طلاب «تطبيقية بنها» ينتصرون في معركتهم ضد العميد
احتفل طلاب كلية الفنون التطبيقية جامعة بنها يوم الأحد الماضي بـ”عيد الجلاء”، حسبما أطلقوا على اليوم الأخير في معركتهم مع عميد الكلية، بانتصار الطلاب وعزل العميد ياسر سهيل من منصبه، بعد 5 سنوات من معاداته الطلاب والتنكيل بهم في مجالس التأديب وفصل بعض الطلاب من الكلية إذا حاولوا إقامة نادي كتاب بالكلية أو تضامنوا في وقفة صامتة مع الشعب الفلسطيني أو قاطعوا الكتب الدراسية احتجاجًا على أسعارها، والتي كان يشارك العميد أعضاء هيئة التدريس الانتهازيين التربح منها على حساب الطلاب.
يُذكر أن العميد المعزول شارك بعض أعضاء هيئة التدريس الانتهازيين في التربح من الكتب الدراسية على حساب الطلاب، واستغلال الأساتذة والمعيدين في تدريس محاضرات إضافية خارج تخصصهم بدون مقابل مادي بحجة سد العجز بالكلية، وأحيانًا قد يصل الأمر إلى إلغاء عقد عضو هيئة التدريس إذا رفض التدريس في غير تخصصه، ولم تسلم كذلك الآلات والمعدات من ذلك الإهمال مما أجبر الطلاب على تنفيذ مشروعاتهم العملية في ورش خارجية بالأجرة، ذلك فضلًا عن التحرش بالطالبات والمعيدات بالكلية.
كان ياسر سهيل عميدًا بدرجة مخبر للسلطات الأمنية يوافيها بملفات بيانات الطلاب باستمرار، ولم يكن يتورع في الإفصاح عن ذلك أو التهديد به، أو أبعد من ذلك عندما تقدم بمقترح رسمي للسيسي ووزير دفاعه، نُشر على الموقع الالكتروني الرسمي للكلية بتاريخ 18 سبتمبر الماضي، يقترح فيه إنشاء كلية للفنون التطبيقية العسكرية، بهدف تطوير منتجات وصناعات القوات المسلحة بمختلف قطاعاتها الحربية والاستهلاكية، كان ابن النظام بامتياز.
ولتنتهي المعركة بانتصار الطلاب، كان لابد من تضافرهم، وفي المقدمة منهم اتحاد الطلاب، ليعلنوا الجولة الأخيرة، التي بدأت قبل 6 أسابيع بعد إعلان نتيجة توزيع طلاب الفرقة الأولى على الأقسام، لكن بدون إعلان تنسيق واضح ومحدد تم على أساسه ذلك التوزيع، الذي كان من المفترض أن يتم طبقًا لمعايير المجموع الكلي والمواد المؤهلة واستمارة الرغبات، لكن ما وجده الطلاب هو توزيع طبقًا للرشوة والمحسوبية؛ طلابًا لم تظهر نتيجة امتحاناتهم في الترم الصيفي ومسجلة أسمائهم في أعلى الأقسام تنسيقًا، وآخرين من الطلبة المتفوقين دراسيًا وجدوا الطلاب أصحاب المال والنفوذ احتلوا أماكنهم في الأقسام.
على الفور أعلن اتحاد الطلاب كامل دعمه في المعركة ضد العميد، وبدأ بحملة تدوين إلكتروني لتوسيع دائرة التضامن بين الطلاب مع زملائهم المتضررين. وعلى جانب آخر قدم مذكرة مفصلة بشكاوى الطلاب لرئيس جامعة بنها الذي جرى تعيينه قبل أيام حينها.
ومن جانبهم نظم الطلاب، من أصحاب الشكوى بجانب المتضامنين من زملائهم الطلاب أو حتى أساتذتهم أعضاء هيئة التدريس بالكلية، زيارات لوكيل الجامعة لشئون الطلاب ولرئاسة الجامعة للضغط من أجل إعلان تنسيق يتم بناءً عليه إعادة توزيع طلاب الفرقة المعنية داخل الأقسام طبقًا للمعايير.
ولمّا توالت الشكاوى والزيارات على رئيس الجامعة وذاع صيت الفساد الذي يحكم “فنون تطبيقية” وسط طلبة كليات الجامعة كلها، زاد على ذلك تحويل طلبة من الاتحاد وفي مقدمتهم رئيس اتحاد طلاب الكلية للتحقيق عقابًا على تضامنهم مع زملائهم، ثم صدور قرار من عميد الكلية بتحويلهم لمجلس تأديب.
وسط هذا الهياج الطلابي، أصدر رئيس الجامعة قرارًا بتشكيل لجنة مستقلة عن إدارة الكلية من رؤساء الأقسام لإعداد تنسيق واضح ومعلن يتم بناءً عليه توزيع الطلبة داخل الأقسام مع مراعاة السعة الاستيعابية لكل قسم والتأكيد على عدم الاستثناء بين الطلاب في التوزيع.
بعد انتهاء عملية إعادة التوزيع، أصدرت اللجنة المكلفة بذلك تقريرًا لرئيس الجامعة بالمخالفات المرصودة بإحصاء عدد 27 طالب محولين لأقسام تنسيقها أقل من مجموعهم بتفاوت وصل إلى 196 درجة، ومن جانبه تابع اتحاد الطلاب تقديم شكاوى الطلاب لرئاسة الجامعة، واستمر طلاب الكلية في تنظيم زيارات جماعية لمقر إدارة الجامعة، حتى أتمّوا ما بدأوه وأحال رئيس الجامعة عميد الكلية للتحقيق وأصدر قراره بعزل العميد، وتعيين الأستاذ تامر سمير عميدًا للكلية، وتعويض الطلاب المتضررين ماديًا بإمكانية استرجاع مصاريف الكتب الدراسية لأقسامهم السابقة، وتعويضهم أكاديميًا بتكليف أعضاء هيئة التدريس بإعادة شرح المحاضرات السابقة على تحويل الطلاب لأقسامهم الحالية، وذلك بناءً على المذكرة المقدمة من اتحاد طلاب الكلية حسب البيان الإعلامي لرئاسة الجامعة.
وفور تعيينه اجتمع اتحاد الطلاب مع العميد المعين لرسم سياسة التواصل بين الطلبة والإدارة فيما بعد، وأعلن اتحاد للطلاب على صفحته ما تم مناقشته والاتفاق عليه مع العميد خلال الاجتماع، وكان أهمها:
1- إعادة إقرار اللائحة الداخلية للكلية المتضمنة على حقوق وواجبات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وتنظيم سير العملية التعليمية داخل الكلية، وإعلانها للطلاب بشفافية.
2 – تنظيم اجتماع دوري بين مجلس اتحاد الطلاب بحضور عميد الكلية لمناقشة وضع الكلية الحالي وبحث مشكلات الطلاب، والتأكيد على حضور ممثل من اتحاد الطلاب اجتماع مجلس الكلية بحضور العميد والأساتذة رؤساء الأقسام.
3 – ضم أعضاء جدد لهيئة التدريس بالكلية خلال أيام، لضمان حصول الطلاب على خدمة تعليمية عالية الجودة داخل الكلية.
4- إعادة فتح الورش المغلقة وتأهيلها للدراسة، وصيانة وإصلاح الآلات والمعدات التدريبية للطلاب خلال أسابيع. وبدوره أبدى الاتحاد استعداد الطلاب على التعاون مع الإدارة فيما سبق.
لينتصر طلاب كلية الفنون التطبيقية جامعة بنها في معركة بدأت قبل 5 سنوات بدفعة واحدة من عشرات الطلاب يطالبون بتوفير كراسي وسبورة وميكروفون حتى لا يضطروا لحضور المحاضرات وقوفًا وتدوين المحاضرات شفهيًا من الأساتذة.
المعركة تخللها يأس من الطلاب أحيانًا، ومواصلة النضال بإصرار صلب أحيانًا أخرى. منهم مَن ناضل منفردًا وانتهى مفصولًا أو محبطًا، ومنهم من ناضلوا سويًا، نجحوا مرة وفشلوا مرات وتابعوا المحاولة. ساهم وجود اتحاد الطلاب حتى في ظل صلاحياته المحدودة في اللائحة الحالية في دفع المعركة للأمام بقوة، وساهم عموم الطلاب بتنظيمهم لأنفسهم وتوسيع دائرة التضامن بينهم في التسلح بالجماعية، وساهم أعضاء هيئة التدريس بالاصطفاف بجانب الطلاب ضد العميد في تعدد مواقع النضال في المعركة.
وكما تعلمنا الهزائم دروسًا، تعلمنا أيضًا الانتصارات دروسًا، ولعل أهم درس للطلاب في هذه المعركة هو الحفاظ على تنظيم أنفسهم وضرورة تجسيد ذلك التنظيم في انتخابات الاتحادات الطلابية أو في الأُسر والجمعيات الطلابية، فالمجتمع الطلابي المثالي لا يقوم بكيان طلابي أوحد لا يخضع للمنافسة أو المراقبة، حتى وإن كان ذلك التنظيم هو اتحاد طلابي منتخب. وكذلك ضرورة الحفاظ على ذلك التماسك بين هذه المجموعات المنظمة داخل الجامعة والطلاب أنفسهم، فلا رمح بدون جذع أو بدون سلاح يصيب الهدف.
يعد انتصار طلاب فنون تطبيقية بنها تجربة ملهمة لطلاب الجامعات المصرية الذين يعانون من نفس الأذرع الفاسدة للدولة داخل الجامعات، ولعل أقربهم إلينا الآن معركة طلاب طلاب المعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا بالعاشر من رمضان والتي بدأت بمطالب اقتصادية واجتماعية للطلاب وانتهت بإضراب لإقالة عميد المعهد، بسبب نفس مسلسل الفساد من زيادة المصروفات الدراسية، في الوقت الذي يصرف فيه مكافأة لنفسه عن تأدية الطلاب للخدمة العسكرية قدرها 30 ألف جنيه، حسب بيان أصدرته الحركة الطلابية بالمعهد، بدلًا من توظيف مصروفات الطلاب في تطوير المعامل والأجهزة وتأهيل قاعات المعهد لاستيعاب الطلاب وتوفير وسائل رعاية صحية ملائمة، وعلى نفس خُطى عميد “تطبيقية بنها” المُطاح به سار عميد المعهد بتحويل رئيس اتحاد الطلاب للتحقيق، وعلى نفس خُطى اتحاد “تطبيقية بنها” يسير اتحاد طلاب المعهد اصطفافه في جانب الطلاب، واستطاعوا بالفعل انتزاع أغلب مطالبهم، وأهمها كان إلغاء الزيادة في مصروفات الطلاب هذا العام، والتصريح بنشر وتوزيع مجلة طلابية في المعهد، وحظر إجبار أي من أساتذة المعهد على الطلاب شراء كتبهم، وتزويد المعهد بطاقم طبي متكامل، وتجهيز عيادة المعهد بالمعدات الطبية اللازمة وكذلك توفير سيارة إسعاف مجهزة لنقل الحالات الحرجة، والتعاقد مع مستشفى خاصة لتوفير التأمين الصحي للطلاب، وتزويد قاعات الدراسة بنظام تكييف، وتسجيل الطلاب المعتقلين لامتحان المواد العملية، فضلًا عن رفع الغياب عن الطلاب المضربين من أجل تحقيق هذه المكاسب، يبقى فقط المطلب الرئيسي لطلاب معهد العاشر؛ إقالة العميد.
تخبرنا التجربتان السابقتان، بالرغم من التراجع النسبي للحراك الطلابي العام، أن الجامعة المصرية اليوم لا تزال بها مساحات – نسبية بالطبع – للنضال من أجل حقوق الطلاب الاقتصادية والاجتماعية وحتى التنظيمية والسياسية، يستطيع الطلاب انتزاعها من الإدارات الجامعية التابعة للدولة بتنظيم أنفسهم، والتضامن فيما بينهم، وضم قطاعات أوسع من أعضاء هيئة التدريس والعاملين بالجامعة. فالحقوق تُنزع، لا تُوهَب.