداية بالأساس لا يمكننا النظر إلى تراجع الحركة الطلابية –عموماً وداخل مدينة الثقافة والعلوم خصوصاً- إلا في ظل تراجع الحركة الثورية عموماً وانقضاض الثورة المضادة عليها، ولكن تراجع الحركة الطلابية داخل مدينة الثقافة والعلوم لها ظروف خاصة أخرى أدت إلى تراجعها، لقد فشلت الحركة الطلابية في بداية تكوينها من ضم طلاب باقي المعاهد (6 معاهد)، بالرغم من أن المشاكل التي تواجه الطلاب واحدة، لقد اعتمدت الحركة الطلابية على طلاب قسم الهندسة فقط، وكانت مشاركات باقي الطلاب من المعاهد الأخري ضعيفة نسبياً.
أدى هذا إلى نتائج كارثية، وهو الضغط على الإدارة لعمل انتخابات اتحاد الطلاب في المعهد العالي للهندسة فقط، وباقي المعاهد لم تتم فيها أي انتخابات ولايوجد أي ممثلين للطلاب عن هذه المعاهد حتي الآن، لقد تعاملت الحركة الطلابية مع طلاب المعاهد الأخرى بنظرة استعلائية، وتعاملت (بدون قصد) من نفس خندق الإدارة في تعاملها مع هذه المعاهد من وجهة نظر بأن هؤلاء الطلاب كسالى والمعاهد التي ينتمون إليها غير مهمة، بالإضافة إلى ضعف الحراك الطلابي في هذه المعاهد مقارنة بالمعهد العالي للهندسة، وقلة عدد طلاب كل معهد على حده بالنسبة لهندسة، فكان من الواجب تحريض طلاب المعاهد الاخري للانخراط في الحركة الطلابية المشتعلة وانضمامهم لها على مطالب واحدة ومهمة لجميع المعاهد، ونتيجة للفشل في ذلك فقدت الحركة الطلابية ظهير طلابي كبير.
المشكلة الأخرى، أنه لم يتم بلورة أي حركة طلابية داخل المدينة كحركة مركزية لها هيكل إداري ومكتب مركزي وقواعد طلابية، بل كانت عبارة عن مجموعة من الطلاب تبنوا مجموعة من المطالب وقاموا فيما بينهم بالتجهيز لوقفات احتجاجية ينضم إليهم فيها باقي الطلاب، هذا بالإضافة إلى النزعة الفردية التي ظهرت في هذه المجموعة الثورية والتي ادت الي استبدالهم للطلاب في ظل قلة خبرتهم ووعيهم الثوري، وهو ما تسبب في خلق دائرة مغلقة من هؤلاء الطلاب لقيادة الحركة الطلابية والتفاوض باسم الطلبة مع الإدارة، ولأن هذه الدائرة لم تتسع ولم تخلق لها جذوراً بين الطلاب فإنها لم تنجح في كسب وتهيئة كوادر طلابية جديدة (صف ثاني أصغر سناً) للمشاركة في قيادة الحراك أو بناء خبرة لتمريرها في الأعوام التالية بعد تخرج معظم هذه المجموعة، وفي النهاية لقد تم حل هذه المجموعات تلقائيا دون أي تدخل بمجرد تخرج عناصرها الأساسية.
طلاب ضد الانقلاب
يتكون طلاب ضد الانقلاب من مجموعة من الرافضين لـ 30 يونيه 2013 والمطالبين بعودة الإخوان المسلمين إلى الحكم، وتتكون الكتلة الأساسية منهم من طلاب الإخوان المسلمين، ظهر طلاب الإخوان المسلمين عن طريق تقديم الخدمات التعليمية للطلاب من خلال الأسر الطلابية الموجودة داخل المدينة، وكانوا في القلب من الحراك الطلابي للمطالبة بـ”السمر كورس” وتحسين الخدمات في المعهد، ومع الانتخابات الأولى بالمعهد العالي للهندسة استطاع طلاب الإخوان المسلمين الاستحواذ على معظم المقاعد داخل الاتحاد وانتخاب رئيس اتحاد الطلاب وهو عضو من أعضاء الجماعة، وأثناء فترة حكم محمد مرسي عمل الطلاب على تحسين الخدمات الطلابية من خلال وجودهم في الاتحاد وفي الإطار المفروض من إدارة المدينة.
وبعد أحداث 30 يونيو وما تبعها قام الطلاب بعدة وقفات احتجاجية داخل وخارج المدينة مطالبين بعودة محمد مرسي للحكم، ومع فض اعتصامي رابعة والنهضة وظهور طلاب ضد الانقلاب اشتد الحراك الطلابي وضم قطاع واسع من الطلاب للمظاهرات الحاشدة ضد حكم العسكر، فكانت الفعاليات المنددة بحكم العسكر دورية بمعدل فعالية أسبوعياً، ولكن ومع اشتداد القبضة الأمنية والهجمة الشرسة من جانب الإدارة على الطلاب الناشطين، بدأ الحراك الطلابي في التراجع.
اتحاد الطلاب داخل المدينة
تقوم الإدارة بإعلان الشروط العامة المنظمة للانتخابات، وقد اتضح أن الإدارة قد قامت بضرب القانون بعرض الحائط، حيث تم وضع شرط ينص على الآتي “يشترط لصحة الانتخابات في لجان اتحادات طلاب الكليات والمعاهد حضور 50% على الأقل من عدد الطلاب الذين لهم حق الانتخاب في كل فرقة دراسية على حدة، فإن لم يكتمل العدد يعين عميد المعهد ممثلي لجان هذه الفرق الدراسية”.
ويأتي هذا في مخالفة صريحة للمادة رقم 321 من القانون رقم 49 لسنة 1972 التي تنص على “يشترط لصحة الانتخابات في لجان اتحاد طلاب الكليات والمعاهد حضور أي عدد من الطلاب الذين لهم حق الانتخاب في كل فرقة دراسية، ويعلن فوز المرشح الحاصل على أعلى الأصوات وفي حالة التساوي تتم الإعادة بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات”.
باستثناء الانتخابات الجارية، جرت الانتخابات في المدينة مرتان فقط، وئلك في العامين الدراسيين 2012\2013 و 2014\2015، مرة خلال حكم كل من محمد مرسي و عبد الفتاح السيسي، الانتخابات الأولى شهدت مشاركة واسعة من قطاع كبير من الطلاب، وتم انتخاب اتحاد طلاب وكانت معظم المقاعد من نصيب طلاب الإخوان المسلمين، باعتبارهم الكيان السياسي المنظم الوحيد في هذه الفترة بالإضافة إلى الخدمات التي كان يقدمها طلاب الإخوان المسلمين من خلال الأسر الموجودة في المدينة، جاء اتحاد طلاب من المفترض أنه ممثل لطلاب المدينة في لحظة ثورية، قام اتحاد الطلاب بالمطالبة بعدة إصلاحات داخل المدينة، وتم فتح الملفات الخاصة باللوائح الطلابية والميزانية والأموال المخصصة للاتحاد، ولكن يعتبر الشئ الأهم الي قام به هذا الاتحاد هو الوقوف بجانب الطلاب في معركة تطبيق “السمر كورس” وانتزاع هذا المطلب بعد تنظيم عدة وقفات احتجاجية وإضرابات بالتفاعل مع طلاب باقي القوى السياسية والحركات الطلابية الأخرى وفي سياق الحراك الطلابي الواسع الذي أجبر الإدارة على الجلوس مع ممثلي الطلاب وأعضاء الاتحاد، ولكن لم يكمل هذا الاتحاد العام الدراسي، فتم حله في أعقاب 30 يونيو.
أما الانتخابات الثانية فجاءت في ظل وضع سياسي حرج، ومساحة سياسية مغلقة، كما جاءت خلال فترة إحباط لمعظم الكوادر الطلابية بسبب تراجع الموجة الثورية وانحسارها، شهدت الانتخابات إقبالاً ضعيفاً جداً في ظل وجود قائمة واحدة وهي قائمة الإدارة ونجاح معظم طلاب هذه القائمة بالتذكية، جاء الاتحاد الذي دعمته الإدارة، جاء الاتحاد ليصب اهتمامه على الرحلات ومباريات كرة القدم وتنس الطاولة، متغافلاً المشاكل الكارثية للمعاهد، لم يتدخل الاتحاد في حل أو محاولة حل أي مشكلة يلمسها طلاب المدينة، بل جاء كابحاً لرغبات الطلاب، ومتبنياً لشعار “ان الإدارة هتحل المشاكل بس احنا نصبر شوية”، ظهر ذلك في إنهاء رئيس الاتحاد شخصيا لوقفة للطلاب معترضين على أداء أحد الأساتذة في شرح المواد، مطالبا الطلاب بفض الوقفة واعداً اياهم بحل المشكلة – والتي لم تُحل.
سادساً: أفق النضال الطلابي هذا العام
يأتي هذا العام (2015/2016) في ظل مناخ سياسي مغلق، لقد نجحت الثورة المضادة في الانقضاض على الثورة وهزيمتها، وتستمر الثورة المضادة في استخدام كافة الأساليب القمعية لتوطيد أركان حكمها من قتل وخطف واعتقال، ولأن الجامعات كانت ولازالت في القلب من أي حراك جماهيري، ولطالما كان الطلاب في صفوف الجماهير الأولى في كافة الحركات الاحتجاجات، لذلك دأبت الثورة المضادة على السيطرة على الجامعات محاولة فرض حالة من الهدوء عن طريق كافة السبل الممكنة من اختطاف للطلاب وتصفيتهم واعتقال وفض المظاهرات والوقفات داخل الجامعات بالإضافة إلى التضييق الأمني على الاسر الطلابية، ولكن هناك دائما مساحة للعمل وإن كانت صغيرة ولكنها مهمة، فنجاح الثورة طريق طويل يتخلله انكسارات وانتصارات وفترات صعود وهبوط. نعم، نجحت الثورة المضادة في هزيمة الثورة، ولكنها لم تنجح في محو الوعي الناتج عنها، لقد نجحت الثورة في خلق كوادر طلابية قادرة على العمل ومصرّه على إسقاط هذا النظام الديكتاتوري وبناء مجتمع قائم على العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية.
واتحاد الطلاب من المساحات المهمة والتي يجب على الثوريين استخداماها ومحاولة كسبها في مقابل النظام السياسي الحاكم الذي يحاول السيطرة على تلك المساحات، ويُعتبَر اتحاد الطلاب من أهم المعارك التي يجب خوضها، اتحاد الطلاب الذي يعتبر نقابة تنظم الطلاب وتمثلهم أمام الدولة بشكل “شرعي”، استطاعت الدولة بشكل كبير تقليص صلاحياته ومساحة عمله، وحشرته داخل إطار التفاوض بين الإدارة والطلاب وذلك عن طريق لائحة مالية وتنفيذية تم كتابتها بمعزل عن الطلاب وبدون أي نقاش مجتمعي عليها، ولكن يبقي الهدف الاساسي والأهم لوجودنا في الاتحاد هو تنظيم الطلاب داخل كيان يدافع عن الحقوق والحريات ويقوم بتحريض الطلاب لانتزاع مطالبهم، مع التأكيد على أنه لا يمكن اختزال جموع الطلاب وحركتهم في اتحاد مكون من عدد من الاشخاص (حتى وإن افترضنا أن الانتخابات أجريت بدون تزوير او شطب او تضييق امني)، وأنه من حق الطلاب تنظيم انفسهم في كيانات متعددة تعبرعن ارائهم وتوجهاتهم ومطالبهم وتسعي لتحقيق مطالبهم.
بالنسبة لمدينة الثقافة والعلوم التي تعاني من مشاكل أكاديمية كثيرة يشتكي منها الطلاب وتزداد كل عام، أصبحت هناك حاجة ملحة لاتحاد طلاب ينحاز بشكل صريح إلى الطلاب ويعبر عنهم في مواجهة الإدارة التي تلهث وراء الأموال. وجود اتحاد طلاب يطرح المشاكل بكل صراحة وينظم الطلاب لانتزاع مطالبهم خطوة في غاية الأهمية في هذه اللحظة، اتحاد طلاب يتبنى مطالب خاصة بأسعار الكتب وجودتها، تعديل اللوائح الطلابية داخل المدينة، وصيانة المباني والمعامل، وتوفير أساتذة على أعلي مستوى، وتنظيم عدد الطلاب في السكاشن وتقسيمهم بشكل يضمن إمكانية تطورهم وتلقيهم تعليم أفضل، اتحاد يتبنى الدفاع عن حق تنظيم الطلاب داخل كيانات تعبر عنهم، اتحاد يدافع عن حقوق جميع الطلاب بغض النظرعن انتمائهم الحزبي أو الديني أو السياسي، ويفتح ملف الطلاب المفصولين ويتبنى حق عودتهم للدراسة، بالتأكيد تلك المطالب لن تتحقق إلا بخروج الاتحاد عن إطار التفاوض التي ترسمه له الإدارة ولن يتم تحقيقها إلا بضغط من الطلاب أنفسهم على الإدارة لتنفيذ مطالبهم وعلى ممثليهم في الاتحاد لتبنيها والدفاع عنها.
بالتأكيد الاتحاد ليس هو المساحة الطلابية الوحيدة الممكن استخدامها، وإن كانت الأهم والاقل خطراً باعتباره كيان “شرعي” مُقنَّن من جانب الدولة، تتمثل المساحات الأخرى مثلاً في الأسر الطلابية، فوجودنا كثوريون في الأسر الطلابية مهم جداً في هذه اللحظة، لن نتعالى على وجودنا في الأسر “المحدودة الفاعلية” بعد أن كنا نملأ الميادين ضجيجاً، ولكن الثورة المضادة نجحت في تحجيمنا والتضييق علينا للدرجة التي نحتاج فيها وبشدة إلى العمل في الأسر الطلابية، نحن بحاجة إلى الابتكار وإيجاد الطرق المناسبة للتعامل مع اللحظة الراهنة.
توجد الآن ضرورة قصوى لخلق كيانات تعمل على تنظم الطلاب وتناقش (إلى جانب قضاياهم) قضايا اجتماعية وسياسية أعم مثل تحرر المرأة، ومكافحة الاضطهاد الديني والتحرش، وتعزيز حقوق الإنسان، ودور النقابات في المجتمع والحق في التنظيم، وقضايا الاقتصاد والأزمات والسياسات العامة، وتناقش قضايا فلسطين والصهيونية، والثورة والطبقات الاجتماعية.. الخ. بالتأكيد سيكون لكيانات كهذه أثر إيجابي على ترميم الحركة الطلابية وإعادة بنائها على أسس متماسكة. في النهاية، علينا فهم طبيعة اللحظة الراهنة والتعامل معها بذكاء وخلق وابتكار طرق للوصول إلى أهدافنا، ويظل الهدف الأساسي هو الحفاظ على حركتنا الطلابية وكوادرها والاستعداد للمعركة القادمة في ظل نظام لن يتهاون ولو للحظة واحدة في سبيل الحفاظ على ثورته “المضادة” بكافة الطرق.